1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

تأملات قرآنية

مصطلحات قرآنية

هل تعلم

علوم القرآن

أسباب النزول

التفسير والمفسرون

التفسير

مفهوم التفسير

التفسير الموضوعي

التأويل

مناهج التفسير

منهج تفسير القرآن بالقرآن

منهج التفسير الفقهي

منهج التفسير الأثري أو الروائي

منهج التفسير الإجتهادي

منهج التفسير الأدبي

منهج التفسير اللغوي

منهج التفسير العرفاني

منهج التفسير بالرأي

منهج التفسير العلمي

مواضيع عامة في المناهج

التفاسير وتراجم مفسريها

التفاسير

تراجم المفسرين

القراء والقراءات

القرآء

رأي المفسرين في القراءات

تحليل النص القرآني

أحكام التلاوة

تاريخ القرآن

جمع وتدوين القرآن

التحريف ونفيه عن القرآن

نزول القرآن

الناسخ والمنسوخ

المحكم والمتشابه

المكي والمدني

الأمثال في القرآن

فضائل السور

مواضيع عامة في علوم القرآن

فضائل اهل البيت القرآنية

الشفاء في القرآن

رسم وحركات القرآن

القسم في القرآن

اشباه ونظائر

آداب قراءة القرآن

الإعجاز القرآني

الوحي القرآني

الصرفة وموضوعاتها

الإعجاز الغيبي

الإعجاز العلمي والطبيعي

الإعجاز البلاغي والبياني

الإعجاز العددي

مواضيع إعجازية عامة

قصص قرآنية

قصص الأنبياء

قصة النبي ابراهيم وقومه

قصة النبي إدريس وقومه

قصة النبي اسماعيل

قصة النبي ذو الكفل

قصة النبي لوط وقومه

قصة النبي موسى وهارون وقومهم

قصة النبي داوود وقومه

قصة النبي زكريا وابنه يحيى

قصة النبي شعيب وقومه

قصة النبي سليمان وقومه

قصة النبي صالح وقومه

قصة النبي نوح وقومه

قصة النبي هود وقومه

قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف

قصة النبي يونس وقومه

قصة النبي إلياس واليسع

قصة ذي القرنين وقصص أخرى

قصة نبي الله آدم

قصة نبي الله عيسى وقومه

قصة النبي أيوب وقومه

قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله

سيرة النبي والائمة

سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام

سيرة الامام علي ـ عليه السلام

سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله

مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة

حضارات

مقالات عامة من التاريخ الإسلامي

العصر الجاهلي قبل الإسلام

اليهود

مواضيع عامة في القصص القرآنية

العقائد في القرآن

أصول

التوحيد

النبوة

العدل

الامامة

المعاد

سؤال وجواب

شبهات وردود

فرق واديان ومذاهب

الشفاعة والتوسل

مقالات عقائدية عامة

قضايا أخلاقية في القرآن الكريم

قضايا إجتماعية في القرآن الكريم

مقالات قرآنية

التفسير الجامع

حرف الألف

سورة آل عمران

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة إبراهيم

سورة الإسراء

سورة الأنبياء

سورة الأحزاب

سورة الأحقاف

سورة الإنسان

سورة الانفطار

سورة الإنشقاق

سورة الأعلى

سورة الإخلاص

حرف الباء

سورة البقرة

سورة البروج

سورة البلد

سورة البينة

حرف التاء

سورة التوبة

سورة التغابن

سورة التحريم

سورة التكوير

سورة التين

سورة التكاثر

حرف الجيم

سورة الجاثية

سورة الجمعة

سورة الجن

حرف الحاء

سورة الحجر

سورة الحج

سورة الحديد

سورة الحشر

سورة الحاقة

الحجرات

حرف الدال

سورة الدخان

حرف الذال

سورة الذاريات

حرف الراء

سورة الرعد

سورة الروم

سورة الرحمن

حرف الزاي

سورة الزمر

سورة الزخرف

سورة الزلزلة

حرف السين

سورة السجدة

سورة سبأ

حرف الشين

سورة الشعراء

سورة الشورى

سورة الشمس

سورة الشرح

حرف الصاد

سورة الصافات

سورة ص

سورة الصف

حرف الضاد

سورة الضحى

حرف الطاء

سورة طه

سورة الطور

سورة الطلاق

سورة الطارق

حرف العين

سورة العنكبوت

سورة عبس

سورة العلق

سورة العاديات

سورة العصر

حرف الغين

سورة غافر

سورة الغاشية

حرف الفاء

سورة الفاتحة

سورة الفرقان

سورة فاطر

سورة فصلت

سورة الفتح

سورة الفجر

سورة الفيل

سورة الفلق

حرف القاف

سورة القصص

سورة ق

سورة القمر

سورة القلم

سورة القيامة

سورة القدر

سورة القارعة

سورة قريش

حرف الكاف

سورة الكهف

سورة الكوثر

سورة الكافرون

حرف اللام

سورة لقمان

سورة الليل

حرف الميم

سورة المائدة

سورة مريم

سورة المؤمنين

سورة محمد

سورة المجادلة

سورة الممتحنة

سورة المنافقين

سورة المُلك

سورة المعارج

سورة المزمل

سورة المدثر

سورة المرسلات

سورة المطففين

سورة الماعون

سورة المسد

حرف النون

سورة النساء

سورة النحل

سورة النور

سورة النمل

سورة النجم

سورة نوح

سورة النبأ

سورة النازعات

سورة النصر

سورة الناس

حرف الهاء

سورة هود

سورة الهمزة

حرف الواو

سورة الواقعة

حرف الياء

سورة يونس

سورة يوسف

سورة يس

آيات الأحكام

العبادات

المعاملات

القرآن الكريم وعلومه : التفسير الجامع : حرف الفاء : سورة الفرقان :

تفسير الآية (1-6) من سورة الفرقان

المؤلف:  إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية

المصدر:  تفاسير الشيعة

الجزء والصفحة:  .....

4-9-2020

14618

قال تعالى : {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } [الفرقان : 1 ، 6]

 

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{تبارك} تفاعل من البركة معناه عظمت بركاته وكثرت عن ابن عباس والبركة والكثرة من الخير وقيل معناه تقدس وجل بما لم يزل عليه من الصفات ولا يزال كذلك فلا يشاركه فيها غيره وأصله من بروك الطير فكأنه قال ثبت ودام فيما لم يزل ولا يزال عن جماعة من المفسرين وقيل معناه قام بكل بركة وجاء بكل بركة {الذي نزل الفرقان} أي القرآن الذي يفرق بين الحق والباطل والثواب والخطإ في أمور الدين بما فيه من الحث على أفعال الخير والزجر عن القبائح والشر {على عبده} محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) {ليكون} محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالقرآن {للعالمين} أي لجميع المكلفين من الإنس والجن {نذيرا} أي مخوفا بالعقاب وداعيا لهم إلى الرشاد .

ثم وصف سبحانه نفسه فقال {الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا} كما زعمت اليهود والنصارى والمشركون {ولم يكن له شريك في الملك} يشاركه فيما خلق ويمنعه عن مراده {وخلق كل شيء} مما يطلق عليه اسم المخلوق {فقدره تقديرا} على ما اقتضته الحكمة والتقدير تبيين مقادير الأشياء للعباد فيكون معناه قدر الأشياء بأن كتبها في الكتاب الذي كتبه الملائكة لطفا لهم وقيل خلق كل شيء فقدر طوله وعرضه ولونه وسائر صفاته ومدة بقائه عن الحسن .

