تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
معاوية وكتابة الوحي!
المؤلف:
الدكتور عبد الرسول الغفار
المصدر:
الميسر في علوم القرآن
الجزء والصفحة:
ص73-84
2025-06-28
60
لقد أجمع أهل السيرة والتراجم أن معاوية أسلم بعد فتح مكة وقبل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بستة أشهر - تقريبا - فمن كان قريب عهد بالكفر هل يصح - عند القائل - أنه أحد كتاب الوحي؟ وأين كان الصحابة الأجلاء الأبرار الذين دخلوا الإسلام الذين يعدون بالآلاف؟ ومن كان يكتب الوحي منذ بدء الإسلام وإلى زمان إسلام معاوية؟ قال صاحب الطرايف: فكيف تقبل العقول أن يوثق في كتابة الوحي بمعاوية مع قرب عهده بالكفر وقصوره في الإسلام حيث دخل فيه؟ بل المعروف أن معاوية كان كاتبا للصدقات ولبعض الموارد التي كلف بها من قبل الرسول كأن يكتب إلى القبائل أو ما تستجد من حاجة عند الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ابن أبي الحديد: واختلف في كتابته كيف كانت فالذي عليه المحققون من أهل السيرة أن الوحي كان يكتبه علي (عليه السلام) وزيد بن ثابت وزيد بن أرقم وأن حنظلة بن الربيع ومعاوية بن أبي سفيان كانا يكتبان له إلى الملوك وإلى رؤساء القبائل ويكتبان حوائجه بين يديه ويكتبان ما يجيء من أموال الصدقات ما يقسم له من أربابها. وقال غيره: أنه كان يكتب بعض المكاتب إلى الناس فقط ومما ينقل في المقام أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أرسل عليه - ليكتب كتابا - فجاءه ابن عباس فوجده يأكل فرجع وأخبر النبي فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لا أشبع الله بطنه [1].
أقول: إني لا عجب ممن يتحرى الدقة ويلهج بالعلم والمعرفة ويهتم بالمادة العلمية ليهيء من مطالعاته رسالة كي تصلح أن تكون موضوعا الأطروحة الدكتوراه ثم يأتي بما يضحك الثكلى. أنك تجد في كتاب (مدخل إلى القرآن الكريم عرض تاريخي وتحليل مقارن) كتبه الدكتور محمد عبد الله دراز إلى جامعة السوربون لنيل شهادة الدكتوراه سنة 1947.
تجد فيه كلامه عن كتاب الوحي فيقول: ويذكر العلماء الثقاة أن عدد كتاب الوحي بلغ تسعة وعشرين كاتبا أشهرهم الخلفاء الخمسة الأوائل (أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية) و ... ولكن معاوية وزيد بن ثابت كانا أكثر ارتباطا بهذا العمل [2] وقد عرفت قبل قليل أن إسلام معاوية جاء متأخرا ومع فرض أنه كان كاتبا للنبي فإنما كان يكتب له بعض الحاجيات وأمور ترتبط بالصدقات. روى الحافظ أبي بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني ت 316هـ بإسناده عن خارجة بن زيد قال: دخل نفر على زيد بن ثابت فقالوا حدثنا بعض حديث رسول الله الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ماذا أحدثكم كنت جار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان إذا نزل الوحي أرسل إلى فكتبت الوحي وكان إذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا وإذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا وإذا ذكرنا ... [3]
قال الزنجاني: وكان للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كتاب يكتبون الوحي بالخط المقرر وهو النسخي وهم ثلاثة وأربعون أشهرهم: الخلفاء الأربعة وأبو سفيان وابناء معاوية ويزيد وسعيد بن العاص وإبناه أبان وخالد وزيد بن ثابت والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وعامر بن فهيرة وعبد الله بن ابن الأرقم وعبد الله بن رواحة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح. وأبي: كعب وثابت بن قيس وحنظلة بن الربيع وشرحبيل بن حسنة.
والعلاء بن الحضرمي وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومعيقب ابن أبي فاطمة الدوسي وحذيفة بن اليمان وحويطب بن عبد العزي العامري. ثم قال: وكان ألزمهم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأكثرهم كتابة له زيد بن ثابت وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) [4] وجهيم بن الصلت بن مخرمة [5].
أقول: لما بعث النبي بالرسالة لم يكلف بالإنذار العام ولم يكن الأمر مبثوثا بين الناس [6] بل إنما كانت دعوته في أول البعثة سرية. ابتدأت بأهل بيته فأمنت أولا خديجة من النساء ومن الرجال علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهكذا تبعه جعفر وكان الإمام علي قد نشأ وترعرع في بيت الرسول وقد تعلم القراءة والكتابة منذ طفولته كما أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخذ يرعاه رعاية خاصة كما كان أبو طالب يرعى محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) رعاية لا مثيل لها وهي فوق الرعاية الأبوية ثم الإمام علي لازم الرسول طيلة حياته فمن البديهي أن يباشر علي بن أبي طالب كتابة الوحي للرسول منذ اليوم الأول وحتى أيامه الأخيرة.
نعم عند مغيب الإمام علي قد يكلف أحد هؤلاء الذين ذكرناهم وهي. حالات نادرة وفي مواطن معينة. أضف إلى ذلك أن اهتمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بكتابة الوحي جعله يعتمد على الإمام علي ابن أبي طالب لامتيازات كانت في علي لم تكن عند غيره من الصحابة منها: يعرض نفسه على قبائل العرب فإذا أتاهم قالوا: كذاب امض عام
1 - صدق الإمام علي وإخلاصه للنبي والإسلام.
2 - أمانته في كل شيء وعلو إيمانه.
3- قرابته للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو ابن عمه وأخوه ومن ثم صهره على ابنته فاطمة
4 - قربه من النبي في حضره وسفره.
5 - الاطمئنان النفسي - عند النبي - لما يحسنه الإمام علي (عليه السلام) في كتابته للوحي شكلا ومضمونا.
6 - ملازمة علي للنبي أكسبته المعرفة والتجربة كما أن النبي اهتم بتعليم ابن عمه وأخيه فكان يخبره بكل ما ينزل عليه من وحي لهذا كان علي بن أبي طالب أجدر من غيره في ترتيب الآيات والسور وضم بعضها إلى بعض حينما يكتب الوحي وقد تواترت الأخبار عنه (عليه السلام) - وعن الأئمة المعصومين - أنه قال علمني رسول الله من العلم ألف باب يفتح لي من كل باب ألف باب. وهناك خصوصيات أخرى ربما كان من بينها توصية من جبرائيل في الاعتماد على علي بن أبي طالب في الكتابة. وكيف لا نقبل تلك الخصوصيات والامتيازات التي ذكرناها، وقد لاحظنا بعض كتاب الوحي يحرفون ما يمليه عليهم الرسول. فهذا عبد الله بن سعد بن أبي سرح قد استهواه الشيطان وبان كفره لما كان يكتب الوحي خلاف ما يملي عليه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد تقدم ذكره [7].
فكيف يطمئن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أمثال هؤلاء. وشبيه حادثة ابن أبي سرح ما ذكره السجستاني بإسناده عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك أن رجلا كان يكتب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان إذا أملي عليه (سميعا بصيرا) كتب (سميعا عليما) وإذا أملي عليه (سميعا عليما) كتب (سميعا بصيرا) وكان قد قرأ البقرة وآل عمران. وكان من قرأهما قرأ قرآنا كثيرا فتنصر الرجل وقال إنما كنت أكتب ما شئت عند محمد قال فمات فدفن فلفظته الأرض ثم دفن فلفظته الأرض فقال أنس قال أبو طلحة فأنا رأيته منبوذا على وجه الأرض (كتاب المصاحف) ص 3
أقول: وهناك مواقف لمعاوية في التحريف شبيه ما تقدم. والجدير بالذكر أن الدكتور عبد الصبور شاهين حاول أن يبرئ عبد الله بن سعد بن أبي سرح من هذا الخزي والعار الذي سجله التاريخ فحاول الدفاع عنه دون جدوى حيث قال - مؤيدا لأبي حيان [8].
فإن هذا الموقف لم يكن إلا من ابن أبي سرح.. على ان ابن أبي سرح أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه ولم يظهر عليه شيء ينكر عليه ولو كان يرى أحدث في تسجيل القرآن حدثا ما زال باقيا فمن المؤكد أنه كان سيبادر إلى تصحيحه، لكن حيث لم يرو لنا شيء من هذا فيبدو أن ذلك حدث منه مرة واحدة أو مرات قليلة، لم يحتمل بعدها فؤاده وقع الخيانة فأعلن ردته وحينئذ تدارك كتبة الوحي الآخرون ما غيره. [9].
لا أدري كيف استساغ الدكتور شاهين الدفاع عن ابن أبي سرح ولماذا حاول تخطئة الدكتور مصطفى مندور والمستشرق بلاشير R. Blachere وقد ثبت كفر ابن أبي سرح لهذا أمر النبي بقتله حتى ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة، لكن شاء القدر أن ينجو بمسعى من أخيه عثمان بن عفان. فمن صور دفاع الدكتور شاهين أنه يستسهل التحريف ويستصغر أثره ويهون خطبه لأنه - بإدعائه - لم يحصل التحريف من ابن أبي سرح سوى مرة أو مرات قلائل، قال في رده على مندور: أن تعبيره يدل على أن الرجل - ابن أبي سرح - كان يمارس العملية -التحريف - لمدة طويلة، على حين أن ابن أبي سرح كما فهمنا من رواية أبي حيان لخبره لم يفعل ذلك سوى مرة أو مرات قليلة جدا كما ذكر البلاذري، والأمر على أية حال مقتصر على لفظة بعينها كما هو مضى الحديث، وقد كان تصرف الرجل إن صح الحديث غير مفسد للمعنى. [10] إن هذا الدفاع لهو الحب الأعمى لعثمان لا لإبن أبي سرح ومن خلاله نستظهر أن الدكتور شاهين أراد في نفس الوقت الدفاع عن عثمان وتبرئة مواقفه اللاشرعية تجاه أخيه عبد الله بن أبي سرح لأن عثمان قد ولاه في خلافته وأسدى إليه يد النعمة والمعروف [11] فكيف لا يحترم ولا يقدر وهو صنيع عثمان وواهب له الحياة المرفلة؟! لهذا ولجملة من الأسباب كان جبرائيل (عليه السلام) في كل عام يعرض عليه القرآن من قبل النبي أي يقرأ عليه لمقابلته. قال البخاري.. وكان جبرائيل (عليه السلام) يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القرآن (صحيح البخاري (1/ 378).
روى أبو عبيدة في فضائله وابن جرير وابن المنذر وآخرون عن ابن عامر الأنصاري أن عمر بن الخطاب قرأ {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} [التوبة: 100] برفع الأنصار ولم يلحق الواو في الذين فقال زيد بن ثابت: والذين أتبعوهم بإحسان فقال أمير المؤمنين: اعلم فقال أيتوني بأبي بن كعب فسأله عن ذلك فقال أبي: والذين أتبعوهم فجعل كل واحد يشير إلى أنف صاحبه بأصبعه فقال أبي: والله اقرأنيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنت تبيع الحنطة. فقال عمر: نعم إذا فتابع أبيا. ومما ذكره البخاري أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لأبي بن كعب: (إن الله أمرني أقرأ عليك القرآن) قال: الله سماني؟ قال: نعم وقد ذكرت عند رب العالمين قال فذرفت عيناه وقد اشتهر بين القوم - بعدة طرق – قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبي أقرأكم[12]. بعد هذه الجولة السريعة في شأن كتاب الوحي يبقى أمر مهم نشير إليه من خلال السؤال الذي نطرحه فنقول: هل كان النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) صاحب الرسالة وخاتم الأنبياء أميا بالمعنى الذي ذهب تصوير الجواب بما يلي: إليه أغلب علماء الجمهور، أي جاهلا لا يقرأ ولا يكتب؟ أم ماذا؟ يمكن
1 - لم يقرأ ولم يكتب وأنه يجهل هذا اللون من المعرفة وجهله بذلك كان قبل البعثة واستمر حتى وفاته.
2 - كان يجهل القراءة والكتابة قبل البعثة وإلى ما بعد البعثة بقليل ثم تعلمها.
3 - تعلمها في أواخر حياته أي قبيل وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم).
4- كان يعلمها:
أ- كان يعرفها ويعلمها منذ سنينه الأولى من عمره الشريف.
ب - كان يعرفها من باب (خرقا للعادة).
ولتقرير أحد هذه الاحتمالات - حتى يكون جوابا قطعيا - لا بد من معرفة جملة من الأمور منها:
1 - ماذا تعني كلمة أمي في اللغة.
2 - معرفة سياق الآيات التي جاءت بها كلمة أمي والأميين.
3 - هل هناك تنافي بين معرفة النبي للقراءة والكتابة وبين كونه رسولا من قبل الله سبحانه؟ وإذا كان هناك تنافي فما هو وجهه؟
4 - التعرف على روايات الطرفين لتكون حاكمة على الموضوع ومنها نستخلص الجواب النهائي. قال ابن منظور: الأمي الذي لا يكتب. وقال أبو إسحاق معنى الأمي المنسوب إلى ما عليه جبلته أمه أي لا يكتب. لأن الكتابة هي مكتسبة فكأنه نسب إلى ما يولد عليه أي على ما ولدته أمه عليه وفي الحديث: بعثت إلى أمة أمية قيل هم العرب الأميون لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة أو عديمة ومنه قوله تعالى {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} [الجمعة: 2] قيل له أمي لأنه على ما ولدته أمه عليه من قلة الكلام وعجمة اللسان. وقيل لسيدنا محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأمي لأن أمة العرب لم تكتب ولا نقرأ المكتوب وبعثه الله رسولا وهو لا يكتب ولا يقرأ من كتاب وكانت هذه الخلة إحدى آياته المعجزة [13].
هذا ما أردنا ذكره لمعرفة الكلمة - أمي - أما هذا سياق الآيات فمنها: الذين يتبعون الرسول النبي الأمي.. (الأعراف 157 -158) {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا} [الجمعة: 2] ومما يستشهد في كون النبي أميا ما ذكره أرباب التاريخ عند تعرضهم لغزوة أحد فقد ذكروا أن العباس - وهو بمكة - كتب إلى النبي كتابا يخبره فيه بتجمع قريش وخروجهم وأن العباس أرسل هذا الكتاب مع رجل من قبيلة غفار وأن النبي لما جاءه الغفاري بكتاب العباس بن عبد المطلب استدعى أبي ابن كعب ـ وكان كاتبه - ودفع إليه الكتاب فقرأه عليه وحين انتهى من قراءة الكتاب استكتمه النبي. ويضيفوا إلى ما تقدم خبر وفد ثقيف فقد سألوا النبي حين أسلموا أن يكتب لهم كتاباً فيه جملة من الشروط. فقال لهم: اكتبوا ما بدا لكم ثم ائتوني به. وقد توجهوا إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) ليكتب لهم وقد استجاب - كما يبدو - فسألوه في كتابهم أن يحل لهم الربا والزنا عند ذاك أبى أن يكتب لهم. فسألوا خالد بن سعيد بن العاص أن يكتب لهم. فقال له علي (عليه السلام) تدري ما تكتب؟ قال اكتب ما قالوا ورسول الله أولى بأمره فذهبوا بالكتاب إلى رسول الله فقال للقارئ اقرأ. فلما انتهى إلى الربا قال الرسول: ضع يدي عليها فوضع يده فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة: 278] ثم محاها. فلما بلغ الزنا وضع يده عليها وقال: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32] ثم محاها وأمر بكتابنا أن ينسخ لنا. أسد الغابة ترجمة تميم بن خراشة. عودا على بدء في معرفة سياق الآيتين نشير إلى ما قاله العلامة الطبرسي قال في المجمع الأمي الذي لا يحسن الكتابة وإنما سمي أميا لأحد وجوه: أحدها: أنه الأمة الخلقة فسمي أميا لأنه باق على خلقته.
وثانيا: أنه مأخوذ من الأمة التي هي الجماعة أي هو على أصل ما عليه الأمة في أنه لا يكتب لأنه يستفيد الكتابة بعد أن لم يكن يكتب.
وثالثا: أنه مأخوذ من الأم أي هو على ما ولدته أمه في أنه لا يكتب[14].
ورابعا: أنه منسوب إلى أم القرى وهي مكة وهو المروي عن الباقر (عليه السلام) وخامسا: أنه الذي لا يقرأ ولا يكتب. [15]
وقال الفخر الرازي في تفسيره الآية 3 من سورة الجمعة وكان هو أميا أيضا مثل الأمة التي بعث فيهم وكانت البشارة به في الكتب قد تقدمت بأنه النبي الأمي وكونه بهذه الصفة أبعد من توهم الاستعانة على ما أتى به من الحكمة بالكتابة فكانت حاله مشاكلة لحال الأمة الذين بعث فيهم وذلك أقرب إلى صدقه[16]. كونه أميا قال الزجاج: معنى الأمي الذي هو على صفة أمة العرب. قال عليه الصلاة والسلام إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب [17].
فالعرب أكثرهم ما كانوا يكتبون ولا يقرأون والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان كذلك فلهذا السبب وصفه بكونه أميا. قال أهل التحقيق وكونه أميا بهذا التفسير كان من جملة معجزاته وبيانه من وجوه الأول: أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ عليهم كتاب الله تعالى منظوما مرة بعد أخرى من غير تبديل ألفاظه ولا تغيير كلماته والخطيب من العرب إذا ارتجل خطبة ثم أعادها [18] فإنه لا بد أن يزيد فيها أو ينقص عنها بالقليل والكثير ثم أنه عليه الصلاة والسلام مع أنه ما كان يكتب وما كان يقرأ كان يتلوا كتاب الله من غير زيادة ولا نقصان ولا تغيير فكان ذلك من المعجزات وإليه الإشارة بقوله تعالى {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} [الأعلى: 6] والثاني: أنه لو كان يحسن الخط والقراءة لصارمتهما في أنه ربما طالع كتب الأولين فحصل هذه العلوم من تلك المطالعة فلما أتى بهذا القرآن العظيم المشتمل على العلوم الكثيرة من غير تعلم ولا مطالعة كان ذلك من المعجزات وهذا هو المراد من قوله {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت: 48] الثالث: إن تعلم الخط شيء سهل فإن أقل الناس ذكاء وفطنة يتعلم الخط بأدنى سعي فعدم تعلمه يدل على نقصان عظيم في الفهم ثم أنه تعالى آتاه علوم الأولين والآخرين وأعطاه من العلوم والحقائق ما لم يصل إليه أحد من البشر ومع تلك القوة العظيمة في العقل والفهم جعله بحيث لم يتعلم الخط الذي يسهل تعلمه على أقل الخلق عقلا وفهما فكان الجمع بين هاتين الحالتين المتضادتين جاريا مجرى الجمع بين الضدين وذلك من الأمور الخارقة للعادة وجار مجرى المعجزات [19].
أما النقطة الثالثة: هل هناك تنافي بين القراءة والنبوة؟ أقول: باللحاظ العقلي لا تنافي بينهما وهكذا لم يرد في النقل لأن معرفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للقراءة والكتابة ليست فيها أي محظور على أصل الرسالة والنبوة. وإذا أدعي أن عدم معرفته (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقراءة تشكل معجزة لصدق ما جاء به من السماء. قلنا أن صدق الرسالة غير متوقف على الكتابة وعدمها كما أن المعاجز التي برزت للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كثيرة جدا لا تحصى فهل أتباع الناس وتصديقهم به وبنبوته متوقف على هذه المعجزة دون غيرها؟ إنه من الغريب جدا إذا قلنا أن المجتمع كان ينظر إلى هذه الخصيصة دون غيرها من الخصائص التي كان يتمتع بها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). ثم الذين ارتابوا وأرجفوا سوف لا يذعنوا لهذه ولغيرها من المعاجز والكرامات التي صدرت على يد النبي فما قيمة الكتابة أو عدمها عند هؤلاء الأجلاف من العرب الذين هم أضل من الأنعام روى العياشي عن علي بن أسباط قال: قلت لأبي جعفر الإمام الباقر (عليه السلام) لم سمي النبي الأمي؟ قال نسب إلى مكة وذلك من قول الله لتنذر أم القرى ومن حولها وأم القرى مكة فقيل أمي لذلك.[20].
وفي العلل عن الإمام الجواد (عليه السلام) أنه سئل عن ذلك فقال ما يقول الناس قيل يزعمون أنه إنما سمي الأمي لأنه لم يحسن أن يكتب فقال: كذبوا عليهم لعنة الله أنى ذلك والله يقول هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة .... فكيف كان يعلمهم ما لا يحسن؟ والله لقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرأ ويكتب باثنين وسبعين أو قال بثلاث وسبعين لسانا وإنما يسمى الأمي لأنه كان من أهل مكة ومكة من أمهات القرى وذلك قول الله عزوجل لتنذر أم القرى ومن حولها [21].
أتضح من خلال الروايات المذكورة عن طريق أهل البيت عليهم السلام أن النبي كان يحسن القراءة والكتابة وإنما سمي بالأمي نسبة الى مكة وهي أم القرى وربما هناك أدلى أخرى يمكن الأستئناس بها هي:-
أولا: أن النبي كان يقرآن ويكتب قبل أن يبعث قوله تعالى {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: 48] فقد آشار سبحانه وتعالى بما مؤداة إنك- يا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) - ماكنت قبل البعثة تقرأ كتب اليهود والنصارى وغيرهم ولا أنك كتبت هذا القرآن من عندك ولا نسخت كتب اليهود والنصارى حتى تعرف ما فيها.
ثانيا: في عام صلح الحديبية وهي السنة السادسة للهجرة لما أراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكتب المعاهدة بينه وبين سهيل مندوب المشركين في مكة دعا النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كاتبه وبدأ يملي عليه البسملة إلا أن سهيلا أوقف النبي معترضا عليه بقوله: اكتب كما كنت تكتب من قبل: بأسمك اللهم. ربما كان سهيل يشير الى بعض كتابات بيد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل رحيله من مكة وربما قبل مبعثه.
ثالثا: الخبر المتواتر عنه حال مرضه الذي مات فيه -أنه دعا بدواة وقرطاس ليكتب للمسلمين وصيته كي لا يضلوا من بعده أبدا. بيد أن الموجودين لهم يستجيبوا له وقد أسمعه عمر بن الخطاب مقولته إذ قال أن النبي ليهجر الى آخر الحادثة. ففي طلب النبي خير دليل على أنه كان يحسن الكتابة. والى هذا ذهب الشعبي: (ما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى كتب) [22].
رابعا: أسند النقاش حديث أبي كبشة السلولي أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قرأ صحيفة لعيينة أبن حصين وأخبر بمعناها.
خامسا: في صحيح مسلم أشار في بعض عباراته أنه كتب مباشرة وذهب الى ذلك جماعة منهم أبو ذر عبد الله بن أحمد الهروي والقاضي أبو الوليد الباجي وآخرون[23].
خلاصة البحث أن الاحتمالات الثلاثة الأولى في كون النبي لم يعرف القراءة والكتابة مرجوحة لذا لا يمكن الأخذ بها فيبقى الاحتمال الرابع وهو الجواب الراجح الذي نأخذ به لما ورد فيه من روايات تعززه بطرق معتبرة من أهل العصمة (عليهم السلام).
ومما يؤكد أن النبي كان يعرف القراءة والكتابة لا على سبيل المعجز الخارق للعادة ما ذكره الطبرسي في المجمع نقلا عن الشريف المرتضى علم الهدى في معنى الآية {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت: 48] فقال: هذه الآية تدل على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما كان يحسن الكتابة قبل النبوة فأما بعد النبوة فالذي نعتقده في ذلك التجويز لكونه عالما بالكتابة والقراءة والتجويز لكونه غير عالم بها في غير قطع على أحد الأمرين وظاهر الآية يقتضي أن النفي قد تعلق بما قبل النبوة دون ما بعدها ولأن التعليل في الآية يقتضي اختصاص النفي بما قبل النبوة لأن المبطلين إنما يرتابون في نبوته (صلى الله عليه وآله وسلم) لو كان يحسن الكتابة قبل النبوة فأما بعد النبوة فلا تعلق له بالريبة والتهمة فيجوز أن يكون قد تعلمها من جبرائيل (عليه السلام) بعد النبوة. مجمع البيان 8/ 288. أقول: والروايات في ذلك كثيرة ويمكن حمل بعضها على الفقرة (ألف): من الاحتمال الرابع والبعض الآخر من الروايات يمكن حملها على الفقرة (ب) من نفس الاحتمال والله عالم بحقائق الأمور.
[1] انظر فصل الخطاب 100و 101
[2] المدخل الى القرآن الكريم ص 34 ط 1، 1971 الكويت
[3] كتاب المصاحف - السجستاني ص 3 ط 1/ 1936م مصر.
[4] تاريخ القرآن - الزنجاني ص 20 وحياة اللغة العربية الحفني ناصف ص 62
[5] كما ذكره البلاذري في الأنساب وأضاف ابن عساكر في تاريخ دمشق محمد بن مسلمة والأرقم بن أبي الأرقم.
[6] في تفسير العياشي عن محمد بن على الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أكتتم رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة سنين ليس يظهر وعلي معه وخديجة ثم أمره الله أن يصدع بما يؤمر فظهر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
[7] تفسير المحيط - أبو حيان 4/ 180 ذكر القصة بصورة أخرى (راجع)
[8] أبو حيان أثير الدين مهمد بن يوسف الأندلسي الغرناطي 154 - 754
[9] تاريخ القرآن - عبد الصبور شاهين ص 54.
[10] تاريخ القرآن ص 55.
[11] انظر تفسير البحر المحيط 4/ 180طبع مصر 1328
[12] (تاريخ القرآن الزنجاني ص 14)
[13] لسان العرب مادة أمم.
[14] (مجمع 1/ 388ط 1986)
[15] (مجمع 4/ 487ط1379).
[16] (التفسير الكبير 30/ 4 ط دار الكتب العلمية بيروت)
[17] لسان العرب مادة أمم.
[18] التفسير الكبير - الرازي 15/ 20.
[19] کتاب العلل - الصدوق.
[20] (البرهان 2/ 40 الصافي 1/ 616، تفسير العياشي 2/ 31)
[21] كتاب العلل- الصدوق.
[22] تاريخ القرآن/ شاهين ص53.
[23] (تاريخ القرآن للدكتور شاهين ص47).
الاكثر قراءة في جمع وتدوين القرآن
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
