علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
الأحاديث القدسيّة
علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
الحديث والسنّة
المؤلف:
الشيخ الدكتور صبحي الصالح
المصدر:
علوم الحديث ومصطلحه
الجزء والصفحة:
ص 3 ـ 10
2025-09-04
59
البَابُ الأَوَّلُ: تَارِيخُ الحَدِيثِ:
الفَصْلُ الأَوَّلُ: الحَدِيثُ وَالسُنَّةِ وَاصْطِلاَحَاتٍ أُخْرَى:
الحَدِيثُ وَالسُنَّةِ:
لو أخذنا بالرأي السائد بين المُحَدِّثِينَ، ولا سيما المتأخّرين منهم، لرأينا الحَدِيثَ وَالسُنَّةَ مُتَرَادِفَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ، يوضع أحدهما مكان الآخر: ففي كلّ منهما إضافة قول أو فعل أو تقرير أو صفة إلى النبي - ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، بَيْدَ أنَّ رَدَّ هذين اللفظين إلى أصولهما التاريخيّة يُؤَكِّدُ وجود بعض الفروق الدقيقة بين الاستعمالين لغة واصطلاحًا.
فالحديث - كما لاحظ أبو البقاء (1) - «هُوَ اسْمٌ مِنَ التَّحْدِيثِ، وَهُوَ الإِخْبَارُ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ أَوْ تَقْرِيرٌ نُسِبَ إِلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -» (2).
ومعنى «الإِخْبَارِ» في وصف الحديث كان معروفًا للعرب في الجاهليّة منذ كانوا يطلقون على «أيّامهم المشهورة» اسم «الأحاديث» (3).
ولعلَّ الفَرَّاءَ (4) قد تَنَبَّهَ إلى هذا المعنى حين رأى أَنَّ «وَاحِدَ الأَحَادِيثِ أُحْدُوثَةٌ، ثُمَّ جَعَلُوهُ جَمْعًا لِلْحَدِيثِ» (5).
ومن هنا شاع على الألسنة: «صَارَ أُحْدُوثَةً» (6) أو «صَارَ حَدِيثًا» (7) إذا ضُرِبَ به المثل. واستعمل الشاعر أبو كلدة في بيت واحد المثل والأحدوثة في بيت واحد المثل والأحدوثة كأنّما ليشير إلى ترادفهما فقال:
وَلاَ تُصْبِحُوا أُحْدُوثَةً مِثْلَ قَائِلٍ ... بِهِ يَضْرِبُ الأَمْثَالَ مَنْ يَتَمَثَّلُ (8)
وكيفما تُقَلِّبُ مادة «الحَدِيثِ» تجد معنى «الإِخْبَارِ» وَاضِحًا فيها حتّى في قوله تعالى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور: 34] وقوله: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} [الزمر: 23]. وقد استشعر بعض العلماء في مادة «الحَدِيثِ» معنى «الجِدَّةِ»، فأطلقوه على ما يقابل القديم، وهم يريدون بالقديم كتاب الله، وبالجديد ما أضيف إلى رسول الله. قال ... ابن حجر في " شرح البخاري ": «المُرَادُ بِالْحَدِيثِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ: مَا يُضَافُ إِلَى النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، وَكَأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ مُقَابَلَةُ الْقُرْآنِ؛ لأَنَّهُ قَدِيمٌ» (9) وهذا يُفَسِّرُ لنا - إلى حد كبير - تَوَرُّعَ كثير من العلماء من إطلاق اسم الحديث على كتاب الله واستبدالهم «كَلاَمَ اللهِ» بحديث الله.
وفي "سنن ابن ماجه" رواية لحديث نبوي تكاد تقطع بضرورة هذا الورع وهذا الأدب في التعبير: عن عبد الله بن مسعود أَنَّ رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ قال: «إِنَّمَا هُمَا اثْنَتَانِ: الْكَلاَمُ وَالْهَدْيُ. فَأَحْسَنُ الْكَلاَمِ كَلاَمُ اللَّهِ، وَأَحْسَنُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ»(10).
وإذا وجدنا في جُلِّ كتب السُنَنِ «إِنَّ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ» ثم لا حظنا تَفَرُّدَ ابن ماجه برواية «أَحْسَنُ الْكَلاَمِ» أدركنا أنّه ليس بمستبعد أَنْ يكون الورع حمله على إيثار هذا التعبير، وكان أقلّ ما نستنبطه من ذلك أَنَّ في العلماء مَنْ تَحَرَّجَ من إطلاق اسم الحديث على كتاب الله....
والنبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ سَمَّى بنفسه قوله «حَدِيثًا» وكاد بهذه التسمية يُمَيِّزُ ما أضيف إليه عمّا عداه، حتّى كأنّه وضع الأصول لما اصطلحوا فيما بعد على تسميته «بِالحَدِيثِ»....
وَالسُنَّةُ - في الأصل - ليست مساوية للحديث، فإنّها - تبعاً لمعناها اللغوي - كانت تطلق على الطريقة الدينيّة التي سلكها النبي – صَلَى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ - في سيرته المُطَهَّرَة؛ لأَنَّ معنى السُنَّةِ لغة الطريقة. فإذا كان الحديث عَامًّا يشمل قول النبي وفعله، فَالسُنَّةُ خَاصَّةٌ بأعمال النبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ.
وفي ضوء هذا التباين بين المفهومين ندرك قول المُحَدِّثِينَ أَحْيَانًا: «هَذَا الحَدِيثُ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ وَالسُنَّةِ وَالإِجْمَاعِ»، أو قولهم: «إِمَامٌ فِي الحَدِيثِ، وَإِمَامٌ فِي السُنَّةِ، وَإِمَامٌ فِيهِمَا مَعًا» (11) وأغرب من هذا كلّه أَنَّ أحد المفهومين يدعم بالآخر، كأنَّهما متغايران من كلّ وجه، حتّى صَحَّ أنْ يذكر ابن النديم كِتَابًا بعنوان "كتاب السُنن بشواهد الحديث"(12).
وحين عَبَّرَ الإسلام عن الطريقة بِالسُنَّةِ لم يفاجئ العرب، فلقد عرفوها بهذا المعنى كما عرفوا نقيضها وهي البدعة (13).
وكان في وسعهم أَنْ يفهموا منها هذا المعنى حتّى عند إضافتها إلى اسم الجلالة في مثل قوله تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب: 38] أمّا الذين سمعوا لفظها من النبي - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ - في مثل قوله: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي» (14)، فما كان لهم حِينَئِذٍ أَنْ يَتَرَدَّدُوا في انصرافها إلى أسلوبه - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وطريقته في حياته الخاصّة والعامّة.
وَالمَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ كانت - كما سنرى - أحرص البلاد على السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ حتّى سُمّيت «دَارَ السُنَّةِ» (15).
وفي جنباتها المشرّفة بدأ مفهوم «السُنَّةِ» يأخذ شَكْلاً سِيَاسِيًّا وَاجْتِمَاعِيًّا إلى جانب الشكل الديني الأساسي: فالرسول - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ - يُصَرِّحُ بأنَّ «مَنْ أَحْدَثَ فِي المَدِينَةِ حَدَثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (16).
وَكَأَنَّ في هذا الحديث إيماء إلى براءة الله ورسوله من كلّ مُنْشَقٍّ على الجماعة، خالع يد الطاعة، مُؤْثِرٌ البِدْعَةَ عَلَى السُنَّةِ. فلينصح الأب ابنه: «يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَالحَدَثَ»، وليستجب الابن لأبيه مُكْبِراً تَقيُّدَهُ بِالسُنَّةِ المُطَهَّرَةِ: «وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ كَانَ أَبْغَضَ إِلَيْهِ الحَدَثُ فِي الإِسْلاَمِ» (17)، وليقل المتّهم في دينه مُدَافِعًا عن نفسه: «مَا أَحْدَثْتُ فِي الإِسْلاَمِ حَدَثاً وَلاَ أَخْرَجْتُ مِنْ طَاعَةٍ يَدًا» (18).
ما أسرع ما انتقل المسلمون إذن من المعنى الإقليميّ الضيّق إلى المعنى الشامل الواسع! إنّهم لا يخشون إحداث الحَدَثِ في المدينة وحدها «دَارَ السُنَّةِ»، بل يخشون الحدث في الإسلام كلّه، في كلّ بلد بلغته الدعوة المباركة، فالمبدأ عام شامل، وقد وضعه الرسول - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ - بنفسه مُذْ قال: «شَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا»(19) وقال: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» (20).
ولم يكن لهذا المبدأ النبوي الصريح إلّا نتيجة واحدة حاسمة: فعلى قدر الخوف من إحداث الحدث في الإسلام كانت الرغبة في المحافظة على سُنَّةِ رسول الله.
وَإِنَّ كل مؤمن لا يظل قلبه ونظره معلّقين بشخص الرسول، ولا يصوغ نفسه وعمله وفق الخلق النبويّ، ووفق ما جرت به السُنَّةُ (21) أو مضت عليه (22) ليس صادق الإيمان ولا هو من المُقرَّبِينَ.
وإذا كان هذا الرجل من المشتغلين بالحديث النبوي زادت تبعته، فما يفعل شَيْئًا لم يفعله رسول الله - ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، بل يَتَرَدَّدُ في كثير من الأمور قبل الإقدام عليها ليعرف أقربها إلى السُنَّةِ، من تشميره ثيابه (23)، وطرقه الباب للاستئذان على المحدّث (24)، وإفشائه السلام غير مجاوز القدر المُسْتَحَبَّ من رفع الصوت به (25)، وجلوسه حيث ينتهي به المجلس (26) وامتناعه من الجلوس في صدر الحَلَقَةِ أو وسطها (27) أو بين اثنين بغير إذنهما (28) وما شابه هذه الخصال النَّبَوِيَّةِ التي اشتمل عليها كتاب الأدب في جميع كتب «السُنَنِ»....
ولئن أطلقت السُنَّةُ في كثير من المواطن على غير ما أطلق الحديث، فَإِنَّ الشعور بتساويهما في الدلالة أو تقاربهما على - الأقل - كان دائمًا يساور نُقَّادَ الحديث، فهل السُنَّة العمليّة إلّا الطريقة النَّبَوِيَّةَ التي كان الرسول - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ [وآله الطاهرين] - يُؤَيِّدُهَا بأقواله الحكيمة وأحاديثه الرشيدة المُوَجَّهَةِ؟ وهل موضوع الحديث يغاير موضوع السُنَّة؟ ألا يدوران كلاهما حول محور واحد؟ ألا ينتهيان أَخِيرًا إلى النَّبِيِّ الكَرِيمِ في أقواله المُؤيِّدَةِ لأعماله، وفي أعماله المُؤيِّدَةِ لأقواله؟
حين جالت هذه الأسئلة في أذهان النُقَّادِ لم يجدوا بَأْسًا فِي أنْ يُصَرِّحُوا بحقيقة لا ترد: إذا تناسينا مَوْرِدَيْ التسميتين كان الحديث وَالسُنَّةُ شَيْئًا وَاحِدًا، فليقل أكثر المُحَدِّثِينَ: إنّهما مترادفان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أبو البقاء هو أيوب بن موسى الحسيني القريمي الكفوي، كان من قضاة الأحناف وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 1092 هـ وهو قاضٍ بالقدس (انظر " هدية العارفين ": 1/ 229 و"إيضاح المكنون ": 1 / 351 / 380).
(2) "كليات أبي البقاء": ص 152 (ط: الأميرية سنة 1280 هـ).
(3) "فتوح البلدان" للبلاذري: ص 29.
(4) هو يحيى بن زياد الديلمي، أحد نُحاة الكوفة وأئمّتها المشهورين في اللغة، له كتاب في معاني القرآن. تُوُفِّيَ سَنَةَ 207 (انظر " طبقات الزبيدي ": 146).
(5) انظر: "قواعد التحديث": ص 25.
(6) "الأغاني": 21/ 150.
(7) "الأغاني": 14/ 47.
(8) "الأغاني": 10/ 120.
(9) "التدريب": 4.
(10) "سنن ابن ماجه": 1/ 18، رقم الحديث 46 تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.
(11) من ذلك ما يراه عبد الرحمن بن مهدي (- 198) «مِنْ أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ إِمَامٌ فِي الحَدِيثِ، وَالأَوْزَاعِيَّ إِمَامٌ فِي السُنَّةِ وَلَيْسَ بإِمَامٍ فِي الحَدِيثِ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ إِمَامٌ فِيهِمَا جَمِيعاً». انظر "الزرقاني على الموطأ ": 1/ 4...".
(12) " الفهرست " لابن النديم: ص 230.
(13) انظر " الأغاني ": 7/ 119 وفيما يتعلّق بالبدعة: 7/ 114.
(14) سنن ابن ماجه 1/ 16 رقم الحديث 42.
(15) راجع فصل - الرحلة في طلب الحديث - من هذا الكتاب.
(16) "صحيح البخاري". الاعتصام. رقم 6.
(17) "سنن الترمذي": 1/ 51.
(18) "الأغاني": 21/ 144.
(19) "سنن ابن ماجه": 1/ 17 رقم 45.
(20) "سنن أبي داود": 4/ 280 رقم 4606.
(21) "البخاري". الاعتصام. رقم 4.
(22) "سنن أبي داود": 2/ 368 رقم 2250.
(23) "الجامع لأخلاق الراوي": 2/ 22.
(24) "الجامع": 2/ 24.
(25) "الجامع": 2/ 26.
(26) "الجامع": 2/ 28.
(27) "الجامع": 2/ 28 أَيْضًا.
(28) "الجامع": 2/ 29.
الاكثر قراءة في علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