ثم أخبر سبحانه عن الكفار فقال {واتخذوا من دونه} أي من دون الله {آلهة} من الأصنام والأوثان وجهوا عبادتهم إليها ثم وصف آلهتهم بما ينبىء أنها لا تستحق العبادة فقال {لا يخلقون شيئا وهم يخلقون} أي وهي مخلوقة مصنوعة {ولا يملكون لأنفسهم ضرا} فيدفعونه عن أنفسهم {ولا نفعا} فيجرونه إلى أنفسهم أي لا يقدرون على دفع ضر ولا على جر نفع {ولا يملكون موتا ولا حياة} أي لا يستطيعون إماتة ولا إحياء {ولا نشورا} ولا إعادة بعد الموت يقال أنشره الله فنشر فإن جميع ذلك يختص الله تعالى بالقدرة عليه والمعنى فكيف يعبدون من لا يقدر على شيء من ذلك ويتركون عبادة ربهم الذي يملك ذلك كله .

ثم أخبر سبحانه عن تكذيبهم بالقرآن فقال {وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه} أي ما هذا القرآن إلا كذب افتراه محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) واختلقه من تلقاء نفسه {وأعانه عليه قوم آخرون} قالوا أعان محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) على هذا القرآن عداس مولى حويطب بن عبد العزى ويسار غلام العلاء بن الحضرمي وحبر مولى عامر وكانوا من أهل الكتاب وقيل إنهم قالوا أعانه قوم اليهود عن مجاهد {فقد جاءوا ظلما وزورا} أي فقد قالوا شركا وكذبا حين زعموا أن القرآن ليس من الله ومتى قيل كيف اكتفي بهذا القدر في جوابهم قلنا إنه لما تقدم التحدي وعجزهم عن الإتيان بمثله اكتفي هاهنا بالتنبيه على ذلك {وقالوا أساطير الأولين اكتتبها} معناه وقالوا أيضا هذه أحاديث المتقدمين وما سطروه في كتبهم انتسخها وقيل استكتبها {فهي تملى عليه بكرة وأصيلا} أي تملى عليه طرفي نهاره حتى يحفظها وينسخها والأصيل العشي لأنه أصل الليل وأوله وفي هذا بيان مناقضتهم وكذبهم لأنهم قالوا افتراه ثم قالوا تملى عليه فقد افتراه غيره وقالوا أنه كتب وقد علموا أنه كان لا يحسن الكتابة فكيف كتب ولم يستكتب .

ثم قال سبحانه {قل} يا محمد لهم تكذيبا لقولهم {أنزله} أي أنزل القرآن {الذي يعلم السر} أي الخفيات {في السماوات والأرض} على ما اقتضاه علمه ببواطن الأمور لا على ما تقتضيه أهواء النفوس والصدور {إنه كان غفورا رحيما} حيث لم يعاجلهم بالعذاب بل أنعم عليهم بإرسال الرسول إليهم لتأكيد الحجة وقطع المعذرة .

________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج7 ، ص280-281 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً} . ان بركات اللَّه عظيمة ، ونعمه كثيرة ، وفي طليعتها هذا القرآن الذي نزله على عبده محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ، فإنه يهدي للتي هي أقوم ، وينذر من خالفه بعذاب أليم . . وقد وصف سبحانه محمدا بالعبودية مضافا إلى اللَّه تعظيما له وإجلالا ، لأن أعظم الناس من لا يذل ولا يخضع إلا لمن يستحيل في حقه الذل والخضوع . . وأحقر الناس وأذلهم من خضع لغير اللَّه أو اعتز بغير اللَّه . وتقدم نظير هذه الآية في أول سورة الكهف .

{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأَرْضِ ولَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ولَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} . هذا رد على عرب الجاهلية الذين أشركوا باللَّه ، وعلى النصارى الذين قالوا : المسيح ابن اللَّه ، ووجه الرد ان الكون بما فيه ومن فيه مملوك للَّه ، والمملوك لا يكون شريكا للمالك ، ولا ولدا له {وخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} بأسبابه وإتقانه ونظامه بحيث يؤدي وظيفته على أكمل وجه . . وبداهة انه لإمكان للصدفة في الإتقان والأحكام ، وانه ما لجأ إليها إلا جاهل أو مكابر .

{واتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وهُمْ يُخْلَقُونَ ولا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا ولا نَفْعاً ولا يَمْلِكُونَ مَوْتاً ولا حَياةً ولا نُشُوراً} . ان البديهيات يشترك في معرفتها العالم والجاهل ، لأن الإنسان يدركها بفطرته ، ولا يحتاج في معرفتها إلى دليل ، بل هي دليل على غيرها ، ومن أوضح البديهيات ان الإله يجب أن يكون قادرا على الخلق والنفع والضر والإحياء والإماتة والبعث والنشر بعد الموت . . والأصنام التي تعبدونها أيها المشركون لا تقدر على شيء من ذلك فكيف تكون آلهة ؟ .

ولما كان هذا الرد حجة واضحة تدمغ المشركين ، ولا تدع لهم مجالا للإنكار والجدال فقد لجأوا إلى المناورات والافتراءات {وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} . هذا إشارة إلى القرآن ، وفاعل افتراه ضمير مستتر يعود إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ، والهاء تعود إلى القرآن . . لما ضاق أعداء الحق بالقرآن ومن أنزل على قلبه قالوا : ألفاظ القرآن وصياغتها من صنع محمد ، أما محتواه من أحكام ومواعظ وقصص وغيرها فهومن أهل الكتاب ، فلقد كانوا يمدون بها محمدا ، وهو بدوره يصوغها ببلاغته ، وينسبها إلى اللَّه . . ولا هدف له من وراء ذلك إلا شهوة الرياسة ، وحب التفوق والامتياز على الناس . . والذين ابتدعوا هذه الفرية هم بالذات أصحاب المناصب والامتيازات الذين غلبت عليهم شقوتهم وشهوتهم للسيادة والسيطرة على الفقراء والمستضعفين ، ابتدعوا هذه الفرية وهم على يقين من أن محمدا هو الصادق الأمين ، وان القرآن لا يشبه كلام الآدميين ، فلقد تحداهم به محمد من قبل ، وحاولوا فعجزوا . . ولو صح ان رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلّم) استعان على القرآن بأهل الكتاب لكان الأولى أن يستعين المشركون باليهود ويأتوا بسورة من مثله ، لأن المشركين واليهود قد تحالفوا وتكاتفوا ضد محمد والمسلمين ، ولكن ما ذا يصنعون ، وقد عجزوا عن مقابلة الحجة بالحجة ؟

هل ينقادون ويسلمون ؟ كيف ، والإسلام يساوي بين السيد القرشي والعبد الحبشي ، ولا يرى فضلا لمخلوق على مثله إلا بالتقوى ، ويحرم الظلم والاستغلال الذي تقوم عليه حياة المفترين والمعاندين ؟ . . إذن ، لا وسيلة للاحتفاظ بحياتهم هذه إلا الإشاعات والافتراءات ، والا ان يقال عن محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) : انه ساحر . .

كذاب . . مجنون . . وعن القرآن : انه أساطير الأولين ، جمعها محمد من هذا وذاك .

{فَقَدْ جاؤُوا ظُلْماً وزُوراً} . أتوا ظلما عظيما للَّه ولرسوله ولأنفسهم التي ساقوها إلى موارد التهلكة ، وأتوا زورا واضحا بنسبة الإفك إلى القرآن . . وكلمة الظلم والزور تشعر بأنهم نسبوا الافتراء إلى الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلّم) وهم يعلمون انهم لكاذبون . . وتجدر الإشارة إلى ما يجتره اليوم أعداء الإسلام ، ورددوه قبل اليوم - من أن محتوى القرآن مصدره التوراة والإنجيل - فهذا امتداد لما قاله الظالمون والمزورون في عهد رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلّم) ، وان الدافع على هذا الظلم والتزوير واحد ، وهو الخوف من الحق الذي يفضح هؤلاء وأولئك ، ويظهر للملأ مساوءهم ومقاصدهم .

