التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
مكة في العهد الفاطمي
المؤلف: احمد السباعي
المصدر: تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع
الجزء والصفحة: ج1، ص 218-240
6-11-2020
3108
مكة في عهد الفاطميين او حكومة الاشراف
تمهيد : قلنا في فصل سابق ان العصر العباسي الثاني زخر بالحركات الدينية التي انتشرت أثارها بانتشار الداعين اليها في اصقاع المملكة العباسية وقلنا ان كثيرا من اصحاب هذه الحركات كانوا يرمون بها الى اغراض سياسية يسترونها بستار من الدين ، وان بعضهم قد يكون بريئا فيما يدعو مخلصا لمذهبه الذي يعتقد ، الا ان تيارات الحياة لا تلبث ان تجرفه او تجرف خلفاءه من بعده الى خضم السياسة فاذا بالحركة تتزعم ثورة ، واذا بالثورة تؤسس دولة ، وقد يتسع هذا التأسيس الى ابعد ما يكون من المدى وتشجعه روح الفوضى التي كانت تسود اقطار الاسلام.
وقلنا ان من اهم الحركات المذهبية في هذا العصر الذي ندرسه هي حركات الشيعيين على اختلاف فرقهم في العالم الاسلامي من موسوية الى اسماعيلية الى اثنا عشرية الى قرامطة الى كتامية وفاطمية.
تلقى عبيد الله المهدي اول الخلفاء الفاطميين اصول المذهب الشيعي على اساطين من علماء الاسماعيلية ، ثم جاء الى مكة مندوبا من القائمين بامر الدعوة الشيعية ليدعو لهم سرا وقد اتصل به بعض حجاج المغرب من كتامة في الجزائر على مقربة من قسنطينة ، فاستمالهم لدعوته ورحل معهم في عام ٢٨٨ وظل يجمع القلوب حوله في كتامة (١).
وفي سنة ٢٩١ بدأت اعمال عبيد الله الهجومية ووقع في يده كثير من المدن المغربية (2) وكان عبيد الله الى جانب كونه محاربا فصيح البيان يفلق بالحجة، وقد بلغ من عنايته بذلك ان اخاه ابا العباس لما اراد ان ينفي من القيروان من يخالف مذهبه، قال له ابو عبيد الله ان دولتنا دولة حجة وبيان وليست دولة قهر واستطالة، فاترك الناس على مذاهبهم.
واسس عبيد الله دولته على اثر هذا في القيروان من المغرب، ونادى بنفسه اميرا للمؤمنين وسميت دولته الكتامية نسبة الى كتامة في المغرب ثم سميت الفاطمية.
وفي سنة ٣٠١ سير إلى مصر جيشا بقيادة أحد ابنائه، فاستولى على الاسكندرية وبعض قرى الوجه البحري، ولكن العباسيين اعادوه الى مراكزه في المغرب (3) فأعاد الكرة في سنة ٣٠٧ ثم اعادها ابنه وخليفته القائم في سنة ٣٣٤ وكانت دولة الاخشيد قائمة فاستطاعوا صده عنها (4).
وفي سنة ٣٥٨ استأنف المعز الخليفة الفاطمي الثالث الحملة على مصر بقيادة كاتبه جوهر الصقلي، فاحتل الاسكندرية، ومضى في فتوجه نحو الفسطاط يسوق الاخشيديين امامه حتى طلبوا منه الامان وسلموا اليه مقاليد الامور (5) وبذلك زال سلطان الاخشيد عن مصر كما زال عنها حكم العباسيين من قبلهم واسس جوهر مدينة القاهرة واحاطها بسور كبير من اللبن.
وقد حكم جوهر مصر أربع سنوات حتى سلم مقاليدها الى المعز على اثر وصوله اليها من المغرب (6) وقد تأسست في هذا العهد جامعة الازهر.
وامتدت فتوحات الفاطميين بعد ذلك الى بلاد الشام وفلسطين، ثم اتصل نفوذهم بالحجاز.
علاقة الفاطميين بمكة واعلان حكومة الطبقة الاولى من الاشراف : وهنا نعود الى سياق الاخبار في مكة ، فقد تركناها تابعة لنفوذ الاخشيد الى قبل سقوطهم في مصر على يد الفاطميين ، ويبدو ان بعض العلويين من احفاد الثائرين في مكة من عهد الامويين والعباسيين رأوا ان الفرصة سانحة لاستقلال مكة عن الاخشيد في مصر خصوصا وان حكومة الاخشيد في مصر اصبحت مهددة باحتلال الفاطميين وبذلك ثار كبير الاشراف الحسينيين يومها جعفر بن محمد بن الحسين من احفاد موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى (7) فنادى بسقوط الاخشيد واستقل بحكم مكة في عام ٣٥٨ وهي السنة التي سقطت فيها مصر في يد الفاطميين (8) وبذلك اسس حكومة الطبقة الاولى من الاشراف ويسمونهم الموسويين. (9).
منبر مكة بين العباسيين والفاطميين:
ويبدو ان ثائر مكة جعفرا بن محمد لم يلبث ان شعر بحاجته الى مهادنة الفاطميين اصحاب الحكم الجديد في مصر ولعله كان أخشى ما يخشاه عدوان القرامطة الذين كانوا لا يزالون يعيشون فسادا حول القطيف والبحرين ويقطعون السبل على الحاج فرأى ان يدعو في منبر مكة للخليفة الفاطمي المعز ففعل ابتداءا من عام ٣٥٨ (10).
ولم يكن اسم المعز غريبا يومها على مكة فقد ثبت ان له علاقة خاصة يرجع عهدها الى قبل هذا التاريخ فقد ارسل وهو في المغرب قبل ان يحتل مصر رجالا لتسوية بعض الخلافات التي بلغه انها ناشبة في مكة بين بني الحسن وبني جعفر بن ابي طالب ، وقد فعلوا ذلك وعقدوا بين الفريقين صلحا في المسجد الحرام وأدوا في الوقت نفسه دية القتلى من بني الحسن مما حملوا من اموال المعز وذلك في سنة ٣٤٨ (11).
وما لبث الاشراف في مكة على إثر اتصالهم بالفاطميين ان اضافوا الى الأذان عبارة «حي على خير العمل» وهو تقليد كان يتبعه الفاطميون وبذلك حذف اسم الخليفة العباسي من الخطبة في مكة (12).
ولا نشك ان العباسيين ساءهم ذلك فقد كان التنافس بينهم وبين الفاطميين في انتزاع زعامة الاسلام على أشده، كان العباسيون يشعرون أنهم خلفاء الاسلام ويأبى الفاطميون الا ان ينكروا ذلك عليهم، ويرون أنهم أحق بالخلافة لانحدارهم من سلاسة العلويين وجهادهم في سبيل مباديء آبائهم (13).
ولقد كانت النظرية الشائعة في عهود الاسلام الماضية ان انضمام الحرمين شرط من شروط الخلافة وان نفوذ الخلافة لا تكمل عناصره في نظر الامم الاسلامية ما لم تؤيده خطبة الحرمين وتنطق داعية باسمه (14) لهذا اعتبر المعز الفاطمي تلاوة اسمه على منبر مكة تدعيما لا بد منه لمركزه في الخلافة ، الا ان هذا التدعيم لم يدم امره طويلا في عهد صاحب الثورة في مكة جعفر بن محمد لاننا لا نلبث ان نجد العباسيين ينافسونهم عليها منافسة شديدة ونرى أمراء الحج العراقي يضغطون على صاحب مكة حتى يدعو لخليفة بغداد المطيع في عام ٣٥٩ ويستطيع القرامطة ان يفعلوا ذلك فيضيفون اسمهم الى جانب العباسيين في العام نفسه (15).
ومن هذا يبدو ان منبر مكة كان يتأثر بأكثر من عامل واحد من عوامل الضغط التي كانت تحيط به وأن القوات المسيطرة في افق الاسلام يومها من عباسية الى فاطمية الى قرمطية كانت تتجاذبه بمختلف الوسائل وان ثائر مكة كان لا يستطيع بقوته المحدودة ان يدافع عن رأيه لهذا كان الظافر منهم بالتعاقب يقيم الخطبة لنفسه الى ان تنتزعها منه قوة اخرى.
ويلوح لنا ان العباسيين استمرؤوا طريقتهم في انتخاب ابي احمد الموسوي والد الشريف الرضي ليمثلهم في الحج ويرأس ركب العراقيين (16) كما كانوا يفعلون في عهد الاخشيد ليستفيدوا من نسبته الى العلويين وعلاقته باسر الاشراف ، واعتقد انهم نجحوا في ذلك الى حد واستطاعوا ان يبلغوا مناهم من الدعاء لهم في مكة في اكثر من سنة من سني جعفر بن محمد وعندما نقول أكثر من سنة نعني بهذا أننا لا نستطيع التحديد بوجه خاص فأقوال المؤرخين متضاربة في شأن الاسماء التي كانت تظفر بالدعاء على منبر مكة والسنين التي يتم فيها ذلك الدعاء.
بل ان التضارب يتسع الى اكثر من هذا فبينما تذكر بعض المصادر مثلا ان الحج العراقي منع في بعض السنين تذكر مصادر اخرى ان منبر مكة كان يدعو في تلك السنوات نفسها لخليفة بغداد فيعز على مثلي ان يوفق بين منع حج بغداد والدعاء لصاحب بغداد وهو يعلم ان مكة لا تدعو لبغداد في هذه الفترة الا اذا قام على رأسها امير الحج العراقي يملي عليها بقوته او ماله. وبحسبنا ان نعرف ان جماع ما يمكن استنتاجه من اقوال المؤرخين في هذه الفترة ان جعفرا الثائر لم يستطع ان يقصر دعاءه للفاطميين وانه قضى في سني حكمه نحو عشرين سنة تتجاذبه قوى مختلفة فتفرض عليه الدعاء لها.
ويجب الا ننسى الى جانب هذا ان التجاذب نفعه الى حد كبير بقدر ما اساءه فقد كان ظفر الظافرين من القوات الاسلامية متوجها كما رأينا الى ناحية واحدة هي ربح الدعاء فوق المنابر وبذلك ظلت مقدرات مكة وشؤون حكمها في نجوة ـ كما نعتقد ـ من التجاذب وظل جعفر يتمتع مدى حكمه باستقلاله بالحكم.
وقد نرى في بعض الأحاديث أن العباسيين مثلا أو الفاطميين يملون ارادتهم في شيء معين فيمضيه لهم جعفر ولكن ذلك لا يعدو أن يكون املاء مؤقتا تزول آثاره بزوال وقته ويبقى بعد ذلك أمر مكة مستقلا به صاحب مكة جعفر.
ويبدو ان مكة استفادت من هذا التجاذب الى حد لا بأس به كما استفاد صاحبها لأن ملوك الاسلام في هذه الفترة كانوا يتنافسون في البر بها وكان اذا حج أحدهم أو ذووهم أمعن في الظهور بما يرفع من قدره وغالى في أعمال الخير مغالاة يستفيد منها الأهالي في مكة فوائد لا حد لها.
حجت في سنة ٣٦٦ جميلة بنت ناصر الدولة في بغداد في قافلة تضم ٤٠٠ كجاوة لا يعلم احد في ايهن كانت لما عليهن من الزينة وكان معها عشرة الآف جمل عليها المؤونة والصدقات وقد زوجت كل علوي وعلوية (17) وهي لا تزوج العلويين الا لغرض خاص يرمي من ورائه الى التودد الى اشراف مكة وامرائها وقال المؤرخون عنها انها من ازهد الناس واعبدهم واجراهم دمعة وكانت تقوم نافلة الليل وتسمع العظات ونحن نقول ليت زهدها ارشدها الى الاقتصار من عدد «الكجاوات» وزينتها لتضيف اثمانها الى اعمال الخير التي قامت بها ، وليت اعمال الخير التي قامت بها في مجموعها كانت على غير هذه الوتيرة التي ألفوها في ترويج الصدقات. ليتها تعلمت من زبيدة زوج الرشيد كيف يكون البر في مشاريع خالدة تبقى بقاء الدهر، انها لو فعلت وامثالها من اصحاب البر ذلك لتوفر للحرمين على مر الدهور مشاريع لا نهاية لحدها ولا استطاعوا بذلك ان يهيئوا هذه البلاد لحياة غير الحياة التي ظلت تعيشها تتقبل صدقاتهم وبرهم، اللهم انا نحتكم الى عدلك فيما علمت من صدقاتهم ونسألك الفصل فيما اضاعت الغفلة او بدد الغرض من فرص على بلدك الامين وأكثر بلاد المسلمين.
المكوس :
وفي هذا العهد ابتدع جعفر وضع المكوس على الحاج (18) ولعله شعر بحاجة البلاد إلى ما تنفقه فلجأ إلى هذه البدعة ويبدو أن الفاطميين لم يعارضوه وأن العباسيين لم يمنعوه منها.
عيسى بن جعفر :
وتولى امر مكة بعد جعفر ابنه حوالي عام ٣٨٠ وفي عهده بدا للعزيز الفاطمي في مصر ان ينوب من يمثل الفاطميين في مكة ليضمن لهم استمرار الدعاء في الخطبة فارسل احد العلويين اليها في جيش عظيم فدافع عيسى عن مكة وابى عليه دخولها فظل يحاصرها مدة طويلة، وقد عانت مكة من جراء الحصار عناء شديدا واشتد الغلاء فيها.
ويبدو ان عيسى قبل تفاديا للعواقب ان يدعو للفاطميين (19).
ابو الفتوح:
وعلى اثر وفاة عيسى في سنة ٣٨٤ تولاها اخوه ابو لفتوح (20)
وكان صادق العزيمة طموحا اشتدت شكيمته على العابثين وعندما أى بعض قطاع الطرق من الاعراب يفرون من سطوته الى رابغ او الى المدينة يحتموا بحكامها من أشراف آل المهنا خف الى رابغ فاحتلها ثم الى المدينة فقضى على حكم آل المهنا فيها وأضافها الى حكمه في مكة (21).
ونقل الشيخ عبد الله غازي (22) رواية غريبة تتلخص في ان الحاكم لفاطمي في مصر طلب الى ابي الفتوح ان يحتل المدينة وينقل جثمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم منها الى مصر فأطاعه، وان اهل المدينة بعد احتلالها احتفلوا به قرأ قارئهم امامه قوله تعالى (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ..) الى آخر الاية فشعر باستحالة الامر فعدل عنه ولم اعثر على ما يؤيد هذه الرواية، ويكفي للتدليل على غرابتها أن الفاسي وابن ظهيرة والدحلان وهم أهم من كتب في تاريخ مكة بعد الأزرقي لم ينقلوا هذه الرواية (23).
ويشير الفاسي الى أن استيلاء ابي الفتوح على المدينة كان بسبب ما بلغه من منع الدعاء للفاطميين (24).
خلافة ابي الفتوح :
وما لبث ابو الفتوح ان اختلف مع الفاطميين لان الحاكم الفاطمي ارسل اليه سجلا ينتقص فيه بعض الصحابة وامره ان يأمر الخطيب بقراءته على المنبر فشق ذلك على ابي الفتوح وفشى امر ذلك في الموسم فتداعى الحجاج والعرب حوالي مكة من هذيل وغيرهم واجتمعوا بالمسجد يريدون كسر المنبر على صاحبه وكان يوما عظيما انتهى بعصيان ابي الفتوح (25).
والتجأ بأبي الفتوح «الوزير أبو القاسم» الذي فر من جور الحاكم بأمر الله الفاطمي في مصر واغراع ضد الفاطميين وانتزاع الخلافة منهم لنفسه وافتاه بأخذ ما في الكعبة من نفائس فأعلن ابو الفتوح نفسه خليفة وشرع يتلقى البيعة من الموالين له في مكة والمدينة ثم اقام الدعوة للامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ونشط للعمل في نطاق اوسع فبايعه بنو سليم وبنو هلال وبنو عوف وبنو عامر ثم ما لبث ان شد رحاله في قوة عظيمة من عسكره يريد الشام فكان كلما مر ببعض بلادها جاءوا ايه مبايعين حتى انتهى الى منازل آل الجراح في الرملة فبايعوه واقيمت الخطبة في منازلهم باسمه وفي كثير من بلاد الشام (26)
تنازله عن الخلافة :
وتوافدت الاخبار الى مصر مثيرة مقلقة وشعر الحاكم الفاطمي بسوء العاقبة فدس الى امير طيء في الرملة حسان بن مفرج الجراح واستطاع ان يستميله اليه وان ينتزع منه وعدا بالتخلي عن مناصرة ابي الفتوح.
وفطن ابو الفتوح للامر وبدا له ان تخلى آل الجراح عنه يسلمه الى اسوأ العواقب فوقف يعيد النظر فيما احدث ثم ما لبث ان وافته انباء جديدة من مكة بان بعضا من بني عمه «السليمانيين» (27) اغتنموا فرصة غيابه من مكة فاستولوا عليها برآسة ابي الطيب داود بن عبد الرحمن فادرك ان الدسائس احاطته وان الفاطميين لم يكتفوا باستمالة مناصريه في الجيش حتى اثاروا عليه في مكة من تغلب عليه وانه سيبيت منذ الليلة طريدا لا الشام يبلغها ولا مكة يكتفي بها (28) فهرع من فوره الى مفرج والد حسان رأس المتخلفين عنه وأعلن التجاءه به فاكبر ذلك مفرج واخذ على عاتقه تسوية الامور وقد سواها فتوسط بينه وبين الفاطميين بالصلح على ان يتنازل عن دعوته بالخلافة لقاء اخلاء مكة من خصومه السليمانيين وان يعود الى قواعده سالما ليحكم مكة كما كان يحكمها من قبل.
وهكذا عاد الى مكة في عام ٤٠٣ واستتب له الامر فيها وشرع يدعو للحاكم الفاطمي (29) كما نقش اسمه على النقد (30).
وفي عهد ابي الفتوح هجم رجل من مصر على الحجر الاسود وهو يصيح الى متى يعبد هذا الحجر ومحمد وعلي، فليمنعني مانع من هذا، فخاف الناس وتراجعوا عنه وكاد يفلت لولا ان غافله أحدهم فضربه بخنجر وقطعه الناس واحرقوه وقتل ممن اتهم بمصاحبتهم جماعة واحرقوا فكانت الفتنة عظيمة وقد قتل فيها نحو عشرين رجلا غير ما خفي منهم وألح الناس من ذلك اليوم على المغاربة والمصريين بالسلب والنهب.
وكان ابو الفتوح الى جانب شجاعته شاعرا يجيد القريض ومن شعره:
وصلتني الهموم وصل هواك *** وجفاني الرقاد مثل جفاك
وحكى لي الرسول انك غضبى *** يا كفى الله شر ما هو حاكي
وكان يتمتع بقوة نادرة كما ان اختا له تضاهيه في ذلك، ومن غرائب ما ذكر عن ذلك ان اخته ارسلت اليه ببعض الدراهم ليشتري لها شيئا من الحنطة فاخذ الدراهم وفركها بين يديه فامحى رسمها ثم بعث اليها بالحنطة مصحوبة بالدراهم ليوهمها ان دراهمها زيوف فأدركت النكتة في ذلك فعمدت الى قبضة من الحنطة وفركتها حتى صيرتها دقيقا ثم ارسلت بها اليه تقول ان هذه الحنطة لا تصلح فكانت بليغة في ردها كما كانت نادرة مثله في فرط قوتها (31).
وفي عهد ابي الفتوح منع الحج في اكثر السنين نتيجة المنازعات والفتن في مكة وعصيان بعض القبائل في البادية وقطعهم الطريق (32).
شكر بن ابي الفتوح :
وبوفاة ابي الفتوح في عام ٤٣٠ خلفه ابنه محمد شكر وكان في مثل بأس ابيه وشجاعته، حارب بني حسين (33) اصحاب المدينة عندما ارادوا الخروج عليه فظهر عليهم وضم المدينة اليه وأدب كثيرا من عصاة البدو وكان يقول الشعر، ومن شعره:
قوض خيامك من أرض تهان بها *** وجانب الذل ان الذل يجتنب
وارحل اذا كان في الاوطان منقصة *** فالمندل الرطب في اوطانه خطب (34).
وكان شكر يدعو للفاطميين وقد منع الحج العراقي في عهده سنوات لسوء صلته بالعباسيين كما منع من جهات أخرى لعصيان البادية عليه، كما كان الحال في عهد أبيه.
عبد شكر :
وتوفي شكر في عام ٤٥٣ ولم يعقب فانتهى امر مكة بعده الى عبد له (35) لم يذكر المؤرخون اسمه ولعل من الغريب ان يتولى أمر مكة احد العبيد وفيها من سادة العلويين والاشراف واعيان الاهالي والمجاورين من لا يحصيهم العد ولكن الذي يبدو من ثنايا الحوادث ان الاشراف في مكة كانوا منقسمين على انفسهم وكان رجال الطبقات فيهم يتحيزون الى طبقتهم ويتحيز المهاجرون في مكة واعيان أهلها بتحيزهم او يحايدون فيتلاقى هذا التحزب في ميدان ضيق ولعل عبد شكر كان له من شكيمة اسياده ونفوذه لديهم ما ساعده على اغتنام الفرصة والوصول الى مقعد الحكم.
الطبقة الثانية من الاشراف «السليمانيون» :
ولم يدم حكم العبد طويلا في مكة لأن السليمانيين أصحاب الطبقة الثانية من الأشراف (36) ولم يلبثوا ان قبضوا على أزمة الأمر بعد أن أجلوا العبد عن الحكم وأجلوا بذلك جميع الموسويين من الأشراف حكام الطبقة الاولى (37).
