تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير الآية (112) من سورة ال عمران
المؤلف: اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: ......
23-3-2021
5768
قال تعالى : {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [آل عمران : 112] .
{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ} أي : أثبت عليهم الذلة ، وأنزلت بهم ، وجعلت محيطة بهم ، وهو استعارة من ضرب القباب والخيام ، عن أبي مسلم . وقيل : معناه ألزموا الذلة ، فثبتت فيه من قولهم : ضرب فلان الضريبة على عبده أي : ألزمها إياه .
قال الحسن : ضربت الذلة على اليهود ، فلا يكون لها منعة أبدا . وقيل معناه فرضت عليهم الجزية والهوان ، فلا يكونون في موضع إلا بالجزية . ولقد أدركهم الاسلام وهم يؤدون الجزية إلى المجوس {أَيْنَ مَا ثُقِفُوا} أي وجدوا ، ويقال : أخذوا وظفر بهم .
{إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ} أي : بعهد من الله {وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} أي : وعهد من الناس على وجه الذمة وغيرها من وجوه الأمان ، عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة . وسمي العهد حبلا لأنه يعقد به الأمان ، كما يعقد الشيء بالحبل {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} أي : رجعوا بغضب الله الذي هو عقابه ولعنه . وقيل : معناه استوجبوا غضبا من الله {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ} أي : الذلة لان المسكين لا يكون إلا ذليلا ، فسمى الذلة مسكنة ، عن أبي مسلم . وقيل : المراد به الفقر ، لان اليهود أبدا يتفاقرون ، وإن كانوا أغنياء . وقد ذكرنا تفسير ما بقي من الآية في سورة البقرة .
النظم : وجه اتصال الآية بما قبلها اتصال البشارة بالظفر ، لما تقدم أمر المحاربة ، لان الامر قد تقدم بإنكار المنكر . وقيل : إنه لما تقدم أن أكثرهم الفاسقون ، اتصل به ما يسكن قلوب المؤمنين من عاديتهم ، ويؤمن مضرتهم .
__________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2 ، ص365-366 .
ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ :
{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وباؤُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ} . اتفق المفسرون على ان هذه الآية نزلت في اليهود ، كما اتفقوا على ان المراد منها ان اللَّه سبحانه قد سلبهم العزة والكرامة ، وكتب عليهم الذل والهوان من يوم الإسلام إلى آخر يوم ، لأنهم قد بلغوا من الفساد والطغيان حدا لم يبلغه أحد من قبلهم ، ولن يبلغه أحد من بعدهم ، وبعد ان اتفق أهل التفسير على هذا اختلفوا فيما بينهم على نوع الذلة والمسكنة التي لازمت اليهود ، والتصقت بهم في كل جيل .
وهذا الاختلاف بين المفسرين ناشئ عن اختلاف أوضاع اليهود في عصر التفسير ، حيث كانوا يدفعون الجزية للمسلمين . . أقصد ان قول المفسر جاء انعكاسا لما كان عليه اليهود في عصر المفسر . . وليس هذا بغريب ما دام الإنسان يتأثر - حتما - بما يسمع ويرى ، وتفسيري التالي لهذه الآية يخضع لهذه القاعدة .
ومهما يكن ، فإن الذي أفهمه من ذل اليهود وهو انهم الذي عنته الآية انهم مشتتون في شرق الأرض وغربها ، وموزعون بين الدول مع الأقليات ، فهم دائما تابعون غير متبوعين ، ومحكومون غير حاكمين في دولة منهم ولهم ، مستقلة لها كيانها وشأنها بين الدول .
أما إسرائيل التي قامت أخيرا في تل أبيب فإنها دولة في الاسم فقط ، أما في الواقع فهي قاعدة من قواعد الاستعمار ، تماما كمطاراته وثكناته العدوانية . وقد ظهرت هذه الحقيقة بأوضح معانيها بعد عدوان إسرائيل على الأراضي العربية في 5 حزيران سنة 1967 . لقد أوجد الاستعمار إسرائيل ليتخذها أداة لتحقيق مآربه ، ولو تخلى عنها يوما واحدا لتخطفها العرب من كل جانب . . وهذا هو الذل والهوان بعينه . ان العزيز يستمد قوته من نفسه ، ويذود عن كيانه بساعده ، لا بسواعد الناس .
