تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير الآية (39-42) من سورة النور
المؤلف: المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: الجزء والصفحة : ......
9-8-2020
7472
قال تعالى : {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [النور: 39 - 42].
وجد أمر الله، ووجد جزاء الله. وقيل: معناه وجد الله عنده بالمرصاد، فأتم له جزاه.
(والله سريع الحساب) لا يشغله حساب عن حساب فيحاسب الجميع على أفعالهم في حالة واحدة. وسئل أمير المؤمنين عليه السلام. كيف يحاسبهم في حالة واحدة؟ فقال: كما يرزقهم في حالة واحدة. وقيل: إن المراد به عتبة بن ربيعة، كان يلتمس الدين في الجاهلية، ثم كفر في الاسلام، عن مقاتل. ثم ذكر مثلا آخر لأعمالهم، فقال: (أو كظلمات) أي: أو أفعالهم مثل ظلمات (في بحر لجي) أي. عظيم اللجة لا يرى ساحله. وقيل: هو العميق الذي يبعد عمقه، عن ابن عباس. (يغشاه موج) أي. يعلو ذلك البحر اللجي موج.
(من فوقه موج) أي: فوق ذلك الموج موج (من فوقه سحاب) أي: من فوق الموج سحاب (ظلمات بعضها فوق بعض) يعني ظلمة البحر، وظلمة الموج، وظلمة السحاب، والمعنى: إن الكافر يعمل في حيرة، ولا يهتدي لرشده، فهو من جهله وحيرته، كمن هو في هذه الظلمات، لأنه من عمله وكلامه واعتقاده، متقلب في ظلمات. وروي عن أبي أنه قال. إن الكافر يتقلب في خمس ظلمات: كلامه ظلمة، وعمله ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه ظلمة، ومصيره يوم القيامة إلى الظلمة، وهي النار (إذا أخرج يده لم يكد يراها) اختلف في معناه فقيل: لا يراها، ولا يقارب رؤيتها، فهو نفي للرؤية، ونفي مقاربة الرؤية، لأن دون هذه الظلمة لا يرى فيها، عن الحسن، وأكثر المفسرين، ويدل عليه قول ذي الرمة :
إذا غير النأي المحبين لم يكد، * على كل حال، حب مية يبرح (2) ويروى: " رسيس الهوى من حب مية يبرح ". وقال آخر: (ما كدت أعرف إلا بعد إنكاري " وقال الفراء. كاد صلة، والمعنى. إنه لم يرها إلا بعد جهد ومشقة رؤية تخيل لصورتها، لأن حكم كاد إذا لم يدخل عليها حرف نفي، أن تكون نافية، وإذا دخلها دلت على أن يكون الأمر وقع بعد بطء، عن المبرد. (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) أي: من لم يجعل الله له نجاة وفرجا، فما له من نجاة وقيل.
ومن لم يجعل الله له نورا في القيامة، فما له من نور.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}.
ثم ذكر سبحانه الآيات التي جعلها نورا للعقلاء العارفين بالله وصفاته، فقال: {ألم تر} أي: ألم تعلم يا محمد، لأن ما ذكر في الآية لا يرى بالأبصار، وإنما يعلم بالأدلة. والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والمراد به جميع المكلفين {أن الله يسبح له من في السماوات والأرض} والتسبيح: التنزيه لله تعالى عما لا يجوز عليه، ولا يليق به أي: ينزهه أهل السماوات وأهل الأرض بألسنتهم. وقيل: عنى به العقلاء وغيرهم. وكنى عن الجميع بلفظة {من} تغليبا للعقلاء على غيرهم.
{والطير} أي: ويسبح له الطير {صافات} أي: واقفات في الجو مصطفات الأجنحة في الهواء، وتسبيحها: ما يرى عليها من آثار الحدوث.
