تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير الآية (116-117) من سورة ال عمران
المؤلف: اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: ......
24-3-2021
5682
قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116) مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [آل عمران : 116 ، 117] .
في مقابل العناصر التي تبحث عن الحقّ ، وتؤمن به من الذين وصفتهم الآية السابقة ، هناك عناصر كافرة ظالمة وصفهم الله سبحانه في هاتين الآيتين بقوله : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} لأنه لا ينفع في الآخرة سوى العمل الصالح والإيمان الخالص لا الإمتيازات المادية ، في هذه الحياة : {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء : 88 ، 89] .
يبقى أن نعرف لماذا أُشير في هذه الآية إلى الثروة والأولاد من بين بقية الإمكانات ؟ وجه ذلك أن أهم الإمكانات المادية تنحصر في أمرين :
الأول : الطاقة البشرية وقد ذكرت الأولاد كأفضل نموذج لها .
الثاني : الثروة الاقتصادية .
وأما بقية الإمكانات المادية الاُخرى فتتفرع من هاتين .
إن القرآن ينادي بصراحة بأن الإمتيازات المالية والقدرة البشرية الجماعية لا تعد إمتيازاً في ميزان الله ، وأن الإعتماد عليها وحدها هو الخطأ الجسيم إلاَّ إذا قرنت بالإيمان والعمل الصالح ، واستخدمت في سبيلهما ، وإلاَّ فستؤول بأصحابها إلى الجحيم وعذابها الخالد . {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .
ولما كان الكلام عن الثروة والمال كان لابدّ من الإشارة إلى مسألة الإنفاق فيقول سبحانه : {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ} .
و«الصرّ» مأخوذ من «الأصرار» لغة ، وتعني الشد بقوّة وشدّة ، والمراد بها هنا هي الريح الشديدة سواء كانت مصحوبة بالبرد القارص ، أو الحر اللافح .
إنفاق الكفّار :
وفي هذه الآية إشارة إلى كيفية إنفاق الكفّار وبذلهم المصحوب بالرياء ، ضمن إعطاء مثل رائع يجسد مصير هذا الإنفاق والبذل ، ويصوره في أبلغ تصوير .
القرآن يمثل إنفاق الكفّار بالريح الشديدة الباردة أو اللافحة جدّاً التي إذا هبت على الزرع لا تبقي منه شيئاً ولا تذر ، بل تترك الزرع حطاماً والأرض بلاقع .
إنه لا شكّ أن النسائم الخفيفة تنعش الزرع وتحيي الطبيعة ، فنسائم الربيع تفتح الأزهار ، وتصب في عروق الأشجار والنباتات روحاً جديدة وحياة ونشاطاً ، وتساعد على لقاحها ، وكذلك يكون الإنفاق الصحيح والبذل الذي ينبع من الإخلاص والإيمان . إنه يعالج مشاكل المجتمع كما يكون له أثر حسن وعميق في نفس الباذل المنفق ، لأنه يرسخ فيها السجايا الإنسانية ويعمق مشاعر العطف واللطف والرفق والحبّ بما يستشعره من آثار إيجابية لإنفاقه ، وبما يسببه الإنفاق في رفع الآلام الإجتماعية ، وتوفير السعادة للآخرين .
أما إذا تبدلت هذه النسائم الرقيقة إلى رياح عاصفة لافحة ، أو زوبعة شديدة البرودة ، فسوف تؤدي إلى إحراق جميع النباتات والأزهار أو تجميدها .
وهذا هو حال غير المؤمن في إنفاقه ، فإنه لا ينفق ماله بدافع صحيح ، بل ينفقه رياءاً وسمعة وأهواء وأهداف شريرة ، وبذلك يكون كالريح العاتية ، اللافحة أو الباردة ، تأتي على كلّ ما أنفقه كما تأتي على الزرع ، فتصيبه بالجفاف والفناء ، والدمار والهلاك .
إن مثل هذا الإنفاق لا يعالج أية مشكلة إجتماعية (لأنه صرف للمال في غير محله في الأغلب) كما لا ينطوي على أي أثر أخلاقي ونفسي للمنفق الباذل .