وبهذا يتبين معنا ان المراد بحبل من الناس المساعدات المادية والمعنوية التي تمد الدول الاستعمارية بها قاعدتها الاستعمارية إسرائيل ، ومن أجل هذا نؤمن إيمانا لا يشوبه ريب بأن دولة إسرائيل ستزول بزوال الاستعمار لا محالة ، والاستعمار في طريقه إلى الزوال آجلا أو عاجلا ، وليس هذا القول مجرد أمنية ، وانما هو نتيجة حتمية لمنطق الحوادث . . كما جاء في الحديث النبوي : « لا تقوم الساعة ، حتى تقاتلوا اليهود . . وان الحجر ليقول - أي بلسان الحال - يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله » (2) .
أما حبل اللَّه فهو كناية عن مشيئته تعالى ، أي ان اليهود يلازمهم الذل والهوان إلا أن يشاء اللَّه ، فهو تماما كقوله سبحانه : {النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ} .
ثم بيّن سبحانه السبب الموجب لذلهم ومسكنتهم ، وغضب اللَّه عليهم ، بينه بقوله : {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ويَقْتُلُونَ الأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ} . تقدم مثله في الآية 61 من سورة البقرة .
ولك أن تسأل : ان غير اليهود من الأمم والطوائف قد كفروا بآيات اللَّه ، وقتلوا الأبرياء ، وعصوا ، واعتدوا ، ومع ذلك لم يضرب اللَّه عليهم الذلة والمسكنة ، فما هو السر لتخصيص اليهود ؟
الجواب : ان الإنسان قد يطغى ، بل ويتمادى في الطغيان بدافع من مصلحته ومنافعه ، اما أن يطغى لا لشيء إلا حبا بالغي والطغيان ، كغاية ، أما هذا فلم يعهد من أحد إلا من اليهود فقط . . وهذا الشغف بالظلم والبغي من صميم دين اليهود وعقيدتهم ، فهم يعتقدون ان اللَّه معهم دون غيرهم ، بل ضد كل من عداهم ، وانه ما خلق الناس إلا من أجلهم ، وإلا لكي يفعلوا بهم ما يشتهون ، تماما كما يفعل الإنسان بالحيوان ، ولا شيء أدل على ذلك من سيرتهم قديما وحديثا ، بخاصة فظائعهم في فلسطين ، وبصورة أخص ما فعلوه في دير ياسين من ذبح النساء والأطفال .
لقد كانوا من قبل يقتلون الأنبياء يوم كان في الدنيا أنبياء ، أما اليوم فيقتلون المصلحين كبرنادوت (3) ، والنساء والأطفال ، لأن المهم في عقيدتهم ، وحسب فطرتهم هو قتل الأبرياء أنبياء كانوا ، أو مصلحين أو أطفالا لا فرق . . وقد نصت توراتهم على استباحة دم النساء والأطفال ، وحثت على هتكه وإراقته .
وبالجملة ، فان الكفر بآيات اللَّه ، وقتل المصلحين والأبرياء ، والبغي والاعتداء ، كل ذلك وما إليه دين وعقيدة لليهود ، فإذا ارتكب اليهودي جريمة بحق غير اليهودي فإنما يرتكبها تلذذا واشباعا لرغبته ، لا سدا لحاجته ، وإذا كف فإنما يكف خوفا ، لا تعففا ، وهذا هو وجه الفرق بين اليهود وغيرهم ، فلا غرابة إذا جازاهم اللَّه بالذل والهوان أينما ثقفوا . . اما دولة إسرائيل الحديثة الخبيثة فإنها إلى زوال لا محال ، وأقوى الشواهد هو ارتباطها بالاستعمار حدوثا وبقاء ، توجد بوجوده ، وتزول بزواله . . وزواله حتم ، وان امتد الزمن ، ما دامت البشرية تأباه بفطرتها وتقاومه بدمائها . . وما ذكرناه هنا عن اليهود متمم لكلام سابق في فقرة « لا قياس على إسرائيل » عند تفسير الآية 63 و 66 من سورة البقرة .
___________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج2 ، ص133-136 .
2- رواه البخاري في الجزء الرابع ، باب قتال اليهود ، ومسلم في القسم الثاني من الجزء الثاني ، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل ، فيتمنى أن يكون مكان الميت .
3- رجل سويدي أرسلته الأمم المتحدة سنة 1948 ليقوم بدور رسول السلام في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة حول قضية فلسطين ، فاغتاله اليهود في القدس المحتلة بعد ثلاثة أشهر من بدء مهمته .
قوله تعالى : {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} ، الذلة بناء نوع من الذل ، والذل بالضم ما كان عن قهر ، وبالكسر ما كان عن تصعب وشماس على ما ذكره الراغب ، ومعناه العام حال الانكسار والمطاوعة ، ويقابله العز وهو الامتناع .
وقوله : {ثُقِفُوا} أي وجدوا ، والحبل السبب الذي يوجب التمسك به العصمة ، وقد استعير لكل ما يوجب نوعا من الأمن والعصمة والوقاية كالعهد والذمة والأمان ، والمراد والله أعلم : أن الذلة مضروبة عليهم كضرب السكة على الفاز أو كضرب الخيمة على الإنسان فهم مكتوب عليهم أو مسلط عليهم الذلة إلا بحبل وسبب من الله ، وحبل وسبب من الناس .
وقد كرر لفظ الحبل بإضافته إلى الله وإلى الناس لاختلاف المعنى بالإضافة فإنه من الله القضاء والحكم تكوينا أو تشريعا ، ومن الناس البناء والعمل .
والمراد بضرب الذلة عليهم القضاء التشريعي بذلتهم ، والدليل على ذلك قوله : أينما ثقفوا فإن ظاهر معناه أينما وجدهم المؤمنون أي تسلطوا عليهم ، وهو إنما يناسب الذلة التشريعية التي من آثارها الجزية .
فيئول معنى الآية إلى أنهم أذلاء بحسب حكم الشرع الإسلامي إلا أن يدخلوا تحت الذمة أو أمان من الناس بنحو من الأنحاء .
وظاهر بعض المفسرين أن قوله : {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ} ، ليس في مقام تشريع الحكم بل إخبار عن ما جرى عليه أمرهم بقضاء من الله وقدر فإن الإسلام أدرك اليهود وهم يؤدون الجزية إلى المجوس ، وبعض شعبهم كانوا تحت سلطة النصارى .
وهذا المعنى لا بأس به وربما أيده ذيل الكلام إلى آخر الآية فإنه ظاهر في أن السبب في ضرب الذلة والمسكنة عليهم ما كسبته أيديهم من الكفر بآيات الله ، وقتل الأنبياء ، والاعتداء المستمر إلا أن لازم هذا المعنى اختصاص الكلام في الآية باليهود ولا مخصص ظاهرا ، وسيجيء في ذلك كلام في تفسير قوله تعالى : {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة : 64] .
قوله تعالى : {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ} ، باءوا أي اتخذوا مباءة ومكانا ، أو رجعوا ، والمسكنة أشد الفقر ، والظاهر أن المسكنة أن لا يجد الإنسان سبيلا إلى النجاة والخلاص عما يهدده من فقر أو أي عدم ، وعلى هذا فيتلاءم معنى الآية صدرا وذيلا .
قوله تعالى : {ذلِكَ بِما عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ} ، والمعنى أنهم عصوا وكانوا قبل ذلك يستمرون على الاعتداء .
____________________
1- تفسير الميزان ، ج3 ، ص 330-331 .
اليهود والمصير الخطير :
إن الآيات المذكورة وإن لم تصرح باسم اليهود ولكن بقرينة القرائن الموجودة في هذه الآية والآيات السابقة وكذا بقرينة الآية 61 من سوره البقرة ونظائرها ممّا صرّح فيه باسم اليهود يستفاد أن قوله تعالى : {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} يرتبط باليهود ، ويعنيهم .