صاحب اليمن :
ولم يتمتع السليمانيون طويلا بهذا الحجم فقد اقتحم عليهم الصليحي صاحب اليمن (38) بعد سنتين من استئثارهم بالحكم ولم يذكر مؤرخو مكة أسماء من تولى مكة منهم الا اسم محمد بن عبد الرحمن من احفاد أبي الفاتك.
الطبقة الثالثة من الاشراف «الهواشم» :
ولم يطل مقام الصليحي في مكة إلى أكثر من شهر واحد لأنه ما لبث أن اختار لحكمها مؤسس الطبقة الثالثة أبا هاشم محمدا بن جعفر بن محمد حفيد الحسين الأمير وهو يجتمع في الحسين هذا مع الطبقة الأولى كما يجتمع مع الطبقتين الأولى والثانية في جده الثامن عبد الله بن موسى الجون.
وقد زوده الصليحي بالمال والسلاح وافرد له جيشا يستعين به على امن البلاد ثم ارتحل الى اليمن (39).
ويذكر بعض المؤرخين (40) ان الصليحي اضطر الى الرجوع عن مكة لوباء اصاب جيشه ونحن لا نستبعد ان يكون ذلك بعض من اسباب عودته أما السبب الاهم فهو فراغه من مهمته واستصفاء البلاد من الطبقة الثانية «السليمانية» وقد كانوا يدعون للعباسيين وتسليمها للهواشم وقد رضوا بالدعاء للفاطميين.
ابو هاشم محمد بن جعفر:
وهكذا بدأ أبو هاشم يزاول الحكم بعد ان أمر بالدعاء للفاطميين. الا ان الفاطميين ما لبثوا ان قطعوا عنه الاعانات التي كانوا يمدونه بها مضطرين لذلك بأسباب الشدائد العظمى التي حلت بالبلاد المصرية في ذلك العهد فاحتاج ابو هاشم الى ما ينفقه حتى اخذ قناديل الكعبة وستورها وصفائح بابها والميزاب وصادر بعض اموال التجار من اهل مكة.
ثم رأى ان يحذف اسم الفاطميين من الخطبة ويخطب للقائم بامر الله العباسي فخطب له في سنة ٤٦٢ ثم كتب الى حاكم بغداد يخبره بذلك فبعث اليه العباسيون بثلاثين ألف دينار وخلعا نفيسة ورتبوا له سنويا عشرة آلاف دينار وكتب اليه حاكم بغداد بأن امير المدينة «مهنا» اذا فعل هذا اجرى له كل سنة خمسة آلاف دينار (41).
وبذلك تمت الخطبة للعباسيين الا ان الأذان بحي على خير العمل ظل على امره في مكة متابعة للمذهب الشيعي فانتدب العباسيون الشريف ابا طالب لأقناعه فناظره ابو هاشم طويلا الى ان قال له هذا أذان امير المؤمنين علي بن ابي طالب فقال له ابو طالب ان ذلك لم يصح عنه وانما فعله عبد الله بن عمر في بعض اسفاره فما انت وابن عمر؟ فأسقطه ابو هاشم من الأذان (42).
وحاول السليمانيون من أشراف الطبقة الثانية ان يستردوا امارتهم على مكة فثاروا على أبي هاشم واجلوه عن مكة بزعامة احد الاشراف حمزة بن «وهاس» بن ابي الطيب الذي تولى امر مكة فترة لم يعينها احد المؤرخين ثم ما لبث أبو هاشم أن أعاد كرته واستعاد الامارة (43).
واني لأحسب أن للفاطميين يدا في ثورة السليمانيين على ابي هاشم او انهم على اقل تقدير كانوا يساعدونها لانه من غير المعقول ان يترك الفاطميون أمر الدعاء لهم في مكة بعد أن بذلوا في سبيله ما بذلوه من أموال وساعدوا على بناء حكومة الاشراف لتكون صوتا لهم في مكة.
على كل فقد عاد ابو هاشم الى مكة ظافرا بعد ان أجلى حمزة بن وهاس واستمر يدعو للعباسيين، ثم ما لبث ان سير الى المدينة جيشا من مقاتلة الاتراك فتغلب على بني مهنا من اولاد الحسين واجلاهم عنها وضمها الى امارته (44).
وشعر الفاطميون انه لا بد من العمل على استعادة الخطبة لهم في مكة فندبوا في سنة ٤٦٦ من اتصل بابي هاشم في مكة ليقبح له خطبته للعباسيين ويبذل له من الاموال ما يرضيه ولعل العباسيين شعروا بذلك فارسلوا صحبة السلار الذي يرافق الحج العراقي اموالا عظيمة قدمها الى ابي هاشم في جملة الهدايا التي قدمها كما جمع اموالا غيرها من الحجاج الذين رافقوه فقدمها اليه وقد نجح السلار في مهمته بقدر ما فشل الفاطميون.
الا ان النجاح كان مؤقتا فقد توفي في عام ٤٦٧ الخليفة العباسي المقتدى فاستأنف الفاطميون سفارتهم مثقلة بالهدايا والتحف العظيمة وكتبوا الى ابي هاشم يقولون ان عهودك كانت للخليفة القائم والسلطان السلجوقي وقد ماتا، فاستشار ابو هاشم اصحابه فأشاروا عليه بأن يقبل العرض الذي قدمه الفاطميون وقالوا اما وقد رجعت لنا المعونة من مصر فاننا لا نبتغي بابن عمنا بديلا وبذلك عاد الدعاء للفاطميين.
ولم يستمر نجاح الفاطميين طويلا لأن سلار الحج العراقي ما لبث ان عاد في موسم ٤٦٨ يحمل الى ابي هاشم عروضا جديدة منها ان يروجوه من اخت جلال الدولة في العراق وان يمنحوه عشرين الف دينار كتعويض عما فات من السنين الماضية فقبل ابو هاشم وخطب للعباسيين (45).
وهكذا ظل العباسيون والفاطميون يتناوبون استرضاء ابي هاشم أمير مكة بالهدايا والاموال عدة سنوات الى ان كان عام ٤٨٤ حيث رأى العباسيون ان الفاطميين استطاعوا ان يستميلوه اليهم فقر روا ان يعاملوه بالعنف فارسلوا قوة من التركمان لقتال مكة فقاتلها ابو هاشم قتالا عنيفا ثم يئس من النصر ففر الى بغداد ، ولعله اراد بذلك ان يسترضي العباسيين (46) ويشير الفاسي (47) الى غير ذلك من الحوادث فيذكر ان السنيين وهم اتباع بغداد ، والشيعيين وهم اتباع الفاطميين في مصر اشتبكوا عدة مرات في موسم الحج اثناء هذه السنوات وكان كل فريق يحاول استخلاص الخطبة له وان الظفر كان سجالا بين الفريقين.
والذي نستخلصه من جماع ما تقدم ان مكة عادت تدعوا للعباسيين في عهد ابي هاشم بعد ان قطعت نحو مائة سنة، وان الفاطميين بذلوا في سبيل استرجاع الدعاء لهم كثيرا وان الظفر بين الفريقين كان سجالا.
ويذكر ابن الاثير (48) ان مدة الدعاء للعباسيين في هذا العهد كانت أربع سنين وخمسة أشهر، ولعله اراد بذلك مجموع الفترات التي ظفر العباسيون فيها بالدعاء لهم.
وعانت مكة كثيرا من الضيق والغلاء والشدة في هذا العهد، وذلك نتيجة طبيعية للنزاع الذي جرته الدعوة على منبر هذا البلد الضعيف بين قوتين عظيمتين.
وظل ابو هاشم في اخريات ايامه يدعو للعباسيين على النحو الذي أسلفنا الى ان توفي سنة سبع وثمانين واربعمائة (49) وكان يمتاز بالقوة والشجاعة فقد حمل في بعض حروبه على شخص بالسيف فقطع درعه وجسده وقوسه حتى وصل السيف الى الارض (50) ويذكره ابو المحاسن (51) فيبالغ في ذمه ويقول انه كان متلونا تارة مع العباسيين واخرى مع المصريين «الفاطميين».
قاسم بن محمد :
وبوفاته تولى الامارة بعده ابنه قاسم بن محمد وظل أمر مكة في عهده عرضة للفتن التي تعرض لها ابيه قبله من جراء احتكاك العباسيين بالفاطميين في شأن الخطبة.
فقد امر في اول عهده بالخطبة للفاطميين ، ثم قطعها في عام ٤٨٧ وخطب للعباسيين ثم أعيدت للفاطميين ورجعت بعدها للعباسيين في عام ٤٨٩ (52).
وفي هذه الأثناء هجم على مكة «أصيهيد بن سارتكين» القائد العباسي وأجلى قاسما عنها ثم ما لبث قاسم أن أعاد الكرة على مكة فاستولى عليها وأجلى أصيهيد عنها في عام ٤٨٨.
وقطع الحج العراقي في عهد قاسم عدة سنوات متفرقة وهي السنوات التي تغلب فيها النفوذ الفاطمي في مكة او في السنوات التي اشتدت فيها الفتن الدينية في العراق من جراء الاختلافات المذهبية في ذلك القطر (53).
واذا كنا لا نرتاب في ان مكة كانت تستفيد من ميلها الى الفاطميين فوائد مادية جمة فاننا لا نشك كذلك في انها كانت تخسر كثيرا لقاء ذلك بسبب خلافها مع العباسيين وتتعرض في سبيله لكثير من الفتن والحروب وتعاني من غلاء الاسعار وضيق الأرزاق ما لا طاقة لها باحتماله ولو قدر لها أن تعيش قوية بنفسها لاستطاعت ان تمنع الدعاء عن الفريقين وتقف بينهما موقف المحايد ولكن ضعفها وما منيت به من فقر في أراضيها هيأها للتأرجح بين الأقوياء.
وظل قاسم على امره في مكة الى ان توفي في عام ٥١٨ بعد ان حكم مكة نحوا من ٣٥ سنة وكان اديبا شاعرا ، ومن شعره :
قومي اذا خاضوا العجاج حسبتهم *** ليلا وخلت وجوههم أقمارا
لا يبخلون بزادهم عن جارهم *** عدل الزمان عليهم او جارا
واذا الطراد دعاهمو لملمة بذلوا *** النفوس وفارقوا الأعمارا
واذا زناد الحرب اذكت نارها قد *** حوا بأطراف الأسنة نارا (54)
ويذكره ابن خلدون (55) فيقول انه عجز عن افرار الامن والعمل على اصلاح شؤون امارته.
فليتة بن القاسم :
وعلى اثر وفاة قاسم بن محمد سنة ٥١٨ تولى الامارة فليتة بن القاسم (56) وليس فيما نقله المؤرخون ما يثبت أنه كان يدعو للعباسيين أو الفاطميين الا ان تقي الدين الفاسي (57) ينقل الينا أن في عهده حج الركب العراقي ولم يذكر أنه وجد فيه ما كان يجد في أبيه من قسوة في المعاملة أو خلاف ولا أستبعد أن يكون فليتة دعا للعباسيين فوق المنبر.
اسقاط المكوس :
وأسقط فليتة المكوس التي كان يجعلها اباؤه على الحجاج وأحسن الى الناس وسار فيهم أفضل سيرة. وكان فليتة من أدباء مكة وكان له شعر محفوظ ودامت ولايته في طمأنينة واستقرار الى ان توفي سنة ٥٢٧ (58).
أول خلاف بين الورثة من الاخوان والاشراف:
وبوفاة فليتة اختلف أبناؤه على الحكم فنشب بينهم القتال واستطاع هاشم احدهم أن يتغلب بسيفه عليهم وان يستأثر دونهم بالحكم.
هاشم بن فليتة :
ويبدو ان هاشما لم يكن في رفق ابيه او عدله وأنه كان على خلاف مع العباسيين وقد تصدى مرة لأمير الحج العراقي في الطواف في عام ٥٣٧ ثم صادر بعض امواله وقد دام حكمه نحو ١٨ سنة وتوفي في 545 ويذكر صاحب النفوذ الفاطمي في جزيرة العرب أن هاشما دعا للعباسيين في أواخر سني امارته.
القاسم بن هاشم :
وبوفاة هاشم تولى الامر بعده ابنه القاسم وكان في مثل شكيمة أبيه وبأسه وقد ورث عنه كره للعباسيين فظل على خلاف معهم عدة سنوات وفي هذه الاثناء اوفد الى مصر عمارة اليمني (59) زيادة في توثيق الصلات بالفاطميين (60) وقد قوبل عمارة من الخليفة الفاطمي بحفاوة بالغة وأنشد عمارة قصيدة قال فيها يصف العيش :
ورحن من كعبة البطحاء والحرم *** وفدا الى كعبة المعروف والكرم
حيث الخلافة مضروب سرادقها *** بين النقيضين من عفو ومن نقم (61)
وفي عام ٥٥٥ علم القاسم ان الحج العراقي برآسة أمير أرغش استعد لقتاله فلما أنس اقترابه ترك مكة هاربا ومن ثم كانت الفتنة بين اهل مكة والحج العراقي بمنى وقتل جماعة من اهل مكة ولحق الباقون باهلهم فجمعوهم وأعادوا الكرة بهم فسلبوا نحو الف جمل من الحاج فنادى أمير الحج العراقي في جنده ووقع القتال فقتل جماعة من الفريقين وشاع النهب ورأى أمير الحج العراقي ان يغادر مني لا الى مكة لاتمام نسكه ولا الى الزاهر حيث تقوم منازله بل الى متجه الطريق الذي يعود به الى بلاده دون ان يكمل حجه وقد عاد كثير من الحجاج ولم يستطيعوا اكمال حجهم خوف الفتنة (62).
والظاهر ان المدافعين من عبيد صاحب مكة قطعوا طريق الحاج العراقي بين منى ومكة فاضطر أكثرهم للفرار دون أن يتموا مناسكهم.
وبكل فقد كانت أعمال القاسم في مكة شديدة الوطأة وكان يعامل الأهالي والمجاورين معاملة قاسية ويصادر كثيرا من أموالهم ومع هذا ظلت مكة تدعو للعباسيين طيلة عهد القاسم (63).
ولعل قسوته في مكة اثارت عليه حفيظة المظلومين فقد ثار عليه عمه عيسى ابن فليتة فأجلاه عن مكة وتولى امارتها في عام ٥٥٦ ولكن تقي الدين الفاسي يذكر ان قاسم بن هاشم غادر مكة متخوفا من امير الحج العراقي فتولى الامارة فيها عمه عيسى بن فليتة (64).
عيسى بن فليتة ؛ وما كاد يستقر الامر لعيسى حتى استأنف القاسم هجومه عليه وأجلاه عن مكة في شهر رمضان سنة ٥٥٧ فلم يبعد عيسى الا اياما ثم عاود الهجوم على القاسم فقتله واستولى على مكة في السنة نفسها ٥٥٧ (65)
وفي هذا العام ٥٥٧ او العام الذي قبله حج نور الدين محمود الزنكي صاحب حلب في موكب عظيم وأنفق في مكة والمدينة اموالا كبيرة ..
_______________
(١) تاريخ الاسلام السياسي ٣ / ١٩٨
(2) تاريخ الاسلام السياسي ٣ / ١٩٨
(3) تجارب الامم لمسكويه ١ / ٣٦
(4) ابن الاثير ٨ / ٥٨ وابن خلدون : العبر ٤ / ٣٩
(5) ابن خلكان ١ / ١٤٨ وما بعدها
(6) وقد استمر الحكم الفاطمي في بلاد الفاطميين الى عام ٥٦٧ كما سيأتي.
(7) وهو يجتمع مع الثوار العلويين السابقيين في جدهم عبد الله المحض بن الحسن المثنى كما يظهر من الجدول المنشور في الصفحة التالية.
(8) اتعاظ الحنفاء للمقريزي ٨١٢
(9) نسبة الى موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن ابي طالب .
(10) اتعاظ الحنفاء المقريزي ١٤٥ وما بعدها
(11) المصدر نفسه
(12) وكذلك حذف اسمه في المدينة ودعى فيها للمعز الفاطمي ، وقد اشار ابن خلدون الى ان اشخاصا من بني الحسين بن علي بن ابي طالب كانوا يتحينون الفرص لاستقلالهم بالمدينة كما فعل الموسويون من بني الحسن في مكة حتى وافاهم من مصر طاهر بن مسلم من احفاد الحسين وكان يدير في مصر اعمال كافور ما لبث ان اجتمع اهل المدينة عليه وولوه امارتها وفي سنة ٣٦٠ استقل بها على غرار ما فعل السليمانيون في مكة وبذلك دعا للمعز الفاطمي.
(13) يطعن بعضهم في نسبة الفاطميين الى العلويين من ابناء الحسن ولكني اعتقد انه طعن سياسي مغرض وقد اشار ابن خلدون في مقدمته ص ١٩٠ الى هذا الغرض كما ذكر ابن الاثير في الكامل ج ٨ ص ٨ ، ٩ ما يدل عليه واورد ابياتا للشريف الرضي قال فيها :
أحمل الضيم في بلاد الأعادي
وبمصر الخليفة العلوي
وللمقريزي في خططه ما يؤيد نسب الفاطميين
(14) النفوذ الفاطمي لمحمد جمال سرور ١٤
(15) شفاء الغرام لتقي الدين الفاسي ٢ / ٢٢١
(16) المصدر نفسه
(17) شفاء الغرام لتقي الدين الفاسي ٢ / ٢٢٢
(18) افادة الانام للشيخ عبد الله غازي مخطوط
(19 و20) ابن خلدون ٤ / ١٠١
(21) اتحاف الورى لنجم الدين بن فهد القرشي «مخطوط»
(22) افادة الانام «مخطوط»
(23) احسن مؤرخنا السباعي حين نبه على هذه الرواية، والذي اراه انها مختلقة، ولا يمكن ان يفكر رجل مثل ابي الفتوح على نبش قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وخاصة وهو جده.
(24) العقد الثمين (مخطوط).
(25) المصدر نفسه
(26) المقريزي : خطط ٢ / ١٥٧
(27) اصحاب الحكم في الطبقة الثانية من الاشراف ولم يثبت حكمهم في مكة الا بعد نحو خمسين سنة من هذا التاريخ كما سيأتي.
(28) ذكر في الفرائد المنظمة ان الحاكم الفاطمي انفذ لابي الطيب في مكة مالا كثيرا لخذلان ابي الفتوح وتعهد بان يدفع له خمسين الف دينار ولكل فرد من أخوانه مثلها.
(29) ابن خلدون ٤ / ٤٧٣
(30) المقريزي خطط ٢ / ٢٨٨.
(31) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازى «مخطوط»
(32) شفاء الغرام ٢ / ٢٢٥
(33) هم بنو الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام ويعرفون اليوم في الحجاز بالسادة.
(34) افادة الانام «مخطوط».
(35) شفاء الغرام ج ٢ ص ١٩٨
(36) هم اولاد سليمان بن عبد الله بن موسى الجون ويجتمعون في موسى الجون مع الطبقة الاولى كما يبدو ذلك من شجرة النسب للطبقات الثلاث من الاشراف امراء مكة.
(37) ابن خلدون ٤ / ١٢٦.
(38) على بن محمد الصليحي كان ابوه من قضاة اليمن وقد الحقه باحد المشايخ وهو لا يعلم انه من دعاة الباطنية فتلقى مبادىء الباطنيين واخلص لها في السر وعندما اشتهر بعلمه كان يرأس الحج اليمني الى مكة عد سنوات ، اجتمع في مكة بنفر من المخلصين لدعوته فبايعوه على امتلاك اليمن فسار فيهم حتى ملك بعض الاطراف ثم استمال بعض القبائل فساعدوه حتى استولى على بلاد اليمن جميعها ودعى فيها للفاطميين ثم سار الى مكة واستصفاها للهواشم بمساعدة الفاطميين «راجع تاريخ اليمن لعمارة اليمني» ص ١٦.
(39) ابن خلدون ٤ / ١٢٦
(40) اورده الغزي في افادة الانام «مخطوط»
(41) ابن الاثير ١٠ / ٢١
(42) النجوم الزاهرة لابي المحاسن ٥ / ٨٤
(43) شفاء الغرام للفاسي ٢ / ١٩٦
(44) صبح الاعشى للقلقشندي ٤ / ٢٧٠
(45) افادة الانام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»
(46) شفاء الغرام لتقي الدين الفاسي ٢ / ١٩٧
(47) العقد الثمين للفاسي «مخطوط»
(48) ١٠ / ٨٣
(49) درر الفوائد المنظمة طبعة ١٣٨٤.
(50) شفاء الغرام ٢ / ١٩٦
(51) في النجوم الزاهرة ٥ / ١٤٠
(52) راجع ابن خلدون ٤ ص ١٠٤ ـ ٤٠٥
(53) راجع شفاء الغرام ٢ / ١٩٧ ـ ٢٢٨
(54) افادة الانام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»
(55) ج ٤ ص ١٠٤
(56) ـ فليتة : بفتح الفاء ، كما في الاعلام. ج ٥ ص ٣٦٤. وتوجد الان قبيلة بمكة يسمون سادة فليتة ـ بالفتح ـ ولا ادري ما اذا كانت لهم صلة بهذا الامير.
(57) شفاء الغرام ٢ / ٢٢٩
(58) افادة الانام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط».
(59) عمارة اليمني من دعاة الفاطميين وقد اشتهر بشعره السياسي الرائع ومساعيه الجبارة لخدمة الفاطميين مما جعل صلاح الدين يقضي عليه مصلوبا في عام ٥٦٩
(60) شفاء الغرام ٢ / ١٩٧
(61) منائح الكرم للسنجاري «مخطوط»
(62) المصدر نفسه
(63) صبح الاعشى للقلقشندي ٤ / ٢٧١
(64 و 65) شفاء الغرام ٢ / ١٩٨