تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
واذكر عبدنا أيوب
المؤلف:
معروف عبد المجيد
المصدر:
تلك الرسل
الجزء والصفحة:
245 -250
2025-08-09
21
كان أيوب بل السلام نبيا من أنبياء بني اسرائيل.
وهوكما يروى أيوب بن أموص بن دارح بن روم بن عيص بن اسحاق بن ابراهيم (عليه السلام).
وكانت أمه من ولد نبي الله لوط ابن هاران (عليه السلام) وكان يقيم في بلدة من بلاد الشام.
وكان له فيها من أصناف المال من الإبل والبقر والخيل والغنم.
وكان برا تقيا رحيما.
وكان يحترز من الشيطان ويتقي كيده وكان معه نفر قليل من الذين آمنوا به وصدقوه.
ويقال بأنهم لم يكونوا سوى ثلاثة.
اثنان من بلدته وواحد من أهل اليمن.
ويروى بأن الجبرائيل (عليه السلام) بين يدي الله مقاما ليس لأحد سواه من الملائكة في القربة والفضيلة.
وأن جبرائيل (عليه السلام) هو الذي يتلقى الكلام.
فاذا ذكر الله تعالى عبدا له بالخير والثناء تلقاه جبرائيل (عليه السلام) ثم لقاه ميكائيل وحوله الملائكة المقربون حافين من حول العرش.
فاذا شاع ذلك في الملائكة المقربين.
شاعت الصلوات على ذلك العبد من أهل السماوات.
فاذا صلت عليه الملائكة في السماوات.
هبطت ملائكة السماوات بالصلاة إلى ملائكة الأرض.
ويقال بأن إبليس لعنه الله كان لا يحجب عن شيء من السماوات.
وكان يقف فيهن حيثما أراد.
حتى أنه وصل إلى آدم (عليه السلام) حين أخرجه من الجنة.
فلم يزل على ذلك يصعد ويهبط حتى رفع الله تعالى عيسى (عليه السلام) إلى السماء الرابعة.
فحجب ابليس اللعين عنها وكان يصعد في ثلاث.
فلما بعث الله محمد ﷺ حجب إبليس اللعين عن السماوات جميعا فهو وجنوده محجوبون عنها حتى تقوم الساعة.
إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين.
ولما كان نبي الله أيوب (عليه السلام) عابدا زاهدا صواما قواما ...
فقد ذكره الله تعالى بالخير وأثنى عليه بطيب الثناء وعظيم الصلاة.
وعندئذ سمع إبليس اللعين تجاوب الملائكة بالصلاة على أيوب (عليه السلام).
فأدركه البغي والحسد...
فصعد سريعا حتى وقف من السماء موقفا كان يقفه...
وقال: يا إلهي..
لقد نظرت في أمر عبدك أيوب...
فوجدته عبدا أنعمت عليه فشكرك وعافيته فحمدك ...
ثم لم تجربه بشدة ولا بلاء...
وأنا لك زعيم لئن ضربته ببلاء ليكفرن بك وسوف لن يذكرك..
ثم ضحك اللعين ضحكته الشيطانية
وكان في قدر الله ومشيئته الأزلية أن يدحر عدوه إبليس وينصر أولياءه المخلصين وأنبياءه المرسلين.
فقال الله تعالى لإبليس اللعين: انطلق فقد سلطتك على مال ايوب عبدي.
فانقض عدو الله حتى وقع إلى الأرض وله بها ضجيج وعجيج ...
ودعا إبليس اللعين عفاريت الشياطين وعظماءهم.
وخاطبهم قائلا:
ماذا عندكم من البطش والمعرفة والقوة؟
فأجابوه في خيلاء:
لدينا الكثير مما لو شئنا لقلبنا الأرض على من فيها..
فقال لهم اللعين متبجحا متبخترا:
فاني قد سلطت على مال أيوب وهي المصيبة الفادحة والفتنة القاصمة التي
لا يصبر عليها الرجال.. فماذا أنتم فاعلون؟
فتقافز جنود الشيطان فرحا وسرورا..
وفي الحال...
برز عفریت من الشياطين وقال:
لقد أعطيت من القوة ما إذا شئت لتحولت إعصاراً من نار وأحرق كل شيء
أتي عليه..
فقال له إبليس:
فأت الإبل ورعاتها..
وانطلق الشيطان الجبار يؤم الإبل وقد وضعت رؤوسها في مراعيها..
ونفخ فيها من روحه الشريرة الخبيثة ...
وإذا بإعصار من نار يفور من تحت الأرض ويهب بأرواح السموم...
ولا يدنو من شيء إلا واحترق..
فلم يزل يحرق الإبل ورعاتها ومراعيها حتى أتى على آخرها..
ونظر إبليس اللعين نظرة الشامت إلى اليباب المحترق.
وألسنة النيران ترتفع إلى السماء...
فوجد أن فرصته حانت للكيد من نبي الله أيوب (عليه السلام).
وفي لحظة.
تمثل الشيطان بصورة الراعي..
ثم انطلق إلى أيوب (عليه السلام) فوجده قائما يصلي ...
فطار لبه وطاش صوابه واشتعل لهيب حقده وغضبه..
ولكنه كتم مشاعره السوداء التي تنضح بغضاء وكراهية..
فاقترب من أيوب (عليه السلام) وهو في صورة راع من رعاة إبله.
ووقف على أحر من الجمر يتحين الفرصة حتى إذا سنحت له...
نادى بأعلى صوته مظهرا الهلع والجزع ...
وقال: يا أيوب.. با أيوب..
فأجابه نبي الله أيوب (عليه السلام).
وقال له: ماذا بك؟
فأخبره اللعين بالكارثة..
ولكن.. على طريقته الشيطانية..
فتقدم منه الشيطان الرجيم وافترت شفتاه عن ضحكة صفراء بغيضة وقال له مبكتا
(يا أيوب هل تدري ماذا صنع ربك بإبلك ورعاتها وهو الذي اخترته وعبدته؟)
ثم أطلق ضحكته الساخرة وحوقل نبي الله واسترجع ثم قال لابليس اللعين دون أن يلتفت إليه:
إنه الله ربي يفعل ما يشاء وإنها ماله أعارني إياها، وهو أولى بها إذا شاء ترك وإن شاء نزع.
فأسقط في يد اللعين وقال:
أفهكذا لا تكترث بأموالك يا أيوب وقد فنت عن آخرها؟
فأجابه أيوب بنفس مطمئنة:
لقد وطنت نفسي ومالي على الفناء
ففاجأه اللعين قائلا:
وإن ربك أرسل عليها نارا من السماء فاحترقت جميعها
وتحفز إبليس اللعين منتظرا رد فعل نبي الله الصابر...
فلما أحس منه الخضوع للمشيئة الالهية دق بابا آخر للملامة وقال:
والناس يا أيوب.. والناس؟
فأجابه نبي الله: وما شأن الناس؟
فقال اللعين متشفيا:
أراك قد أصبت أفتدري ماذا يقولون؟
فقال أيوب غير عابئ:
وماذا يقولون؟
فأجاب عدو الله:
إنهم يقولون: ما كان أيوب يعبد شيئا وإنه ضال وما كان إلا في غرورفقال أيوب (عليه السلام):
ما ضل من عبد الواحد الأحد الفرد الصمد الذي يحيي ويميت ويعطي ويمنع وهو القادر على كل شيء.
فصاح اللعين محنقا: فهاهم يقولون: لو كان إله أيوب قادرا على أن يصنع شيئا لمنع وليه ثم أطلق اللعين نعرة أخرى وأحجم نبي الله عن عدو الله وعدوه ففجع الملعون..
ولكنه لم يكف عن الوسوسة فقال لأيوب (عليه السلام): بل إن ربك فعل بك ما فعل ليشمت بك عدوك ويفجع بك صديقك فتهيأ أيوب (عليه السلام) للصلاة من جديد، وأخذ يقول: (الحمد لله حين أعطاني وحين نزع مني عريانا خرجت من بطن أمي، وعرياناً أعود في تراب وعريانا أحشر إلى الله تعالى).
ودخل نبي الله في الصلاة عارجا إلى ربه الرحيم.
وألم الخزي بعدو الله إبليس ووقعت به الهزيمة.
فرجع إلى أصحابه وجنوده خاسئا ذليلا محسورا.
ولكنه أصر على مواصلة كيده ونصب حبائله...
فقال لجنوده:
ويلكم ماذا عندكم من القوة، فإني لم أكلم قلبه
فانبری عفريت من عظمائهم قائلاً:
عندي من القوة ما إذا شئت صحت صيحة بصوت لا يسمعه ذو روح إلا
خرجت نفسه
ففرح الجبار اللعين وأمره قائلا:
إذا.. فأت غنم أيوب ورعاتها قبل أن تخمد نار مصيبته الأولى..
وانطلق العفريت الجبار في التو
حتى إذا توسط الغنم صاح صيحة عظيمة رهيبة ...
فماتت الغنم عن آخرها، ومات رعاتها.
ثم عاد إلى سيده منتفخ الأوداج متبخترا وفرحا مسرورا
فاستقبله إبليس اللعين بحفاوة وراح يستعد للجولة القادمة وهو الوسواس الخناس وفي هذه المرة تمثل عدو الله بكبير رعاة الغنم.
حتى إذا جاء أيوب (عليه السلام) فانه وجده ما زال قائما يصلي فتملكه الغيظ وسيطر عليه الحنق ولكنه استجمع قواه الشيطانية الشريرة وصاح قائلا بصوة كبير رعاة الغنم:
(يا أيوب يا أيوب)
ووقف اللعين بانتظار نبي الله الذي لم يأبه به حيث كان مشغولا بمناجاة ربه.
فأخذ اللعين يزرع المكان جيئة وذهاباً كالمتقلب على جمر النيران...
حتى إذا فرغ أيوب (عليه السلام) من صلاته عاجله قائلا بلسان المهموم وكأنه صاحب المصيبة:
يا أيوب أما تكف عن تلك الصلاة التي شغلتك عن مالك؟
فسأله أيوب غير عابئ:
فماذا وراءك؟
فأقبل عليه اللعين وقال:
غنمك يا أيوب غنمك ورعاتها لقد جاء الدور عليها بعد ما حدث لإبلك ورعاتها فسأله نبي الله (عليه السلام) مستفسرا:
وماذا جرى عليها هي الأخرى؟
فشعر عدو الله بزهو الانتصار، وقال:
لقد فنت عن آخرها..
ثم مال اللعين برأسه وأصاخ بأذنيه متحرقا لسماع الجواب
فقال أيوب (عليه السلام):
لا ينبغي لك أن تفرح حين أعارك الله ولا تجزع حين أخذ عاريته.
فتمزق الشيطان غيظا ثم ما لبث أن عاد إلى جنوده خاسئا مثبورا.
وجمع عدو الله أولياءه من عظماء الشياطين والعفاريت.
وقال لهم ونار الغيظ تلهب صدره:
لقد عجزت في هذه المرة أيضا ولم أستطع أن أكلم قلب أيوب فماذا عندكم
من قوة؟
فانبرى كبير من العفاريت قائلا:
عندي من القوة يا سيدي ما إذا شئت لتحولت ربحا عاصفا تنسف كل شيء
فأتي على كل ما عنده حتى لا أبقي له شيئا.
فأمره اللعين قائلا: فعجل بما عندك من قوة وأت الحرث والزرع في التو واللحظة..
وأطاع العفريت أمر سيده اللعين وانقض بكل ما أوتي من قوة على حرث أيوب (عليه السلام) ومزارعه.
فلم يشعر الزراع والفلاحون حتى هبت ريح عاصف فنسفت كل شيء من ذلك حتى كأنه لم يكن.
وعندئذ خرج إبليس اللعين متمثلاً بكبير الفلاحين وانطلق فرحا مسرورا يؤم أيوب (عليه السلام) فوجده قائما يصلي.
ولم يمهله عدو الله حتى يكمل صلاته ويفرغ من مناجاته.
وحرثه. فما زال يناديه متفجعا بصوت كبير المزارعين واستمر يخبره بما حدث لزرعه ولكن أيوب (عليه السلام) كان محلقا في عالم الملكوت بعيدا عن عالم الملك.
صلاته. فما كان من إبليس اللعين إلا أن كف عن وسوسته وانتظر فراغ أيوب من ووقف يراقبه وهو يتميز من الغيظ وفرغ نبي الله أيوب (عليه السلام) من صلاته.
ولم يحفل بالوسواس الخناس وكأنه لم يره.
فهم عدو الله بالاقتراب منه فبادره أيوب بل الكلام قائلا:
هات ما عندك يا هذا، فماذا حدث هذه المرة؟
فقال له إبليس المتمثل بكبير الزراع:
حرثك يا أيوب حرثك هبت عليه ريح عاصف فجعلته قاعا صفصفا..
فأشاح عنه أيوب (عليه السلام) بوجهه وقال:
الحمد لله حين أعطى وحين نزع عارية له واستردها، والله أولى بي وبما أعطاني).
فرجع عدو الله خاسئا للمرة الثالثة وكأن الريح العاتية حين هبت لم تعصف إلا به..
ولكن الشرير انقلب إلى شياطينه وأخذ يحزم أمره ويدبر كيده من جديد.
فقرر في هذه المرة أن يصيب كل ما لدى أيوب (عليه السلام) مالا فمالا.
وما زال كذلك حتى مر على آخره بالهلاك.
وكان أيوب (عليه السلام) يقابل كل ذلك بالرضا والخضوع لمولاه وهو يحمد الله
ويشكره على البلاء.
فأعجز صبره حيلة عدو الله ومكره.
ولما رأى إبليس اللعين أنه لم ينجح في شيء مع أيوب (عليه السلام).
صعد سريعاً إلى موقفه من السماء.
وقال مخاطباً رب العالمين:
إلهي.. إن أيوب عبدك يرى أنك ما دمت تمتعه بنفسه وولده فأنت معطيه المال.
فهل أنت مسلطي على ولده، فانها وعزتك وجلالك لهي الفتنة المضلة والمصيبة التي لا يقوى عليها صبر الرجال فأجابه المولى سبحانه وتعالى، وقال له انطلق، فقد سلطتك على ولده..
وهبط عدو الله منقضا كلمح البرق حتى جاء بني أيوب (عليه السلام) في دورهم ومنازلهم.
فلم يزل يزلزل بهم حتى تهدمت قواعدها.
ثم جعل يناطح الجدران بعضها ببعض ويرميهم بالحجارة.
حتى إذا مثل بهم كل مثلة رفع بهم دورهم ومنازلهم وقلبها.
فصاروا منكبين وقد زهقت أرواحهم جميعا..
وكان أيوب (عليه السلام) قد اختار لبنيه معلما يعلمهم الحكمة والمعرفة.
وكان أثيرا عنده.
فتمثل إبليس اللعين بذلك المعلم.
ثم انطلق إلى أيوب (عليه السلام) وهو جريح تسيل دماؤه.
وكان نبي الله قائما يصلي.
فلما فرغ من نجواه...
ابتدره اللعين قائلا:
يا أيوب لو رأيت بنيك كيف عُذبوا، وكيف قلبوا على رؤوسهم، وكيف
سالت دماؤهم وخرجت أدمغتهم من أنوفهم..[1]
فصمت أيوب (عليه السلام) ولم يجبه بشيء.
ولكن إبليس اللعين جعل يلح بالمصيبة ويقول:
ولو رأيت يا أيوب كيف شقت بطونهم وتناثرت أمعاؤهم، لتقطع قلبك..
ولم يزل اللعين يكرر ذلك وهو يظهر الحسرة والهم والحزن حتى رق قلب أيوب (عليه السلام).
فلما رق نبي الله لولده وذريته وأخذته الشفقة بهم.
فانه أخذ قبضة من التراب ووضعها على رأسه حزنا وكمدا...
وحينها.. حانت الفرصة للشيطان المريد..
ولما بدا ذلك من نبي الله أيوب (عليه السلام) في لحظة رقة وجزع.
فان إبليس اللعين اغتنم هذه الفرصة بعد أن كان قد يئس من صبر أيوب.
وصعد سريعا إلى موقفه المعتاد من السماء.
وهو يتمايل فرحا وسرورا بالذي كان من جزع أيوب ولكن فرحة اللعين لم تدم حيث كان أيوب (عليه السلام) قد رجع إلى ربه فتاب واستغفر وكان قرناؤه من الملائكة قد صعدوا بتوبته.
فيدروا إبليس إلى الله تعالى فوقف إبليس خاسئا ذليلا ولكنه لم يتراجع عن كيده لأيوب (عليه السلام) فخاطب رب السماوات والأرض قائلاً:
يا إلهي.. إنما هون على أيوب ماذهب منه أنك متعته بنفسه فهل أنت مسلطي على جسده؟ فإنك إن ابتليته في جسده ظهر كذب عبوديته لك وكفر بك..
فقال الله عز وجل: انطلق.. فقد سلطتك على جسده ولكن ليس لك سلطان على لسانه ولا على قلبه ولا على عقله..
وانقض عدو الله مسرعا نحو أيوب (عليه السلام).
فوجده ساجدا.
فضحك في نفسه وقال: (وإنها لآخر سجدة منك يا أيوب)..
ثم أتاه في موضع في وجهه..
ونفخ فيه نفخة شيطانية ملتهبة فاشتعل جسد نبي الله أيوب (عليه السلام) حتى صار قرحة واحدة ووقعت فيه حكة لا يملك نفسه عنها.
فلم يزل يحك بدنه حتى تقطع لحمه وتغير وتناثر ...
بينما كان عدو الله إبليس يراقب المصيبة وهو يتقافز بهجة وسرورا.
واشتد البلاء بجسد أيوب (عليه السلام) قشمت به أهل قريته من الأعداء والمشركين...
وحملوه إلى خارج القرية وهم يلومونه على ما كان منه من العبودية لإلهه الواحد.
وأخذوا يعيرونه بإلهه هذا ويسخرون منه ومن ربه وهم يقولون:
يا أيوب لو كان إلهك هذا قادرا لشفاك ونجاك من هذا البلاء
ومنهم أيضا من يقول:
يا أيوب أما لو كان إلهك هذا يحبك لما تسلط عليك وعلى أبنائك وأموالك فهلا عدت إلى ما نعبد وما كان يعبد آباؤنا.؟
ولكن أيوب (عليه السلام) كان دائم التسبيح والتحميد والتبجيل لربه الكريم الذي إذا شاء أعطى وإذا شاء منع..
ورفض أهل القرية أيوب (عليه السلام)
ووضعوه مهملا في عريش خارج القرية.
فبقي أيوب (عليه السلام) وحده في خلوته موطنا نفسه على بلاء ربه وشماتة أعدائه..
ولكن شخصا واحدا فقط لم يقاطعه حين قاطعه الناس...
ولم يجفه حين جفاه الناس...
ولم يشمت به حين شمت الناس.
ولم يهمله حين أهمله الناس...
وهي زوجته وامرأته رحمة بنت أفرايم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (عليه السلام).
وذات يوم... عادت (رحمة) إلى زوجها أيوب (عليه السلام) بحاجة له من القرية...
فوجدت عنده ثلاثة من أصحابهففرحت فرحا شديدا حيث كانت تؤلمها وحدة أيوب وقد انفض الجميع عنه...
سوى أن فرحتها لم تلبث أن تبدلت إلى غصة وحزن..
فوقفت تراقب الجميع مشدوهة..
كان أصحاب أيوب (عليه السلام) يصرخون فيه تارة ويصيحون..
وتارة يلومونه ويعنفون وتارة أخرى يتهمونه ويرفضون..
بينما كان أيوب (عليه السلام) يصغي منصتا ودموعه تحرق أهدابه الذابلة وكان من بينهم شاب أخذته الشفقة بأيوب (عليه السلام) في موقفه الكسير ذاك.
فلام الآخرين على ما كان منهم وما عيروا به أيوب (عليه السلام) ...
واستمر الجدل والنقاش بين الأصحاب دون أن يفارقوا دين أيوب (عليه السلام).
ولكن لومهم كان عنيفا..
فأشاح عنهم أيوب (عليه السلام) بوجهه وقال لهم معرضا:
قوموا عني فلأنتم أشد علي من مصيبتي..
وتوجه أيوب (عليه السلام) إلى ربه وجعل يناجيه قائلا:
(إلهي.. ليتني أعلم ماذا أذنبت وماذا أخطأت حتى حل علي غضبك..
إلهي.. لماذا صرفت وجهك الكريم عني..
إلهي.. لو كنت قد ألحقتني بآبائي لكان الموت أجمل بي دارا وقرارا.
إلهي.. إنني عبدك الذليل فان أحسنت فالمن لك يا مولاي وإن أسأت فبيدك عقوبتي..
إلهي.. تقطعت أصابعي وتساقط لحم رأسي وورم لساني وتقطعت أمعائي في بطني وهلك أولادي وملني أهلي وعقني أرحامي وتنكرت لي معارفي..
إلهي وإن سلطانك هو الذي أسقمني وأنحل جسدي.. فلك العتبى حتى.. ترضى
وكانت (رحمة) تجلس غير بعيد وهي تبكي بصوت العاجز المفجوع والمشفق الذي لا يملك حولا ولا قوة.
بينما كان إبليس اللعين يراقب الموقف عن قرب، فجزع من صبر أيوب (عليه السلام) وقد وجده لا يفتر عن ذكر الله والثناء عليه رغم ما أجراه عليه من عظيم البلاء.
فانقلب مذموما مدحورا وهو لا يدري ماذا يفعل مع هذا العبد الصابر المنيب..
أعيا صبر أيوب (عليه السلام) جميع حيل إبليس اللعين ورد عليه كل مكائده..
فكلما جاءه بحيلة وتسلط عليه ببلاء وجده صابرا شاكرا.
فصرخ اللعين صرخة جمع فيها جنوده من أقطار الأرض جزعا من صبر أيوب النبي (عليه السلام) والحزن يمزق كل كيانه والهم يلقي بأطنابه على قلبه المكلوم الغارق في مستنقع الشرور والآثام..
واجتمع جنود الشيطان في طرفة عين...
فلما وجدوا سيدهم حزينا مهموما سألوه عما يقلقه ويضجره...
فأجابهم وقد نفد صبره:
لقد أعياني هذا العبد الذي سألت الله أن يسلطني عليه وعلى ماله فلم يزدد إلا صبرا وثناءا على الله..
فأجابوه قائلين:
لقد جئنا بكل ما لدينا من سلطان وقوة وها هو أيوب في حالة لا تحسد عليها.
فصرخ فيهم اللعين: لقد افتضحت وربي فاستغثت بكم لتغيثوني عليه.
فوجل جنود الشيطان رهبة من سيدهم الجبار ولكن كبيرهم قال له:
فأين مكرك وأين علمك الذي أهلكت به من مضى.؟
فأجابه إبليس اللعين:
بطل ذلك كله في أمر أيوب فهيا أشيروا علي وإلا هلكتم أجمعين.
وأخذ جنود إبليس يعملون فكرهم الشرير..
وبعد ساعة كانوا قد أحكموا حيلة شيطانية جديدة.
فاقبل كبير منهم وقال لسيده
أرأيت آدم حين أخرجته من الجنة؟
فأجاب الملعون: نعم...
فقال الشيطان المارد
فمن أين أتيته؟
فالتمعت عينا إبليس اللعين وأجاب:
من قبل امرأته.
فصاح جنود إبليس جميعا قائلين:
فأت أيوب من قبل امرأته فانه لا يوجد من يقربه غيرها..
ولم يضع عدو الله لحظة من وقته بعد ما رأى من صواب المشورة الشيطانية..
فانطلق حتى أتى (رحمة) وهي تبكي لوعة وألما بالقرب من زوجها أيوب.
فتمثل لها اللعين في صورة شيخ كبير وقال لها:
أين بعلك يا أمة الله؟
فأجابت: هو ذاك يحك قروحه ويتردد الدود في جسده وقد أهلك الله ماله وولده.
فلما سمع اللعين منها ذلك طمع منها في كلمة جزع ينفذ خلالها إلى أيوب
فأخذ يوسوس لها ويذكرها بما كانت فيه من النعيم والمال وراحة البال.
ولما وجدها وقد اشتد بكاؤها راح اللعين يشدد من وسوسته لها، فذكرها
بجمال أيوب وشبابه وما كانت فيه من طيب عيش وحسن حال.
ثم تظاهر اللعين بتركها وحدها بعد أن وسوس لها بأن ما هم فيه من الضر لا ينقطع عنهم أبدا..
وصرخت (رحمة) ثم شهقت شهقة متحسرة كادت تذهب بنفسها
فعاد إليها إبليس اللعين وقال لها:
أفما تريدين أن يبرأ زوجك ويعود إليكما ما كنتما فيه من نعيم ورخاء.؟
ونظرت إليه (رحمة) نظرة المتلهف
فعلم منها الجزع..
فأعاد عليها سؤاله موسوسا لها بالأمل...
فأجابت بحسرة اليائس: نعم ولكن كيف يكون ذلك.؟
فأجابها اللعين بابتسامة خادعة وهمس لها قائلا:
لو أن صاحبك أكل ذبحا ولم يسم الله عليه، لعوفي مما به من البلاء وعاد إليه ماله وولده..
ثم ابتعد عنا متخفيا..
وانطلقت (رحمة) إلى زوجها أيوب وهي تصرخ..
ثم أخبرته بما قال لها الشيخ العجوز وألحت عليه بان يفعل ذلك
فعلم أيوب (عليه السلام) بحيلة إبليس اللعين
وغضب على زوجته غضبا شديدا وأقسم ليضر بنها مائة جلدة إن عافاه الله..
فلما دهشت (رحمة) من موقف أيوب فانه أخبرها قائلاً:
لقد أتاك عدو الله ليفتنك عن دينك..
وانكفأت (رحمة) تبكي بمرارة.. ثم انطلقت لتبحث عما يسد رمقهما من طعام
وعند ذلك ناجي أيوب (عليه السلام) ربه قائلا:
{أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83] وجعلت (رحمة) تتردد في الطرقات بحثا عن لقمة عيش.
ومضى وقت طويل دون أن يشفق عليها أحد.
فعادت إلى زوجها وقد أضناها الهم والعناء.
ولما وصلت إلى المكان الذي كان به العريش لم تجد العريش ولم تجد زوجها
أيوب..
فاستولت عليها الحيرة وأخذت تجد في البحث هنا وهناك.
فرأت رجلا جميل المنظر صبوح الوجه يجلس هناك في حلة بهية.
فهابته وخافت أن تسأله عن أيوب..
وجلست تنوح على أيوب وتندب حظها وتتحسر على بعلها.
فدعاها صاحب الحلة وقال لها:
ماذا بك يا أمة الله..
فأجابته: أبحث عن زوجي المبتلى الصابر..
فسألها: فهل تعرفيه إذا رأيتيه؟
فأجابت: لقد كان أشبه خلق الله بك عندما كان سليما معافى..
فقال لها: فأنا أيوب الذي طلبت مني أن أطيع إبليس، فقد عصيته وأطعت الله ودعوت الله تعالى فرد علي صحتي وشبابي ومالي وولدي..
ونظرت (رحمة) فاذا بها في حياتها الأولى وقد رد الله عليها وعلى بعلها أيوب ما كانا فيه من نعيم ورخاء..
بينما كان الوحي ما زال مجلجلا في السماء بقول الله تعالى:
{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } [ص: 41] {رْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } [ص: 42]
{وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [ص: 43]
{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 44].
الاكثر قراءة في قصة النبي أيوب وقومه
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
