1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

النحو

اقسام الكلام

الكلام وما يتالف منه

الجمل وانواعها

اقسام الفعل وعلاماته

المعرب والمبني

أنواع الإعراب

علامات الاسم

الأسماء الستة

النكرة والمعرفة

الأفعال الخمسة

المثنى

جمع المذكر السالم

جمع المؤنث السالم

العلم

الضمائر

اسم الإشارة

الاسم الموصول

المعرف بـ (ال)

المبتدا والخبر

كان وأخواتها

المشبهات بـ(ليس)

كاد واخواتها (أفعال المقاربة)

إن وأخواتها

لا النافية للجنس

ظن وأخواتها

الافعال الناصبة لثلاثة مفاعيل

الأفعال الناصبة لمفعولين

الفاعل

نائب الفاعل

تعدي الفعل ولزومه

العامل والمعمول واشتغالهما

التنازع والاشتغال

المفعول المطلق

المفعول فيه

المفعول لأجله

المفعول به

المفعول معه

الاستثناء

الحال

التمييز

الحروف وأنواعها

الإضافة

المصدر وانواعه

اسم الفاعل

اسم المفعول

صيغة المبالغة

الصفة المشبهة بالفعل

اسم التفضيل

التعجب

أفعال المدح والذم

النعت (الصفة)

التوكيد

العطف

البدل

النداء

الاستفهام

الاستغاثة

الندبة

الترخيم

الاختصاص

الإغراء والتحذير

أسماء الأفعال وأسماء الأصوات

نون التوكيد

الممنوع من الصرف

الفعل المضارع وأحواله

القسم

أدوات الجزم

العدد

الحكاية

الشرط وجوابه

الصرف

موضوع علم الصرف وميدانه

تعريف علم الصرف

بين الصرف والنحو

فائدة علم الصرف

الميزان الصرفي

الفعل المجرد وأبوابه

الفعل المزيد وأبوابه

أحرف الزيادة ومعانيها (معاني صيغ الزيادة)

اسناد الفعل الى الضمائر

توكيد الفعل

تصريف الاسماء

الفعل المبني للمجهول

المقصور والممدود والمنقوص

جمع التكسير

المصادر وابنيتها

اسم الفاعل

صيغة المبالغة

اسم المفعول

الصفة المشبهة

اسم التفضيل

اسما الزمان والمكان

اسم المرة

اسم الآلة

اسم الهيئة

المصدر الميمي

النسب

التصغير

الابدال

الاعلال

الفعل الصحيح والمعتل

الفعل الجامد والمتصرف

الإمالة

الوقف

الادغام

القلب المكاني

الحذف

المدارس النحوية

النحو ونشأته

دوافع نشأة النحو العربي

اراء حول النحو العربي واصالته

النحو العربي و واضعه

أوائل النحويين

المدرسة البصرية

بيئة البصرة ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في البصرة وطابعه

أهم نحاة المدرسة البصرية

جهود علماء المدرسة البصرية

كتاب سيبويه

جهود الخليل بن احمد الفراهيدي

كتاب المقتضب - للمبرد

المدرسة الكوفية

بيئة الكوفة ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في الكوفة وطابعه

أهم نحاة المدرسة الكوفية

جهود علماء المدرسة الكوفية

جهود الكسائي

الفراء وكتاب (معاني القرآن)

الخلاف بين البصريين والكوفيين

الخلاف اسبابه ونتائجه

الخلاف في المصطلح

الخلاف في المنهج

الخلاف في المسائل النحوية

المدرسة البغدادية

بيئة بغداد ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في بغداد وطابعه

أهم نحاة المدرسة البغدادية

جهود علماء المدرسة البغدادية

المفصل للزمخشري

شرح الرضي على الكافية

جهود الزجاجي

جهود السيرافي

جهود ابن جني

جهود ابو البركات ابن الانباري

المدرسة المصرية

بيئة مصر ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو المصري وطابعه

أهم نحاة المدرسة المصرية

جهود علماء المدرسة المصرية

كتاب شرح الاشموني على الفية ابن مالك

جهود ابن هشام الانصاري

جهود السيوطي

شرح ابن عقيل لالفية ابن مالك

المدرسة الاندلسية

بيئة الاندلس ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في الاندلس وطابعه