{كل قد علم صلاته وتسبيحه} معناه: إن جميع ذلك قد علم الله تعالى دعاءه إلى توحيده، وتسبيحه، وتنزيهه. وقيل: إن الصلاة للإنسان، والتسبيح لكل شئ، عن مجاهد، وجماعة. وقيل: معناه كل واحد منهم قد علم صلاته وتسبيحه أي: صلاة نفسه، وتسبيح نفسه، فيؤديه في وقته، فيكون الضمير في علم الكل، وفي الأول يعود الضمير إلى اسم الله تعالى، وهو أجود، لأن الأشياء كلها لا يعلم كيفية دلالتها على الله، وإنما يعلم الله تعالى ذلك. {والله عليم بما يفعلون} أي:
عالم بأفعالهم فيجازيهم بحسبها {ولله ملك السماوات والأرض} والملك: المقدور الواسع لمن يملك السياسة والتدبير. فملك السماوات والأرض، لا يصح إلا لله وحده، لأنه القادر على الأجسام، لا يقدر على خلقها غيره. فالملك التام لا يصح إلا له سبحانه. {وإلى الله المصير} أي: المرجع يوم القيامة.
__________________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي ،ج7،ص256-259.
(21) مية: اسم محبوبة ذي الرمة. والنأي. البعد. يقول: إن العشاق إذا بعدوا عمن يحبون، زالت المحبة عنهم. وأما أنا فعلى كل حال لا يزول حبها عن قلبي. ورسيس الهوى على الرواية الثانية: مسه وأثره وبقيته.
{ والَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً } . المراد بالكافرين هنا من جحد نبوة محمد (صلى الله عليه واله وسلم)تعصبا وعنادا ، أو عن إهمال وتقصير ، أي لم يبحث عن الحقيقة ، وهو قادر على البحث والنظر . . بعد أن ذكر سبحانه الذين لا تلهيهم تجارة عن ذكر اللَّه ، وانه يجزيهم أحسن ما عملوا ذكر هؤلاء الجاحدين ، وانهم وثقوا بالباطل ، واعتقدوه حقا ينفعهم عند اللَّه ، تماما كالظامئ يثق بالسراب الغرّار الخدوع ، فإذا أراد أن ينهل منه وجده هجيرا يزيده ظمأ على ظمأ . . ولا يختص هذا الوصف بمن كفر باللَّه أو بنبوة محمد (صلى الله عليه واله وسلم). . كلا ، فإنه ينطبق على الكثيرين من أمة محمد (صلى الله عليه واله وسلم)الذين يظنون بأنفسهم الخير والتقوى ، وهم مطية الشيطان ، وأعداء الرحمن . .
وهل يجتمع الخير والتقوى مع الغرور والحقد على عباد اللَّه ، والتكالب على الدنيا وحطامها ؟ .
{ ووَجَدَ اللَّهً عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ واللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ } . وجد اللَّه أي وجد حسابه وجزاءه ، وضمير عنده يعود إلى العمل ، أو إلى المجيء الذي دلت عليه كلمة جاءه ، والمعنى ان الكافر يعتقد ، وهو في دار الدنيا انه سوف ينجو من عذاب اللَّه بما قدم من صالح الأعمال . . ولكنه حين يقف بين يدي اللَّه لنقاش الحساب لا يجد شيئا مما توهم وتخيل ، بل يجد ذنوبا وآثاما ، وحسابا وعقابا ، وخاب منه الأمل تماما كما خاب من وثق بالسراب .
{ أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها } . بحر عميق الغور ، تتراكب فوقه الأمواج الواحدة فوق الأخرى ، وفوق الجميع سحاب ثقيل كثيف . . وهذا أبلغ تشبيه لأهل الشهوات والأهواء الذين غرقوا في بحر القبائح والرذائل : كذب ورياء وحقد ودس وغرور وكبرياء وطمع وحرص . . إلى ما لا نهاية ، ومن عاش في هذه الظلمات التي لا يرى فيها شيئا كيف يرى الحقيقة ويدركها ؟
{ ومَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ } . قال الطبرسي : المراد من لم يجعل اللَّه له نجاة في الآخرة فلا نجاة له . والذي نفهمه نحن ان الذين لا يهتدون إلى طريق الحق الذي أرشدهم اللَّه إليه فإنهم يعيشون في حيرة الجهل والضلالة .
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهً يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ والأَرْضِ والطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وتَسْبِيحَهُ واللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ } . انظر الآية 44 من سورة الإسراء ، فقرة « كل شيء يسبح بحمده » { ولِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ والأَرْضِ } لأنه خالقهما ، والخالق هو المالك الحق { وإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ } للحساب والجزاء .
____________________
1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنيه ، ج5 ، ص426-429.
قوله تعالى: { والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء } إلى آخر الآية. السراب هو ما يلمع في المفازة كالماء ولا حقيقة له، والقيع والقاع هو المستوى من الأرض ومفرداهما القيعة والقاعة كالتينة والتمرة، والظمآن هو العطشان.
لما ذكر سبحانه المؤمنين ووصفهم بأنهم ذاكرون له في بيوت معظمة لا تلهيهم عنه تجارة ولا بيع، وأن الله الذي هو نور السماوات والأرض يهديهم بذلك إلى نوره فيكرمهم بنور معرفته قابل ذلك بذكر الذين كفروا فوصف أعمالهم تارة بأنها لا حقيقة لها كسراب بقيعة فلا غاية لها تنتهي إليها، وتارة بأنها كظلمات بعضها فوق بعض لا نور معها وهي حاجزة عن النور، وهذه الآية هي التي تتضمن الوصف الأول.
فقوله: { والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا } شبه أعمالهم - وهي التي يأتون بها من قرابين وإذكار وغيرهما من عباداتهم يتقربون بها إلى آلهتهم - بسراب بقيعة يحسبه الانسان ماء ولا حقيقة له يترتب عليها ما يترتب على الماء من رفع العطش وغير ذلك.
وإنما قيل: يحسبه الظمآن ماء مع أن السراب يتراءى ماء لكل راء لان المطلوب بيان سيره إليه ولا يسير إليه إلا الظمآن يدفعه إليه ما به من ظماء، ولذلك رتب عليه قوله: { حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، كأنه قيل: كسراب بقيعة يتخيله الظمآن ماء فيسير إليه ويقبل نحوه ليرتوي ويرفع عطشه به، ولا يزال يسير حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
والتعبير بقوله: { جاءه } دون أن يقال: بلغه أو وصل إليه أو انتهى إليه ونحوها للايماء إلى أن هناك من يريد مجيئه وينتظره انتظارا وهو الله سبحانه، ولذلك أردفه بقوله: { ووجد الله عنده فوفاه حسابه } فأفاد أن هؤلاء يريدون بأعمالهم الظفر بأمر تبعثهم نحو فطرتهم وجبلتهم وهو السعادة التي يريدها كل إنسان بفطرته وجبلته لكن أعمالهم لا توصلهم إليه، ولا أن الآلهة التي يبتغون بأعمالهم جزاء حسنا منهم لهم حقيقة بل الذي ينتهي إليه أعمالهم و يحيط هو بها ويجزيهم هو الله سبحانه فيوفيهم حسابهم، وتوفية الحساب كناية عن الجزاء بما يستوجبه حساب الأعمال وإيصال ما يستحقه صاحب الأعمال.
ففي الآية تشبيه أعمالهم بالسراب، وتشبيههم بالظمآن الذي يريد الماء وعنده عذب الماء لكنه يعرض عنه ولا يصغى إلى مولاه الذي ينصحه ويدعوه إلى شربه بل يحسب السراب ماء فيسير إليه ويقبل نحوه، وتشبيه مصيرهم إلى الله سبحانه بحلول الآجال وعند ذلك تمام الأعمال بالظمآن السائر إلى السراب إذا جاءه وعنده مولاه الذي كان ينصحه ويدعوه إلى شرب الماء.
فهؤلاء قوم ألهوا عن ذكر ربهم والأعمال الصالحة الهادية إلى نوره وفيه سعادتهم وحسبوا أن سعادتهم عند غيره من الآلهة الذين يدعونهم، والأعمال المقربة إليهم وفيها سعادتهم فأكبوا على تلك الأعمال السرابية استوفوا ما يمكنهم أن يأتوا بها مدة أعمارهم حتى حلت آجالهم وشارفوا الدار الآخرة فلم يجدوا شيئا مما يؤملونه من أعمالهم ولا أثرا من ألوهية آلهتهم فوفاهم الله حسابهم والله سريع الحساب.
وقوله: { والله سريع الحساب } إنما هو لاحاطة علمه بالقليل والكثير والحقير والخطير والدقيق والجليل والمتقدم والمتأخر على حد سواء.
واعلم أن الآية وإن كان ظاهرها بيان حال الكفار من أهل الملل وخاصة المشركين من الوثنيين لكن البيان جار في غيرهم من منكري الصانع فإن الانسان كائنا من كان يرى لنفسه سعادة في الحياة ولا يرتاب أن الوسيلة إلى نيلها أعماله التي يأتي بها فإن كان ممن يقول بالصانع ويراه المؤثر في سعادته بوجه من الوجوه توسل بأعماله إلى تحصيل رضاه والفوز بالسعادة التي يقدرها له، وإن كان ممن ينكره وينهي التأثير إلى غيره توسل بأعماله إلى توجيه ما يقول به من المؤثر كالدهر والطبيعة والمادة نحو سعادة حياته الدنيا التي لا يقول بما وراءها.
فهؤلاء يرون المؤثر الذي بيده سعادة حياتهم غيره تعالى ولا مؤثر غيره ويرون مساعيهم الدنيوية موصلة لهم إلى سعادتهم وليست إلا سرابا لا حقيقة له ولا يزالون يسعون حتى إذا تم ما قدر لهم من الأعمال بحلول ما سمي لهم من الآجال لم يجدوا عندها شيئا وعاينوا أن ما كانوا يتمنون منها لم يكن إلا طائف خيال أو حلم نائم، وعند ذلك يوفيهم الله حسابهم والله سريع الحساب.
قوله تعالى: { أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب } تشبيه ثان لاعمالهم يظهر به أنها حجب متراكمة على قلوبهم تحجبهم عن نور المعرفة، وقد تكرر في كلامه تعالى أنهم في الظلمات كقوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [البقرة: 257] ، وقوله: {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } [الأنعام: 122] ، وقوله: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 14، 15].
وقوله: { أو كظلمات في بحر لجي } معطوف على { سراب } في الآية السابقة، والبحر اللجي هو البحر المتردد أمواجه منسوب إلى لجة البحر وهي تردد أمواجه، والمعنى: أعمالهم كظلمات كائنة في بحر لجي.
وقوله { يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب } صفة البحر جئ بها لتقرير الظلمات المفروضة فيه فصفته أنه يغشاه ويحيط به موج كائن من فوقه موج آخر كائن من فوقه سحاب يحجبنه جميعا من الاستضاءة بأضواء الشمس والقمر والنجوم.
وقوله: { ظلمات بعضها فوق بعض } تقرير لبيان أن المراد بالظلمات المفروضة الظلمات المتراكمة بعضها على بعض دون المتفرقة، وقد أكد ذلك بقوله: { إذا أخرج يده لم يكد يراها } فإن أقرب ما يشاهده الانسان منه هو نفسه وهو أقدر على رؤية يده منه على سائر أعضائه لأنه يقربها تجاه باصرته كيفما أراد فإذا أخرج يده ولم يكد يراها كانت الظلمة بالغة.
فهؤلاء وهم سائرون إلى الله وصائرون إليه من جهة أعمالهم كراكب بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب في ظلمات متراكمة كأشد ما يكون ولا نور هناك يستضئ به فيهتدي إلى ساحل النجاة.
وقوله: { ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور } نفي للنور عنهم بأن الله لم يجعله لهم، كيف لا؟ وجاعل النور هو الله الذي هو نور كل شئ، فإذا لم يجعل لشئ نورا لم يكن له نورا إذ لا جاعل غيره تعالى.
قوله تعالى: { ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات } إلى آخر الآية لما ذكر سبحانه أنه نور تستنير به السماوات والأرض وأنه يختص بمزيد نوره المؤمنين من عباده والذين كفروا لا نصيب لهم من ذلك شرع يحتج على ذلك بما في هذه الآية والآيات الأربع التالية لها.
فكونه تعالى نور السماوات والأرض يدل عليه أن ما في السماوات والأرض موجود بوجود ليس من عنده ولا من عند شئ مما فيهما لكونه مثله في الفاقة، فوجود ما فيهما من موجود من الله الذي ينتهي إليه الحاجات.
فوجود كل شئ مما فيهما كما يظهر به نفس الوجود يدل على من يظهره بما أفاض عليه من الوجود فهو نور يستنير به الشئ ويدل على منوره بما أشرق عليه من النور وأن هناك نورا يستنير به كل شئ فكل شئ مما فيهما يدل على أن وراءه شيئا منزها من الظلمة التي غشيته، والفاقة التي لزمته، والنقص الذي لا ينفك عنه، وهذا هو تسبيح ما في السماوات والأرض له سبحانه، ولازمه نفي الاستقلال عن كل من سواه وسلب أي إله ورب يدبر الامر دونه تعالى.
وإلى ذلك يشير قوله: { ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه } وبه يحتج تعالى على كونه نور السماوات والأرض لان النور هو ما يظهر به الشئ المستنير ثم يدل بظهوره على مظهره، وهو تعالى يظهر ويوجد بإظهاره وإيجاده الأشياء ثم يدل على ظهوره ووجوده.
وتزيد الآية بالإشارة إلى لطائف يكمل بها البيان:
منها: اختصاصها من في السماوات والأرض والطير صافات وهم العقلاء وبعض ذوات الروح بالذكر مع عموم التسبيح لغيرهم لقوله: { وإن من شئ إلا يسبح بحمده }.
ولعل ذلك من باب اختيار أمور من أعاجيب الخلقة للذكر فإن ظهور الموجود العاقل الذي يدل عليه لفظ من في السماوات والأرض من عجيب أمر الخلقة الذي يدهش لب ذي اللب، كما أن صفيف الطير الصافات في الجو من أعجب ما يرى من أعمال الحيوان ذي الشعور وأبدعه.
ويظهر من بعضهم أن المراد بقوله: { من في السماوات } الخ، جميع الأشياء وإنما عبر بلفظ أولي العقل لكون التسبيح المنسوب إليها من شؤون أولى العقل أو للتنبيه على قوة تلك الدلالة ووضوح تلك الإشارة تنزيلا للسان الحال منزلة المقال.
وفيه أنه لا يلائم إسناد العلم إليها في قوله بعد: { كل قد علم صلاته وتسبيحه }. ومنها: تصدير الكلام بقوله: { ألم تر } وفيه دلالة على ظهور تسبيحهم ووضوح دلالتهم على التنزيه بحيث لا يرتاب فيه ذو ريب فكثيرا ما يعبر عن العلم الجازم بالرؤية كما في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [إبراهيم: 19] ، والخطاب فيه عام لكل ذي عقل وإن كان خاصا بحسب الفظ.
ومن الممكن أن يكون خطابا خاصا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد كان أراه الله تسبيح من في السماوات والأرض والطير صافات فيما أراه من ملكوت السماوات والأرض وليس ببدع منه صلى الله عليه وآله وسلم وقد أرى الناس تسبيح الحصاة في كفه كما وردت به الأخبار المعتبرة.
ومنها: أن الآية تعمم العلم لكل ما ذكر في السماوات والأرض والطير، وقد تقدم بعض البحث عنه في تفسير قوله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] ، وستجئ تتمة الكلام فيه في تفسيره سورة حم السجدة إن شاء الله.
وقول بعضهم: إن الضمير في قوله: { قد علم } راجع إليه تعالى، يدفعه عدم ملائمته للسياق وخاصة لقوله بعده: { والله عليم بما يفعلون } ونظيره قول آخرين: إن إسناد العلم إلى مجموع ما تقدم من المجاز بتنزيل غير العالم منزلة العالم لقوة دلالته على تسبيحه وتنزيهه.
ومنها: تخصيصها التسبيح بالذكر مع أن الأشياء تشير إلى صفات كماله تعالى وهو التحميد كما تسبحه على ما يدل عليه البرهان ويؤيده قوله: { وإن من شئ إلا يسبح بحمده } ولعل الوجه فيه كون الآيات مسوقة للتوحيد ونفي الشركاء وذلك بالتنزيه أمس فإن من يدعو من دون الله إلها آخر أو يركن إلى غيره نوعا من الركون إنما يكفر بإثبات خصوصية وجود ذلك الشئ للاله تعالى فنفيه إنما يتأتى بالتنزيه دون التحميد فافهمه. وأما قوله: { كل قد علم صلاته وتسبيحه } فصلاته دعاؤه والدعاء توجيه من الداعي للمدعو إلى حاجته ففيه دلالة على حاجة عند الداعي المدعو في غنى عنها فهو أقرب إلى الدلالة على التنزيه منه على الثناء والتحميد.