{وقالُوا أَساطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وأَصِيلاً} . احتار المفترون ما ذا يقولون ؟ هل يشيعون ان محمدا درس علوم القرآن على غيره ؟ ومن يصدق ، وكل الناس يعلمون ان محمدا أمي لا يقرأ ولا يكتب ؟ وأخيرا خيل إليهم أنهم وجدوا المخرج ، وهوان يقولوا ويكذبوا ان القرآن لا شيء فيه سوى أساطير كتبت لمحمد ، وتليت عليه مرارا وتكرارا حتى حفظها ، ثم صاغها بأسلوبه وأذاعها على الناس على أنها من عند اللَّه لا من عنده . . وهكذا يفعل أرباب الأهداف والأغراض في كل زمان ومكان ، يشيعون ويفترون على الطيبين الأحرار لا لشيء إلا حرصا على عدوانهم وطغيانهم ، وإلا خوفا على مكاسبهم الظالمة من الحق وأهله . . ولكن أين المفر ؟ وهل تطفأ أنوار الشمس بالنفخ من الأفواه ؟ .

وهل الكواذب تغير الحقائق ؟ ان الكاذب مفضوح وملعون على كل لسان ، وان تستر بألف حجاب وحجاب . .

{قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ والأَرْضِ} . قل يا محمد : كلا ، ليس القرآن خرافة وأساطير ، ولا هو مأخوذ من التوراة والإنجيل . . انه علم ونور أنزله اللَّه على قلبك لتهدي به الأجيال إلى نهج الحق والخير والعدل ، انه من اللَّه الحكيم العليم بأسرار الكون ، وما يصلح الخلائق ويفسدهم ، وأنت تبلغهم عن اللَّه ما فيه خيرهم وشرهم ، ونجاتهم وهلاكهم {إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً} يرحم العاصي بالامهال ، مع التحذير والانذار ، ولا يعالجه بالعقوبة على خطيئته عسى أن يرجع إلى ربه ، ويتوب من ذنبه ، فإن فعل غفر له ، وعفا عما سلف ، وإلا لقي جزاءه وما يستحق من أليم العذاب .

------------------------------

1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج5 ، ص 448-450 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

غرض السورة بيان أن دعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دعوة حقة عن رسالة من جانب الله تعالى وكتاب نازل من عنده وفيها عناية بالغة بدفع ما أورده الكفار على كون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رسولا من جانب الله وكون كتابه نازلا من عنده ورجوع إليه كرة بعد كرة .

وقد استتبع ذلك شيئا من الاحتجاج على التوحيد ونفي الشريك وذكر بعض أوصاف يوم القيامة وذكر نبذة من نعوت المؤمنين الجميلة ، والكلام فيها جار على سياق الإنذار والتخويف دون التبشير .

والسورة مكية على ما يشهد به سياق عامة آياتها نعم ربما استثني منها ثلاث آيات وهي قوله تعالى : {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر - إلى قوله - غفورا رحيما} .

ولعل الوجه فيه اشتمالها على تشريع حرمة الزنا لكنك قد عرفت فيما أوردناه من أخبار آية الخمر من سورة المائدة أن الزنا والخمر كانا معروفين بالتحريم في الإسلام من أول ظهور الدعوة الإسلامية .

ومن العجيب قول بعضهم : إن السورة مدنية كلها إلا ثلاث آيات من أولها {تبارك الذي} - إلى قوله نشورا} .

قوله تعالى : {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا} البركة بفتحتين ثبوت الخير في الشيء كثبوت الماء في البركة بالكسر فالسكون مأخوذ من برك البعير إذا ألقى صدره على الأرض واستقر عليها ، ومنه التبارك بمعنى ثبوت الخير الكثير وفي صيغته دلالة على المبالغة على ما قيل ، وهو كالمختص به تعالى لم يطلق على غيره إلا على سبيل الندرة .

والفرقان هو الفرق سمي به القرآن لنزول آياته متفرقة أو لتمييزه الحق من الباطل ويؤيد هذا المعنى إطلاق الفرقان في كلامه تعالى على التوراة أيضا مع نزولها دفعة ، قال الراغب في المفردات : ، والفرقان أبلغ من الفرق لأنه يستعمل في الفرق بين الحق والباطل ، وتقديره كتقدير رجل قنعان يقنع به في الحكم ، وهو اسم لا مصدر فيما قيل ، والفرق يستعمل فيه وفي غيره .

انتهى .

والعالمون جمع عالم ومعناه الخلق قال في الصحاح : ، العالم الخلق والجمع العوالم ، والعالمون أصناف الخلق انتهى .

واللفظة وإن كانت شاملة لجميع الخلق من الجماد والنبات والحيوان والإنسان والجن والملك لكن سياق الآية - وقد جعل فيها الإنذار غاية لتنزيل القرآن - يدل على كون المراد بها المكلفين من الخلق وهم الثقلان : الإنس والجن فيما نعلم .

وبذلك يظهر عدم استقامة ما ذكره بعضهم أن الآية تدل على عموم رسالته (صلى الله عليه وآله وسلم) لجميع ما سوى الله فإن فيه غفلة عن وجه التعبير عن الرسالة بالإنذار ونظير الآية قوله تعالى : {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران : 42] وقوله : {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الجاثية : 16] .

والنذير بمعنى المنذر على ما قيل ، والإنذار قريب المعنى من التخويف .

فقوله تعالى : {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده} أي ثبت وتحقق خير كثير فيمن نزل الفرقان على عبده محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وثبوت الخير الكثير العائد إلى الخلق فيه تعالى كناية عن فيضانه منه على خلقه حيث نزل على عبده كتابا فارقا بين الحق والباطل منقذا للعالمين من الضلال سائقا لهم إلى الهدى .

والجمع في الآية بين نزول القرآن من عنده تعالى وكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رسولا منه نذيرا للعالمين مع تسمية القرآن فرقانا بين الحق والباطل وتوصيف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بكونه عبدا له نذيرا للعالمين المشعر بكونه مملوكا مأمورا لا يملك من نفسه شيئا كل ذلك تمهيد لما سيحكي - عن المشركين من طعنهم في القرآن بأنه افتراء على الله اختلقه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأعانه على ذلك قوم آخرون ، ومن طعنهم في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق وسائر ما تفوهوا به - وما يدفع به مطاعنهم .

فالمحصل أنه كتاب يفرق بحجته الباهرة بين الحق والباطل فلا يكون إلا حقا إذ الباطل لا يفرق بين الحق والباطل وإنما يشبه الباطل بالحق ليلبس على الناس ، وأن الذي جاء به عبد مطيع لله ينذر به العالمين ويدعوهم إلى الحق فلا يكون إلا على الحق ولوكان مبطلا لم يدع إلى الحق بل حاد عنه وانحرف على أن الله سبحانه يشهد في كلامه المعجز بصدق رسالته وأن الذي جاء به من الكتاب منزل من عنده .

ومن هنا يظهر ما في قول بعضهم : إن المراد بالفرقان مطلق الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء وبعبده عامة الأنبياء (عليهم السلام) ، ولا يخفى بعده من ظاهر اللفظ .

وقوله تعالى : {ليكون للعالمين نذيرا} اللام للتعليل وتدل على أن غاية تنزيل الفرقان على عبده أن يكون منذرا لجميع العالمين من الإنس والجن ، والجمع المحلى باللام يفيد الاستغراق ، ولا يخلو الإتيان بصيغة الجمع المحلى باللام من إشارة إلى أن للجميع إلها واحدا لا كما يذهب إليه الوثنيون حيث يتخذ كل قوم إلها غير ما يتخذه الآخرون .

والاكتفاء بذكر الإنذار دون التبشير لأن الكلام في السورة مسوق سوق الإنذار والتخويف .

قوله تعالى : {الذي له ملك السموات والأرض} إلى آخر الآية .

الملك بكسر الميم وفتحها قيام شيء بشيء بحيث يتصرف فيه كيف شاء سواء كان قيام رقبته به كقيام رقبة المال بمالكه بحيث كان له أنواع التصرف فيه أو قيامه به باستيلائه عليه بالتصرف بالأمر والنهي وأنواع الحكم كاستيلاء الملك على الناس من رعيته وما في أيديهم ، ويطلق على القسم الثاني الملك بضم الميم .

فالملك بكسر الميم أعم من الملك بضمها كما قال الراغب الملك بفتح الميم وكسر اللام – هو المتصرف بالأمر والنهي في الجمهور ، وذلك يختص بسياسة الناطقين ، ولهذا يقال : ملك الناس ولا يقال : ملك الأشياء - إلى أن قال - فالملك بالضم - ضبط الشيء المتصرف فيه بالحكم ، والملك - بالكسر - كالجنس للملك فكل ملك - بالضم - ملك بالكسر - وليس كل ملك - بالكسر - ملكا - بالضم - انتهى .

وربما يخص الملك بالكسر بما يتعلق بالرقبة ، والملك بالضم بغيره .

فقوله تعالى : {الذي له ملك السماوات والأرض} واللام للاختصاص - يفيد أن السماوات والأرض مملوكة له غير مستقلة بنفسها في جهة من جهاتها ولا مستغنية عن التصرف فيها بالحكم وأن الحكم فيها وإدارة رحاها يختص به تعالى فهو المليك المتصرف بالحكم فيها على الإطلاق .

وبذلك يظهر ترتب قوله : {ولم يتخذ ولدا} على ما تقدمه فإن الملك على الإطلاق لا يدع حاجة إلى اتخاذ الولد إذ اتخاذ الولد لأحد أمرين إما لكون الشخص لا يقوى على إدارة رحى جميع أموره ولا يملك تدبيرها جميعا فيتخذ الولد ليستعين به على بعض حوائجه والله سبحانه يملك كل شيء ويقوى على ما أراد ، وإما لكون الشخص محدود البقاء لا يملك ما يملك إلا في أمد محدود فيتخذ الولد ليخلفه فيقوم على أموره بعده والله سبحانه يملك كل شيء سرمدا ولا يعتريه فناء وزوال فلا حاجة له إلى اتخاذ الولد البتة وفيه رد على المشركين والنصارى .

وكذا قوله تعالى بعده : {ولم يكن له شريك في الملك} فإن الحاجة إلى الشريك إنما هي فيما إذا لم يستوعب الملك الأمور كلها وملكه تعالى عام لجميع الأشياء محيط بجميع جهاتها لا يشذ منه شاذ ، وفيه رد على المشركين .

وقوله تعالى : {وخلق كل شيء فقدره تقديرا} بيان لرجوع تدبير عامة الأمور إليه تعالى وحده بالخلق والتقدير فهورب العالمين لا رب سواه .

بيان ذلك أن الخلقة لما كانت بتوسيط الأسباب المتقدمة على الشيء والمقارنة له استلزم ذلك ارتباط وجودات الأشياء بعضها ببعض فيتقدر وجود كل شيء وآثار وجوده حسب ما تقدره العلل والعوامل المتقدمة عليه والمقارنة له فالحوادث الجارية في العالم على النظام المشهود مختلطة بالخلقة تابعة للعلل والعوامل المتقدمة والمقارنة وإذ لا خالق غير الله سبحانه فلا مدبر للأمر غيره فلا رب يملك الأشياء ويدبر أمرها غيره .

فكونه تعالى له ملك السماوات والأرض حاكما متصرفا فيها على الإطلاق يستلزم قيام الخلقة به إذ لو قامت بغيره كان الملك لذلك الغير ، وقيام الخلقة به يستلزم قيام التقدير به ، لكون التقدير متفرعا على الخلقة ، وقيام التقدير به يستلزم قيام التدبير به فله الملك والتدبير فهو الرب عز شأنه .

وملكه تعالى للسماوات والأرض وإن استلزم استناد الخلق والتقدير إليه لكن لما كان الوثنيون مع تسليمهم عموم ملكه يرون أن ملكه للجميع وربوبيته للكل لا ينافي ملك آلهتهم وربوبيتهم للبعض بتفويضه تعالى ذلك إليهم فكل من الآلهة مليك في صقع ألوهيته رب لمربوبيته والله سبحانه ملك الملوك ورب الأرباب وإله الآلهة .

فلذلك لم يكف قوله : {الذي له ملك السماوات والأرض} لإثبات اختصاص الربوبية به تعالى قبالهم بل احتج إلى الإتيان بقوله : {وخلق كل شيء فقدره تقديرا} .

فكأن قائلا يقول : هب أن ملكه للسماوات والأرض يغنيه عن اتخاذ الولد والشريك الموجب لسلب ملكه عن بعض الأشياء لكن لم لا يجوز أن يتخذ بعض خلقه شريكا لنفسه بتفويض بعض أمور العالم إليه مع كونه مالكا له ولما فوضه إليه وهذا هو الذي كانت يراه المشركون فقد كانوا يقولون في تلبية الحج لبيك لا شريك لك إلا شريكا هولك تملكه وما ملك .

فأجيب عنه بأن الخلق له سبحانه والتقدير يلازمه وإذا اجتمعا لزمهما التدبير فله سبحانه تدبير كل شيء فليس مع ملكه ملك ولا مع ربوبيته ربوبية .

فقد تحصل أن قوله : {الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك} مسوق لتوحيد الربوبية ونفي الولد والشريك من طريق إثبات الملك المطلق ، وأن قوله : {وخلق كل شيء فقدره تقديرا} تقرير وبيان لمعنى عموم الملك وأنه ملك متقوم بالخلق والتقدير موجب لتصديه تعالى لكل حكم وتدبير من غير أن يفوض شيئا من الأمر إلى أحد من الخلق .

وفي الآية والتي قبلها لهم أقوال أخر أغمضنا عن إيرادها لخلوها عن الجدوى .

قوله تعالى : {واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون} إلخ ، لما نعت نفسه بأنه خالق كل شيء ومقدره وأن له ملك السماوات والأرض وهكذا كان يجب أن يكون الإله المعبود ، أشار إلى ضلالة المشركين حيث عبدوا أصناما ليست بخالقة شيئا بل هي مخلوقة مصنوعة لهم ولا مالكة شيئا لأنفسهم ولا لغيرهم .

وضمير {واتخذوا} للمشركين على ما يفيده السياق وإن لم يسبق لهم ذكر ومثل هذا التعبير يفيد التحقير والاستهانة .

وقوله : {من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون} يريد به أصنامهم التي صنعوها بأيديهم بنحت أو نحوه ، وتوصيفها بالآلهة مع تعقيبها بمثل قوله : {لا يخلقون شيئا وهم يخلقون} إشارة إلى أن ليس لها من الألوهية إلا اسم سموها به من غير أن تتحقق من حقيقتها بشيء كما قال تعالى : { إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ } [النجم : 23] .

ووضع النكرة في قوله : {لا يخلقون شيئا} في سياق النفي مبالغة في تقريعهم حيث أعرضوا عن الله سبحانه وهو خالق كل شيء وتعلقوا بأصنام لا يخلقون ولا شيئا من الأشياء بل هم أردأ حالا من ذلك حيث إنهم مصنوعون لعبادهم مخلوقون لأوهامهم ، ونظير الكلام جار في قوله : {ضرا ولا نفعا} وقوله : {موتا ولا حياة ولا نشورا} .

وقوله : {ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا} نفي للملك عنهم وهو ضروري في الإله إذ كان عبادهم إنما يعبدونهم ليدفعوا عنهم الضر ويجلبوا إليهم النفع وإذ كانوا لا يملكون ضرا ولا نفعا حتى لأنفسهم لم تكن عبادتهم إلا خبلا وضلالا .

وبذلك يظهر أن في وقوع {لأنفسهم} في السياق زيادة تقريع والكلام في معنى الترقي أي لا يملكون لأنفسهم ضرا حتى يدفعوه ولا نفعا حتى يجلبوه فكيف لغيرهم؟ وقد قدم الضر على النفع لكون دفع الضرر أهم من جلب النفع .

وقوله : {ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا} أي لا يملكون موتا حتى يدفعوه عن عبادهم أو عمن شاءوا ولا حياة حتى يسلبوها عمن شاءوا أو يفيضوها على من شاءوا ولا نشورا حتى يبعثوا الناس فيجازوهم على أعمالهم ، وملك هذه الأمور من لوازم الألوهية .

وقوله تعالى : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان : 4 - 6]

تحكي الآيات عن المشركين ما طعنوا به في القرآن الكريم في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتجيب عنه .

قوله تعالى : {قال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون} إلخ في التعبير بمثل قوله : {وقال الذين كفروا} من غير أن يقال : وقالوا ، مع تقدم ذكر الكفار في قوله {واتخذوا من دونه آلهة} تلويح إلى أن القائلين بهذا القول هم كفار العرب دون مطلق المشركين .

والمشار إليه بقولهم : {إن هذا} القرآن الكريم ، وإنما اكتفوا بالإشارة دون أن يذكروه باسمه أو بشيء من أوصافه إزراء به وحطا لقدره .

والإفك هو الكلام المصروف عن وجهه ، ومرادهم بكونه إفكا افتراء كونه كذبا اختلقه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونسبه إلى الله سبحانه .

والسياق لا يخلو من إيماء إلى أن المراد بالقوم الآخرين بعض أهل الكتاب وقد ورد في بعض الآثار أن القوم الآخرين هم عداس مولى حويطب بن عبد العزى ويسار مولى العلاء بن الحضرمي وجبر مولى عامر كانوا من أهل الكتاب يقرءون التوراة أسلموا وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتعهدهم فقيل ما قيل .

وقوله : {فقد جاءوا ظلما وزورا} قال في مجمع البيان : ، إن جاء وأتى ربما كانا بمعنى فعل فيتعديان مثله فمعنى الآية فقد فعلوا ظلما وكذبا ، وقيل إن ظلما منصوب بنزع الخافض والتقدير فقد جاءوا بظلم ، وقيل : حال والتقدير فقد جاءوا ظالمين وهو سخيف .

وفيه ، أيضا : ومتى قيل : كيف اكتفى بهذا القدر في جوابهم؟ قلنا : لما تقدم التحدي وعجزهم عن الإتيان بمثله اكتفى هاهنا بالتنبيه على ذلك انتهى والظاهر أن الجواب عن قولهم : {إن هذا إلا إفك افتراه} إلخ ، وقولهم : {أساطير الأولين اكتتبها} إلخ ، جميعا هو قوله تعالى : {قل أنزله الذي يعلم السر} إلخ ، على ما سنبين والجملة أعني قوله : {فقد جاءوا ظلما وزورا} رد مطلق لقولهم وهو في معنى المنع مع السند وسنده الآيات المشتملة على التحدي .

وبالجملة معنى الآية : وقال الذين كفروا من العرب ليس هذا القرآن إلا كلاما مصروفا عن وجهه - حيث إنه كلام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد نسبه إلى الله - افترى به على الله وأعانه على هذا الكلام قوم آخرون وهم بعض أهل الكتاب فقد فعل هؤلاء الذين كفروا بقولهم هذا ظلما وكذبا .

قوله تعالى : {وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا} الأساطير جمع أسطورة بمعنى الخبر المكتوب ويغلب استعماله في الأخبار الخرافية والاكتتاب هو الكتابة ونسبته إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) مع كونه أميا لا يكتب إنما هي بنوع من التجوز ككونه مكتوبا باستدعاء منه كما يقول الأمير كتبت إلى فلان كذا وكذا وإنما كتبه كاتبه بأمره ، والدليل على ذلك قوله بعد : {فهي تملى عليه بكرة وأصيلا} إذ لوكان هو الكاتب لم يكن معنى للإملاء ، وقيل : الاكتتاب بمعنى الاستكتاب .

والإملاء إلقاء الكلام إلى المخاطب بلفظه ليحفظه ويعيه أو إلى الكاتب ليكتبه والمراد به في الآية هو المعنى الأول على ما يعطيه سياق {اكتتبها فهي تملى عليه} إذ ظاهره تحقق الاكتتاب دفعة والإملاء تدريجا على نحو الاستمرار فهي مكتوبة مجموعة عنده تقرأ عليه وقتا بعد وقت وهو يعيها فيقرأ على الناس ما وعاه وحفظه .

والبكرة والأصيل الغداة والعشي ، وهو كناية عن الوقت بعد الوقت ، وقيل المراد أول النهار قبل خروج الناس من منازلهم وآخر النهار بعد دخولهم في منازلهم وهو كناية عن أنها تملى عليه خفية .

والآية بمنزلة التفسير للآية السابقة فكأنهم يوضحون قولهم : إنه إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون بأنهم كتبوا له أساطير الأولين ثم يملونها عليه وقتا بعد وقت بقراءة شيء بعد شيء عليه ، وهو يقرؤها على الناس وينسبها إلى الله سبحانه .

فالآية بتمامها من كلام الذين كفروا وربما قيل : إن قوله {اكتتبها فهي تملى عليه} إلى آخر الآية من كلام الله سبحانه لا من تمام كلامهم ، وهو استفهام إنكاري لقولهم : أساطير الأولين والسياق لا يساعد عليه .

قوله تعالى : {قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما} أمر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) برد قولهم وتكذيبهم فيما رموا به القرآن أنه إفك مفترى وأنه أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه وقتا بعد وقت .

وتوصيفه تعالى بأنه يعلم السر أي خفيات الأمور وبواطنها في السماوات والأرض للإيذان بأن هذا الكتاب الذي أنزله منطو على أسرار مطوية عن عقول البشر ، وفيه تعريض بمجازاتهم على جناياتهم التي منها رميهم القرآن بأنه إفك مفترى وأنه من الأساطير وهو مما يعلمه تعالى .

وقوله : {إنه كان غفورا رحيما} تعليل لما هو المشاهد من إمهالهم وتأخير عقوبتهم على جناياتهم وتكذيبهم للحق وجرأتهم على الله سبحانه .

والمعنى : قل إن القرآن ليس إفكا مفترى ولا من الأساطير كما يقولون بل كتاب منزل من عند الله سبحانه ضمنه أسرارا خفية لا تصل إلى كنهها عقولكم ولا تحيط بها أحلامكم ، ورميكم إياه بالإفك والأساطير وتكذيبكم لحقائقه جناية عظيمة تستحقون بها العقوبة غير أن الله سبحانه أمهلكم وأخر عقوبة جنايتكم لأنه متصف بالمغفرة والرحمة وذلك يستتبع تأخير العذاب ، هذا ملخص ما ذكروه في معنى الآية .

وفيه أن السياق لا يساعد عليه فإن محصل معنى الآية على ما فسروه يرجع إلى رد دعوى الكفار كون القرآن إفكا مفترى ومن الأساطير بدعوى أنه منزل من عند الله منطو على أسرار خفية لا سبيل لهم إلى الوقوف عليها لا مساغ في مقام المخاصمة لرد الدعوى بدعوى أخرى مثلها أوهي أخفى منها .

على أن التعليل بقوله : {إنه كان غفورا رحيما} إنما يناسب انتفاء العقوبة من أصلها دون الإمهال والتأخير وإنما المناسب للإمهال والتأخير من الأسماء هو مثل الحليم والعليم والحكيم دون الغفور الرحيم .