أهم نحاة المدرسة الاندلسية

جهود علماء المدرسة الاندلسية

كتاب الرد على النحاة

جهود ابن مالك

اللغة العربية

لمحة عامة عن اللغة العربية

العربية الشمالية (العربية البائدة والعربية الباقية)

العربية الجنوبية (العربية اليمنية)

اللغة المشتركة (الفصحى)

فقه اللغة

مصطلح فقه اللغة ومفهومه

اهداف فقه اللغة وموضوعاته

بين فقه اللغة وعلم اللغة

جهود القدامى والمحدثين ومؤلفاتهم في فقه اللغة

جهود القدامى

جهود المحدثين

اللغة ونظريات نشأتها

حول اللغة ونظريات نشأتها

نظرية التوقيف والإلهام

نظرية التواضع والاصطلاح

نظرية التوفيق بين التوقيف والاصطلاح

نظرية محاكات أصوات الطبيعة

نظرية الغريزة والانفعال

نظرية محاكات الاصوات معانيها

نظرية الاستجابة الصوتية للحركات العضلية

نظريات تقسيم اللغات

تقسيم ماكس مولر

تقسيم شليجل

فصائل اللغات الجزرية (السامية - الحامية)

لمحة تاريخية عن اللغات الجزرية

موطن الساميين الاول

خصائص اللغات الجزرية المشتركة

اوجه الاختلاف في اللغات الجزرية

تقسيم اللغات السامية (المشجر السامي)

اللغات الشرقية

اللغات الغربية

اللهجات العربية

معنى اللهجة

اهمية دراسة اللهجات العربية

أشهر اللهجات العربية وخصائصها

كيف تتكون اللهجات

اللهجات الشاذة والقابها

خصائص اللغة العربية

الترادف

الاشتراك اللفظي

التضاد

الاشتقاق

مقدمة حول الاشتقاق

الاشتقاق الصغير

الاشتقاق الكبير

الاشتقاق الاكبر

اشتقاق الكبار - النحت

التعرب - الدخيل

الإعراب

مناسبة الحروف لمعانيها

صيغ اوزان العربية

الخط العربي

الخط العربي وأصله، اعجامه

الكتابة قبل الاسلام

الكتابة بعد الاسلام

عيوب الخط العربي ومحاولات اصلاحه

أصوات اللغة العربية

الأصوات اللغوية

جهود العرب القدامى في علم الصوت

اعضاء الجهاز النطقي

مخارج الاصوات العربية

صفات الاصوات العربية

المعاجم العربية

علم اللغة

مدخل إلى علم اللغة

ماهية علم اللغة

الجهود اللغوية عند العرب

الجهود اللغوية عند غير العرب

مناهج البحث في اللغة

المنهج الوصفي

المنهج التوليدي

المنهج النحوي

المنهج الصرفي

منهج الدلالة

منهج الدراسات الانسانية

منهج التشكيل الصوتي

علم اللغة والعلوم الأخرى

علم اللغة وعلم النفس

علم اللغة وعلم الاجتماع

علم اللغة والانثروبولوجيا

علم اللغة و الجغرافية

مستويات علم اللغة

المستوى الصوتي

المستوى الصرفي

المستوى الدلالي

المستوى النحوي

وظيفة اللغة

اللغة والكتابة

اللغة والكلام

تكون اللغات الانسانية

اللغة واللغات

اللهجات

اللغات المشتركة

القرابة اللغوية

احتكاك اللغات

قضايا لغوية أخرى

علم الدلالة

ماهية علم الدلالة وتعريفه

نشأة علم الدلالة

مفهوم الدلالة

جهود القدامى في الدراسات الدلالية

جهود الجاحظ

جهود الجرجاني

جهود الآمدي

جهود اخرى

جهود ابن جني

مقدمة حول جهود العرب

التطور الدلالي

ماهية التطور الدلالي

اسباب التطور الدلالي

تخصيص الدلالة

تعميم الدلالة

انتقال الدلالة

رقي الدلالة

انحطاط الدلالة

اسباب التغير الدلالي

التحول نحو المعاني المتضادة

الدال و المدلول

الدلالة والمجاز

تحليل المعنى

المشكلات الدلالية

ماهية المشكلات الدلالية

التضاد

المشترك اللفظي

غموض المعنى

تغير المعنى

قضايا دلالية اخرى

نظريات علم الدلالة الحديثة

نظرية السياق

نظرية الحقول الدلالية

النظرية التصورية

النظرية التحليلية

نظريات اخرى

النظرية الاشارية

مقدمة حول النظريات الدلالية

أخرى

علوم اللغة العربية : المدارس النحوية : المدرسة البصرية : جهود علماء المدرسة البصرية : جهود الخليل بن احمد الفراهيدي :

جهود الخليل بن احمد الفراهيدي

المؤلف:  د. محمد المختار ولد اباه

المصدر:  تاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب

الجزء والصفحة:  ص72- 79

27-03-2015

25684

حينما نبحث في تطور علم من العلوم، نلاحظ أن نشأته تبرز نتيجة ظروف خاصة، ثم نجد رواده يضعون لبناته شيئا فشيئا، غير أن بناءه لا يكمل إلا على يد شخصية فذة تؤصل قواعده الأساسية، و تحكم طرق استثمار فروعه، و الذي يقوم بهذا العمل يسمى عادة إمام هذا العلم، و إمام علوم اللغة هو الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي.

ص72

نشأ الخليل مع مستهل القرن الثاني الهجري، و ملأ منه برهة ينظر و يقرئ.

فكان من نتائج فكره أن أملى علم النحو على تلميذه سيبويه الذي دونه باستقصاء في كتابه.

كما اخترع الخليل أيضا علم العروض، و وضع أسس المعجم اللغوي عن طريق عملية حسابية تؤهله أن ينظر إليه و كأنه أول من رسم النّظم التي تسير عليها الآلات الحاسبة بعد ألف و مائتي سنة من وفاته. فالآثار التي خلفها هذا العالم العبقري تبرهن على ما نعت به من ذكاء و علم. فإذا كان من سبقه قد (يضحك من علمهم و يثير الإعجاب ذكاؤهم) (1)، فإن الخليل جمع بين الذكاء و العلم حتى صار مضرب الأمثال فيهما. فلم ينل عالم في عهد الخليل مثل ما نال من ثناء و إطراء. و لم يجمع مؤرخو العربية على التنويه بأحد مثل إجماعهم على التنويه به، فيقول عنه أبو الطيب اللغوي: (إنه لم يك قبله، و لا بعده مثله، و لم يكن للعرب بعد الصحابة أذكى منه فكان أعلم الناس، و أفضل الناس و أتقى الناس، فكان مفتاح العلوم و مصرفها) (2). و اتفقوا أنه كان آية في الذكاء غاية في استخراج مسائل النحو، مع تحليه بجميع الفضائل، فرووا عن سفيان الثوري قوله: (من أراد أن ينظر إلى رجل خلقه اللّه من الذهب و المسك فلينظر إلى الخليل)(3). و قد ضربوا الأمثال أيضا بعلمه، فيقول إسحق الموصلي في هجاء الأصمعي:

و يزعم أنه قد كان يفتي                 أبا عمرو و يسأله الخليل 
و يقول النجار في هجاء التوزي:
و اللّه لو كنت الخليل                           لما كتبت عليك لفظه (4)
أما الحكايات عن ذكائه فتكاد تكون من قبيل الأساطير، لو لا أن الذين نقلوها تكلموا بجدية و اقتناع، من ذلك أنه استطاع أن يفهم رسالة كتبت باليونانية، مع أنه لم يسبق له معرفة بهذه اللغة، إلا أنه افترض أنها مستفتحة ببسم اللّه، و منها أنه تعرف على أخلاط دواء ركب من ستة عشر عنصرا، حينما شمّ الآنية التي استحضر فيها الدواء، و لم يفته من الأخلاط إلا واحد. و قيل في سبب وفاته أنه صدمته سارية حينما كان يفكر في نوع من الحساب، تستطيع المرأة بفضله أن تحمي نفسها من ظلم القضاة(5). و يقول عنه شوقي ضيف: إنه لما لمس اللغة بعصاه السحرية انفتحت أمامه أغلاقها و فارقتها طلاسمها(6).

ص73

و ليس من شك أن الخليل نظر إلى اللغة نظرة جديدة. لقد كانت بين يديه مادة غزيرة، منها ما قرأه على أبي عمرو بن العلاء من مروياته في القراءة والشعر و الغريب، و منها ما سمعه من عيسى بن عمر من كتاباته النحوية التي يقال إنها بلغت سبعين، و أثنى الخليل نفسه على اثنين منها، و هما «الجامع» و «الإكمال»، ثم سمع من فصحاء العرب في بوادي نجد و تهامة و الحجاز، و قارن بين ما سمع و ما رأى من جهود سابقيه في بناء الصرح النحوي، كل هذا جعله يخلص إلى أن اللغة صنعت صنعا منطقيا، مثل له بدار محكمة البناء عجيبة النظم و الأقسام. و كل ما وضع فيها من رسوم و حدود و أبواب، جاء لعلل قامت في عقول العرب و إن لم تنقل عنهم لأنهم نطقوا على سجيتهم و طباعهم (7).

فاستطاع الخليل في الأخير، أن يستنبط مقاييس التركيب العام للكلام العملي، و أن يفحص مادته التي صيغ منها و هي الحروف، و لبناته التي شيد منها و هي الكلمات، و نسقه المميز و هو التركيب الإعرابي. مرتكزا في تحليله على الأساليب المطردة التي تعتبر نموذجا مختارا للاستعمال الصحيح، و حكم بالشذوذ على ما سواه، مبرزا العلاقة بين تغير صور التراكيب اللفظية و بين معنى الكلام. و فيما يلي نماذج مقتضبة حول أعماله على مستويات الحروف، و المقاطع و الكلمات و الجمل.

أ- اعتبار الحروف

عند ما قرر الخليل تصنيف كتاب العين لاستيعاب مفردات اللغة العربية اعتمد على اعداد حروف الكلمة، مع تبديل مواضع حروفها حسب الحالات الممكنة حسابيا، و سميت هذه العملية بالاشتقاق الكبير، مثل علم، عمل، معل، ملع، لعم، لمع، ثم بين المستعمل و المهمل من هذه المفردات و ابتدأ بحرف العين لأسباب تعود إلى طبيعة هذه الحرف من حيث مخرجه و صفاته، و لهذا العمل صلة واضحة بالتفكير في دراسة مخارج الحروف كلها، و استظهار صفاتها، و هكذا لأول مرة، ضبطت مخارج الحروف و عرف منها ما هو حلقي، و لهوي، و شفوي إلخ، و ما يوسم بالجهر و الهمس و الاستعلاء و الانسفال، و الشدة و الرخاوة و نحوها.

و على غرار ما ضبطت للمستمع، استكمل كذلك ضبطها للقارئ، إذ أتم الخليل عمل أبي الأسود الدؤلي و نصر بن عاصم، فوضع الشكل المتعارف بعلامات الفتح و الكسر بخط فوق الحرف و تحته، بدل النقط، و جعل الضم واوا صغيرة و وضع علامات الأمداد، فنشأ عن هذا العمل ضبط أصوات اللغة و رسم حروفها على صورة، جعلت في وسع القراء

ص74

أن يحفظوا كيفية اللغة من ذلك التاريخ إلى يومنا هذا، و قد يكون هذا من أسرار معجزة حفظ القرآن الحكيم، حيث شمل هذا الحفظ رسمه و أداءه (8).

ب- اعتبار المقاطع

انتبه الخليل، أثناء تحليله لأجزاء الكلمة أنها لا تتألف من أجزاء بسيطة، و هي الحروف التي تكوّن الوحدات الصوتية، بل إن فيها وحدات أخرى و هي المقاطع، فعبر عنها بالأسباب و الأوتاد في وضعه لعلم العروض، و لاحظ أن منها ما هو ذو مغزى إبقاعي فقط، إذا كان المقطع جزءا لا يتجزأ من الكلمة المجردة، و منها ما يدل على معنى زائد في الكلمة سواء كان هذا المقطع لفظا مستقلا كمعاني الحروف، أو كان من زوائد الكلمة التي تغير معناها في صيغتها الأصلية، مثال: «في» من «فيهم» ، و السين و التاء من (استحسن).

و في اعتباره للمقاطع، رأى أنها قد تتجمع في بعض الأحيان لتؤلف كلمة مركبة فقال: إن «لن» أصلها (لا أن)(9) وإن «مهما» مؤلفة من ماما و أبدل ألف «ما» الأولى هاء لتسهيل الأداء اللفظي (10)، و قال: إن «هلم» مركبة من هاء التنبيه و «لم» التي بمعنى أقبل (11) و إن هذه التغييرات وقعت نتيجة كثرة الاستعمال.

و مما روي عنه قوله أن ليس أصلها (لا أيس)(12). و من الغريب أن لهذه الفكرة شواهد في عدة لغات غير العربية.

ج- مستوى الكلمة

أما على مستوى الكلمة، فقد عمل الخليل على تحديد مجموع حروفها و صيغها، و هذا ما قاده إلى استبانة عدة مفاهيم جديدة وضع لها ما تقتضيه من ضوابط.

فمن هذه المفاهيم التفرقة بين أصول الكلمة و زوائدها التي بينها ابن أبي إسحق، و أوضح الخليل تأثير هذه الزوائد على قواعد الصرف و منعه، و على صيغ التثنية و جمع التكسير، و على أمثلة التصغير(13).

فوطد قاعدة وضع الأوزان من حروف لفظة «فعل» لمقابلة أصول الكلمة، مع إيراد الحروف الزائدة بلفظها. و نرى هنا منهج الخليل في التجريد و التعميم، في استعمال هذه الحروف كآلات قياسية، تميز الأصول من الزوائد، مثل ما استعملها في الأوزان العروضية.

ص75

و من هذه المفاهيم استنبط إعلال الكلمات أي إبدال بعض حروفها ببعض، و استطاع أيضا أن يضع لهذا الإعلال ضوابط حرفية تحكم قواعد الإبدال، و الإدغام، و الفك، و التغيرات التي تجرى على الكلمة بسبب اللواحق، و صلاتها بحروف الإعراب، و عوامل البناء.

كل هذا يجعلنا نعتقد أن الخليل انتقل بالنحو من المرحلة الوصفية إلى تأسيس المعايير التي اعتمدت الاطراد، و فتحت الطريق أمام القياس و التعليل.

د- مستوى التركيب في الجملة

قد لاحظ الخليل أن لكلام العرب نسقا يسير على قواعد محكمة، فعمل

على تبيان تلك القواعد استقراء من سماع فصيح اللغة، و على توضيح علل أقيستها و إبراز العوامل المؤثرة في إعرابها.

و لقد سبق أن أشرنا إلى دور ابن أبي إسحق الحضرمي في مدّ القياس و شرح العلل، و هو ما عنينا به تثبيته للقياس الأصلي و النظيري في اللغة، و هذا هو النسق الذي شبهه الخليل بالبناء المحكم. ثم إن الخليل تجاوز ما أقره سابقوه فجاء بفكرة القياس التعليلي.

لقد نظر إلى اللغة نظرة شمولية فافترض أن قواعدها معللة بأسباب معقولة. فمن هذه القواعد الأصلية، أن الإعراب مقيس في الأسماء، و أن البناء مقيس في الأفعال. و أن هذه القاعدة لا تتغير إلا لعلة عارضة مثل شبه الاسم بالحرف، و شبه الفعل بالاسم (14)، و منها أن التعريف لا يحتاج إلى أداتين، من أجل ذلك امتنع أن نقول «يا الغلام» لأن النداء وحده في معنى التعريف(15). و منها أيضا أنه لا يجوز لك أن تندب من لا تعرف، فامتنع أن يندب المنكور لأنه مبهم(16). و من هذه القواعد القياسية امتناع العطف على جزء من الكلمة، مما يجر إلى منع العطف على ضمير الرفع المتصل، فلا يجوز عنده قول: (فعلت و عبد اللّه) لالتصاق الضمير بالفعل، و إحداثه تغييرا في بنية الكلمة، بإسكان اللام فيها، فصارت مع الضمير كلمة واحدة(17). لكنه صح أن يقال: (ما أشركنا و لا آباؤنا) ، بسبب الفصل ب‍ (لا) بين الفعل و المعطوف. و اعتبارا لهذه القاعدة منع الخليل العطف على ضمير الخفض دون

ص76

إعادة الخافض قائلا إن الضمير هنا بمثابة التنوين (18)، و هي من المسائل التي خالفه فيها ابن مالك إذ يقول في الخلاصة في باب العطف.

وعود خافض لدى عطف على                   ضمير خفض لازما قد جعلا 
و ليس عندي لازما إذ قد أتى                     في النظم و النثر الصحيح مثبتا 
و يشير ابن مالك إلى قراءة حمزة بن حبيب الزيات وَ اِتَّقُوا اَللّٰهَ اَلَّذِي تَسٰائَلُونَ بِهِ وَ اَلْأَرْحٰامَ ) (النساء- الآية 1) ، و إلى قول الشاعر:

فاليوم قرّبت تهجونا و تشتمنا                      فاذهب و ما بك و الأيام من عجب 

ه‍- العوامل

و الإعراب عند الخليل ليس وضعا اعتباطيا يقع دون أسباب معينة، لذلك أكد أن نسق الكلام لا يتغير إلا بسبب تأثير عوامل خاصة، و استخلص وجود أربعة أقسام من العوامل منها ما هو ظاهر، أو معنوي، أو محذوف، أو مفترض.

-العامل المعنوي

قد يكون العامل المعنوي يتمثل في الوضع الأصلي للكلام قبل وجود العوامل الأخرى، و لذلك فهو الذي يعمل في المبتدأ، و في المضارع المعرب و المجرد من النواصب و الجوازم، و لارتباطه بالاستئناف و بدء الكلام استحق أن يكون «العالم الأول» الذي يستمد تأثيره من معناه و لذلك يسمى (العامل المعنوي)(19).

-العوامل الظاهرة

مثل الأفعال، و النواسخ الفعلية و الحرفية، و أدوات الشرط و الجزاء، و حروف المعاني، و هذه العوامل تؤثر حسب رأيه في جميع أجزاء الجملة. فالفاعل و المفعول كلاهما معمول للفعل، و النواسخ تعمل في المبتدإ و الخبر و أدوات الشرط تعمل في الشرط و الجزاء. و هذا يدل على أمرين، أحدهما اعتباره لقوة العامل الظاهر في معموله، الثاني اعتباره أن الجملة وحدة متماسكة، مرتبطة العناصر، و يظهر هذا في قوله: (إنّ وَ اَلنَّهٰارِ إِذٰا تَجَلّٰى وَ مٰا خَلَقَ اَلذَّكَرَ وَ اَلْأُنْثىٰ) (الليل – الآيتان 2-3) عطف على الآية الأولى. و ليس قسما مكررا، لأن كل قسم يحتاج إلى جواب(20).

ص77

-العوامل المحذوفة

و إذا ما رأينا تأثيرا في الإعراب، دون ظهور العوامل، فإن الخليل يدعو إلى تقديرها استنادا على دلالة السياق. و لذلك قدر الحذف في الأمثلة التالية، ففي قول الشاعر:

ألا رجلا جزاه اللّه خيرا                  يدلّ على محصّلة تبيت(21) 
فقال إن «رجلا» نصيت ب‍ (أروني) محذوفة، و مثله:
و يأوي إلى نسوة عطّل                     و شعثا مراضيع مثل السّعالي(22) 
و قد يجب الحذف في بعض الحالات، مثل حذف «أن» الناصبة بعد حتى و بعد اللام، و الواو، و الفاء، في مواضيع معروفة. و جعل الخليل «إذن» مثلها غير أن سيبويه خالفه و قال إنها تنصب بنفسها دون اللجوء إلى تقدير (أن)(23). و ذكر في قوله تعالى: (اِنْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ ) (النساء-الآية 171) إن «خيرا» نصبت بفعل يترك إظهاره(24) و أن «حنانيك» مفعول مطلق من فعل محذوف دائما.
-العوامل المفترضة

و إن لم يكن للإعراب عامل أساسي كالمعنوي، أو عامل ظاهر أو محذوف يسهل تقديره، فإن الخليل لا يتخلى عن نظرية العامل، و يلجأ حينئذ إلى ما يمكن أن نسميه بالعوامل المفترضة. و منها النصب على الترحم، و الدعاء، و المدح و الذّم. و قد رأينا أن يونس كان يشير إلى بعضها في توجيه قراءة ( اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ ).  غير أن الخليل قام بعملية التعميم فيها، منبها على الفرق بين ما هو استئناف، و ما هو طلب، و سنرى تطبيق الفكرة عند سيبويه.

و من هذه العوامل الخليلية، نزع الخافض، و هو لا يعمل إلا النصب، و منها كذلك «التوهم» الذي سبق ذكره في معرض الحديث عن أبي الخطاب. و قد زاده الخليل شرحا و استعمالا، و به فسر عدة استعمالات منها مثلا قول الشاعر:

إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا                   أو تنزلون فإنا معشر نزل(25)

ص78

و قال إن العربي في بعض الأحيان يتوهم أنه تلفظ بما كان ينبغي أن يقول و بذلك يفرق الخليل بين الخلط، و الخطأ، و التوهم.

هذا و إن فكرة تنوع العوامل عنده جعلته يجيز عدة احتمالات في توجيه الإعراب. فلك مثلا أن تقول: هذا رجل صدق معروف (أو معروفا) صلاحه.

تنصب «معروفا» على الحال، و ترفعها نعتا. و من هذا النوع، (يا زيد الطويل، و يا تميم أجمعون أو أجمعين)(26)

و موجز القول أن الخليل جمع ثروة ضخمة من علوم اللغة، اكتسب أصولها باستيعاب كل ما استطاع أن يسمع، و نماها بتفكير أتاح له أن يستنبط ما لم يسمع. لقد تلقى معلومات أبي عمرو بن العلاء في المسموع و معارف ابن أبي إسحق الحضرمي في المقاييس النحوية، فصاغ الجميع في شكل علم متكامل محكم الصنعة فاخترع للغة معجما شاملا و جعل من النحو علما قائما.

و اقتسم النحويون من بعده هذه الثروة، فكان نصيب الأسد منها لتلميذه الفذ سيبويه الذي ملأ حياضه من معين الخليل. و إذا كان هذا التلميذ ظل وفيا لأستاذه. معترفا بفضله، و مصرحا بما أخذ عنه، و لم يخالفه إلا في مسائل قليلة جدا، فإن الذين جاءوا من بعده استبدلوا سيبويه بالخليل فنسبوا لصاحب الكتاب جل ما كان لأستاذه. و لم يدعوا للخليل إلا جميل الذكر و الثناء. ثم اختطف منه كتاب «العين» فقالوا: إن الليث بن عاصم هو الذي أكمله، و استغله محمد بن دريد في جمهرته حتى قيل عنه:

ابن دريد بقره          و فيه عيّ و شره 
و يدعي من جهله       وضع كتاب (الجمهره)
و هو كتاب «العين»        إلا أنه قد غيره

فلم يبق للخليل من أعماله الإبداعية إلا علم العروض الذي حاول الأخفش الأوسط أن يشاركه فيه. و مع هذا فلم يسع الجميع إلا الإجماع على أن الخليل هو إمام النحو و أن النحو هو علم الخليل، و لعل هذا ما عناه المبرد حين يقول:

لم يدر ما علم الخليل فيقتدي                    ببيان ذاك و لا حدود المنطق 
بيد أن الرواة سطوا على علم الخليل، فنسبوا لغيره ما له، و نسبوا إليه ما ليس له، مثل «كتاب الجمل» المنحول عليه، و الذي يرد فيه العزو إلى الخليل و إلى علماء متأخرين عنه(27).

______________________

(1) الجمحي: طبقات الشعراء، ص31.

(2) أبو الطيب اللغوي: مراتب النحويين، ص54.

(3) ابن الأنباري: نزهة الألباء، ص47.

(4) أبو الطيب اللغوي: مراتب النحويين، ص9.

(5) المرجع و الصفحة نفسهما.

(6) المدارس النحوية، ص31.

(7) الزجاجي: الإيضاح، ص65.

(8) شوقي ضيف: المدارس النحوية، ص 35 نقلا عن الجزء المطبوع من كتاب العين.

(9) سيبويه: الكتاب، ج 3 ص 5.

(10) المصدر نفسه، ج 3 ص 59.

(11) المصدر نفسه، ج 3 ص 529.

(12) لسان العرب مادة ليس.

(13) سيبويه الكتاب، ج3 ص205

(14) الزجاجي: الإيضاح، ص 77.

(15) سيبويه: الكتاب، ج 2 ص 197.

(16) سيبويه: الكتاب، ج 2 ص 228.

(17) المصدر و الصفحة نفسهما.

(18) سيبويه: الكتاب، ج 2 ص 378.

(19) المصدر نفسه، ج 2 ص 382.

(20) المصدر نفسه، ج 3 ص 501.

(21) سيبويه: الكتاب، ج 2 ص 308.

(22) المصدر نفسه، ج 2 ص 66.

(23) المصدر نفسه، ص 16.

(24) المصدر نفسه، ج 1 ص 282.

(25) المصدر نفسه، ج 3 ص 51.

(26) سيبويه: الكتاب، ص 184.

(27) راجع كتاب: (الجمل) المعزو للخليل بتحقيق فجر الدين قباوة.

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي