الاخشيد في مكة

الاخشيد في مكة : الاخشيد دولة اسسها في مصر احد قواد العباسيين في عهد الانحلال العباسي وقد تقدم بنا ان نفوذ الاتراك في بغداد قد تفاقم واصبحوا يولون اتباعهم عمالا في الامصار وكان العمال يستخدمون من يلوذ بهم. وفي هذه الاثناء التحق محمد الاخشيدي بخدمة ابن بسطام عامل بلاد الشام ثم حارب تحت قيادة تكين في مصر ضد فاطمي المغرب ثم ولاه تكين الاسكندرية نيابة عنه في سنة ٣٠٧ فوطد لنفسه في مصر بقتال فاطمي المغرب مرة اخرى حتى ولته بغداد امارة مصر في عهد امير الامراء ابن رائق ثم ما لبث ان ساءت العلاقات بين الاخشيد وابن رائق امير الامراء في بغداد فنشب القتال بينه وبين جند العباسيين ثم اصطلحوا على ان يتولى الاخشيد امر مصر لقاء مائة واربعين الف دينار ذهبا يدفعها سنويا الى بغداد ثم ما لبث ان امتد نفوذه الى الشام وبلاد الحرمين ، وقد اقره الخليفة المتقي بالله العباسي على ذلك وعقد لولديه ابي القاسم وابي الحسن من بعده على ان يكفلهما خادمه كافور الخصي المعروف بالإخشيد (١) وفي هذا العهد قاست مكة كثيرا من لضيق كنتيجة لاضطراب العالم الاسلامي بأحداث الاخشيدي وبنى رائق ومنع الحج سنوات طويلة فيما بين عام ٣٣٢ ـ ٣٣٨.

ولم يعين مؤرخو مكة السنة التي تم الامر فيها للأخشيد على الحرمين لكنه يبدو من تتبع حوادث الاخشيد ان ذلك كان حوالي سنة ٣٣١ وهي السنة التي عقد فيها لولدي الاخشيد وذلك في غمرة الضيق الذي ذكرناه.

وما لبثت بغداد ان فكرت في استعادة حكمها على مكة فندبت رجلين من العلويين هما ابو الحسن محمد بن عبد الله وابو عبد الله احمد بن عمر بن يحيى ليقودا حج العراق وزودتهما بما يلزم من الجند والسلاح ليستخلصا مكة وذلك في عام ٣٤٢ (٢) وقد جرى بينهما وبين اصحاب الاخشيد من المصريين قتال شديد ظفر فيه الاخشيد ثم استؤنفت المحاولة في عام ٣٤٣ فكان الظفر لأصحاب الاخشيد.

ويبدو من هذا ان مكة كما عانت من الضيق من انقطاع المواسم في سنوات فتن الاخشيد وهم بعيدون عنها عانت كذلك بعد اتصالهم بها من حروبهم واهوالهم ما عانته وقد دام ذلك الى نهاية العهد الاخشيدي.

ولم يذكر المؤرخون اسماء من تولوا مكة للاخشيد وذكر تقي الدين الفاسي انه لا يعرفهم اما ابن ظهيرة القرشي فقد ذكر في الجامع اللطيف ان القاضي أبا جعفر محمدا بن الحسن العباسي ولى مكة للاخشيد في عام ٣٣٨ ولم يذكر غيره (3).

وظل العباسيون بعد هذا يندبون بعض العلويين لامارة الحج سنويا ومن اشهر من ندب لذلك نقيب الطالبيين ابو احمد الموسوي وهو والد الشريف الرضي وقد ظل يحج على رأس العلويين عدة سنوات ولعل العباسيين كانوا يحولون بذلك ان يستفيدوا من شخصيته بين القبائل في مكة فلم ينجحوا لأن حكم الاخشيد ظل وطيدا في مكة الى ان انقرضت دولتهم في عام ٣٥٧.

وشعر الاخشيد ان الدعاء لهم على منابر الحرمين اكسب دولتهم من الجلال الديني ما يسمو بشأنهم فبروا رجال الحرمين بأعطياتهم وعنوا بإصلاحات كثيرة في مكة والمدينة.

ويذكر صاحب النفوذ الفاطمي (4) ان الاخشيد كتب الى ملك الروم يقول «انه وان لم يكن لي شرف الا امارة الحرمين لكفاني ذلك» واظهر كافور الخصي في عهد وصايته على اولاد الاخشيد ثم في عهد استخلاص الولايات لاسمه عناية كبيرة في بر مكة بالصدقات مع الاسف الشديد ودعى له على منبرها كما كان يدعى للخلفاء (5).

وبالرغم من حكم الاخشيد الموطد فقد ثار بنوسليم (6) عليهم في عام ٣٥٦ ونهبوا الحجاج المصريين الذين يلوذون بهم وقتلوا اميرهم ولعلها كانت بدافع من تأثير العباسيين. (7).

_______________

(١) شفاء الغرام للفاسي ٢ / ١٩٢ وفيات الاعيان ٢ / ٥٣

(٢) يذكر الفاسي ان الرجلين كانا يتقدمان الحج العراقي قبل عام ٣٤٢ ببضع سنوات راجع شفاء الغرام ٢ / ٢٢١.

(3) واشار الفاسى الى هذا وقال انه قرأ ذلك فى كتاب لمؤرخ مصرى. راجع شفاء الغرام ٢ / ١٩٧

(4) ص ١٢

(5) أبو الفدا ٢ / ١٩٧

(6) هم بطن من قبيلة حرب تسكن شرقى المدينة المنورة الى الجنوب. الأداب، هم بنو سليم بن منصور، قبيلة قيسية، لا صلة لهم بحرب ، تسكن على ١٤٠ كيلا شمال مكة. (ع).

(7) قال صاحب درر الفوائد ص ٣٥٥ : كان امير الحج العراقي ابو احمد الموسوي والد الشريف الرضي نقيب الاشراف ، ونهبت بنو سليم حاج مصر والشام ، وكانوا عالما كثيرا .. إلخ.

مواضيع ذات صلة

تجديد بناء الكعبة

مكة والدعوة الاسلامية

ولاية الكعبة

بناء الكعبة

حروب بني عدّي بن كعب بن لؤي في الإسلام

وفادة قريش إلى سيف بن ذي يزن

امرأة من قريش شهد أبوها وجدّها وزوجها بدرا

من كان خاله وعمه خليفة

أول من كان بين هاشميين

المشبهون برسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش

الموصوفون بالجمال من قريش

حواريو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قريش