ففي هذا المقطع من الآية يقول سبحانه : أن أمام اليهود طريقين يستطيعون بهما أن يتخلصوا من لباس الذلة :
إما أن يعودوا إلى الله ، ويعقدوا حبلهم بحبله ، وإما أن يتمسكوا بحبل من الناس ، ويعتمدوا على هذا وذاك ، ويعيشوا ذيولاً وأتباعاً للآخرين .
وتعني لفظة «ثقفوا» المأخوذة من «ثقف» على وزن «سقف» . الحذق في إدراك الشيء ، والظفر به بمهارة .
ويقصد القرآن من ذلك : أن اليهود أينما وجدوا فإنهم يوجدون وقد ختموا بخاتم الذلة على جباههم مهما حاولوا اخفاء ذلك ـ وكان ذلك هي الصفة البارزة لهم بسبب مواقفهم المشينة من تعاليم السماء ، ورسالات الأنبياء العظام ، إلاَّ إذا عادوا إلى منهج السماء ، أو استعانوا بهذا أو ذاك من الناس لتخليصهم من هذا الذل . وإنقاذهم من هذا الهوان .
وأما التعبير بـ {حَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} وإن ذهب المفسّرون فيه إلى إحتمالات عديدة ، بيد أن ما قد ذكر قريباً يمكن أن يقال بأنه أنسب إلى الآية من بقية الإحتمالات ، لأنه عندما يوضع «حبل الله» في قبال «حبل من الناس» يتبين أن هناك معنى متقابلاً متفاوتاً لهما لا أن الأول بمعنى الإيمان بالله ، والثاني بمعنى العهد المعطى لهم من جانب المسلمين على وجه الأمان والذمة .
وعلى هذا تكون خلاصة المفهوم من هذه الآية هي : إن على اليهود أن يعيدوا النظر في برنامج حياتهم ، ويعودوا إلى الله ، ويمسحوا عن أدمغتهم كلّ الأفكار الشيطانية ، وكلّ النوايا الشريرة ، ويطرحوا النفاق والبغضاء للمسلمين جانباً ، أو أن يستمروا في حياتهم النكدة المزيجة بالنفاق ، مستعينين بهذا أو ذاك . فأما الإيمان بالله والدخول تحت مظلته وفي حصنه الحصين ، وأما الإعتماد على معونة الناس الواهية . والإستمرار في الحياة التعسة .
اليهود والمسكنة الدائمة :
لقد كان أمام اليهود طريقان : إما أن يعودوا إلى منهج الله ، وإما أن يبقوا على سلوكهم فيعيشوا أذلاء ما داموا ، ولكنهم إختاروا الثاني ولهذا لزمتهم الذلة {وباؤُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ} .
ولفظة «باؤوا» تعني في الأصل المراجعة واتخاذ السكنى ، وقد استخدمت هنا للكناية عن الإستحقاق فيكون المعنى : أن اليهود بسبب اقامتهم على المعاصي استحقوا الجزاء الإلهي ، وإختاروا غضب الله كما يختار الإنسان مسكناً ومنزلاً للإقامة .
وأمّا لفظة «مسكنة» فتعني الذلة والإنقطاع الشديد الذي لا تكون معه حيلة أبداً ، وهي مأخوذة من السكون أصلاً ، لأن المساكين لشدة ما بهم من الفقر والضعف لا يقدرون على أية حركة ، بل هم سكون وجمود .
ثمّ إنه لابدّ من الإلتفات إلى أن المسكين لا يعني المحتاج والمعدم من الناحية المالية خاصّة ، بل يشمل هذا الوصف كلّ من عدم الحيلة والقدرة على جميع الأصعدة ، فيدخل فيه كلّ ضعف وعجز وافتقار شديد .
ويرى البعض أن الفرق بين الذلة والمسكنة هو أن الذلة ما كان مفروضاً على الإنسان من غيره ، بينما تكون المسكنة ناشئة من عقدة الحقارة وازدراء الذات ، أي أن المسكين هو من يستهين بشخصيته ومواهبه وذاته ، فتكون المسكنة نابعة من داخله ، بينما تكون الذلة مفروضة من الخارج .
وعلى هذا الأساس يكون مفاد قوله تعالى {وباؤُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ} هو : أن اليهود بسبب إقامتهم على المعاصي وتماديهم في الذنوب اُصيبوا بأمرين : أولاً : طردوا من جانب المجتمع وحل عليهم غضب الله سبحانه ، وثانياً : إن هذه الحالة «أي الذلة» أصبحت تدريجاً صفة ذاتية لازمة لهم حتّى أنهم رغم كلّ ما يملكون من امكانيات وقدرات مالية وسياسية ، يشعرون بحقارة ذاتية ، وصغار باطني ، ولهذا لا نجد أي استثناء في ذيل هذه الجملة من الآية .
وهذا هو ما يشير إليه قوله سبحانه إذ يقول : {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ * ويَقْتُلُونَ الأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ} وبذلك يشير سبحانه إلى علة هذا المصير الأسود الذي يلازم اليهود ، ولا يفارقهم .
إنهم لم يصابوا بما أصيبوا به من ذلة ومسكنة ، وحقارة وصغار لأسباب قومية عنصرية أو ما شابه ذلك ، بل لما كانوا يرتكبونه من الأعمال فهم :
أولاً : كانوا ينكرون آيات الله ويكذبون بها .
ثانياً : يصرون على قتل الأنبياء الهداة الذين ما كانوا يريدون سوى إنقاذ الناس من الجهل والخرافة ، وتخليصهم من الشقاء والعناء .
ثالثاً : إنهم كانوا يرتكبون كلّ فعل قبيح ، ويقترفون كلَّ جريمة نكراء ، ويمارسون كلّ ظلم فظيع ، وتجاوز على حقوق الآخرين ، ولا شكّ أن أي قوم يرتكبون مثل هذه الأُمور يصابون بمثل ما أصيب به اليهود ، ويستحقون ما استحقوه من العذاب الأليم والمصير الأسود .
مصير اليهود المظلم :
إن التاريخ اليهودي الزاخر بالأحداث والوقائع يؤيد ما ذكرته الآيات السابقة تأييداً كاملاً ، كما أن وضعهم الحاضر هو الآخر خير دليل على هذه الحقيقة ، أي أن الذلة اللازمة لليهود والصغار الملتصق بهم أينما حلوا ونزلوا ، ليس حكماً تشريعياً كما قال بعض المفسّرين ، بل هو قضاء تكويني ، وهو حكم التاريخ الصارم الذي يقضي بأن يلازم الذلة ، ويصاب بالصغار كلّ قوم يتمادون في الطغيان ، ويغرقون في الآثام ، ويتجاوزون على حقوق الآخرين وحدودهم ، ويسعون في إبادة القادة المصلحين والهداة المنقذين ، إلاَّ أن يعيد هؤلاء القوم النظر في سلوكهم ، ويغيروا منهجهم وطريقتهم ، ويرجعوا ويعودوا إلى الله ، أو يربطوا مصيرهم بالآخرين ليعيشوا بعض الأيام في ظل هذا أو ذاك كما هي حال الصهيونية اليوم .
فإن الصهيونية التي تعادي المسلمين اليوم وتحارب الإسلام نجدها لا تستطيع الوقوف أمام الأخطار التي تهددها إلاَّ بالإعتماد على الآخرين ، وحمايتهم رغم كلّ ما تملك من الثروات والقدرات الذاتية ، وكلّ هذا يؤكد ويؤيد ما ذكرته هذه الآيات وما يستفاد منها من الحقائق ، ولا شكّ أن هذا الوضع سيستمر بالنسبة إلى اليهود إلاَّ إذا تخلوا عن سلوكهم العدواني وأعادوا الحقوق إلى أهلها ، وعاشوا إلى جانب الآخرين على أساس من الوفاق لا الغصب والعدوان والإحتلال .
____________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج2 ، ص399-402 .