تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير الآية (32-35) من سورة هود
المؤلف: المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: ......
6-5-2020
3771
قال تعالى:{ قَالُوا يَنُوحُ قَدْ جَدَلْتَنَا فَأَكثرْت جِدَلَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كنت مِنَ الصدِقِينَ(32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللَّهُ إِن شاءَ ومَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ(33) ولا يَنفَعُكمْ نُصحِى إِنْ أَرَدت أَنْ أَنصحَ لَكُمْ إِن كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُو رَبُّكُمْ وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(34) أَمْ يَقُولُونَ افْترَاهُ قُلْ إِنِ افْترَيْتُهُ فَعَلىَّ إِجْرَامِى وأَنَا بَرِىءٌ مِّمَّا تجْرِمُونَ} [هود: 32، 35]
حكى الله سبحانه جواب قوم نوح عما قاله لهم فقال: { قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا}أي: خاصمتنا وحاججتنا { فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا }أي: زدت في مجادلتنا على مقدار الكفاية وفي بعض الروايات عن ابن عباس فأكثرت جدلنا والمعنى واحد {فأتنا بما تعدنا } من العذاب { إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} في أن الله تعالى يعذبنا على الكفر أي: فلسنا نؤمن بك ولا نقبل منك {قال } نوح { إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ} أي:لا يأتي بالعذاب إلا الله سبحانه متى شاء لا يقدر عليه غيره فإن شاء عجل وإن شاء أخر { وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ}أي: لا تفوتونه بالهرب.
{ وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ } ذكر في تأويله وجوه أحدها :إن كان الله يريد أن يخيبكم من رحمته بأن يحرمكم ثوابه ويعاقبكم لكفركم به فلا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم وقد سمى الله سبحانه العقاب غيا بقوله :{فسوف يلقون غيا} ويشهد بصحة ما قلناه قول الشاعر :
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره ومن يغولا يعدم على الغي لائما
ولما خيب الله سبحانه قوم نوح من رحمته وثوابه وأعلم الله نوحا (عليه السلام) بذلك في قوله { لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} قال لهم : لا ينفعكم نصحي مع إيثاركم ما يوجب خيبتكم والعذاب الذي جره إليكم قبيح أفعالكم . وإذا طرأ شرط على شرط كان الثاني مقدما على الأول في المعنى وإن كان مؤخرا في اللفظ . والتقدير: ولا ينفعكم نصحي إن كان الله يريد أن يغويكم إن أردت أن أنصح لكم. وثانيها :أن المعنى إن كان الله يريد عقوبة إغوائكم الخلق وإضلالكم إياهم أي يريد عقوبتكم على ذلك . ومن عادة العرب أن تسمي العقوبة باسم الشيء المعاقب عليه كما في قوله سبحانه : {وجزاء سيئة سيئة مثلها ومكروا ومكر الله والله يستهزىء بهم } وقد مر فيما مضى أمثال ذلك وثالثها :أن معناه إن كان الله يريد أن يهلككم فلا ينفعكم نصحي عند نزول العذاب بكم وإن قبلتم قولي وآمنتم لأن الله تعالى حكم بأن لا يقبل الإيمان عند نزول العذاب عن الحسن. وقد حكي عن العرب أنهم قالوا: أغويت فلانا بمعنى أهلكته. ويقال :غوي الفصيل إذا فسد من كثرة شرب اللبن ورابعها : أن قوم نوح كانوا يعتقدون أن الله تعالى يضل عباده عن الدين وأن ما هم عليه بإرادة الله ولولا ذلك لغيره وأجبرهم على خلافه فقال لهم نوح على وجه التعجب من قولهم والإنكار لذلك :أن نصحي لا ينفعكم إن كان القول كما تقولون. وهذا هو المحكي عن جعفر بن حرب.
وإنما شرط النصح بالإرادة في قوله { إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ } مع وقوع هذا النصح استظهارا في الحجة عليهم لأنهم ذهبوا إلى أنه ليس بنصح فقال: لوكان نصحا ما نفع من لا يقبله ولا يجوز أن يكون المراد بالإغواء في الآية فعل الكفر أوالدعاء إلى الكفر والحمل عليه على ما يعتقده المجبرة لقيام الأدلة على أن خلق الكفر وإرادته من أقبح القبائح كالأمر به وكما لم يجز أن يأمر به فكذلك لا يجوز أن يفعله ويريده ولأنه لو جاز منه الإضلال لجاز منه أن يبعث من يدعو إلى الضلال ويظهر المعجزات على يده وفي هذا ما فيه.
{ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أي: هو خالقكم ورازقكم وإلى حكمه وتدبيره تصيرون فيجازيكم على أعمالكم {أم يقولون افتراه } قيل: إنه يعني بذلك محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمراد: أ يؤمن كفار محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) بما أخبرهم به محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) من نبأ قوم نوح (عليه السلام) أم يقولون افتراه محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) من تلقاء نفسه ف {قل} لهم يا محمد {إن افتريته } واختلقته كما تزعمون {فعلي إجرامي } أي :عقوبة جرمي لا تؤخذون به {وأنا بريء مما تجرمون } أي: لا أؤخذ بجرمكم عن مقاتل وقيل: يعني به نوحا (عليه السلام) وأنه يقول على الله الكذب عن ابن عباس .
___________________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي ،ج5،ص268-269.
{ قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ }. لما أفحم نوح قومه بالحجة والبرهان ضاقوا به ، ولم يجدوا أية وسيلة يتذرعون بها لجحودهم وانكارهم إلا أن يتحدّوا نوحا بأن ينزل عليهم ما خوّفهم به من العذاب ، ولما سألوه ذلك { قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ }. أي أنتم أهون على اللَّه من أن تعجزوه ، لأنه على كل شيء قدير وله وحده الخلق والأمر . . وقال مشركومكة لرسول اللَّه مثلما قال قوم نوح لنبيهم . أنظر تفسير الآية 32 من سورة الأنفال ج 3 ص 473 .
{ ولا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ }. لقد أراد لهم النصح ، بل وأكثر من نصحهم ، ولكن ما الفائدة إذا قست القلوب ولم تمل لهداية { إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ }. ان اللَّه لا يخلق الغواية في الإنسان ، ولوفعل لسلبه إنسانيته ، ولكن قضت سنة اللَّه في خلقه ان من سلك بإرادته طريق الغواية كان حتما من الغاوين ، تماما كما قضت بهلاك من ينتحر مختارا . . وبهذا الاعتبار صحت نسبة الغواية إليه تعالى . وسبق الكلام عن ذلك عند تفسير الآية 74 من سورة يونس ، فقرة : « حول الهداية والضلال » { هُورَبُّكُمْ وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }ولا مفر من لقائه وحسابه وجزائه .
{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ }.
ظاهر السياق يدل على ضمير يقولون عائد إلى قوم نوح ، وهاء افتراه إلى الوحي الذي بلغهم إياه ، والمعنى قل يا نوح لقومك : ان كنت كاذبا فيما أقول كما تزعمون فأنا وحدي المسؤول عن ذلك ،وعلي إثمه وعقابه ، وان كنت صادقا فأنتم المسؤولون ، وعليكم وحدكم يقع عقاب التكذيب ، وأنا بريء من أعمالكم وجرائمكم.
وقيل : ان هذه الآية جاءت معترضة في قصة نوح ، وانها نزلت في مشركي قريش ، لأنهم ارتابوا في صدق محمد (صلى الله عليه واله وسلم ) حين تلا عليهم هذه القصة ، فأمره اللَّه أن يقول لهم : لا عليكم ان كنت مفتريا ، فعليّ وحدي تبعة ما أفتري . .
وهذا المعنى جائز في نفسه ، ولكنه بعيد عن ظاهر السياق .
_____________________
1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية، ج4،ص227-228.
قوله تعالى:{ قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} كلام ألقوه إلى نوح (عليه السلام) بعد ما عجزوا عن دحض حجته وإبطال ما دعا إليه من الحق، وهو مسوق سوق التعجيز والمراد بقولهم:{ما تعدنا} ما أنذرهم به في أول دعوته من عذاب يوم أليم.
وقد أورد الله سبحانه قولهم هذا فصلا من غير تفريع لأنهم إنما قالوه بعد ما لبث فيهم أمدا بعيدا يدعوهم إلى التوحيد ويخاصمهم ويحاجهم بفنون الخصام والحجاج حتى قطع جميع معاذيرهم وأنار الحق لهم كما يدل عليه قوله تعالى فيما يحكي عنه (عليه السلام) في دعائه:{ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا - إلى أن قال - ثم ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا:} نوح: - 9 وفي سورة العنكبوت:{ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا:} العنكبوت: - 14.