ومنها: أن الآية تنسب التسبيح والعلم به إلى من في السماوات والأرض فيعم المؤمن والكافر، ويظهر بذلك أن هناك نورين: نور عام يعم الأشياء والمؤمن والكافر فيه سواء، وإلى ذلك تشير آيات كآية الذر: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172] ، وقوله:
{فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: 22] ، إلى غير ذلك، ونور خاص وهو الذي تذكرة الآيات ويختص بأوليائه من المؤمنين.
فالنور الذي ينور تعالى به خلقه كالرحمة التي يرحمهم بها قسمان: عام وخاص وقد قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156] ، وقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ} [الجاثية: 30] وقد جمع بينهما في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا} [الحديد: 28] ، وما ذكر فيه من النور هو النور على نور بحذاء الثاني من كفلي الرحمة.
وقوله: { والله عليم بما يفعلون } ومن فعلهم تسبيحهم له سبحانه، وهذا التسبيح وإن كان في بعض المراحل هو نفس وجودهم لكن صدق اسم التسبيح يجوز أن يعد فعلا لهم بهذه العناية.
وفي ذكر علمه تعالى بما يفعلون عقيب ذكر تسبيحهم ترغيب للمؤمنين وشكر لهم بأن ربهم يعلم ذلك منهم وسيجزيهم جزاء حسنا، وإيذان بتمام الحجة على الكافرين، فإن من مراتب علمه تعالى كتب الأعمال والكتاب المبين التي تثبت فيها أعمالهم فيثبت فيها تسبيحهم بوجودهم ثم إنكارهم بألسنتهم.
قوله تعالى: { ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير } سياق الآية وقد وقعت بين قوله: { ألم تر أن الله سبح له } الخ، وهو احتجاج على شمول نوره العام لكل شئ، وبين قوله: { ألم تر أن الله يزجي: الخ، وما يتعقبه وهو إحتجاج على اختصاص النور الخاص، يعطي أنها كالمتوسط بين القبيلين أعني بين الامرين يحتج بها على كليهما، فملكه تعالى لكل شئ وكونه مصيرا لها هو دليل على تعميمه نوره العام تخصيصه نوره الخاص يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
فقوله: { ولله ملك السماوات والأرض } يخص الملك ويقصره فيه تعالى فله أن يفعل ما يشاء ويحكم بما يريد لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ولازم قصر الملك فيه كونه هو المصير لكل شئ وإذ كان لا مليك إلا هو واليه مرجع كل شئ ومصيره فله أن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
ومن هنا يظهر أن المراد - والله أعلم - بقوله: } وإلى الله المصير } مرجعيته تعالى في الأمور دون المعاد نظير قوله: {أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى: 53].
__________________
1- تفسير الميزان الطباطبائي، ج15 ، ص105-110.
أعمال سرابية:
تحدثت الآيات السابقة عن نور الله، نور الإيمان والهداية. ولإتمام هذا البحث ولتوضيح المقارنة بين الذين نوّر الله قلوبهم وبين الآخرين تناوَلَتْ هذه الآيات عالَم الكفر والجهل والإلحاد المظلم، وتحدثت عن الكفار والمنافقين الذين وجودهم {ظلمات بعضها فوق بعض} خلافاً للمؤمنين الذين أصبحت حياتهم وأفكارهم {نور على نور}.
الكلام في الآية الأُولى عن الذين يبحثون عن الماء في صحراءَ جاقّة حارقة، ولا يجدون غير السراب فيموتون عطشاً، في الوقت الذي عثر فيه المؤمنون على نور الإِيمان، ومنبع الهداية الرائعة، فاستراحوا بجنبها، فتقول أوّلا: {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً} ولكن يجد الله عند أعماله {ووجد الله عنده فوفّاه حسابه والله سريع الحساب}.
«السراب» مشتق من السرب على وزن «حَرْبْ» بمعنى الطريق المنحدر، وتطلق كلمة السراب على لمعان يشاهد في الصحارى والمنحدرات من بعيد وكأنّه ماء، وما هو إلاّ إنعكاسٌ لأشعة الشمس(2).
ويرى البعض أنّ «القيعة» جمع «قاعة»، بمعنى الأرض الواسعة التي لاماء ولا نبات فيها، ويطلق ذلك على الصحاري التي يظهر فيها السراب في معظم الأحيان، إلاّ أنَّ بَعْضَ المفسّرين واللغويين يرون أنّ هذه الكلمة مفردة، وجمعها «قيعان» أو «قيعات»(3).
ورغم عدم وجود الفرق مِنْ حيثُ المعنى، فإنّ الآيَةُ تُوجِبُ أَن تكون هذه الكلمة مفردة، لأَنّها ذكرت السراب مفرداً والسراب الواحد يكون في أرض واحدة طبعاً.
ثمّ تناولت الآية الثّانية مثالا آخر لأعمال الكفار وقالت: {أو كظلمات في بحر لّجيّ يغشاه موج من فوقه من فوقه سحاب} وبهذا المنوال تكون {ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها}.
أجل، إنّ النور الحقيقي في حياة البشر هو نور الإِيمان فقط، ومن دونه تَسودُ الحياةُ الظلمات، ونور الإِيمان هذا إنّما هو لطفٌ من عندِ الله {ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور}.
ولفهم عمق هذا المثال لابدّ من الإهتمام بمعنى كلمة «اللجّيّ» وهو البحر الواسع والعميق. وبالأصل مشتقّة من «اللجاج» بمعنى متابعة عمل ما {التي تطلق عادة على الأعمال غير الصحيحة} ثمّ أُطلقت على تتابع أمواج البحر واستقرارها الواحدة بعد الأُخرى، ولقد استخدمت هذه الكلمة بهذا المعنى لأنّ البحر كلّما كان عميقاً وواسعاً تزداد أمواجه.
ولَوْ تصوَّرتُم بحراً هائجاً عميقاً، ومع علمنا أنَّ نور الشمسِ أقْوى أنواعِ النور، لكنّه لا ينفذ إلاّ بمقدار مُعيَّن في البحر، وآخر حدود نفوذه في العمق لا يتجاوز سبعمائة متر، حيث يسودُ الظلام الدائم أعماق البحار والمحيطات.
كما نعلم أَنّ الماء إذا كان هادئاً يعكسُ النورَ بشكل أفضل، بينما تكسر أمواج البحر أشعة الشمس، ولا تسمح لها بالنفوذ إلى العُمقِ إلاّ بِمقدارِ أقل. وإذا أضفنا إلى ذلك مسألة مرور سحاب داكن اللون فوق هذا البحر الهائج، فإنّ الظلام يَزْدادُ عُتمة وسواداً بشكل كبير(4).
إن الظلام في عمق البحر من جهة، وظلمة الأمواج الهائجة من جهة أُخرى، وظلمة الغيوم السوداء من جهة ثالثة، ظلمات متراكمة بعضها فوق بعض.
وفي مثل هذا الظلام لا يمكنُ رؤية أيّ شيء، مهما اقتَرب منّا، حتّى لو وضع الإنسان الشيء نُصبَ عينيه لما استطاع مشاهدته.
وهكذا حال الكفار الذين حرموا من نور الإِيمان فابتلوا بهذه الظلمات، خلافاً للمؤمنين الذين نوّر الله قلوبهم وطريقهم وهم مصداق {نور على نور}.
وقال بعض المفسّرين: إنّ هذه الظلمات ثلاثة أقسام، قد ابتلي غير المؤمنين
بها، وهي: ظلمة العقيدة الباطلة، وظلمة القول الخاطيء، وظلمة السلوك السيء، وبعبارة أُخرى: إنّ أعمالِ غير المؤمنين أساسها الفكري ظلمات. وكذلك أقوالَهُم التي هي انعكاس لعقائدهم، ثمّ انسجامها مع افعالهم الظلمانية.
وقال آخرون: إنَّ هذه الظلمات الثلاث عبارة عن مراحل جهل غيرِ المؤمنين، وأوّلها أنّهم لا يعلمون، وثانيتُها أنّهم لا يعلمون بأنّهم لا يعلمون، وثالثتها أنّهم مع كل هذا يتصوّرون أنّهم يعلمون، وبهذا يعيشون في جهل مركّب دَامِس.
وقال البعض الآخر: إنَّ أساس المعرفة ـ كما يقول القرآن المجيد ـ في ثلاثة أشياء: القلب والعين والأذن {وبالطبع يعني بالقلب العقل}. كما جاء في الآية (78) من سورة النحل: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة}(5). ولكن الكفار فقدوا بكفرهم نور العقل والسمع والبصر، فصاروا في ظلمات متراكمة.
ولا تناقض بين هذه التفاسير الثلاثة، كما هو واضح، إذ يمكن أن تشملهم هذه الآية جميعاً.
وعلى كلّ حال، فيمكننا أن نصل إلى استنتاج عام من الآيتين السابقتين. فقد شبّهت الآية أعمال غير المؤمنين بنور كاذب كسراب يراه ظمآن في صحراء جافة، لا يروي هذا السراب العطاشى أبداً، وإنّما يزيد في سعيهم للحصول على الماء فيرهقهم دون نتيجة تذكر.
ثمّ ينتقل القرآن من الحديث عن هذا النور الكاذب، الذي هو عبارة عن أعمال المنافقين إلى باطن هذه الأعمال، الباطن المظلم والمخيف والموحش حيث تتعطل فيه حواسٌ الإنسان، وتظلم عليه الدنيا حتى لا يرى نفسه، فكيف يمكه رؤية الآخرين.
وطبيعي أنّ المرءُ في هذه الظلمات في وحدة مطلقة وجهل دائم، لا يجد طريقه، ولا رفيق سفره، ولا موقف له، ولا يملك وسيلة للنجاة، لأنّه لم يكتسِب شيئاً من مصدر النور، أي الله سبحانه وتعالى، وقد ختم الله على قلبه بالجهل والضلال.
ولعلكم تتذكرون أنّنا قلنا: أنَّ النور مصدر أنواع الجمال والحياة والحركة، عكس الظلام الذي يعتبر مصدر القبائح والموت والعدم والسكون والسكوت.
الظلام مصدر الخوف والكراهية، وهو توأم الهمّ والغمّ، هكذا وضع الذين افتقدوا نور الإِيمان، وغرقوا في ظلمات الكفر.
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}.
الجميع يسبّح لله:
تحدثت الآيات السابقة عن نور الله، نور الهداية والإيمان، وعن الظلمات المضاعفة للكفر والضلال.
أمّا الآياتُ موضعُ البحث، فإنّها تتحدّث عن دلائل الأنوار الإلهية وأسباب الهداية، وتخاطب الآية النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فتقول: {ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض} وكذلك الطير يسبّحن لله في حال أنها باسطات اجنحتهن في السماء {والطير صافّات كل قد علم صلاته وتسبيحه}. {والله عليم بما يفعلون}.
وبما أنّ هذا التسبيح العام دليل على خلقِهِ تعالى لجميع المخلوقات، وخالقيته دليل على مالكيته للوجود كله، وكذلك دليل على أنَّ كُل ما في الوجود يرجع إليه سبحانه، فتضيف الآية {ولله ملك السموات والأرض وإلى الله المصير}.
________________
1- تفسير الامثل ، مكارم الشيرازي، ج9،ص93-87.
2 ـ يقول علماء الفيزياء المعاصرون: عند إرتفاع درجات الحرارة فالهواء المجاور للارض يتمدد ويزداد تخلخله فيختلف مع الطبقة المجاورة له، وبذلك تنعكس موجة الضوء ويحدث السراب.
3 ـ تراجع التفاسير التالية: مجمع البيان، روح المعاني، تفسير القرطبي، تفسير الفخر الرازي، ومفردات الراغب.
4 ـ يجب الإنتباه إلى أن «السحاب»يعني كما جاء من «لسان العرب» الغيوم الممطرة، وعادة تكون السحب المتراكمة أكثر عتمة.
5 ـ تفسير الفخر الرازي، للآية موضع البحث.