والذي يلفت النظر أن القرآن الكريم يقول في هذه الآية {حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} وهو يشير إلى أن هؤلاء المزارعين تعرضوا لما تعرضوا له لأنهم تساهلوا في إختيار مكان الزرع وزمانه ، ولأنهم زرعوا في أرض معرضة للرياح الشديدة ، أو أنهم إختاروا للزرع وقتاً يكثر فيه هبوب رياح السموم ، وبهذا ظلموا أنفسهم ، وكذلك حال غير المؤمن في إنفاقه ، فإنه ظلم نفسه بإنفاقه غير الصحيح وغير المناسب من حيث الزمان والمكان والهدف ، وبهذا عرض أمواله وثرواته للرياح .
من كلّ ما أشرنا إليه ، وبملاحظة القرائن الموجودة في الآية تبين أن هذا التمثيل لإنفاق الكفّار بالزرع الذي أهلكته الرياح العاصفة تمثيل به من ناحيتين :
الأولى : تشبيه لإنفاق الكافر بالزرع في غير محله وموسمه المناسب .
الثانية : تشبيه لنواياه وأهدافه من الإنفاق بالرياح العاصفة الباردة أو السموم ، ولهذا فإن المقام لا يخلو عن تقدير شيء محذوف وأن معنى قوله : {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ} أن مثل نوايا الكافر في الإنفاق مثل الرياح الباردة أو السموم التي تهب على الزرع فتفنيه .
قال جماعة من المفسّرين : إن هذه الآية إشارة إلى الأموال التي يستخدمها الكفّار للإيقاع بالإسلام وصد حركته ، والتي يحركون بها الأعداء ضد النبي الكريم (صلَّ الله عليه وآله وسلم) . أو الأموال التي يعطيها اليهود لأحبارهم ليحرفوا آيات الله عن مواضعها ويزيدوا أو ينقصوا في الكتب السماوية .
ولكن من الواضح جدّاً أن هذه الآية تنطوي على معنى واسع يشمل هذا الرأي وغيره .
ثمّ إنه سبحانه يعقب على ما قال بشأن إنفاق الكفّار الذي لا يعود عليهم إلاَّ بالوبال والويل بقوله : {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} .
أجل ، إن العمل الفاسد لا يجر على صاحبه إلاَّ النتيجة الفاسدة ، فما يحصده الكفّار من إنفاقهم من الوبال والبطلان ، إنما هو بسبب نواياهم الباطلة الفاسدة من هذا الإنفاق .
____________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج2 ، ص406-407 .
لا يجدي مع الكفر شيء :
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ ولا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً} .
قال الرازي وصاحب تفسير المنار : اختلف المفسرون في المراد بالذين كفروا ، فقال جماعة : المراد بعض الكفار ، وقال آخرون : بل المراد جميع الكفار .
أما نحن فنرى ان المراد بهم كل من خالف الحق وعانده حرصا على مصلحته ومصلحة أولاده ، وخوفا على ماله وثروته كافرا كان ، أو مسلما .. أجل ، ان لفظ الآية خاص بالكافرين ، ولكن السبب الموجب لعدم الإغناء عام يشمل جميع المخالفين للحق بدافع من أهوائهم ، وهم الذين وصفهم اللَّه سبحانه بقوله في أكثر من آية بأنهم يبيعون الحق بأنجس الأثمان .
{مثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ} . الريح التي فيها صر هي الريح المهلكة لشدة بردها وسمومها ، والمعنى ان الذين يجمعون الثروات من الحلال والحرام ، ويخالفون من أجلها الحق ، وينفقونها على جاههم وملذاتهم غير مكترثين بخلق ولا دين ، ان هذا الإنفاق من هؤلاء قد أهلك عقولهم ، وأفسد أخلاقهم ، تماما كما تهلك الريح الباردة العاتية الزرع الذي قد تهيأ للإخصاب والانتاج .
وإذا ربحوا أياما من اللذة وإشباع الشهوات فقد خسروا أنفسهم ، وباعوها للشيطان ، ولهم في الآخرة عذاب الخلود .. وما ظلمهم اللَّهً {ولكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} . لأنهم اندفعوا وراء شهواتهم وأهوائهم مختارين .. قال الإمام علي (علبه السلام) : الناس في الدنيا رجلان : رجل باع نفسه فأوبقها - أي باع نفسه لهواه وشهوته فأهلكها - ورجل ابتاع نفسه فأعتقها . أي اشتراها وخلصها من أسر الشهوات .
___________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج2 ، ص142-143 .
قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ} ، ظاهر وحدة السياق أن المراد بهؤلاء ، الذين كفروا هم الطائفة الأخرى من أهل الكتاب الذين لم يستجيبوا دعوة النبوة ، وكانوا يوطئون على الإسلام ، ولا يألون جهدا في إطفاء نوره .
وربما قيل : إن الآية ناظرة إلى حال المشركين فتكون التوطئة لما سيشير إليه من قصة أحد لكن لا يلائمه ما سيأتي من قوله : {وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا}"الخ" فإن ذلك بيان لحال اليهود مع المسلمين دون حال المشركين ، ومن هناك يظهر أن اتصال السياق لم ينقطع بعد .
وربما جمع بعض المفسرين بين حمل هذه الآية على المشركين وحمل تلك على اليهود ، وهو خطأ .
قوله تعالى : {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الآية الصر البرد الشديد ، وإنما قيد الممثل بقوله : {فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ليدل على أنهم منقطعون عن الدار الآخرة فلا يتعلق إنفاقهم إلا بهذه الحيوة ، وقيد حرث القوم بقوله : {ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} ليحسن ارتباطه بقوله بعده : {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ} .
ومحصل الكلام أن إنفاقهم في هذه الحيوة وهم يريدون به إصلاح شأنهم ونيل مقاصدهم الفاسدة لا يثمر لهم إلا الشقاء ، وفساد ما يريدونه ويحسبونه سعادة لأنفسهم كالريح التي فيها صر تهلك حرث الظالمين ، وليس ذلك إلا ظلما منهم لأنفسهم فإن العمل الفاسد لا يأتي إلا بالأثر الفاسد .
____________________
1- تفسير الميزان ، ج3 ، ص 332-333 .
في مقابل العناصر التي تبحث عن الحقّ ، وتؤمن به من الذين وصفتهم الآية السابقة ، هناك عناصر كافرة ظالمة وصفهم الله سبحانه في هاتين الآيتين بقوله : {إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً} لأنه لا ينفع في الآخرة سوى العمل الصالح والإيمان الخالص لا الإمتيازات المادية ، في هذه الحياة : {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء : 88 ، 89] .
يبقى أن نعرف لماذا أُشير في هذه الآية إلى الثروة والأولاد من بين بقية الإمكانات ؟ وجه ذلك أن أهم الإمكانات المادية تنحصر في أمرين :
الأول : الطاقة البشرية وقد ذكرت الأولاد كأفضل نموذج لها .
الثاني : الثروة الاقتصادية .
وأما بقية الإمكانات المادية الاُخرى فتتفرع من هاتين .
إن القرآن ينادي بصراحة بأن الإمتيازات المالية والقدرة البشرية الجماعية لا تعد إمتيازاً في ميزان الله ، وأن الإعتماد عليها وحدها هو الخطأ الجسيم إلاَّ إذا قرنت بالإيمان والعمل الصالح ، واستخدمت في سبيلهما ، وإلاَّ فستؤول بأصحابها إلى الجحيم وعذابها الخالد . {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .
ولما كان الكلام عن الثروة والمال كان لابدّ من الإشارة إلى مسألة الإنفاق فيقول سبحانه : {مثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ} .
و «الصرّ» مأخوذ من «الأصرار» لغة ، وتعني الشد بقوّة وشدّة ، والمراد بها هنا هي الريح الشديدة سواء كانت مصحوبة بالبرد القارص ، أو الحر اللافح .
إنفاق الكفّار :
وفي هذه الآية إشارة إلى كيفية إنفاق الكفّار وبذلهم المصحوب بالرياء ، ضمن إعطاء مثل رائع يجسد مصير هذا الإنفاق والبذل ، ويصوره في أبلغ تصوير .
القرآن يمثل إنفاق الكفّار بالريح الشديدة الباردة أو اللافحة جدّاً التي إذا هبت على الزرع لا تبقي منه شيئاً ولا تذر ، بل تترك الزرع حطاماً والأرض بلاقع .
إنه لا شكّ أن النسائم الخفيفة تنعش الزرع وتحيي الطبيعة ، فنسائم الربيع تفتح الأزهار ، وتصب في عروق الأشجار والنباتات روحاً جديدة وحياة ونشاطاً ، وتساعد على لقاحها ، وكذلك يكون الإنفاق الصحيح والبذل الذي ينبع من الإخلاص والإيمان . إنه يعالج مشاكل المجتمع كما يكون له أثر حسن وعميق في نفس الباذل المنفق ، لأنه يرسخ فيها السجايا الإنسانية ويعمق مشاعر العطف واللطف والرفق والحبّ بما يستشعره من آثار إيجابية لإنفاقه ، وبما يسببه الإنفاق في رفع الآلام الإجتماعية ، وتوفير السعادة للآخرين .
أما إذا تبدلت هذه النسائم الرقيقة إلى رياح عاصفة لافحة ، أو زوبعة شديدة البرودة ، فسوف تؤدي إلى إحراق جميع النباتات والأزهار أو تجميدها .
وهذا هو حال غير المؤمن في إنفاقه ، فإنه لا ينفق ماله بدافع صحيح ، بل ينفقه رياءاً وسمعة وأهواء وأهداف شريرة ، وبذلك يكون كالريح العاتية ، اللافحة أو الباردة ، تأتي على كلّ ما أنفقه كما تأتي على الزرع ، فتصيبه بالجفاف والفناء ، والدمار والهلاك .
إن مثل هذا الإنفاق لا يعالج أية مشكلة إجتماعية (لأنه صرف للمال في غير محله في الأغلب) كما لا ينطوي على أي أثر أخلاقي ونفسي للمنفق الباذل .
والذي يلفت النظر أن القرآن الكريم يقول في هذه الآية {حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} وهو يشير إلى أن هؤلاء المزارعين تعرضوا لما تعرضوا له لأنهم تساهلوا في إختيار مكان الزرع وزمانه ، ولأنهم زرعوا في أرض معرضة للرياح الشديدة ، أو أنهم إختاروا للزرع وقتاً يكثر فيه هبوب رياح السموم ، وبهذا ظلموا أنفسهم ، وكذلك حال غير المؤمن في إنفاقه ، فإنه ظلم نفسه بإنفاقه غير الصحيح وغير المناسب من حيث الزمان والمكان والهدف ، وبهذا عرض أمواله وثرواته للرياح .
من كلّ ما أشرنا إليه ، وبملاحظة القرائن الموجودة في الآية تبين أن هذا التمثيل لإنفاق الكفّار بالزرع الذي أهلكته الرياح العاصفة تمثيل به من ناحيتين :
الأولى : تشبيه لإنفاق الكافر بالزرع في غير محله وموسمه المناسب .
الثانية : تشبيه لنواياه وأهدافه من الإنفاق بالرياح العاصفة الباردة أو السموم ، ولهذا فإن المقام لا يخلو عن تقدير شيء محذوف وأن معنى قوله : {مثَلُ ما يُنْفِقُونَ} أن مثل نوايا الكافر في الإنفاق مثل الرياح الباردة أو السموم التي تهب على الزرع فتفنيه .
قال جماعة من المفسّرين : إن هذه الآية إشارة إلى الأموال التي يستخدمها الكفّار للإيقاع بالإسلام وصد حركته ، والتي يحركون بها الأعداء ضد النبي الكريم (صلَّ الله عليه وآله وسلم) . أو الأموال التي يعطيها اليهود لأحبارهم ليحرفوا آيات الله عن مواضعها ويزيدوا أو ينقصوا في الكتب السماوية .
ولكن من الواضح جدّاً أن هذه الآية تنطوي على معنى واسع يشمل هذا الرأي وغيره .
ثمّ إنه سبحانه يعقب على ما قال بشأن إنفاق الكفّار الذي لا يعود عليهم إلاَّ بالوبال والويل بقوله : {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} .
أجل ، إن العمل الفاسد لا يجر على صاحبه إلاَّ النتيجة الفاسدة ، فما يحصده الكفّار من إنفاقهم من الوبال والبطلان ، إنما هو بسبب نواياهم الباطلة الفاسدة من هذا الإنفاق .
____________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج2 ، ص406-407 .