1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

التاريخ والحضارة

التاريخ

الحضارة

ابرز المؤرخين

اقوام وادي الرافدين

السومريون

الساميون

اقوام مجهولة

العصور الحجرية

عصر ماقبل التاريخ

العصور الحجرية في العراق

العصور القديمة في مصر

العصور القديمة في الشام

العصور القديمة في العالم

العصر الشبيه بالكتابي

العصر الحجري المعدني

العصر البابلي القديم

عصر فجر السلالات

الامبراطوريات والدول القديمة في العراق

الاراميون

الاشوريون

الاكديون

بابل

لكش

سلالة اور

العهود الاجنبية القديمة في العراق

الاخمينيون

المقدونيون

السلوقيون

الفرثيون

الساسانيون

احوال العرب قبل الاسلام

عرب قبل الاسلام

ايام العرب قبل الاسلام

مدن عربية قديمة

الحضر

الحميريون

الغساسنة

المعينيون

المناذرة

اليمن

بطرا والانباط

تدمر

حضرموت

سبأ

قتبان

كندة

مكة

التاريخ الاسلامي

السيرة النبوية

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام

الخلفاء الاربعة

ابو بكر بن ابي قحافة

عمربن الخطاب

عثمان بن عفان

علي ابن ابي طالب (عليه السلام)

الامام علي (عليه السلام)

اصحاب الامام علي (عليه السلام)

الدولة الاموية

الدولة الاموية *

الدولة الاموية في الشام

معاوية بن ابي سفيان

يزيد بن معاوية

معاوية بن يزيد بن ابي سفيان

مروان بن الحكم

عبد الملك بن مروان

الوليد بن عبد الملك

سليمان بن عبد الملك

عمر بن عبد العزيز

يزيد بن عبد الملك بن مروان

هشام بن عبد الملك

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

يزيد بن الوليد بن عبد الملك

ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك

مروان بن محمد

الدولة الاموية في الاندلس

احوال الاندلس في الدولة الاموية

امراء الاندلس في الدولة الاموية

الدولة العباسية

الدولة العباسية *

خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى

ابو العباس السفاح

ابو جعفر المنصور

المهدي

الهادي

هارون الرشيد

الامين

المأمون

المعتصم

الواثق

المتوكل

خلفاء بني العباس المرحلة الثانية

عصر سيطرة العسكريين الترك

المنتصر بالله

المستعين بالله

المعتزبالله

المهتدي بالله

المعتمد بالله

المعتضد بالله

المكتفي بالله

المقتدر بالله

القاهر بالله

الراضي بالله

المتقي بالله

المستكفي بالله

عصر السيطرة البويهية العسكرية

المطيع لله

الطائع لله

القادر بالله

القائم بامرالله

عصر سيطرة السلاجقة

المقتدي بالله

المستظهر بالله

المسترشد بالله

الراشد بالله

المقتفي لامر الله

المستنجد بالله

المستضيء بامر الله

الناصر لدين الله

الظاهر لدين الله

المستنصر بامر الله

المستعصم بالله

تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام

شخصيات تاريخية مهمة

تاريخ الأندلس

طرف ونوادر تاريخية

التاريخ الحديث والمعاصر

التاريخ الحديث والمعاصر للعراق

تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي

تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني

تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق

تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى

العهد الملكي للعراق

الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق

قيام الجهورية العراقية

الاحتلال المغولي للبلاد العربية

الاحتلال العثماني للوطن العربي

الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية

الثورة الصناعية في اوربا

تاريخ الحضارة الأوربية

التاريخ الأوربي القديم و الوسيط

التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر

التاريخ : العصور الحجرية : العصور القديمة في مصر :

أصل العبرانيين

المؤلف:  سليم حسن

المصدر:  موسوعة مصر القديمة

الجزء والصفحة:  ج9 ص 447 ــ 460

2025-01-20

59

الظاهر أن دخول العبرانيين أرض «فلسطين» كان في ثلاث هجرات لم تحددها لنا الحوادث التاريخية تحديدًا شافيًا، فالهجرة الأولى بدأت من بلاد «مسوبوتاميا»، وهي على وجه التقريب معاصرة لهجرة القرن الثامن عشر ق.م التي كان من جرائها انتشار «الهكسوس الحوريين» على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض (راجع مصر القديمة الجزء الرابع)، والهجرة الثانية كان لها علاقة بقوم «الآراميين» في القرن الرابع عشر ق.م، وهم الذين عاصروا عهد «إخناتون» (راجع الجزء الخامس)، والهجرة الثالثة — وهي التي نعرف عنها الشيء الكثير بالنسبة لسابقتيها — فكانت على ما يقال من مصر والجنوب الشرقي في عهد «موسى» و«يوشع» في نهاية القرن الثالث عشر ق.م (راجع مصر القديمة الجزء السابع Theophile G. Meek. Heprew, Origins (New York 1936) p. 3ff). وقد كان الكنعانيون يؤلفون معظم السكان عندما جاء رؤساء قبائل الهجرة الأولى من بلاد «مسوبوتاميا»، وكان الأموريون يسكنون الأراضي المرتفعة التي لم يكن فيها سكان متوطنون بكثرة، وكانت هذه فرصة ليجد المهاجرون الجدد مكانًا يأوون إليه، وهؤلاء الجدد أقوام صغيرة كانوا يحتلون الأماكن البعيدة عن الجهات المطروقة، وقد تزاوج المهاجرون الجدد بهؤلاء الناس؛ ومن ثم نتج قوم «العبرانيين» فكانوا خليطًا من «الساميين» و«الحوريين» و«الخيتا» وأقوام أخرى لا ينتسبون إلى الجنس السامي، وقد نبذ العبرانيون لهجتهم السامية القديمة وتكلموا باللهجة الكنعانية. والواقع أن اللغة الفينيقية واللغة العربية القديمة — كما جاء في كتاب العهد القديم — هما لغة واحدة تتميز كل منهما بلهجتها، وعلى أية حال، فإن العبرانيين الأُوَل قد أصبحوا الوارثين للثقافة الكنعانية المادية والمعتنقين لكثير من العبادات والعادات والشعائر الدينية الكنعانية.

ولا نزاع في أن بداية استيطان العبرانيين في سوريا أمر يحوطه الغموض، وقد وصل إلينا في صورة أساطير تقليدية، فذكرت لنا الروايات أن إبراهيم (بالعبرية أبه-رم = الوالد سامي) جدهم قد وفد من بلدة «أور» ببلاد «مسوبوتاميا» عن طريق حاران، وقطن بجوار «حبرون» مؤقتًا، وقد أنجب «إسحاق» (ومعناها ليته (أي أيل) يضحك)، وبعد أن استوطن عدة سنين في «بادان آرام» انتخب «يعقوب» (معناها ليته يحمي)؛ ليكون الابن المفضل على أخيه التوءم «عيساو» (سِفر التكوين إصحاح 25، سَطْرَا 23–34) وهاك المتن: «فقال الرب: إن في جوفك أمتين، ومن أحشائك يتفرع شعبان: شعب يقوى على شعب، وكبير يستعبد لصغير.» إلخ). ثم غير اسمه إلى إسرائيل (يسير إيل = إيل يحكم)، وقد تسمى «عيساو» باسم آخر هو إدوم (أحمر)، وفي نهاية الأمر استولى أخلافه من الأهالي على جبل «سعير»، وأصبحوا يسمون الأميين (راجع كتاب التثنية الإصحاح 2 سطر 2)، وهاك المتن: «ومُرِ الشعبَ وقُلْ لهم: إنكم مارون في تخم إخوتكم بني «عيسو» المقيمين بسعير فسيخافونكم فتحرزوا جدًّا.» وكذلك «سطر 12» وهو: «وأما سعير فأقام بها الحوريون قبل «بني عيسو» فطردوهم وأبادوهم من بين أيديهم، وأقاموا مكانهم كما صنع إسرائيل في أرض ميراثهم التي أعطاها الرب لهم.» إلخ. وعلى ذلك حذف «عيساو» من مجرى حياة العبرانيين، وقد ظن أن مثله كان كمثل «إسماعيل» الذي أنجبه «إبراهيم» من «هاجر» المصرية؛ إذ تُغُوضِيَ عنه وفُضِّل عليه «إسحق»، وكان الابن الحادي عشر من أولاد «يعقوب» هو «يوسف»، وهو الابن الأكبر «لراشيل»، وقد بِيع في مصر، حيث رُفِعَ إلى أعلى المراتب؛ إذ نصبه الفرعون على خزائن الأرض (قال اجعلني على خزائن الأرض «قرآن كريم»)، وبعد أن مكث نسل «يوسف» وإخوته في مصر عدة أجيال عادوا إلى أرض الميعاد بقيادة «موسى».

هذا هو مختصر تاريخ العبرانيين في بعض جمل كما كتبه كتَّاب عاشوا بعد مئات السنين من وقوع حوادثه، وقد استندوا في كتابتهم على الرواية والسماع، فهو في هذا كالأحاديث النبوية التي نقلت بالرواية، والصحيح منها قليل جدًّا إذا ما قرنت بالمكذوب الملفق، ولكن توجد في التوراة نواة الحقيقة التي كُسيت بالأساطير حتى غطت عليها في كثير من الأحوال. ومن الغريب أن هؤلاء المؤرخين لم يكتفوا ببدء قصتهم بأجداد قوم العبرانيين، بل رجعوا إلى الوراء مبتدئين بقصة أصل البشر إلى أن وصلوا بها إلى بداية الخليقة، وقد أخذوا مادتهم في ذلك من المصادر البابلية، وهذه الحقيقة لم يُكشَف عنها إلا بعد منتصف القرن الأخير عندما حُلَّت رموز اللغة المسمارية وكُشِفَ فيها عن قَصص مماثل لما جاء في التوراة عن أصل الخليقة، وعن الطوفان وغير ذلك من الأقاصيص التي نجدها في كتاب العهد القديم، وقد ضخمت وبسطت هذه القصص بقلم الكتَّاب العبرانيين، ووضعت في صورة أخلاقية، وكتبت بشكل شيق جدًّا حتى أصبحت جزءًا من الإرث الأدبي الإنساني؛ مما جعلها دائمًا منبع تعاليم تستمد منها الأجيال من القراء في كل بلاد العالم وفي كل اللغات.

ولا نزاع في أن التاريخ اليهودي — الذي كُتب قبل عهد القضاة وهو الذي وضعه مؤرخهم — ليس بتاريخ علمي ذي أسانيد، بل الواقع أنه من الصعب حتى في تاريخ القضاة أن يصل الإنسان منه إلى اللب التاريخي الذي يمكن الاعتماد عليه. ومن الجائز أن ما جاء عن قصة «إبراهيم» يضع أمامنا أقدم هجرة لهؤلاء القوم، وقصة «إسرائيل» قد تعكس أمامنا الهجرة الثانية لهم، أما قصة «موسى» فهي قصة تاريخية بلا نزاع كما يدل ظاهرها.

وعلى أية حال، يبتدئ تاريخ «إسرائيل» الحقيقي بوصفهم قومًا منذ وقت خروجهم من أرض مصر، وهذا الحادث كما فصلنا القول فيه (الجزء السابع من مصر القديمة) وقع في أواخر القرن الثالث عشر ق.م في عهد «رعمسيس الثاني» 129ق.م.

ويلاحَظ أن ما جاء على لوحة «مرنبتاح» التي ذكر عليها للمرة الأولى اسم «إسرائيل» قد يشير إلى إسرائيليين لم يهاجروا من مصر، بل كانوا متوطنين هناك «فلسطين» من قبل، وهذا في رأينا هو الواقع.

وقد ترك رجال قبيلة «راشيل» مصر في باكورة القرن الثالث عشر ق.م طرئوا في طريقهم عدة سنين في «شبه جزيرة سينا» وضواحي «قادش بارنا» يحتمل أن هذا المكان هو عين قديس الحالية على بعد 51 ميلًا من بير شيبا حيث شربوا الذل والهوان ألوانًا، ومن العجيب أن هذه المفازة الكبيرة المخيفة التي أزعجت ذكرياتها عقول اليهود مدة أجيال يمكن قطعها الآن في خمس ساعات على طريق مُعَبَّدٍ سُفلت طوله 140ك.م بالسيارة، وهي الطريق الموصلة بين مصر وفلسطين.

والظاهر أن في «مدين» التي تؤلف الجزء الجنوبي من «شبه جزيرة سينا» عقد الميثاق الإلهي، وذلك أن قائد هؤلاء المهاجرين من اليهود وهو «موسى» (س = ابن) تزوج من ابنة كاهن مديني يعبد «يهوه» وهو «شعيب»، وقد لقن الكاهن «موسى» تعاليم هذا الدين، وهذا الإله الذي كان يعبد في شمال بلاد كان إله صحراء، وكان في الأصل إله القمر، ويسكن في خيمة، وكانت شعائره تشمل أعيادًا وضحايا من بين قطعان عباده، ولا بد أن آخرين من هؤلاء المهاجرين قد تزاوجوا هؤلاء المدينيين والقينيين (1) وغيرهم من سكان شمالي صحراء بلاد العرب.

وقد ظهر أهل هذه القبيلة وهم خليط رُحَّل حوالي 1250ق.م من الجنوب الشرقي؛ أي من صحراء ما وراء الأردن، وفي عزمهم احتلال هذه الأرض الخصبة، وكان عددهم لا يتجاوز 6000 أو 7000 نسمة، هذا إذا لاحظنا أحوال الحياة في الصحراء، وقلة الماء، والتموين المحدود من الطعام، والمساحة القليلة لرعي القطعان، أما ممالك «أدوم» و«مؤاب» و«عمون» الصغيرة التي تقع في الجنوب والشرق والشمال الشرقي «للبحر الميت» فقد تخطوها، ولم يقوموا بأية محاولة لإخضاعها حتى العهد الذي أسسوا فيه مملكتهم، وكان أول انتصار للعبرانيين هو الذي أحرزوه على الملك الآموري «سيحون»، وقد جاء على أعقاب ذلك نصر آخر كسبوه على الملك «عوج» الجبار.

(سفر العدد الإصحاح 21 سطر 21 إلخ) وهو: «وأرسل إسرائيل رسلًا إلى «سيحون» ملك الآموريين قائلًا: دعني أَمُرَّ في أرضك، لا نميل إلى حقل ولا إلى كَرْم، ولا نشرب ماء بئر، في طريق الملك نمشي حتى نتجاوز تخومك. فلم يسمح «سيحون» لإسرائيل بالمرور في تخومه، بل جمع «سيحون» جميع قومه وخرج للقاء إسرائيل في البرية، فأتى إلى «باهص» وحارب إسرائيل، فضربه إسرائيل بحد السيف وملك أرضه من «أرنون» إلى «يبوق» إلى بني «عمون»؛ لأن «تخم» بني «عمون» كان قويًّا. إلخ».

(سفر العدد الإصحاح 21 سطر 33) وهو: «ثم تحولوا وصعدوا في طريق «باشان»، فخرج «عوج» ملك «باشان» للقائهم هو وجميع قومه إلى الحرب في أدرعي، فقال الرب لموسى: «لا تخف منه لأني قد دفعته إلى يدك مع جميع قومه وأرضه، فتفعل به كما فعلت «بسيحون» ملك الآموريين الساكن في «حشبون»، فضربوه وبنيه وجميع قومه حتى لم يبقَ له شارد، وملكوا أرضه

وكانت من أول المدن الكنعانية المسورة التي سقطت في فلسطين نفسها مدينة «لاخيش» (تل الدواير) و«عاي» (بالقرب من دير ديوان الحالية). (سفر «يوشع» إصحاح 10 سطر 31) وهو: «ثم اجتاز يوشع وكل إسرائيل معه من لبنة إلى لخيش ونزل عليها وحاربها».

(وسفر يوشع إصحاح 8 سطر 3 إلخ) وهو: «فقام يوشع وجميع رجال الحرب للصعود إلى عاي، وانتخب يوشع ثلاثين ألف رجل جبابرة البأس وأرسلهم ليلًا إلخ».

وكذلك اجتازوا «أريحا»، وقد كان سقوطها من أهم الحوادث، وقد حرقت «أريحا» عاصمة مملكة الكنعانيين وكل ما فيها، وقد جاء في «سفر يوشع إصحاح 6 سطر 2» ما يأتي: «فقال الرب ليوشع: انظر، قد دفعت بيدك أريحا وملكها جبابرة البأس تدورون دائرة المدينة جميع رجال الحرب؛ حول المدينة مرة واحدة إلخ».

وفي نفس الإصحاح سطر 15: «وكان في اليوم السابع أنهم بكروا عند طلوع الفجر، وداروا دائرة المدينة على هذا المنوال سبع مرات، في ذلك اليوم فقط داروا دائرة المدينة سبع مرات إلخ».

وفي «سطر 24 من نفس الإصحاح»: «وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها، إنما الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد جعلوها في خزانة بيت الرب إلخ».

أما «مجدو» في الشمال فلم تخرب إلا بعد حوالي مائة سنة بعد ذلك، وقد كان من جراء توغل العبرانيين في بلاد «جليلي» فتح «حاصور» (تل الوقاص أو تل القداح على مسيرة ثلاثة أميال وثلاثة أرباع ميل من جسر بنات يعقوب) عاصمة مملكة الكنعانيين في الشمال، وقد كان لا بد من فتح «حاصور» في عهد القضاة. (فسفر القضاة إصحاح 4 سطر 2) يقول: «فصرخ بنو إسرائيل إلى الرب؛ لأنه كان له تسعمائة مركبة من حديد، وهو ضايق بني إسرائيل بشدة عشرين سنة».

وكذلك سطر 23 يقول: «فأذل الله في ذلك اليوم بابين ملك كنعان أمام بني إسرائيل

وكذلك (سفر صموئيل الأول إصحاح 12 سطر 9) يقول: «فلما نسوا الرب إلههم باعهم ليد سيسرا رئيس جيش حاصور، وليد الفلسطينيين، وليد ملك موآب فحاربوهم، فصرخوا إلى الرب وقالوا: أخطأنا؛ لأننا تركنا الرب وعبدنا البعليم والعشتاروت. إلخ. وهناك مدن أخرى هامة مثل «بيت شان» و«أورشليم» و«جيزر» لم تسقط إلا بعد حوالي مائة سنة أو بعد ذلك بقليل

والواقع أن ما يسمى الفتح العبري كان بعضه بحد السيف وبعضه الآخر بالتوغل السلمي في أرض «المن والسلوى»، وذلك أن النازحين الجدد لم يكادوا يضمنون لأنفسهم موطنًا في الأرض الزراعية حتى وطدوا أقدامهم بالتزاوج من العناصر القديمة في البلاد وكذلك بالانضمام لأقاربهم الذين كانوا قد بقوا في البلاد منذ الأزمان القديمة ولم يهاجروا قط إلى مصر، وبذلك كونوا لأنفسهم حكومة لها أهمية عظيمة.

وقد كان أهم شيء في نظر مؤرخي هؤلاء القوم هو المواقع الحربية، فكان محور قصة تاريخهم في غالب الأحوال منصبًّا على هذه المواقع، هذا بالإضافة إلى بعض حوادث كان لا بد من سردها. وجملة القول: أن كل هذه العملية قد أفضت إلى أن أصبح الأهلون في قبضة العبرانيين، إما بالمعاهدات، أو بالفتح، أو بضمهم إليهم شيئًا فشيئًا.

وتدل الحالة على أنه في إثر الاستيلاء على هذه الأرض قسمت بين الإحدى عشرة قبيلة التي كان يتألف منها العبرانيون، هذا مع ترك قبيلة «ليفي» الكهنوتية موزعة بين القبائل الأخرى؛ ليدير أفرادها حاجياتهم الدينية، وقد كان من جراء ذلك أن سكنت قبيلتا: «يهودا» و«بنيامين» في الإقليم الجبلي الواقع حوالي «أورشليم»، أما القبائل الأخرى فقد استوطنوا في السهول الخصبة الواقعة في الشمال.

وكانت مدة الاستقرار لهؤلاء القوم تنحصر تقريبًا في الربع الأخير من القرن الثاني عشر ق.م وثلاثة أرباع القرن الحادي عشر ق.م، وهذه الفترة تتفق مع العهد الذي يسمى «عصر القضاة»، وهؤلاء القضاة كانوا في الواقع أبطالًا وطنيين، وحكامًا ولدتهم الأحوال في الأوقات الحرجة، وقادوا قومهم لمحاربة الأعداء المجاورين أو الأجانب الغاشمين، مثال ذلك «دبورة» وكانت قاضية «إسرائيل»، فقد قادت مع «باراق» ست قبائل إلى النصر النهائي على «كنعان» في الشمال، وتعد من بين هؤلاء القضاة الشجعان، (فسفر القضاة إصحاح 4 سطر 4–14) يقول: «و«دبورة» امرأة نبية زوجة «لفيدوت» هي قاضية إسرائيل في ذلك الوقت، وهي جالسة تحت نخلة «دبورة» بين «الدامة» و«بيت إيل» في «جبل إفرايم»، وكان بنو إسرائيل يصعدون إليها للقضاء، فأرسلت ودعت «باراق» بن «أبينوعم» من قادش نفتالي، وقالت له: ألم يأمر الرب إله إسرائيل، اذهب وازحف إلى جبل تابور، وخذ معك عشرة آلاف رجل من بني نفتالي ومن بني زبولون، فاجذب إليك في نهر فيشون سيسرا رئيس جيش بابين بمركباته وجمهوره وادفعه ليدك. فقال لها «باراق»: إن ذهبتِ معي أذهب، وإن لم تذهبي فلا أذهب. فقالت: إني أذهب معك، غير أنه لا يكون لك فخر في الطريق التي أنت سائر فيها؛ لأن الرب يبيع سيسرا بيد امرأة. فقامت دبورة وذهبت مع باراق إلى قادش».

«ودعا باراق زبولون ونفتالي إلى قادش وصعد ومعه عشرة آلاف رجل، وصعدت دبورة معه، وحابر القيني انفرد من قاين من بني حوباب حمى موسى وخيم حتى إلى بلوطة في صعنايم التي عند قادش، وأخبروا سيسرا بأنه قد صعد باراق ابن أبينوعم إلى جبل تابور، فدعا سيسرا جميع مركباته تسعمائة مركبة من حديد وجميع الشعب الذي معه من حروشة الأمم إلى نهر قيشون، فقالت دبورة لباراق: قم؛ لأن هذا هو اليوم الذي دفع فيه الرب سيسرا ليدك، ألم يخرج الرب قدامك؟ فنزل باراق من جبل تابور ووراءه عشرة آلاف رجل.» إلخ.

ومثل هذه الحال كانت مع «جدعون» الذي صد بقوة يبلغ عددها 300 نسمة أهل «مدين». وفي «سفر القضاة إصحاح 7 سطر 15» يقول: «وكان لما سمع «جدعون» خبر الحلم وتفسيره أنه سجد ورجع إلى محلة إسرائيل وقال: قوموا؛ لأن الرب قد دفع إلى يدكم جيش المديانيين».

وكان أهم شخصية بين القضاة «شمشون»، وقد صبغت قصة الحروب التي أشعل نارها على الفلسطينيين بطبقات من الزينة حاكها خيال القصاصين اليهود.

(وسفر القضاة إصحاح 14) يقول: «ونزل «شمشون» إلى «تمنة» فرأى في «تمنة» امرأة من بنات فلسطين، فصعد وأخبر أباه وأمه وقال: رأيت في «تمنة» امرأة من بنات الفلسطينيين فاتخذاها لي زوجة. فقال له أبوه وأمه: أليس في بنات أخويك وفي شعبي كله امرأة حتى تذهب وتأخذ امرأة من الفلسطينيين الغُلف؟! فقال «شمشون» لأبيه: بل إياها تأخذ لي؛ لأنها حَسُنَتْ في عيني. ولم يعلم أبوه وأمه أن هذا كان من قِبَلِ الرب، وأنه كان يطلب سببًا على الفلسطينيين، وكان الفلسطينيون في ذلك الزمان متسلطين على إسرائيل، فنزل «شمشون» وأبوه وأمه إلى «تمنة»، ولما بلغوا إلى كروم «تمنة» إذا شبل لبؤة يزأر في وجهه، فحلت عليه روح الرب ففسخه كما يُفْسَخ الجدي ولم يكن في يده شيء، ولم يخبر أباه وأمه بما فعل، ثم نزل وخاطب المرأة فحسنت في عيني «شمشون»، ورجع بعد أيام ليأخذها، فجاء لينظر إلى جثة الأسد، فإذا في جوف الأسد خشرم من النحل وعسل، فاشتار منه على كفيه ومضى وهو يأكل، وجاء أباه وأمه وأعطاهما فأكلا، ولم يخبرهما أنه من جوف الأسد اشتار العسل، ونزل أبوه إلى المرأة وصنع هناك «شمشون» وليمة؛ لأنه كذلك كانت تصنع الفتيان، فلما رأوه أحضروا ثلاثين صاحبًا فكانوا معه، فقال لهم «شمشون»: إني ملقٍ عليكم لغزًا فإن حللتموه لي في سبعة أيام الوليمة وأصبتموه أعطيتكم ثلاثين قميصًا وثلاثين حُلة من الثياب، وإن لم تقدروا أن تحلوه لي أعطيتموني ثلاثين قميصًا وثلاثين حلة من الثياب. فقالوا له: ألق لغزك لنسمعه. فقال لهم: خرج من الآكل أكل، ومن الشديد حلاوة! فلم يستطيعوا في ثلاثة أيام أن يحلوا اللغز (15)، فلما كان اليوم السابع قالوا لامرأة شمشون: خادعي زوجك حتى يحل لنا اللغز؛ لئلا نحرقك مع بيت أبيك بالنار، أَلِتَسْلُبُونا دعوتمونا؟ فبكت امرأة شمشون لديه وقالت: إنما أنت تبغضني ولا تحبني، قد ألقيتَ على بني شعبي لغزًا ولم تطلعني عليه. فقال لها: إني لم أطلع عليه أبي وأمي، أفإياك أطلع عليه؟! فبكت لديه سبعة أيام الوليمة، فلما كان اليوم السابع أطلعها عليه؛ لأنها كانت قد ضايقته، فأطلعت بني شعبها على اللغز، ففي اليوم السابع قبل غروب الشمس قال رجال المدينة: أي شيء أحلى من العسل؟ وأي شيء أشد من الأسد؟ فقال لهم: لولا أنكم حرثتم على عجلتي لم تكشفوا لغزي. وحلت عليه روح الرب فنزل إلى أشقلون وقتل منهم ثلاثين رجلًا وأخذ ثيابهم، وأعطى الحلل لكاشفي اللغز، واشتد غضبه ورجع إلى بيت أبيه، وصارت امرأة شمشون لرفيقه الذي كان يصاحبه».

(وإصحاح 15 من نفس السفر): «وكان بعد مدة في أيام حصاد الحنطة أن شمشون افتقد امرأته بجدي معزى وقال: أدخل إلى امرأتي إلى حجرتها. ولكن أباها لم يدعه أن يدخل وقال أبوها: إني قلت: إنك قد كرهتها، فأعطيتها لصاحبك، أليست أختها الصغيرة أحسن منها؟ فلتكن لك عوضًا عنها. فقال لهم شمشون: إني بريء الآن من الفلسطينيين إذا عملت بهم شرًّا. وذهب شمشون وأمسك ثلثمائة ابن آوى، وأخذ مشاعل وجعل ذَنَبًا إلى ذَنَبٍ ووضع مشعلًا بين كل ذنبين في الوسط، ثم أضرم المشاعل نارًا وأطلقها بين زروع الفلسطينيين، فأحرق الأكداس والزرع وكروم الزيتون، فقال الفلسطينيون: من فعل هذا؟ فقالوا: شمشون صهر التمني؛ لأنه أخذ امرأته وأعطاها لصاحبه. فصعد الفلسطينيون وأحرقوها وأباها بالنار، فقال لهم شمشون: ولو فعلتم هذا فإني أنتقم منكم. وبعد أكف وضربهم ساقًا على فخذ ضربًا عظيمًا، ثم نزل وأقام في شق صخرة «عيطم»، وصعد الفلسطينيون ونزلوا في يهوذا وتفرقوا في لحى، فقال رجال يهوذا: لماذا صعدتم علينا؟ فقالوا: صعدنا لكي نوثق شمشون لنفعل به كما فعل بنا. فنزل ثلاثة آلاف رجل من يهوذا إلى شق صخرة «عيطم» وقالوا لشمشون: أما علمت أن الفلسطينيين متسلطون علينا فماذا فعلت بنا؟ فقال لهم: كما فعلوا بي هكذا فعلت بهم. فقالوا له: نزلنا لكي نوثقك ونسلمك إلى يد الفلسطينيين. فقال لهم شمشون: احلفوا لي أنكم أنتم لا تقعون عليَّ. فكلموه قائلين: كلا، ولكننا نوثقك ونسلمك إلى يدهم، وقتلًا لا نقتلك. فأوثقوه بحبلين جديدين وأصعدوه من الصخرة، ولما جاء إلى لحى صاح الفلسطينيون للقائه، فحل عليه روح الرب، فكان الحبلان اللذان على ذراعيه ككتان أحرق بالنار، فانحل الوثاق عن يديه! ووجد لحى حمارًا طريًّا، فمد يده وأخذه وضرب به ألف رجل، فقال شمشون: بلحى حمار كومة كومتين، بلحى حمار قتلت ألف رجل. ولما فرغ من الكلام ورمى اللحى من يده ودعا ذلك المكان: رمت لحى».

ثم عطش جدًّا فدعا الرب وقال: إنك قد جعلت بيد عبدك هذا الخلاص العظيم، والآن أموت من العطش وأسقط بيد الغُلْف، فشق الله الكفة التي في لحى فخرج منها ماء، فشرب، ورجعت روحه فانتعش؛ لذلك دعا اسمه: عين هقوري التي في لحى إلى هذا اليوم، وقضى لإسرائيل في أيام الفلسطينيين عشرين سنة.

(والإصحاح 16 من نفس السفر): «ثم ذهب شمشون إلى غزة، ورأى هناك امرأة زانية فدخل إليها، فقيل للغزيين: قد أتى شمشون إلى هنا. فأحاطوا به وكمنوا له الليل كله عند باب المدينة فهدئوا الليل كله قائلين: عند ضوء الصباح نقتله. واضطجع شمشون إلى نصف الليل، ثم قام في نصف الليل وأخذ مصراعي باب المدينة والقائمتين وقلعهما مع العارضة ووضعها على كتفيه وصعد بها إلى رأس الجبل الذي مقابل حيرون».

وكان بعد ذلك أنه أحب امرأة في وادي سورق اسمها دليلة، فصعد إليها أقطاب الفلسطينيين وقالوا لها: تملقيه وانظري بماذا قوته العظيمة وبماذا نتمكن منه لكي نوثقه لإذلاله، فنعطيك كل واحد ألفًا ومائة شاقل فضة. فقالت دليلة لشمشون: أخبرني بماذا قوتك العظيمة؟ وبماذا تُوثَقُ لإذلالك؟ فقال لها شمشون: إذا وثقوني بسبعة أوتار طرية لم تجف أضعف وأصير كواحد من الناس. فأصعد لها أقطاب الفلسطينيين سبعة أوتار طرية لم تجف، فأوثقته بها، والكمين لابث عندها في الحجرة، فقالت له: الفلسطينيون عليك يا شمشون. فقطع الأوتار كما يُقطَع فتيل المشاقة إذا شم النار! ولم تعلم قوته، فقالت دليلة لشمشون: ها قد ختلتني وكلمتني بالكذب، فأخبرني الآن بماذا توثق؟ فقال لها: إذا أوثقوني بحبال جديدة لم تستعمل أضعف وأصير كواحد من الناس. فأخذت دليلة حبالًا جديدة وأوثقته بها وقالت له: الفلسطينيون عليك يا شمشون، والكمين لابث في الحجرة. فقطعها عن ذراعيه كخيط، فقالت دليلة لشمشون: حتى الآن ختلتني وكلمتني بالكذب، فأخبرني بماذا توثق؟ فقال لها: إذا ضفرت سبع خصل رأسي مع السدى فمكنتها بالوتد. وقالت له: الفلسطينيون عليك يا شمشون. فانتبه من نومه وقلع وتد النسيج والسدى، فقالت له: كيف تقول: أحبكِ وقلبك ليس معي؟ هو ذا ثلاث مرات قد ختلتني ولم تخبرني بماذا قوتك العظيمة. ولما كانت تضايقه بكلامها كل يوم وألحت عليه ضاقت نفسه إلى الموت، فكشف لها كل قلبه وقال لها: لم يَعْلُ موسى رأسي؛ لأني نذير الله من بطن أمي، فإن حلقتُ تفارقني قوتي وأضعف وأصير كأحد الناس. ولما رأت دليلة أنه قد أخبرها بكل ما بقلبه أرسلت فدعت أقطاب الفلسطينيين وقالت: اصعدوا هذه المرة؛ فإنه قد كشف لي كل قلبه. فصعد إليها أقطاب الفلسطينيين وأصعدوا الفضة بيدهم، وأنامته على ركبتها، ودعت رجلًا، وحلقت سبع خصل رأسه، وابتدأت بإذلاله وفارقته قوته، وقالت: الفلسطينيون عليك يا شمشون. فانتبه من نومه وقال: أخرج حسب كل مرة وأنتفض. ولم يعلم أن الرب قد فارقه، فأخذه الفلسطينيون وقلعوا عينيه ونزلوا به إلى غزة وأوثقوه بسلاسل من نحاس، وكان يطحن في بيت السجن وابتدأ شعر رأسه ينبت بعد أن حُلق.

وأما أقطاب الفلسطينيين فاجتمعوا ليذبحوا ذبيحة عظيمة لداجون إلههم ويفرحوا، وقالوا: قد دفع إلهنا ليدنا شمشون عدونا. ولما رآه الشعب مجدوا إلههم؛ لأنهم قالوا: قد دفع إلهنا ليدنا عدونا الذي خرب أرضنا وكثر قتلانا. وكان لما طابت قلوبهم أنهم قالوا: ادعوا شمشون ليلعب لنا. فدعوا شمشون من بيت السجن، فلعب أمامهم وأوقفوه بين الأعمدة، فقال شمشون للغلام الماسك بيده: دعني ألمس الأعمدة التي البيت قائم عليها لأستند عليها، وكان البيت مملوءًا رجالًا ونساءً، وكان هناك جميع أقطاب الفلسطينيين، وعلى السطح نحو ثلاثة آلاف رجل وامرأة ينظرون لعب شمشون، فدعا شمشون الرب وقال: يا سيدي الرب، اذكرني وشَدِّدني يا الله هذه المرة فقط فأنتقم نقمة واحدة عن عيني من الفلسطينيين. وقبض شمشون على العمودين المتوسطين اللذين كان البيت قائمًا عليهما، واستند عليهما الواحد بيمينه والآخر بيساره، وقال شمشون: لتمت نفسي مع الفلسطينيين. وانحنى بقوة فسقط البيت على الأقطاب وعلى كل الشعب الذي فيه، فكان الموتى الذين أماتهم في موته أكثر من الذين أماتهم في حياته، فنزل إخوته وكل بيت أبيه وحملوه وصعدوا به ودفنوه بين صرعة وأشتأول في قبر منوح أبيه، وهو قضى لإسرائيل عشرين سنة.

وقد جاء أهل «مدين» إلى هذه البلاد للإغارة عليها مستعملين للمرة الأولى الجمل الأليف (راجع Hitti, History of Syria p. 52)، وبذلك ظهر سلاح جديد يستعمل للحروب برهن على أنه ذو مفعول مخيف، وبخاصة في الغارات البعيدة المدى.

وقد كان أقوى مناهض للعبرانيين في الاستيلاء على الأرض هم الفلسطينيين، وكانوا كما أشرنا إلى ذلك من قبل (راجع مصر القديمة الجزء السابع) من أقوام البحر الخمسة الذين وفدوا من بحر إيجه لغزو مصر، وذلك أن العبرانيين بعد أن فتحوا الأراضي العالية الوسطى استولى الفلسطينيون على بلاد الساحل، والواقع أنه حدثت هجرات لا تزال غامضة لأقوام من «آسيا الصغرى» ومنطقة «إيجه» في نهاية القرن الثالث عشر ق.م وبداية القرن الثاني عشر ق.م نتج عنها انفصال قبائل بأكملها قامت لتبحث عن مواطن أقل اضطرابًا من مواطنهم الأصلية، فهاجرت جماعات من بينها قبائل الفلسطينيين وساروا برًّا وبحرًا نحو«سوريا» بعد أن خربوا كثيرًا من ولاياتها مثل «أوجاريت» وصلوا إلى الساحل المصري هناك قابلهم «رعمسيس الثالث» في موقعة حربية وهزمهم، ولكنه تركهم يستوطنون بصفة مستديمة على الساحل السوري الجنوبي، ومن ثم أطلق عليه «فلستيا(2)».

وهناك قبيلة أخرى تدعى «تكر  Tjeker» استوطنت «دور» تحت نهر الكرمل، حيث قابلهم الرسول المصري «ونآمون» بعد ذلك العهد بقرنين، والساحل الذي استوطن فيه الفلسطينيون يمتد من غزة حتى جنوبي يافا، والمدن الهامة التي استعمروها هي «غزة» و«عسقلان» و«أشد» و«أكرون» و«غاث»، ويحتمل أنها تل «عرف» المنشية (على مسافة 6،5 أميال غربيَّ بيت جبرين)، وقد حافظت على أسمائها السامية تحت نظام الحكم الجديد، وكانت بلدة «غاث» أبعد مستعمرة لهم في الداخل، وكانت سياستهم هي أن يبقوا قريبًا من البحر، حيث يمكنهم في الوقت نفسه السيطرة على طرقه ويفيدون من الجبال المحملة بالعنب خلف الشاطئ، وكانت جبال الكرمل الحد الفاصل بين إقليمهم الساحلي وبين الفينيقيين في الشمال، وإذا استثنينا بلدة وزقلاح (يحتمل أنها تل الخويليقة في الجنوب الأقصى من بودة) لم يؤسس الفلسطينيون مستعمرات. وقد أخذوا ينتقلون من الشريط الساحلي إلى الداخل واستولوا على عدة بلاد كنعانية نازعين سلاح الأهالي، ولا نزاع في أن الحملات التأديبية التي كان يقوم بها فراعنة مصر والضرائب التي كانت تجبى من سوريا قد أثرت كلها على مقاومتها للقبائل الصحراوية المغيرة وقرصان البحر؛ ولذلك لم يكن في مقدور الفلسطينيين أو العبرانيين أن ينالوا أي نجاح في تثبيت أقدامهم في هذه البلاد، هذا لو كانت الإمبراطورية المصرية لا تزال قادرة على استعمال كل نفوذها هناك.

وتدل المناظر التي خلفها «رعمسيس الثالث» على أن الفلسطينيين كانوا من جنس أوروبي، كما يدل طراز الفخار الذي جلبوه معهم على أنهم نزحوا من «كريت»، وقد جلبوا معهم نساءهم؛ ولذلك ظلوا بعيدين عن الأهالي الأصليين وكوَّنوا لأنفسهم طائفة حربية خاصة معسكرة في حاميات، وبذلك ألفوا ثقافة غربية، وكانت المدن الخمس التي استعمروها منظمة في صورة حكومات مدنية كل منها يحكمها سيدها، ومن كلٍّ كانت تتألف حكومة اتحادية، والظاهر أن «أشدد» كانت صاحبة السيادة. وقد بلغت قوة الفلسطينيين أوج عظمتها حوالي النصف الثاني من القرن الحادي عشر ق.م؛ ففي حوالي عام 1050ق.م هزموا العبرانيين واستولوا على التابوت الذي حملوه إلى «أشدد»، وحوالي عام 1020ق.م كانوا قد استوطنوا في حاميات الإقليم الجبلي نفسه، وفي خلال حكم «شاؤل» (1004ق.م) كانوا قد مدوا سلطانهم إلى بلاد داخلية مثل «بيت شان». (فسفر صموئيل الأول إصحاح 13 سطر 3) يقول: «وضرب «بوناثان» نصب الفلسطينيين الذي في جبع، فسمع الفلسطينيون، وضرب شاؤل بالبوق في جميع الأرض قائلًا: ليسمع العبرانيون.» إلخ.

وكذا صموئيل في «الأول إصحاح 31 سطر 11-12»: «ولما سمع سكان «يابيش جلعاد» بما فعل الفلسطينيون بشاؤل قام كل ذي بأس وساروا الليل كله، وأخذوا جسد شاؤل وأجساد بنيه عن سور بيت شان، وجاءوا بها إلى يابيش وأحرقوها هناك.

ومعنى ذلك كما هو ظاهر هو أن الفلسطينيين كان لهم وقتئذٍ اليد العليا على إسرائيل.

وقد تفوق الفلسطينيون على أعدائهم بما لديهم من أسلحة ممتازة يتوقف صنعها على صَهر الحديد واستعماله للأسلحة اللازمة للدفاع والهجوم. وقد بقي لنا وصف محارب فلسطيني مرتدٍ دروعًا معدنية في قصة «جليات»، فقد كانت قناة رمحه مثل «عمود الناسج»، وكان رأس حربته تزن ستمائة شقل من الحديد، ودرعه كانت ثقيلًا لدرجة أن يحتاج إلى حمال خاص، (فسفر صموئيل الأول إصحاح 17 من سطر 4–7) يقول: «فخرج رجل مبارز من جيوش الفلسطينيين اسمه «جليات» من «جت»، طوله ست أذرع وشبر، وعلى رأسه خوذة من نحاس، وكان لابسًا درعًا حرشفيًّا، ووزن الدرع خمسة آلاف شاقل نحاس، وجرموقا نحاس على رجليه، ومزراق نحاس بين كتفيه، وقناة رمحه كنول النساجين، وسنان رمحه ستمائة شاقل حديد، وحامل الترس كان يمشي قدامه».

هذا، وقد وُصِفَتْ لنا بعض أعمال الفروسية العبرانية كما جاء في وصف ضروب القوة التي أظهرها «شمشون» و«داود» في الحرب مع الفلسطينيين، وقد استغل الفلسطينيون صناعتهم للحديد لدرجة أنهم احتكروا هذه الصناعة ولم يعلموها لأحد من الإسرائيليين.

وقبل دخول الفلسطينيين أرض «كنعان» لم يستعمل «الخيتا» الحديد في باكورة القرن الثالث عشر إلا قليلًا كما يدل على ذلك مراسلات «ختوشيليش»، وهي «بوغاز كوي» الحالية، وكان مصدر هذا المعدن هو ساحل البحر الأسود، ولكن لم يستعمل هذا المعدن بصفة عامة في بلاد سوريا إلا عند دخول الفلسطينيين، وقد كان سر صنع الحديد محافظًا عليه بشدة عند الخيتا كما كانت الحال عند الفلسطينيين. أما الكنعانيون الذين تعلموا من الفلسطينيين استعمال العربات المصنوعة من الحديد فكانت له فائدة حاسمة على المقهورين اليهود.

ولم تنفرج قبضة الفلسطينيين عن البلاد إلا في عهد «داود» (960ق.م)، وفي زمنه كذلك بدأ غير الفلسطينيين يتعلمون صناعة الحديد، (فسفر أخبار الأيام الأول إصحاح 22 سطر 3) يقول: «وهيأ داود حديدًا كثيرًا للمسامير لمصاريع الأبواب وللوصل ونحاسًا كثيرًا بلا وزن».

وقد كانت هزيمة الفلسطينيين على يد «داود» وهو الذي فتح «أدوم» التي كانت مصدرًا غنيًّا للحديد الغفل، ويوجد هذا الحديد كذلك في «لبنان»، وقد تعلم الفينيقيون استعماله في بناء سفنهم، وبذلك رفع الفلسطينيون درجة الثقافة السورية من استعمال البرنز إلى درجة أرقى منها وهي استعمال الحديد، وفضلًا عن ذلك فإنه من الجائز أن نسلم بأنهم قد ورَّثوا جيرانهم الفينيقيين الذين يعدون أخلافهم تذوق المغامرات في عرض البحار والاتجار بوساطتها، وقد كان من نتائج ذلك أن كشفوا مجاهل البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وشرقي المحيط الأطلنطي.

وهذا إلى ما خلفوه لنا من آثار قليلة تدل على ثقافتهم المادية في صورة فخار وآلات زراعية وفئوس من حديد وقواديم، ولم يترك الفلسطينيون خلافًا لذلك آثارًا أخرى يمكن أن تذكر. وهم باعتبارهم مجتمعًا أجنبيًّا في فلسطين فإنه لم يكن لهم أي ضمان يضمن بقاءهم إلا استمرار تجديد دمائهم بالهجرة، وقد كان ذلك من الأمور المستحيلة في الأحوال التي كانت تحيط بهم، وفي حوالي نهاية حكم «داود» بدئوا يختفون بوصفهم مستعمرة، وعلى مر الزمن أصبحوا ساميين وهضمتهم البلاد، ولم يتركوا إلا القليل جدًّا مما يمكن أن يميزوا به من الوجهة الدينية واللغوية والمعمارية ومظاهر الحياة الرفيعة الأخرى.

ونجد أن «نحميا» الذي كتب في أواسط القرن الخامس ق.م لا يتحدث عن الفلسطينيين بل عن الأشدوديين الذين كانوا يتكلمون لغة أشدودية، ومن الأسماء الفلسطينية الأصلية التي وصلت إلينا اسم «أخيش»، (فسفر صموئيل الأول إصحاح 27 سطر 2) يقول: «فقام داود وعبر هو والستمائة الرُّحَّل الذين معه إلى أخيش بن معوك ملك «جت»».

ومن اسم آلهتهم «داجون» إله الحب نعلم أنه مأخوذ من طائفة الآلهة الكنعانيين، وكان مركز عبادته «أشدود»، أما مقر عبادة زوجه «عشتاروت» فكان بلدة «عسقلان»، ولا يُعرَف شيء ما عن كيفية بناء معبد «داجون» وقصر الرب في «غزة»، وكذلك المعابد الفلسطينية الأخرى التي ذكرت في كتاب «العهد القديم».

.................................................

1-القين معناه: المعدن. ومن المعلوم أنه يوجد مناجم نحاس في سيناء ووادي عرابة، وكانت معروفة للمصريين والعرب قبل ذلك الوقت. (راجع مصر القديمة الجزء السابع) الكلام الخاص عن خروج بني إسرائيل واجتيازهم شبه جزيرة سيناء.

2-اسم بالستا كان اسم مكان في إقليم الليري هو أبيروس (راجع Bonfante, “Who were the Phibstines?” American Journal of Archeology Vol. 50 (1946) p. 251).

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي