[حلف عدي وبني سهم]

وكان من شأن ما جرّ حلف عدي بن كعب وحلف بني سهم أن عبد شمس بن عبد مناف كانت له بختية ولم تكن بمكة بختية غيرها ففقدها [1] وبغاها، فشق عليه مذهبها وضلالها منه، فمكث يبتغيها إذ قام قائم على أبي قبيس حين هدأ الناس وقال بأعلى صوته: (الرجز)

والله ما كانت لنا هديّة ... يا عبد شمس باغي البختيّة

وما لنا عندكم بغية ... لا دية لنا ولا عطيّة

لكنها بختية غويّة ... تعرضت حينا لنا عشيّة

شربا لنا بينهم تحية ... تدور كأس بينهم رويّة

فنحرت صاغرة قميئة [2] ... لفتية أوجههم وضيّة

فلتبعد البختية الشقية [3] ... فلن تراها آخر المنية

فأصبح عبد شمس وقد غاضبه [4] ما سمع، فجعل ذودا لمن [5] دله على خبرها، فأتاه [6] ابن أخت لبني عدي بن كعب من بني عبد بن معيص بن عامر فقال له: إن الذي نحر بختيتك عامر بن عبد الله بن عويج [7] بن عدي بن/ كعب وآية ذلك أن جلدها مدفون في حفرة في حجرة بيته، فخرج [8] عبد شمس في ولده وناس من أهله حتى دخلوا منزل عامر بن عبد الله فوجدوا الأمر كما قال الرجل، فأخذ عامرا ثم ذهب به إلى منزله وقال: لأقطعن يده ولآخذن ماله! فمشت إليه بنو عدي بن كعب فصالحوه على أن يأخذ كل مال لعامر وأن يخرج من مكة ففعلوا، فبعث فأخذ كل مال لعامر وخلى سبيله! ثم قال: اخرجوا من مكة فارتحلوا وتعرض بنو سهم لهم وأنزلوهم بين أظهرهم وقالوا: والله لا تخرجون! وأم سهم بن عمرو [9] الألوف بنت عدي بن كعب، فأقاموا وهم حلف بني سهم حتى جاء الإسلام فقال عامر بن عبد الله: (الوافر)

فدى لبني الألوف أبي وأمي ... وقد غصّت من الكرب الحلوق

وأسلمنا الموالي عن حباه ... فلا رحم تعود ولا صديق

هم منعوا الجلاء وبوءونا [10] ... منازل لا يخاف بها مضيق

وكانوا دوننا لبني قصي ... فليس إلى ورائهم طريق

حديث قصي بن كلاب [11] وجمعه قريشا وإدخالهم الأبطح

هشام عن بشر الكلبي عن أبيه قال: كان يقال لقريش قبل قصي بن كلاب بنو النضر وكانوا متفرقين في ظهر مكة [12] ولم يكن بالأبطح [13] أحد منهم، فلما أدرك قصي واجتمعت عليه خزاعة وبنو بكر بن عبد مناة بن كنانة وصوفة وهم الغوث بن مر [14] بعث إلى أخيه/ من أمه رزاح [15] بن ربيعة بن حرام بن ضنة [16] بن عبد بن كبير بن عذرة، وأم قصي فاطمة بنت سعد بن سيل [17] من الأزد، واسم سيل خير بن حمالة [18] بن عوف بن عامر وهو الجادر [19] أول من بنى جدار الكعبة ابن عمرو بن جعثمة [20] بن مبشر بن [21] صعب بن دهمان [22] بن نصر بن زهران بن كعب الحارث بن كعب بن عبد الله ابن مالك بن الأزد، وكان جعثمة خرج أيام خرجت الأزد من مأرب ونزل في بني الدّيل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة فحالفهم [23] وتزوج فيهم، وكانت فاطمة أم قصي عند كلاب بن مرة فولدت له زهرة، ثم مكث [24] دهرا حتى شيّخ وذهب بصره ثم ولدت قصيا قال هشام: وإنما سمي قصيا لأن أمه تقصيت به إلى الشام وقدم ربيعة بن حرام [25] العذري حاجا فتزوجها، فحملت قصيا غلاما معها إلى الشام، فولدت لربيعة رزاحا وحنّا [26] فجرى بين قصي وبين غلام من بني عذرة كلام فنفاه العذري وقال: والله ما أنت منا! فأتى أمه وقال لها: من أبي؟ قالت: أبوك ربيعة، قال: لو كنت ابنه منه ما نفيت، قالت: فأبوك والله يا بني أكرم منه! أبوك كلاب بن مرة من أهل الحرم، قال: فو الله لا أقيم ههنا أبدا! قالت فأقم حتى يجيء إبّان الحج! فلما حضر ذلك بعثته مع قوم من قضاعة وزهرة حي [27] فأتاه وكان زهرة فيما زعموا أشعر وقصي أشعر أيضا فقال قصي: أنا أخوك، فقال: ادن، فلمسه [28] وقال: أعرف والله الصوت والشبه، ثم إن زهرة مات وأدرك قصي، فأراد أن يجمع قومه بني النضر ببطن مكة، فاجتمعت عليه خزاعة وبكر وصوفة، فكثروه وبعث إلى أخيه رزاح فأقبل في جمع من الشام/ وأفناء قضاعة حتى أتى مكة، فكانت صوفة هم يدفعون بالناس فقام رزاح على الثنية [29] فقال: أجز قصي، فأجاز بالناس فلم تزل الإفاضة [30] في بني قصي إلى اليوم، وأدخل بطون قريش كلها الأبطح إلا محارب بن فهر والحارث بن فهر وتيم الأدرم بن غالب ومعيص [31] بن عامر بن لؤي وهؤلاء [32] يدعون الظواهر، فأقاموا بظهر مكة، إلا أن رهطا من بني الحارث بن فهر نزلوا الأبطح وهم رهط أبي عبيدة بن الجراح فهم معهم، واسم قصي زيد وهو أيضا مجمّع لجمعه قريشا وذلك قول حذافة بن غانم: (الطويل)

أبوكم قصي كان يدعى مجمّعا ... به جمّع الله القبائل من فهر

________________

[1] في الأصل: ففقدوها.

[2] في الأصل: قميّة- بالياء المشددة، والقميئة: الذليلة والصغيرة.

[3] في الأصل: السقية.

[4] في الأصل: عاخله.

[5] في الأصل: بمن.

[6] في الأصل: فيأتيه.

[7] عويج بضم العين وفتح الواو.

[8] في الأصل: فيخرج.

[9] في الأصل: عوف.

[10] في الأصل: بوؤنا.

[11] مضى هذا الحديث فيما مر من الكتاب، أنظر ص 29 وما بعدها.

[12] أي خارج مكة.

[13] أي داخل مكة.

[14] في الأصل: مره- بالهاء.

[15] رزاح كرماح.

[16] في الأصل: ضنبة، وضنة بكسر الضاد المعجمة وتضعيف النون.

[17] سيل كجبل.

[18] حمالة كغزالة، وقيل كحجارة.

[19] في الأصل: جاور- بالواو.

[20] جعثمة بضم الجيم والثاء، وفي سيرة ابن هشام ص 67: خثعمة بالخاء المفتوحة بعدها المثلثة.

[21] مبشر بضم الميم وفتح الباء وتشديد الشين المكسورة.

[22] دهمان كقربان بضم القاف.

[23] في الأصل: فخالفهم- بالخاء المعجمة.

[24] في الأصل: مكثت.

[25] في الأصل: حزام.

[26] حنا بضم الحاء المهملة وتشديد النون المفتوحة.

[27] في الأصل: حتى.

[28] لأنه كان أعمى.

[29] المراد بالثنية ثنية العقبة عند منىً.

[30] الإفاضة: الإجازة.

[31] معيص كرئيس.

[32] في الأصل: هؤلاء.

مواضيع ذات صلة

تجديد بناء الكعبة

مكة والدعوة الاسلامية

ولاية الكعبة

بناء الكعبة

حروب بني عدّي بن كعب بن لؤي في الإسلام

وفادة قريش إلى سيف بن ذي يزن

امرأة من قريش شهد أبوها وجدّها وزوجها بدرا

من كان خاله وعمه خليفة

أول من كان بين هاشميين

المشبهون برسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش

الموصوفون بالجمال من قريش

حواريو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قريش