الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
قواعد الاهتمام بالبشر / قضاء حاجة المؤمن
المؤلف: حسن علي الجوادي
المصدر: قواعد النجاح لمختلف الشخصيات
الجزء والصفحة: ص 80 ــ 82
2025-01-14
48
المجتمع البشري عبارة عن مجموعة من الافراد تجمعهم اللغة او العرق أو الدين أو الحدود الجغرافية، وتختلف هذه المجتمعات من عصر لآخر، من حيث الثقافة والفكر وطبيعة العيش وتفاصيل كثيرة، وتأتي فكرة الاجتماع من خلال الواقع الذي يعيشه البشر فكل واحد يحتاج الى الاخر، الرجل يحتاج الى زوجة، والفقير يحتاج الى المال، والغني يحتاج الى من هو دونه الذي يملك تخصصاً لا يملكه والمريض بحاجة إلى الطبيب، إلى آخر هذه العلاقات المختلفة، فعلى ضوئها صار الاجتماع البشري، فاصبح الجميع مهتماً ولو بصورة ضعيفة بالبناء الاجتماعي للناس، وبات الاغلب يؤمن بهذه المسألة، ولا يمكن نكران اهمية اجتماع الناس، وحصول الألفة والمودة والتفاهم فيما بينهم، اذ تصرح المدارس العلمية بان الانسان اجتماعي بطبعه اي ان طبيعته البشرية والفطرية تدفعه لكي يجتمع مع الناس وصرح القرآن بأهمية التعارف فيما بين البشر، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، فكل هذا الوضوح في معنى التعارف وفي مفهومه الرحب الواسع يجعل الباحث امام الصورة الناصعة لأهمية الترابط بين الناس، ولا يظهر الترابط ابدا ما لم تكن هنالك فلسفة وغاية يعرف من خلالها الانسان لماذا الرابطة ولماذا الاهتمام بالناس، وماذا يجني الانسان من ذلك؟ وهل ان كل عمل يقوم به الانسان يجب ان تكون فيه منفعة مباشرة تعود اليه؟ فالاختلاف بين البشر لا يلغي تواصلهم ولا مودتهم، فالواقع لا يمكن طرحه والتمسك بعالم المثال عند الحديث عن البشر والمجتمع الانساني، فأساس الاختلاف موجود، من اللون والطول والجمال والمواهب وغيرها، فحقيقة الاختلاف طبيعية لا تمنع من الاجتماع والتعارف والاهتمام، وهنالك من يضع قيوداً أخرى كالعرق والحزب والمؤسسة والتوجه، وهنالك اشياء تفرض بصورة جبرية كالحدود الجغرافية واللغة والقومية، ويسعى الكثير لكي يجد في هذه الاختلافات بين البشر فجوة ينطلق منها للتمييز بين الناس، ونحن نلاحظ التمايز بين البشر أخذ مأخذه، وهو اليوم ومنذ القدم شاغل من مشاغل الانسان، رغم اننا نجد العالم المتحضر كله ينادي ضد العنصرية والتفرقة بين البشر، لكن هذه الأصوات لا تعدو أن تكون مجازية لا حقيقة وراءها، واذا كان الجميع ينبذ صور الاختلاف و التمايز بين البشر، فلماذا يكثر التمايز في الأوساط التي تنادي صوتياً بعدم التمييز العنصري؟ المدارس المختلفة كتبت دراسات كثيرة عن الانسان، سواء اكانت الفلسفية بشتى انواعها أو النفسية او الاجتماعية، وتحدث أهل التنظير من العلماء والادباء حول موضوع الانسان بشكل مستفيض، وكل واحد منهم له وجهته الخاصة، ويكاد يتفق الجميع على مبدأ التعاون بين البشر، وان قوام الحياة يبدأ من الترابط بين الافراد على جميع المستويات التي تؤثر في واقع النسيج البشري، وتؤثر عليه بصور مختلفة، بيد ان هذا الانتاج الضخم من النظريات الكبرى بعضها أخفق والبعض الآخر نجح في علاج مثل هذه المشاكل؛ لان اغلب ما يطرح هو للتنظير فقط، اذ لا يلحظ معه الجنبة العملية والواقعية، وبعض هؤلاء انطلق من مفهوم ديني، واخر من مفهوم دراسي وعلمي، ولا يمكن ارجاع الاخفاق في التطبيق الى النظريات فقط، بل الانسان نفسه لم يلتزم بالكثير من القواعد والقوانين في مجمل حياته بكافة تفاصيلها، لذا نجد ان الدين وضع قانون الثواب والعقاب الأخروي، وبعض الاشياء وضع آثارها في الحياة الدنيا، وهذه الأساليب تكون معالجة لمبدأ التسويف والاهمال الذي يرتكز عليه الانسان في اوقات كثيرة، لذا جاءت قواعد الدين في الاهتمام بالبشر حاملة للآثار الأخروية والدنيوية من جهة الثواب والعقاب، فالإنسان تحركه وتدفعه المبادئ التي يرى فيها نسبة واضحة النفع أو التهديد احياناً، فيعتبر الدين محركاً للإنسان نحو تحقيق الفضائل والخصال الحميدة والصفات الحسنة ومن هذه الاهتمامات التي صب الدين نصوصه عليها هي الاهتمام بالناس واحترام بعضهم البعض، جاعلاً للإنسان القيمة الكبرى من بين الكائنات المختلفة، فالقرآن الكريم والاحاديث الواردة عن اهل البيت (عليهم السلام) تقرر بشكل لا ريب فيه، اهمية مراعاة الانسان وقد وضعت حدوداً وقيوداً للتعامل فيما بين البشر، وحددت صور العلاقات، وبثت فيهم روح المحبة والتعاون، وتأكيدها على المبادئ الفطرية الصحيحة، التي من خلالها يصبح الانسان في رقي دائم، ويمكن له ان يعيش الواقع بصورة مذهلة بعيداً عن النظريات التي لا تضمن له العيش السليم، في ظل عالم متأزم على المستوى النفسي والروحي، فلا علاقات دون مصالح ومطامع وحسابات ضيقة، المنفعة تسود العالم اليوم، واغلب العلاقات تقتصر على المنفعة والمصلحة، وان لم تكن كذلك فهي نادرة جداً، ومع الاسف الشديد. مثل هذه الافكار بدأت تغزو واقع المسلمين الذين يمتلكون حضارة اسلامية انسانية لا يملكها غيرهم، من حيث العراقة والانسانية المنبثقة من التعاليم الالهية، فغدت مسالة الاهتمام بالإنسان حبراً يلطخ الورق، لا أثر لها في واقع الحياة، وكل عارف يلتمس تلك المهمة التي ترفع من مستوى العلاقات بين البشر، ومن النادر رؤية الصورة الانسانية الطيبة كالاهتمام بالأيتام، واحترام الطبقات المختلفة في المجتمع، وبناء البيوت للفقراء والمساكين، وحماية ذوي الحالات الخاصة، من اهل الرشد والعقل، وغيرها من الصور التي بات وجودها يشكل تعجباً للمشاهد وكأنها افعال من كوكب آخر، حقاً هذا يشرح مدى تساهل البشر في الاهتمام بقضاياهم، ومدى تخلف الانسان المتحضر عن هذه القضية الحيوية، لا يختلف الجميع على قيمة الاهتمام بالإنسان، واهمية معاملة الانسان كفرد عاقل وهبه الله الحياة وحق العيش في الأرض، كما لا يختلف اثنان على ان الانسان هو المحور الذي تدور عليه رحى التكاليف والخطابات فمشكلة البشر اليوم اغفالهم حق الانسان، فعندما يشرعون قوانين حقوق الحيوان، كان الأحرى بهم ان يشرعوا قوانين حب الانسان للإنسان، فالإنسان يقتل كل يوم ويسفك دمه وينتهك، ولا قيمة له، الانسان لا يقتله حيوان آخر يختلف عنه في الجنس، يقتله ابن جنسه، ويشبهه بالفصيلة والعقل، فالإنسان الفقير او المسالم يصبح أكثر عرضة للخطر في اماكن كثيرة في هذا العالم، يجبر ان يكون دموياً وهو لا يريد هذه الصفة ابداً، فلا وجود لمنظمات لها عملها الذي يهتم بالإنسان وقضاياه المختلفة، حتى أولئك الذين يصرخون كل يوم باسم الانسانية في غفلة نائمون، فالواقع والفعل شيء، والصوت والاعلام شيء آخر، فما يقوله الكثير في غرفة الكاميرا يختلف تماماً عن فعله خارج تلك الغرفة، واذا كان الدين مؤسسة فكرية وتربوية كبرى فانه لم يغفل عن الاهتمام بالإنسان وقضيته وهدايته ورشده وصلاحه الا تجد ذلك ظاهراً في قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88]، فهذا المرشد الاعلى والنبي الطاهر، لا يريد سوى هداية وصلاح البشرية، وهذه غاية السماء والرسل والانبياء، حب البشر وهدايتهم وصلاحهم وانتقالهم من الظلمات الى النور، وهو هدف القرآن الكريم واخراجهم من ذل اتباع الشيطان الى عز عبودية الرحمن، باختصار شديد الاهتمام بالإنسان وشؤونه، وهذا ما حفلت به النصوص الدينية الواردة عن النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) واهل البيت (عليهم السلام)، وخشية الاطالة المملة ندخل في القواعد التي استخلصتها من مصادرنا الحديثية التي تعنى بالإنسان والاهتمام به وهي قواعد نافعة لمن يريد ان يهتم بالبشر.
ـ قضاء حاجة المؤمن
الانسان محتاج الى غيره في حياته، وهذه الحاجة ليست من قبيل الافتقار التكويني، فهذا الكل محتاج اليه، والله وحده هو المقصود بل كل انسان يعيش في هذه الارض عنده حاجات ومتطلبات كثيرة، وحياتنا متكونة بهذه الصورة، ولا يمكن ترك هذا الواقع فالبشر كلهم يجتمعون لمساعدة بعضهم البعض، وقد أكد الدين الاسلامي على الاهتمام بالإنسان المؤمن وقد تبين ذلك من الفقرة اعلاء، وهنا قاعدة ثانية يؤسس لها الدين وهي قضاء حاجة المؤمن وقد وردت نصوص كثيرة بهذا المعنى منها:
1ـ عن إسماعيل بن عمار الصيرفي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): (جعلت فداك المؤمن رحمة على المؤمن؟ قال: نعم، قلت: وكيف ذاك؟ قال: إيما مؤمن أتى أخاه في حاجة فإنما ذلك رحمة من الله ساقها إليه وسببها له، فإن قضى حاجته كان قد قبل الرحمة بقبولها وإن رده عن حاجته وهو يقدر على قضائها فإنما رد عن نفسه رحمة من الله (عز وجل) ساقها إليه وسببها له وذخر الله (عز وجل) تلك الرحمة إلى يوم القيامة حتى يكون المردود عن حاجته هو الحاكم فيها، إن شاء صرفها إلى نفسه وإن شاء صرفها إلى غيره يا إسماعيل فإذا كان يوم القيامة وهو الحاكم في رحمة من الله قد شرعت له فإلى من ترى يصرفها؟ قلت: لا أظن يصرفها عن نفسه، قال: لا تظن ولكن استيقن فإنه لن يردها عن نفسه، يا إسماعيل من أتاه أخوه في حاجة يقدر على قضائها فلم يقضها له سلط الله عليه شجاعا ينهش إبهامه في قبره إلى يوم القيامة، مغفورا له أو معذبا) (1).
2ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ما قضى مسلم لمسلم حاجة إلا ناداه الله تبارك وتعالى: عليَ ثوابك ولا أرضى لك بدون الجنة) (2).
3ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (من طاف بهذا البيت طوافا واحدا كتب الله ـ عز وجل ـ له ستة آلاف حسنة ومحا عنه سنة آلاف سيئة، ورفع الله له ستة آلاف درجة حتى إذا كان عند الملتزم فتح الله له سبعة أبواب من أبواب الجنة، قلت له: جعلت فداك هذا الفضل كله في الطواف؟ قال: نعم وأخبرك بأفضل من ذلك، قضاء حاجة المسلم أفضل من طواف وطواف وطواف حتى بلغ عشرا) (3).
وهنالك نصوص أخرى اقتصرت على هذه الدرر، والتي يستفاد من مجموعها تقدير الانسان وحبه وعدم بغضه وتركه إذا كان الآخر يستطيع ان يقدم له يد المساعدة، وأجمل ما في هذه الوصايا الذهبية ان تقديم المساعدة وقضاء حاجة المؤمن مجانا بلا منة او اجر مقابل، بل كلما كانت خفية نقية خالصة لله، ازداد ثوابها ونفعت صاحبها أكثر، فكلما تجرد الفعل عن الشوائب والمصالح الجانبية، ارتفعت قيمته بعبارة أخرى، الاخلاص في قضاء حاجة المؤمن، او مساعدته في اي شيء علامة لا تفارق فعل المؤمن.
فتولد هذه الافعال المحبة بين اهل الايمان والدين الواحد وتجعل الانسان عارفاً بإخوانه محباً لهم فتكون هذه الافعال طريقاً اخلاقياً يسير عليه وطبعاً يتطبع عليه، ودون شك ان لها مدخل كبيراً في بناء شخصية الانسان عند تعامله مع ابناء جنسه، وكل ذلك يرجع أثره على شخصية كل من يفعل تلك الافعال ويكون مهتماً بها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ اصول الكافي: 2 / 194.
2ـ المصدر السابق.
3ـ المصدر السابق.