فهذا الذي أورده الله من حجاجه قومه وجوابهم في شكل محاورة واحدة إنما وقع في مآت من السنين، وهو كثير النظير في القرآن الكريم ولا بدع فيه فإن الذي يقتص ذلك هو الله سبحانه المحيط بالدهر وبكل ما فيه والذي يسمعها بالوحي هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أوتي من سعة النظر ما يجتمع عنده أشتات الأمم وأطراف الزمان.
والمعنى - والله أعلم - يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا حتى سئمنا ومللنا وما نحن لك بمؤمنين فأتنا بما تعدنا من العذاب، وهم لا يعترفون بالعجز عن خصامه وجداله بل يؤيسونه من أنفسهم في الحجاج ويطلبون منه أن يشتغل بما يشتغل الداعي الآيس من السمع والطاعة وهو الشر الذي يهددهم به ويذكره وراء نصحه.
قوله تعالى:{ قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} لما كان قولهم:{فأتنا بما تعدنا} إلخ، طلبا منه أن يأتيهم بالعذاب وليس ذلك إليه فإنما هو رسول، أجاب عن اقتراحهم هذا أيضا - في سياق قصر القلب - أن الإتيان بالعذاب ليس إلي بل إنما هو إلى الله فهو الذي يملك أمركم فيأتيكم بالعذاب الذي وعدتكموه بأمره فهوربكم وإليه مرجع أمركم كله، ولا يرجع إلي من أمر التدبير شيء حتى أن وعدي إياكم بالعذاب واقتراحكم علي بطلبه لا يؤثر في ساحة كبريائه شيئا فإن يشأ يأتكم به وأن لم يشأ فلا.
ومن هنا يظهر أن قوله (عليه السلام):{إن شاء} من ألطف القيود في هذا المقام أفيد به حق التنزيه وهوأن الله سبحانه لا يحكم فيه شيء ولا يقهره قاهر يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء غيره نظير ما سيأتي في آخر السورة من الاستثناء في قوله:{ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ:} هود: - 108.
وقوله:{وما أنتم بمعجزين} تنزيه آخر لله سبحانه وهو مع ذلك جواب عن الأمر التعجيزي الذي ألقوه إليه (عليه السلام) فإن ظاهره أنهم لا يعبئون بما هددهم به من العذاب كأنهم معجزون لا يقدر عليهم.
قوله تعالى:{ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم} إلخ، قال في المفردات،: النصح تجري فعل أوقول فيه صلاح صاحبه - قال - وهومن قولهم نصحت له الود أي أخلصته وناصح العسل خالصه أومن قولهم: نصحت الجلد خطته والناصح الخياط والنصاح الخيط.
وقال أيضا: الغي جهل من اعتقاد فاسد، وذلك أن الجهل قد يكون من الإنسان غير معتقد اعتقادا لا صالحا ولا فاسدا، وقد يكون من اعتقاد شيء فاسد، وهذا النحوالثاني يقال له غي قال تعالى: ما ضل صاحبكم وما غوى، وقال: وإخوانهم يمدونهم في الغي. انتهى.
وعلى هذا فالفرق بين الإغواء والإضلال أن الإضلال إخراج من الطريق مع بقاء المقصد في ذكر الضال، والإغواء إخراجه منه مع زواله عن ذكره لاشتغاله بغيره جهلا.
والإرادة والمشية كالمترادفتين، وهي من الله سبحانه تسبيب الأسباب المؤدية لوجود شيء بالضرورة فكون الشيء مرادا له تعالى أنه تمم أسباب وجوده وأكملها فهوكائن لا محالة، وأما أصل السببية الجارية فهي مرادة بنفسها ولذا قيل: خلق الله الأشياء بالمشية والمشية بنفسها.
وبالجملة قوله:{ولا ينفعكم نصحي} إلخ، كأحد شقي الترديد والشق الآخر قوله:{وما أنتم بمعجزين} كأنه (عليه السلام) يقول: أمركم إلى الله إن شاء أن يعذبكم أتاكم بالعذاب ولا يدفع عذابه ولا يقهر مشيته شيء فلا أنتم معجزوه، ولا نصحي ينفعكم إن أردت أن أنصح لكم بعد ما أراد الله أن يغويكم لتكفروا به فيحق عليكم كلمة العذاب، وقيد نصحه بالشرط لأنهم لم يكونوا يسلمون له أنه ينصحهم.
والإغواء كالإضلال وإن لم يجز نسبته إليه تعالى إذا كان إغواء ابتدائيا لكنه جائز إذا كان بعنوان المجازاة كان يعصي الإنسان ويستوجب به الغواية فيمنعه الله أسباب التوفيق ويخليه ونفسه فيغوي ويضل عن سبيل الحق قال تعالى:{ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ:} البقرة: - 26.
وفي الكلام إشارة إلى أن نزول عذاب الاستئصال عليهم مسبوق بالإغواء الإلهي كما يلوح إليه قوله تعالى:{ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا:} إسراء: - 16، وقال:{ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ:} فصلت: - 25.
وقوله:{ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} تعليل لقوله:{ولا ينفعكم نصحي} إلخ، أولقوله:{إنما يأتيكم به الله إن شاء - إلى قوله - يريد أن يغويكم} جميعا ومحصله أن أمر تدبير العباد إلى الرب الذي إليه يرجع الأمور، والله سبحانه هو ربكم وإليه ترجعون فليس لي أن آتيكم بعذاب موعود، وليس لكم أن تعجزوه إن شاء أن يأتيكم بالعذاب فأتاكم به لاستئصالكم وليس لنصحي أن ينفعكم إن أراد هو أن يغويكم ليعذبكم.
وقد ذكروا في قوله:{ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} وجوها من التأويل: منها: أن المعنى يعاقبكم على كفركم، وقد سمى الله تعالى العذاب غيا في قوله:{فسوف يلقون غيا:} مريم: - 59.
ومنها: أن المراد إن كان الله يريد عقوبة إغوائكم الخلق وإضلالكم إياهم ومن عادة العرب أن يسمي العقوبة باسم الشيء المعاقب عليه، ومن هذا الباب قوله:{الله يستهزىء بهم} أي يعاقبهم على استهزائهم وقوله:{ومكروا ومكر الله:} آل عمران: - 54 أي عذبهم على مكرهم إلى غير ذلك.
ومنها: أن الإغواء بمعنى الإهلاك فالمعنى يريد أن يهلككم فهو من قولهم: غوي الفصيل إذا فسد من كثرة شرب اللبن.
ومنها: أن قوم نوح كانوا يعتقدون أن الله تعالى يضل عباده عن الدين، وأن ما هم عليه بإرادة الله، ولولا ذلك لغيره وأجبرهم على خلافه فقال لهم نوح على وجه التعجب لقولهم والإنكار لذلك أن نصحي لا ينفعكم إن كان القول كما تقولون.
وأنت بالتأمل فيما قدمناه تعرف أن الكلام في غنى من هذه التأويلات.
قوله تعالى:{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ } أصل الجرم - على ما ذكره الراغب في مفرداته - قطع الثمرة من الشجرة وأجرم أي صار ذا جرم، واستعير لكل اكتساب مكروه فالجرم بضم الجيم وفتحها بمعنى الاكتساب المكروه وهو المعصية.
والآية، واقعة موقع الاعتراض، والنكتة فيه أن دعوة نوح واحتجاجاته على وثنية قومه وخاصة ما أورده الله تعالى في هذه السورة من احتجاجه أشبه شيء بدعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، واحتجاجه على وثنية أمته.
وإن شئت زيادة تصديق في ذلك فارجع إلى سورة الأنعام - وهي في الحقيقة سورة الاحتجاج - وقابل ما حكاه الله تعالى عن نوح في هذه السورة ما أمر الله به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في تلك السورة بقوله:{ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ - إلى أن قال - وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ - إلى أن قال - قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين قل إني على بينة من ربي وكذبتم به}.
ولك أن تطبق سائر ما ذكر من حججه ع في سورة نوح والأعراف على ما ذكر من الحجج في سورة الأنعام وفي هذه السورة فتشاهد صدق ما ادعيناه.
ولهذه المشابهة والمناسبة ناسب أن يعطف بعد ذكر حجج نوح (عليه السلام) في إنذاره قومه بأمر من الله سبحانه على ما اتهموا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورموه بالافتراء على الله، وهولا ينذرهم ولا يلقي إليهم من الحجج إلا كما أنذر به نوح (عليه السلام) وألقاه من الحجج إلى قومه، وهذا كما ينذر رسول الملك قومه والمتمردين المستنكفين عن الطاعة ويلقي إليهم النصح ويتم عليهم الحجة فيرمونه بأنه مفتر على الملك ولا طاعة ولا وظيفة فيرجع إليهم بالنصح ثانيا، ويذكر لهم قصة رسول ناصح آخر من الملك إلى قوم آخرين نصح لهم بمثل ما نصح هو لهم فلم يتبصروا به فهلكوا فحيثما يذكر لهم حججه ومواعظه يبعثه الوجد والأسف إلى أن يتذكر رميهم إياه بالافتراء فيأسف لذلك قائلا: إنكم ترمونني بالافتراء ولم أذكر لكم إلا ما بثه هذا الرسول في قومه من كلمة الحكمة والنصيحة لا جرم إن افتريته فعلي إجرامي ولا تقبلوا قولي غير أني بريء من عملكم.
وقد عاد سبحانه إلى الأمر بمثل هذه المباراة ثانيا في آخر السورة بعد إيراد قصص عدة من الرسل حيث قال:{ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ - إلى أن قال - وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ:} هود: - 122.
وذكر بعض المفسرين أن الآية، من تمام القصة والخطاب فيها لنوح، والمعنى أم يقول قوم نوح افتراه نوح قل يا نوح إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون، وعلى هذا فالكلام مشتمل على نوع التفات من الغيبة إلى الخطاب وهذا بعيد عن سياق الكلام غايته.
وفي قوله:{ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ} إثبات إجرام مستمر لهم وقد أرسل إرسال المسلمات كما في قوله:{فعلي إجرامي} من إثبات الجرم وذلك أن الذي ذكر من حجج نوح إن كان من الافتراء كان كذبا من حيث إن نوحا (عليه السلام) لم يحتج بهذه الحجج وهي حقة، لكنها من حيث إنها حجج عقلية قاطعة لا تقبل الكذب وهي تثبت لهؤلاء الكفار إجراما مستمرا في رفض ما يهديهم إليه من الإيمان والعمل الصالح فهم في خروجهم عن مقتضى هذه الحجج مجرمون قطعا، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مجرم لا قطعا بل على تقدير أن يكون مفتريا وليس بمفتر.
____________________
1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج10،ص167-171.
كفانا الكلام فأينَ ما تعدنا به؟!
الآية الأُولى من الآيات اعلاه تتحدث عن قوم نوح(عليه السلام) أنّهم: { قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} فأين ما تعدنا به من عذاب الله {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} وهذا الأمر يشبه تماماً عندما ندخل في جدال مع شخص أوأشخاص ونسمع منهم تهديداً ضمنياً حين المجادلة فنقول: كفى هذا الكلام الكثير!! إِذهبوا وافعلوا ما شئتم ولا تتأخروا، فمثل هذا الكلام يشير إِلى أنّنا لا نكترث بكلامهم ولا نخاف من تهديدهم، ولسنا مستعدين أن نسمع منهم كلاماً أكثر.
فاختيار هذه الطريقة إِزاء كل ذلك اللطف وتلك المحبّة من قبل أنبياء الله ونصائحهم التي تجري كالماء الزلال على القلوب، إنّما تحكي عن مدى اللجاجة والتعصب الأعمى لدى تلك الأقوام.
في الوقت ذاته يشعرنا كلام نوح(عليه السلام) بأنّه سعى مدّة طويلة لهداية قومه، ولم يترك فرصةً للوصول إِلى الهدف إلاّ انتهزها لإِرشادهم، ولكن قومه الضالين أظهروا جزعهم من أقواله وإِرشاداته. وهذه المعادلة تتجلى جيداً في سائر الآيات التي تتحدث عن نوح(عليه السلام) وقومه في القرآن، ففي سورة نوح(عليه السلام) بيان لهذه الظاهرة بشكل واف ـ أيضاً ـ فلنلاحظ الآيات التي تبداً من الآية «5» وتنتهي بالآية (13) من سورة نوح حيث نقرأ فيها: { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا }.
في الآية ـ محل البحث ـ وردت جملة «جادلتنا» من مادة «المجادلة» وأصلها مشتق من «الجَدَل» التي تعني فتل الحبل وإِبرامه، ولذلك يطلق على البازي «أجدل» لأنّه أشد فتلا من جميع الطيور، ثمّ توسعوا في اللغة فصارت تطلق على الإِلتواء في الكلام وما أشبه.
مع أنّ «الجدال» و«المراء» و«الحجاج» على وزن «اللجاج» متقاربة المعاني ومتشابهة فيما بينها، لكن بعض المحققين يرى أنّ «المراء» فيه نوع من المذمّة، لأنّه يستعمل أحياناً في الإِستدلال في المسائل الباطلة، ولكن ذلك المفهوم لا يدخل في كلمتي «الجدال والمجادلة»، والفرق بين الجدال والحجاج، أن الجدال يستعمل ليلفت الطرف المقابل ويبعده عن عقيدته، أمّا الحجاج فعلى العكس من ذلك بأن يُدعى الشخص إِلى العقيدة الفلانية بالإِستدلال والبرهان.
لقد أجاب نوح(عليه السلام) بجملة قصيرة على هذه اللجاجة والحماقة وعدم الإِعتناء بقوله: { قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ} فذلك خارج من يدي على كل حال وليس باختياري، إِنّما أنا رسوله ومطيع لأمره، فلا تطلبوا منّي العذاب والعقاب! .. ولكن حين يحل عذابه فاعلموا أنّكم لا تقدرون أن تفرّوا من يد قدرته أوتلجأوا إِلى مأمن آخر { وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ}.
و«المعجز» مشتق من مادة «الإِعجاز» وهي بمعنى سلب القدرة من الغير، وتستعمل هذه الكلمة أحياناً في موارد يكون الإِنسان مانعاً لعمل الآخر أولصده عن سبيله فيُعجزه عن القيام بأي عمل، وأحياناً تستعمل في فرار الإِنسان من يد الآخر وخروجه من هيمنته فلا يقدر عليه، وأحياناً تستعمل في تكبيل الآخر بالوثاق، أوبجعله مصوناً .. الخ.
فكل هذه المعاني من أوجه الإِعجاز وسلب القدرة من الطرف الآخر.
الآية الآنفة الذكر تحتمل جميع هذه المعاني، لأنّه لا منافاة بين جميع هذه المعاني، فكلها تعني أنّ لا حيلة تخلصكم وتجعلكم في أمان من عذابه.
ثمّ يضيف: وإِذا كان الله يريد أن يضلكم ويغويكم ـ لما أنتم عليه من الذنوب والتلوّث الفكري والجسدي ـ فلا فائدة من نصحي لكم إِذاً { وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ } فهو وليكم وأنتم في قبضته { هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.
سؤال: مع مطالعة هذه الآية يثور هذا السؤال فوراً ـ كما أن كثيراً من المفسّرين أشاروا إِليه أيضاً ـ وهو: هل يمكن أن يريد الله الغواية والضلال لعباده؟ ثمّ أليس هذا دليلا على الجبر؟ وهل يتوافق هذا المعنى مع أصل حرية الإِرادة والإِختيار للانسان؟
والجواب: كما اتّضح من ثنايا البحث المتقدم ـ وما أشرنا إِليه مرات عديدة ـ أنّه قد تصدر من الإِنسان ـ أحياناً ـ سلسلة من الأعمال التي تكون نتيجتها الغواية والإِنحراف الدائمي وعدم العودة إِلى الحق، اللجاجة المستمرة والإِصرار على الذنوب والعداء الدائم لطلاب الحق والقادة الصادقين.. كل هذه الأُمور تلقي على فكر الإِنسان حجاباً يفقده القدرة على رؤية أقل شعاع لشمس الحقيقة والحق، ولأنّ هذه الحالة من نتائج الأعمال التي يقوم بها الإِنسان، فلا تكون دليلا على الجبر، بل هي عين الإِختيار، والذي يتعلق بالله تعالى أنّه جعل في مثل هذه الأعمال أثراً.
هناك آيات عديدة في القرآن تشير إِلى هذه الحقيقة، وقد أشرنا الى ذلك في ذيل الآية (7) من سورة البقرة وآيات أُخرى يمكن مراجعتها ..
وفي آخر الآية ـ محل البحث ورد كلام بمثابة الجملة المعترضة ليؤكّد المواضيع التي بحثت قصّة نوح في الآيات السابقة واللاحقة، فتبيّن الآية أن الأعداء يقولون: إِنّ هذا الموضوع صاغه «محمّد» من قبل نفسه ونسبه إلى الله { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ}.
ففي جواب ذلك قُلْ يا رسول الله: إِن كان ذلك من عندي ونسبته إِلى الله فذنبه عليّ { قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي} ولكني بريء من ذنوبكم { وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ}.
____________________
1- تفسير الامثل ،مكارم الشيرازي،ج6،ص63-65.