تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
قصّة موسى (عليه السلام) في القرآن بحسب تسلسلها التأريخي
المؤلف: محمد باقر الحكيم
المصدر: علوم القرآن
الجزء والصفحة: ص 410-420 .
10-10-2014
36191
الإسرائيليّون في المجتمع المصري :
لقد عاش الإسرائيليّون في المجتمع المصري ، وتكاثروا فيه : منذ هجرة يوسف وأبيه يعقوب وبقيّة أولاده إلى مصر.
وقد اضطهد الفراعنة الإسرائيليين في الحقبة السابقة على ولادة موسى ، وبلغ الاضطهاد درجةً مريعةً حين اتّخذ الفراعنة قراراً بذبح أبناء الإسرائيليّين واستحياء نسائهم من أجل الخدمة والعمل ، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يتفضّل على هؤلاء المستضعفين وينقذهم من حالتهم هذه ، فهيّأ لهم نبيّه موسى ، فعمل على إنقاذهم من الفراعنة (2) ، وهدايتهم من المجتمع الوثني إلى المجتمع التوحيدي.
ولادة موسى وإرضاعه :
وحين وُلد موسى (عليه السلام) أوحى الله سبحانه إلى أُمّه أن ترضعه وحين تخاف عليه من الذبح العام فعليها أن تضعه في ما يشبه الصندوق وتلقيه في اليمّ ، وهكذا شاءت إرادة الله أن يلقيه اليمّ إلى الساحل ، وإذا بآل فرعون يلتقطونه فيعرفون أنّه من أولاد بني إسرائيل ، فتدخل امرأة فرعون في شأنه وتطلب أن يتركوه لها على أن تتّخذه خادماً أو ولداً تأنس به مع فرعون.
وقد عاشت والدة موسى لحظاتٍ حرجةً من حين إلقائه في اليمّ ، فأمرت أُخته أن تقصَّ أثره وتتبع سير الصندوق فتتعرّف على مصيره ، ففعلت ، وحين عرض الطفل على المرضعات أبى أن يقبل واحدةً منهنّ ، فانتهزت أُخته هذه الفرصة ، فعرضت على آل فرعون أن تدلّهم على امرأةٍ مرضعة تتكفّل رعايته وحضانته وإرضاعه ، وكانت هذه المرأة بطبيعة الحال هي أُمّ موسى ، وهكذا رجع الطفل إلى أُمّه ليطمئنّ قلبها وتعلم أنّ ما وعدها الله سبحانه من حفظه وإرجاعه إليها حقٌّ لا شكّ فيه.
ولقد شبّ موسى في البلاط الفرعوني حتّى إذا بلغ أُشدّه وهبه الله سبحانه العلم والحكمة (3) .
خروج موسى من مصر :
ودخل موسى المدينة في يومٍ ما {عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} (متنكّراً) فوجد فيها رجلاً من شيعته (من الإسرائيليّين) يقاتل رجلاً آخر من أعدائه (الفرعونيّين) فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه ، فوكزه موسى فقضى عليه ولم يكن ينتظر موسى أن تؤدّي هذه الضربة إلى الموت ، ولذلك ندم على هذا العمل المتسرّع الذي انساق إليه ، فاستغفر ربّه عليه.
وأصبح موسى في المدينة خائفاً يترقّب أن ينكشف أمره فيؤخذ بدم الفرعوني ، فينزل إلى المدينة مرّةً أُخرى فإذا به يواجه قضيّةً أُخرى متشابهة ، وإذا الذي استنصره بالأمس فنصره يستصرخه اليوم أيضاً ، فعاتبه موسى على عمله ووصفه بأنّه غويٌّ مبين يريد توريطه وإحراجه ، ثمّ لمّا {أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا} (موسى والإسرائيلي) ظنّ الإسرائيلي أنّ موسى يقصد البطش به لا بالفرعوني ، فقال لموسى :
{أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ} وبذلك كشف الإسرائيلي عن هويّة قاتل الفرعوني الأوّل ، وفضح قتل موسى له ، فعمل الملأ ـ وهمّ عليَّة القوم ـ على قتله بدم الفرعوني.
{وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ} وأعاليها يُخبر موسى بالأمر ، يقول له : {إِنَّ الْمَلأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} وطلب منه المبادرة إلى الخروج والهروب من الفرعونيين.
فخرج موسى من المدينة خائفاً يترقّب أن يوافيه الطلب أو تصل إليه أيدي الفرعونيّين فدعا ربّه أن ينجيه من القوم الظالمين (4) .
موسى في أرض مَدْين :
وانتهى السير بموسى إلى أرض مدين فلمّا وصلها أحسَّ بالأمن وانتعش الأمل في نفسه فقال :
{عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ* وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ} وهم : الرعاة يسقون
{وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ} في حيرة من أمرهما تذودان الأغنام وتجمعانها ولا تسقيان ، فأخذه العطف عليهما فقال لهما :
{مَا خَطْبُكُمَا} ولماذا لا تسقيان؟
قالتا له : {لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء} وينتهوا من السقي؛ لأنّنا امرأتان {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} لا يتمكّن من القيام بهذه المهمّة الشاقّة.
فتولّى موسى عنهما هذه المهمّة ، فسقى لهما ، ثمّ انصرف إلى ناحية الظل ، وهو يشكو ألم الجوع والغربة والوحدة فقال :
{رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}.
ولمّا رجعت الامرأتان إلى أبيهما الشيخ وعرف منهما قصّة هذا الإنسان الغريب الذي سقى لهما ، بعث إلى موسى إحداهما لتدعوه إليه فجاءته {تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}.
فأجاب موسى الدعوة وحين انتهى إلى الشيخ طلب منه أن يخبره عن حاله ، فقصّ موسى عليه قصّة هربه وسببها ، وحينئذٍ آمنه الشيخ وقال له : {لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
وقد طلبت إحدى ابنتي الشيخ من أبيها : أن يستأجر موسى للعمل عنده وليقوم عنهما ببعض المهام الملقاة على عاتقهما نتيجة عجز الشيخ وضعفه؛ وذلك نظراً لقوّة موسى وقدرته على القيام بالعمل مع إمانته وشرف نفسه.
فقال له الشيخ :
{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} شريطة أن تأجرني نفسك ثماني حجج (سنين) فإذا اتممتها عشراً فذلك من عندك ، فوافق موسى على هذا الزواج وتمّ العقد بينهما (5) .
بعثة موسى (عليه السلام) ورجوعه إلى مصر :
وبعد أن قضى موسى الأجل (السنوات العشر) بينه وبين صهره سار بأهله فإذا به يشاهد ناراً من جانب الطور الأيمن : وهو جبل صغير ، وقد كان بحاجةٍ إليها ،
{فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى* فَلَمَّا أَتَاهَا}
وجد شجرةً وجاء نداء الله سبحانه من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من جانب الشجرة :
{إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ* فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} إليك.
ثم قال الله له :
{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى } [طه : 17 ، 18]
قال الله له :
{أَلْقِهَا يَا مُوسَى} فإذا هي تتحوّل إلى {حَيَّة تَسْعَى}{فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ}
فناداه الله :
{يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ} [القصص : 31] {إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ } [النمل : 10] سنعيدها سيرتها الأُولى.
ثمّ قال له :
{وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ } [النمل : 12]
ومرض ، فأدخل يده وإذا بها تخرج بيضاء ، ثمّ ردّها فعادت كما كانت.
وبعد ذلك أمره الله سبحانه أن يذهب بهاتين الآيتين المعجزتين إلى فرعون وقومه ليدعوهم إلى الله سبحانه ، فخاف موسى من تحمّل هذه المهمّة ، فقال :
{ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ} [القصص : 33 ، 34] وذلك من أجل أن {يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ}.
قال الله له : {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا}[ القصص : 35] {فَأْتِيَاهُ (فرعون) فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ}[ طه : 47].
وحينما عاد موسى إلى مصر توجّه مع أخيه هارون إلى فرعون ، فقالا له : إنّا رسولا ربّك ربّ العالمين ، ولا يمكن أن نقول على الله غير الحق الذي أرسلنا به وقد جئناك ببيّنةٍ من ربّك فارسل {مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} وارفع عنهم العذاب الذي تنزله فيهم ، وقد قالا له ذلك بشكلٍ ليّنٍ وبأُسلوبٍ استعطافيٍّ هادئ (6) .
وكأن فرعون قد استغرب هذه الرسالة من موسى وأخيه؛ لأنّه كان يعرف موسى وأحواله ، فقال لموسى :
{أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} ، ثمّ بعد ذلك {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ} بأن قتلت رجلاً من الفرعونيّين؟ فأجابه موسى : نعم لقد فعلت ذلك ، ولكنّي لمّا خفتكم على نفسي فررت منكم {فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[ الشعراء : 18 ـ 21].
فرعون يجادل موسى في ربوبيّة الله :
وبعد أن رأى فرعون إصرار موسى وهارون على الرسالة {قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا}
قال له موسى {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} وهو ربّ السماوات والأرضين {وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى}. قال فرعون (فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى) وما هو مصيرها؟
فأجابه موسى {عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى} ، وهو {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى} مختلف ألوانه وأشكاله.
وقد استنكر فرعون هذه الدعوة الجديدة وهو يعتقد بنفسه الإلوهيّة فتوجّه لمن حوله مستنكراً ، وقال : ألا تسمعون؟
ولمّا رأى الإصرار من موسى وأخيه اتّهم موسى بالجنون وهدّده بالسجن إذا اتخذ إلهاً غيره (7) .
ولم يستسلم موسى وأخوه أمام هذه التهمة والتهديد وإنّما حاولا أن يسلكا إلى فرعون طريقاً آخر لا قناعة أو إحراجه ، وهذا الطريق هو استثمار السلاح الذي وضعه الله بيد موسى (معجزة العصا واليد) ، فقال موسى لفرعون : إني قد جئتك من ربّي بآية تبيّن لك الحق الذي انا عليه؛ قال فرعون : إذا كنت صادقاً فأت بهذه الآية والحجّة
{فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ* وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ}.
ولم يتمالك فرعون وملؤه أنفسهم أمام هذا الموقف إلاّ أن اتّهموه بالسحر والشعوذة وأنّه إنّما جاء بهذا السحر من أجل أن يخرجهم من أرضهم ويجلوهم عنها (8) .
مباراة موسى مع السَّحَرة :
وقد أشار قوم فرعون وخاصّته عليه بأن يواجه موسى بالسحرة من بلاده ، فيجمعهم في يومٍ يشهده الناس جميعاً ليتباروا ، وسوف يغلبونه وهم كثيرون فيفتضح أمره ويترك دعوته ، وعمل فرعون بهذه النصيحة فطلب من موسى وأخيه أن يعطياه مهلةً إلى وقتٍ معيّن لمواجهته بالسحرة.
وجمع فرعون كيده وحشد جميع السحرة من بلادهم ، وعرض عليهم الموقف وطلب منهم أن يحرجوا موسى ويغلبوه ، وجمع الناس لهذه المباراة ظنّاً منه أنّه سوف ينتصر ، وقد شجّعه على ذلك تأكيد السحرة أنّهم سوف يغلبون موسى وما طلب منه السحرة من أجر وأُعطيات إذا كانوا هم الغالبين.
وحين اجتمع موسى بالسحرة خيّروه بين أن يلقي قبلهم أو يكونوا هم الملقين قبله ، فاختار أن يكونوا هم الملقين ، فألقى السحرة {حِبَالهُمْ وَعِصِيّهُمْ} وإذا بها تبدو لأعين الناس ـ من سحرهم ـ كأنّها تسعى كالحيّات ، وعندئذٍ أوجس موسى {فِي نَفْسِهِ خِيفَةً} إذ لم يكن ينتظر أن يواجه بالأُسلوب الذي اتبعه في معجزته مع فرعون فأوحى الله سبحانه له أن لا تخف فأنك أنت الذي سوف تنتصر عليهم ، وإنّما عليك أن تلقي عصاك وحينئذٍ تتحوّل إلى حيّةٍ تلقف جميع ما صنعوا؛ لأنّ ما صنعوه ليس إلاّ {كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ}.
وعندما رأى السحرة هذا الصنع من موسى انكشفت لهم الحقيقة التي أُرسل بها ، وأنّ هذا العمل ليس عمل ساحر وإنّما هو معجزة إلهيّة ، فآمنوا وقالوا : {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى}.
وأمام هذا الموقف الرائع من السحرة في هذا المشهد العظيم من الناس وجد فرعون نفسه في وضعٍ مخزٍ ومحرج ، الأمر الذي اضطرّه لأن يلجأ إلى الإنذار والوعيد والتهديد باستخدام أساليب القمع والإرهاب؛ فقال للسحرة :
{آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى} ، ولم يكن موقف السحر ـ بعد أن انكشفت لهم الحقيقة وهداهم الله إليها ـ إلاّ ليزداد صلابة وثباتاً واستسلاماً لله رجاء مغفرته ورحمته (9) .
إصرار فرعون وقومه على الكفر ومجيء موسى بالآيات :
وقد أصرّ فرعون وقومه على الكفر وصمّموا على مواصلة خط اضطهاد بني إسرائيل وتعذيبهم ، حيث قال الملأ من قومه {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}.
وواجه موسى وبنو إسرائيل ذلك بالصبر والثبات انتظاراً للوقت الذي يحقّق الله سبحانه فيه وعده لهم بوراثة الأرض.
ولكن الله سبحانه أمر موسى أن يعلن لفرعون وقومه بأنّ العذاب سوف ينزل بهم عقاباً على تكذيبهم له وتعذيبهم لبني إسرائيل وامتناعهم عن إطلاقهم وإرسالهم ، فجاءت الآيات السماويّة يتلو بعضها بعضاً فأصابهم الله بالجدب ، ونقص الثمرات ، والطوفان ، والجراد ، والقمّل ، والضفادع ، والدم ، وكانوا كلّما وقع عليهم العذاب والرجز ،
{قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ* فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} (10) .
الائتمار بموسى (عليه السلام) لقتله وطغيان فرعون :
وأمام هذه الآيات المتتاليات التي جاء بها موسى ، لم يجد فرعون وقومه أُسلوباً يعالج به الموقف ، غير الائتمار بموسى لقتله وادّعاء القدرة على مواجهة آلهته ، فنجد فرعون يأمر هامان بأن يتّخذ له صرحاً ليطّلع منه على أسباب السماوات ويتعرّف على حقيقة إله موسى.
ولكنّ فرعون يفشل في كلا الجانبين ، فلم يتمكّن من أن يحقّق غايته من وراء بناء الصرح ، كما لم تصل يده إلى موسى؛ لأنّ أحد المؤمنين من آل فرعون يقف فيعظهم ويؤنّبهم على موقفهم من موسى ، ويبادر إلى إخباره بنبأ المؤامرة فينجو (11) .
خروج موسى (عليه السلام) ببني إسرائيل من مصر :
وحين واجه موسى محاولة اغتياله ورأى إصرار فرعون وقومه على اضطهاد بني إسرائيل وتعذيبهم ، ووجد أنّه لم تنفع بهم الآيات والمواعظ ، صمّم على الخروج ببني إسرائيل من مصر والعبور بهم إلى جهة الأرض المقدّسة ، وقد نفّذ موسى هذه العملية وسار ببني إسرائيل متّجهاً إلى سيناء.
ولم يقف فرعون ـ وقومه معه ـ أمام هذه الهجرة مكتوف اليدين ، بل جمع جنده من جميع المدائن وقرّر ملاحقة موسى وبني إسرائيل وإرجاعهم إلى عبوديّته بالقوّة.
ووجد موسى وبنو إسرائيل ـ نتيجة هذه المطاردة ـ أنفسهم : أنّ البحر من إمامهم ، وفرعون وجنوده من خلفهم ، وارتاع بنو إسرائيل من الموقف وكادوا يكذبون ما وعدهم به موسى من الخلاص ، ولكنّ موسى بإيمانه الوطيد أخبرهم أنّ الله سبحانه سوف يهديه طريق النجاة ، وتحقّق ذلك إذ أوحى الله :
{فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء : 63] ، ويظهر بينهما طريق يبس يعبر من خلاله بنو إسرائيل ويحاول فرعون وجنوده أنّ يتبعوهم من هذا الطريق أيضاً ، وإذا بجانبي البحر يلتقيان فيغرق مع جنده (12) .
موسى مع بني إسرائيل :
وتتوالى بعد ذلك الأحداث على موسى وإذا به يواجه المشاكل الداخلية منفرداً مع قومه بني إسرائيل ، فيسمع طلبهم وهم يمرّون على قومٍ يعبدون الأصنام بأن يتّخذ لهم أصناماً يعبدونها كما أنّ لهؤلاء أصناماً ، ثمّ بعد ذلك يتفضّل الله سبحانه على بني إسرائيل عندما استسقوا موسى ، فيأمره بضرب الحجر فتتفجّر منه العيون كما ينزل عليهم المنّ والسلوى ، ويبدلهم عنه ببعض المآكل الأُخرى ، ويواجه موسى ردّة من بني إسرائيل عند ذهابه لميقات ربّه لتلقّي الشريعة في ألواح التوراة ، فيخبره الله تعالى بعادتهم للعجل الذي صنعه السامري ، فيرجع {إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً} ويعتب بقسوة على أخيه هارون ، حيث كان قد استخلفه عليهم مدّة ذهابه ، ويطرد السامري ويفرض عليه عقوبة المقاطعة ، ويحرق العجل وينسفه ، ثمّ يتوب الله على بني إسرائيل بعد أن فرض عليهم عقاباً صارماً.
وعلى هذا المنوال يذكر لنا القرآن الكريم أحداثاً مختلفة عن حياة موسى مع بني إسرائيل ، كقضيّة البقرة ونتق الجبل والدعوة للدخول إلى الأرض المقدسة وذهابهم للمواعدة عندما طلبوا رؤية الله جهرة ، وقصّة قارون وتآمره مع المنافقين على موسى ، وفي بعض هذه الأحداث لا نجد القرآن الكريم يحدّد المتقدّم منها على الأحداث الأُخرى بشكلٍ واضح.
وبهذا القدْر نكتفي من سرد القصّة حسب تسلسلها الزمني (13) .
_______________________
(1) نذكر من أحداث القصّة بمقدار ما تعرّض له القرآن الكريم.
(2) الأعراف : 141 ، إبراهيم : 6 ، القصص : 3 ـ 6.
(3) القصص : 7 ـ 14 ، طه : 37 ـ 40.
(4) القصص : 15 ـ 21 ، وطه : 40.
(5) القصص : 22 ـ 28 ، طه : 40.
(6) الأعراف : 104 ـ 105 ، الشعراء : 17 و 22.
(7) طه : 49 ـ 55 ، الشعراء : 24 ـ 29.
(8) الأعراف : 106 ـ 109 ، الشعراء : 30 ـ 35 ، يونس : 75 ـ 78.
(9) الأعراف : 110 ـ 126 ، يونس : 80 ـ 89 ، طه : 57 ـ 76 ، الشعراء : 34 ـ 52.
(10) الأعراف : 127 ـ 135 ، غافر : 23 ـ 27 ، الإسراء : 101 ـ 102 ، طه : 59 ، النمل : 13 ـ 14 ، القصص : 36 ـ 37 ، الزخرف : 46 ـ 50 ، القمر : 41 ـ 42 ، النازعات : 20 ـ 21.
(11) القصص : 38 ، غافر : 28 ـ 46.
(12) الأعراف : 136 ـ 137 ، يونس : 90 ـ 92 ، الإسراء : 103 ـ 104 ، طه : 77 ـ 79 ، الشعراء : 52 ـ 66 ، القصص : 39 ـ 40 ، الزخرف : 55 ـ 56 ، الدخان : 17 ـ 31 ، الذاريات : 38 ـ 40.
(13) تراجع ) قصص الأنبياء) لعبد الوهاب النجّار بصدد الأحداث التي وقعت لموسى مع قومه بني إسرائيل ، وإن كنّا قد لا نتّفق معه في بعض الخصوصيّات التي يسردها.