والأوفق لمقام المخاصمة والدفاع بإبانة الحق والتعليل بالمغفرة والرحمة أن يكون قوله { : إنه كان غفورا رحيما} تعليلا لإنزال الكتاب وقد ذكر قبل ذلك أنه أنزله على عبده ليكون للعالمين نذيرا وهذه هي النبوة ، ويكون حينئذ وصفه تعالى بعلم السر في السماوات والأرض للإيماء إلى أن في سرهم ما يستدعي شمول المغفرة والرحمة الإلهيتين لحالهم وهوطلبهم بفطرتهم وجبلتهم للسعادة والعاقبة الحسنى التي ليست حقيقتها إلا السعادة الإنسانية بشمول المغفرة والرحمة وإن أخطأ كثير منهم في تطبيقها على التمتع بالحياة الدنيا وزينتها الداثرة فيكون حجة برهانية على حقية الدعوة النبوية المشتملة عليها القرآن ، وبطلان دعوى كونه إفكا من أساطير الأولين .

وتقرير الحجة أن الله سبحانه يعلم السر في السماوات والأرض وهويعلم أن في سركم المستقر في سرائركم المجبولة عليه فطرتكم حبا للسعادة وطلبا وانتزاعا للعاقبة الحسنى وحقيقتها فوز الدنيا والآخرة ، وكان سبحانه غفورا رحيما ومقتضى ذلك أن يجيبكم إلى ما تسألونه في سركم وبلسان فطرتكم فيهديكم إلى سبيله التي تضمن لكم السعادة .

وهذا كتاب ينطق عليكم بسبيله فليس إفكا مفترى على الله ولا من قبيل الأساطير بل هو كتاب يتضمن ما تسألونه بفطرتكم وتستدعونه في سركم فإن استجبتم لداعيه شملتكم المغفرة والرحمة وإن توليتم حرمتم ذلك فهو كتاب منزل من عند الله ولولم يكن نازلا من عنده كما يخبر عنه لم يهد إلى حقيقة السعادة ولم يدع إلى محض الحق ولاختلفت بياناته فدعاكم تارة إلى ما فيه خيركم ونفعكم وهو الذي يجلب إليكم المغفرة والرحمة ، وتارة إلى ما هو شر لكم وضار وهو الذي يثير عليكم السخط الإلهي ويستوجب لكم العقوبة .

قوله تعالى : {وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها} هذه حكاية ما طعنوا به في الرسول بعد ما حكى طعنهم في القرآن بقوله : {وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه} إلخ .

وتعبيرهم عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بقولهم : {هذا الرسول} مع تكذيبهم برسالته مبني على التهكم والاستهزاء .

 ______________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج15 ، ص139-148 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

المقياس الأعلى للمعرفة :

تبدأ هذه السورة بجملة «تبارك» من مادة «بركة» ، ونعلم أنّ الشيء ذو بركة ، عبارة عن أنّه ذو دوام وخير ونفع كامل . يقول تعالى : {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً} . (2)

الملفت للإنتباه أنّ ثبوت البركة لذات الخالق عزَّوجلّ بواسطة نزول الفرقان ، يعني أنّه أنزل قرآناً فاصلا بين الحق والباطل ، وهذا يدل على أن أعظم الخير والبركة هي أن يمتلك الإنسان بيده وسيلة المعرفة ـ معرفة الحق من الباطل .

وهنا وقفة مهمّة أيضاً ، وهي أنّ كلمة «الفرقان» وردت بمعنى «القرآن» تارةً ، وتارةً بمعنى معجزات مميزة للحق من الباطل ، ووردت بمعنى «التوراة» تارةً أخرى .

عن القرآن والفرقان ، أهما شيئان ، أو شيء واحد؟ فقال : «القرآن : جُملةُ الكتاب ، والفرقان : المحكم الواجب العمل به» .

ولا منافاة بين هذا القول وبين أنّ الفرقان هو جميع آيات القرآن ، والمراد هو أنّ آيات القرآن المحكمات تعتبر مصداقاً أوضح وأبرز للفرقان وللتمييز بين الحق والباطل .

ولموهبة «الفرقان والمعرفة» أهمية بالغة بحيث أنّ القرآن المجيد ذكرها كمكافأة عظيمة للمتقين : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا } [الأنفال : 29] .

نعم ، فبدون التقوى لا يمكن تمييز الحق من الباطل ، لأنّ الأهواء والذنوب تلقي على وجه الحق حجاباً كثيفاً ، وتعمي بصر ابن آدم وبصيرته .

وعلى أية حال ، فالقرآن المجيد هو الفرقان الأعلى .

القرآن وسيلة لتشخيص الحق من الباطل في نظام حياة البشر .

القرآن وسيلة لتشخيص الحق من الباطل في مسير الحياة الفردية والإجتماعية ، وهو الميزان والمحك على صعيد الأفكار والعقائد ، والقوانين ، والأحكام ، والآداب ، والأخلاق .

وهذه الوقفة مهمّة أيضاً ، حيث يقول تعالى (نزّل الفرقان على عبده) نعم ، فمقام العبودية والإنقياد التامّين هو الذي يحقق اللياقة لنزول الفرقان ، ولتلقي موازين الحق والباطل .

والنكتة الأخيرة التي طرحت في هذه الآية ، تبيّن أنّ هدف الفرقان النهائي هو إنذار العالمين ، الإنذار الذي نتيجته الإحساس بالمسؤولية تجاه التكاليف الملقاة على عاتق الإنسان . وعبارة «للعالمين» كاشفة عن أنّ شريعة الإسلام عالمية لا تختص بمنطقة معينة ، ولا بقوم أو عنصر معينين . بل إن بعضهم قد استدل منها على خاتمية النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وذلك أن «العالمين» كما أنّها غير محدودة من حيث المكان ، فكذلك مطلقة من حيث الزمان أيضاً ، فـ «العالمين» تشمل جميع الأجيال القادمة أيضاً (فتأمل !) .

الآية الثّانية تصف الله الذي نزل الفرقان بأربع صفات ، صفة منها هي الأساس ، والبقية نتائج وفروع لها ، فتقول أوّلا : {الذي له ملك السموات والأرض} (3) .

نعم ، إنّه الحاكم على كل عالم الوجود ، وكل السماوات والأرض ، فلا شيء خارج عن سلطة حكومته ، وبالإلتفات إلى تقدم «له» على «ملك السموات» الذي هو دليل الحصر في اللغة العربية يستفاد أن الحكومة الواقعية والحاكمية المطلقة في السماوات والأرض منحصرة به تبارك وتعالى ، ذلك لأن حكومته عامّة وخالدة وواقعية ، بخلاف حاكمية غيره التي هي جزئية ومتزلزلة . وفي نفس الوقت فهي مرتبطة به سبحانه .

ثمّ يتناول تفنيد عقائد المشركين واحدة بعد الأُخرى ، فيقول تعالى : {ولم يتخذ ولداً} (4) .

وكما قلنا من قبل فإن الحاجة إلى الولد من حيث الأصل إمّا لأجل الإستفادة من طاقته البشرية في الأعمال ، أو لأجل الإستعانة به حال الضعف والعجز والشيخوخة ، أو لأجل الإستئناس به في حال الوحدة ، ومن المعلوم أن ذاته المقدسة عزَّوجلّ منزّهة عن أي واحد من تلك الإحتياجات .

وبهذا الترتيب ، يدحض اعتقاد النصارى بأنّ «المسيح» (عليه السلام) ابن الله ، أو ما يعتقده اليهود أنّ «العزير» ابن الله ، وكذلك يدحض اعتقاد مشركي العرب ، ثمّ يضيف جل ذكره : {ولم يكن له شريك في الملك} .

فإذا كان لمشركي العرب اعتقاد بوجود الشريك أو الشركاء ، ويتوهمونهم شركاء لله في العبادة ، ويتوسلون بهم من أجل الشفاعة ، ويسألونهم المعونة لقضاء حوائجهم ، حتى آل بهم الأمر أنّهم كانوا يقولون بصراحة ـ حين التلبية للحج ـ جملا قبيحة ملوثة بالشرك ، مثل : «لبيك لا شريك لك ، إلاّ شريكاً هولك ، تملكه وما ملك» . فإنّ القرآن يدين ويدحض كل هذه الأوهام .

ويقول تعالى في العبارة الأخيرة : {وخلق كلَّ شيء فقدّره تقديراً} .

ليس كمثل اعتقاد الثنويين الذين يعتقدون بأن قسماً من موجودات هذا العالم مخلوقات «الله» ، وأن قسماً منها مخلوقات «الشيطان» .

وبهذا الترتيب كانوا يقسمون الخلق والخلقة بين الله والشيطان ، ذلك لأنّهم كانوا يتوهمون الدنيا مجموعة من «الخير» و«الشر» ، والحال ألاّ شيء في عالم الوجود إلاّ الخير من وجهة نظر الموحد الحق . فإذا رأينا شرّاً ، فإمّا أن يكون ذا جنبة «نسبية» أو «عدمية» ، أو أن يكون نتيجة لأعمالنا (فتأمل) ! .

 

وقوله تعالى : {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } [الفرقان : 3 ، 6] .

 

الإِتهامات المتعددة الألوان :

هذه الآيات ـ في الحقيقة ـ تتمة للبحث الذي ورد في الآيات السابقة ، في مسألة المواجهة مع الشرك وعبادة الأوثان . ثمّ في الإدعاءات الواهية لعبدة الأوثان ، واتهاماتهم فيما يتعلق بالقرآن ، وشخص النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم .

الآية الأُولى ـ في الواقع ـ تجر المشركين إلى المحاكمة ، ولتحريك وجدانهم تقول بمنطق واضح وبسيط ، وفي نفس الوقت قاطع وداحض : {واتخذوا من دون الله آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون} .

المعبود الحقيقي هو خالق عالم الوجود ، ولا يدعي المشركون هذا الإدعاء لأوثانهم ، بل يعتقدون أنّها مخلوقة لله .

وبعدُ ، فماذا يمكن أن تكون دوافعهم لعبادة الأوثان التي لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضراً ، ولا تملك موتاً ولا حياة ولا نشوراً ، فما بالك بما تستطيعه للآخرين !؟ {ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً} .

والاُصول المهمّة عند الإنسان هي هذه الأُمور الخمسة بالذات : النفع والضر ، والموت ، والحياة ، والنشور .

فمن يكن بحق مالكاً أصيلا لهذه الأُمور ، يكن بالنسبة إلينا جديراً بالعبادة .

لكن هذه الأصنام غير قادرة أصلا على هذه الأُمور لنفسها ، فكيف تريد أن توفّر هذه الاُمور لمن يعبدها من المشركين؟!

أي منطق مفتضح هذا !؟ أن ينقاد الإنسان ويتذلل على أعتاب موجود لا اختيار له في نفسه ، فما بالك باختياره للآخرين!؟

هذه الأوثان ليست عاجزة في الدنيا عن حل مشكلة ما لعبدتها فحسب ، بل إنّها لا يؤمل منها شيء في الآخرة أيضاً .

هذا التعبير يدل على أنّ هذه الفئة من المشركين ، المخاطبة في هذه الآيات ، كانت تقبل بالمعاد نوعاً من القبول (المعاد الروحي لا الجسدي) ، أو أن القرآن ـ حتى مع عدم اعتقادهم بمسألة المعاد ـ يتناول القضية كمسلّمة ، فيخاطبهم بشكل قاطع على هذا الصعيد ، وهذا مألوف ، فالإِنسان أحياناً يكون أمام شخص منكر للحقيقة ، لكنّه يدلي بكلامه طبقاً لأفكاره هو ، دون اعتناء بأفكار ذلك المنكر . خاصّة وأنّ دليلا ضمنياً على المعاد قد كمن في نفس الآية ، لأنّ خالقاً حينما يبتدع مخلوقاً ـ وهو مالك موته وحياته وضرّه ونفعه ـ لابدّ أن يكون له هدف من خلقه ، ولا يمكن أن يتحقق هذا الهدف فيما يخص الناس بدون الإِيمان بالنشور ، ذلك لأنّه إذا انتهى بموت الإِنسان كل شيء ، فسوف تكون الحياة فارغة بلا معنى ، وهذا يدلّ على أن ذلك الخالق لم يكن حكيماً .

إذا تأملنا جيداً وجدنا مسألة «الضرر» جاءت في الآية قبل «النفع» وذلك لأن الإِنسان ينفر من الضرر بالدرجة الأُولى ، ولهذا كانت جملة «دفع الضرر أولى من جلب المنفعة» أحد القوانين العقلائية .

وإذا كان «الضرر» و«النفع» و«الموت» و«الحياة» و«النشور» جاءت بصيغة النكرة ، أيضاً ، فلأجل بيان هذه الحقيقة ، وهي أن هذه الأوثان لا تملك نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا ، حتى في مورد واحد ، فما بالك بالموارد كلها !؟

وإذا ذكرت «لا يملكون» و «لا يخلقون» بصيغة «جمع المذكر العاقل» (في حال أنّ هذه الأوثان الحجرية والخشبية ليس لها أدنى عقل أو شعور) فذلك لأنّ هذا الخطاب لا يتعلق بالأوثان الحجرية والخشبية فحسب ، بل بالجماعة التي كانت تعبد الملائكة أو المسيح ، ولأن العاقل وغير العاقل مجتمعان في معنى هذه الجملة ، فذكر الجميع بصيغة العاقل من باب «التغليب» كما في الإِصطلاح الأدبي .

أو أن الخطاب في هذه العبارة كان طبقاً لإعتقاد المخاطبين به ، حتى يثبت عجزهم وعدم استطاعتهم ، يعني : إذا كنتم تعتقدون أن هذه الأوثان ذات عقل وشعور ، فلماذا لا تستطيع أن تدفع عن نفسها ضرراً ، أو أن تجلب منفعة!؟

الآية التالية ـ تتناول تحليلات الكفار ـ أو حججهم على الأصح ـ في مقابل دعوة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، فتقول : {وقال الذين كفروا إن هذا إلاّ إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون} .

في الواقع ، إنّهم من أجل أن يلقوا عن عواتقهم مسؤولية تحمل الحق ـ شأن كل الذين أصروا على معارضة القادة الربانيين على طول التاريخ ـ اتهموا الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أوّلا بالإِفتراء والكذب ، خاصّة وأنّهم قد استخدموا لفظة «هذا» ليحقروا القرآن .

ثمّ من أجل أن يثبتوا أنّه غير قادر على الإِتيان بمثل هذا الكلام ـ لأنّ الإِتيان بمثل هذا الكلام المبين مهما يكن بحاجة إلى قدرة علمية وافرة ، وما كانوا يريدون التسليم بهذا ـ ومن أجل أن يقولوا أيضاً : إنّ هذا خطّة مدبرة ومحسوبة ، قالوا : إنّه لم يكن وحده في هذا العمل ، بل أعانه قوم آخرون ، وهذه مؤامرة بالتأكيد ، ويجب الوقوف بوجهها .

بعض المفسّرين قالوا : إنّ المقصود بـ (قوم آخرون) جماعة من اليهود .

وقال آخرون : إنّ المقصود بذلك ثلاثة نفر كانوا من أهل الكتاب ، وهم : «عداس» و«يسار» و«حبر» أو «جبر» .

على أية حال ـ بما أنّ هذه المواضيع لم يكن لها وجود في أوساط مشركي مكّة ، وإنّ قسماً منها مثل قصص الأنبياء الأولين كان عند اليهود وأهل الكتاب ـ فقد كان المشركون مضطرين الى نسبة هذه المطالب الى أهل الكتاب كي يخمدوا موجة إعجاب الناس من سماع هذه الآيات .

لكن القرآن يردُّ عليهم في جملة واحدة فقط ، تلك هي : {فقد جاؤوا ظلماً وزوراً} . (5)

«الظلم» هنا لأنّ رجلا أميناً طاهراً وصادقاً مثل الرّسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) اتّهموه بالكذب والإِفتراء على الله ، وبالإِشتراك مع جماعة من أهل الكتاب . فظلموا أنفسهم والناس أيضاً .

و«الزور» هنا أن قولهم لم يكن له أساس مطلقاً ، لأنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) دعاهم عدّة مرات إلى الإِتيان بسورة وآيات مثل القرآن ، فعجزوا وضعفوا أمام هذا التحدي .

وهذا بالذات يدل على أن هذه الآيات ليست من صنع عقل البشر ، لأنّ الأمر لوكان كذلك ، لكانوا يستطيعون بمعونة جماعة اليهود وأهل الكتاب أن يأتوا بمثلها . ومن هنا فإنّ عجزهم دليل على كذبهم ، وكذبهم دليل على ظلمهم .

لهذا فالجملة ، القصيرة {فقد جاؤوا ظلماً وزوراً} رد بليغ وداحض في مواجهة ادعاءاتهم الواهية .

كلمة «زور» في الأصل من «زَور» (على وزن غور) أخذت بمعنى : أعلى الصدر ، ثمّ أطلقت على كل شيء يتمايل عن حدّ الوسط ، وبما أن «الكذب» انحرف عن الحق ، ومال إلى الباطل ، فقد ، سمّوه «زوراً» .

تتناول الآية التالية لوناً آخر من التحليلات المنحرفة والحجج الواهية للمشركين فيما يتعلق بالقرآن ، فتقول : (وقالوا أساطير الأولين أكتتبها) .

لا شيء عنده من قبل نفسه ، لا علم ولا ابتكار ، فكيف له بالنّبوة والوحي! إنّه استعان بآخرين ، فجمع عدّة من الأساطير القديمة ، وأطلق عليها اسم الوحي والكتاب السماوي . وهو يستلهمها من الآخرين طيلة اليوم من أجل الوصول إلى هذا الهدف (فهي تملى عليه بكرة وأصيلا) .

إنّه يتلقى المعونة لأجل هدفه في الأوقات التي يقلُّ فيها تواجد الناس ، أي بكرة وعشياً .

هذا الكلام ـ في الحقيقة ـ تفسير وتوضيح للإِتهامات التي نقلت عنهم في الآية السابقة . إنّهم في هذه الجملة القصيرة أرادوا أن يفرضوا على القرآن مجموعة من نقاط الضعف :

أوّلها : أن ليس في القرآن موضوع جديد مطلقاً ، بل مجموعة من الأساطير القديمة .

والثّانية : أنَّ نبي الإِسلام لا يستطيع الإستمرار بدعوته ـ حتى يوماً واحداً ـ بدون مساعدة الآخرين ، فلابدّ أن يُملوا الموضوعات عليه بكرة وعشياً ، وعليه أن يكتبها .

والأُخرى : أنّه يعرف القراءة والكتابة . فإذا قال : إنّني اُمّي ، فهي دعوى كاذبة .

إنّهم ـ في الواقع ـ كانوا يريدون أن يفرقوا الناس عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بواسطة هذه الأكاذيب والإتهامات ، في الوقت الذي يعلم كل العقلاء الذين عاشوا مدّة في ذلك المجتمع ، أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن قد درس عند أحد ، مضافاً إلى أنّه لم تكن له أية رابطة مع جماعة اليهود وأهل الكتاب . وإذا كان يستلهم من الآخرين كل يوم بكرة وعشياً ، فكيف أمكن أن يخفى على أحد؟ فضلا عن هذا ، فإن آيات القرآن كانت تنزل عليه في السفر والحضر ، بين الناس ومنفرداً ، وفي كل حال .

مضافاً إلى كل هذا ، كان القرآن مجموعة من التعليمات الإِعتقادية ، والأحكام العملية ، والقوانين ، ومجموعة من قصص الأنبياء ، ولم تكن قصص الأنبياء لتشكل كل القرآن ، مضافاً إلى أنّ ما ورد من قصص الأقوام الأولين في القرآن لم يكن له شبه لما جاء في العهدين (التوراة والإِنجيل) المحرفين ، وأساطير العرب الخرافية ، لذلك لأنّ ما في العهدين مليء بالخرافات ، والقرآن منزّه عنها ، ولو وضعنا القرآن والعهدين جنباً إلى جنب ، وقايسنا بينهما ، فسوف تتجلى حقيقة الأمر جيداً . (6)

لذا فالآية الأخيرة تصرح بصيغة الرد على هذه الإِتهامات الواهية ، فتقول : (قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض) . إشارة إلى أن محتوى هذا الكتاب ، والأسرار ، المتنوعة فيه من علوم ومعارف وتاريخ الأقوام الأولين ، والقوانين والإِحتياجات البشرية ، وحتى أسرار عالم الطبيعة والأخبار المستقبلية ، تدل على أن ليس من صنع ومتناول عقل البشر ، ولم ينظم بمساعدة هذا أو ذاك . بل بعلم الذي هو جدير بأسرار السماء والأرض ، والمحيط بكل شيء علماً .

لكن مع كل هذا ، فإن القرآن يترك طريق التوبة مفتوحاً أمام هؤلاء المغرضين والمنحرفين ، فيقول تبارك وتعالى في ختام الآية {إنّه كان غفوراً رحيماً} .

فبمقتضى رحمته أرسل الأنبياء ، وأنزل الكتب السماوية ، وبمقتضى غفوريته سيعفو في ظل الإِيمان والتوبة عن ذنوبكم التي لا تحصى .

____________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج9 ، ص151-161 .

2 ـ ورد شرح كلمة «البركة» في ج 5 ، آخر الآية (54) من سروة الأعراف ، شرح اصل «البركة»

3 ـ كلمة (المُلْك) كما يقول «الراغب» في «المفردات» بمعنى تملك الشيء والحاكمية عليه ، في حين أن (المِلْك) ليس دليلا على الحاكمية وتصرف المالك دائماً . وبهذا الترتيب : فكلُ مُلك مُلكاً ، في حين أنّ ليس كل مِلك مُلكاً .

4 ـ ورد إيضاح أكثر حول نفي الولد عن الله تعالى ، ودلائل ذلك في تفسير الآية (116) من سورة البقرة .

5 ـ «جاؤا» من مادة «مجيء» : يراد بها عادة معنى «القدوم» ، لكنّها وردت هنا بمعنى «الإتيان» ، كما نقرأ أيضاً في الآية (81) سورة يونس أن موسى(عليه السلام) قال للسحرة «ما جئتم به السحر» .

6 ـ يعتقد جماعة من المفسّرين أنّ المراد من جملة (اكتتبها) : هو أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أراد من الآخرين أن يكتبوا له هذه الآيات ، وكذلك ، جملة (تملى عليه) مفهومها : هو أنّ أُولئك كانوا يلقونها إليه ، وكان هو يحفظها . لكنّه مع الإلتفات إلى أنّنا لا دليل لدينا على حمل هاتين الجملتين على خلاف الظاهر ، يكون التّفسير الذي ورد في المتن هو الأصح ، ففي الواقع إن أولئك كانوا يريدون أن يتهموا النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من هذا الطريق ، بأنّه يقرأ ويكتب ، لكنّه كان يظهر نفسه أمياً عمداً .

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي