تاريخ الفيزياء
علماء الفيزياء
الفيزياء الكلاسيكية
الميكانيك
الديناميكا الحرارية
الكهربائية والمغناطيسية
الكهربائية
المغناطيسية
الكهرومغناطيسية
علم البصريات
تاريخ علم البصريات
الضوء
مواضيع عامة في علم البصريات
الصوت
الفيزياء الحديثة
النظرية النسبية
النظرية النسبية الخاصة
النظرية النسبية العامة
مواضيع عامة في النظرية النسبية
ميكانيكا الكم
الفيزياء الذرية
الفيزياء الجزيئية
الفيزياء النووية
مواضيع عامة في الفيزياء النووية
النشاط الاشعاعي
فيزياء الحالة الصلبة
الموصلات
أشباه الموصلات
العوازل
مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة
فيزياء الجوامد
الليزر
أنواع الليزر
بعض تطبيقات الليزر
مواضيع عامة في الليزر
علم الفلك
تاريخ وعلماء علم الفلك
الثقوب السوداء
المجموعة الشمسية
الشمس
كوكب عطارد
كوكب الزهرة
كوكب الأرض
كوكب المريخ
كوكب المشتري
كوكب زحل
كوكب أورانوس
كوكب نبتون
كوكب بلوتو
القمر
كواكب ومواضيع اخرى
مواضيع عامة في علم الفلك
النجوم
البلازما
الألكترونيات
خواص المادة
الطاقة البديلة
الطاقة الشمسية
مواضيع عامة في الطاقة البديلة
المد والجزر
فيزياء الجسيمات
الفيزياء والعلوم الأخرى
الفيزياء الكيميائية
الفيزياء الرياضية
الفيزياء الحيوية
الفيزياء العامة
مواضيع عامة في الفيزياء
تجارب فيزيائية
مصطلحات وتعاريف فيزيائية
وحدات القياس الفيزيائية
طرائف الفيزياء
مواضيع اخرى
تفسير كوبنهاجن لنظرية الكم
المؤلف:
الفيزياء والفلسفة ـ ثورة في العلم الحديث
المصدر:
فرينر هايزنبرك
الجزء والصفحة:
ص49
2025-09-11
45
يبدأ تفسير كوبنهاجن لنظرية الكم من مفارقة، فأية تجربة في الفيزياء، سواء كانت تتعلق بظواهر الحياة اليومية أو بوقائع ذرية يتم وصفها بمصطلحات الفيزياء الكلاسيكية حيث تشكل مفاهيم الفيزياء الكلاسيكية اللغة التي نصف بها نظام تجاربنا ونصوغ من خلالها النتائج. ولا يمكننا أن نستبدل هذه المفاهيم بأخرى ولا ينبغي لنا ذلك . إلا إن تطبيق هذه المفاهيم يتحدد بعلاقات اللايقين. يجب أن نضع في الاعتبار هذا المجال المحدود لقابلية تطبيق المفاهيم الكلاسيكية عند استخدامها، إلا إننا لا يمكن ولا ينبغي أن نحاول إدخال التحسينات عليها. من المفيد لفهم أفضل لهذه المفارقة أن نقارن بين إجراء تفسير نظري لتجربة في الفيزياء الكلاسيكية وبين أخرى في نظرية الكم. فمثلا، يمكن أن نبدأ في ميكانيكا نيوتن بقياس موضع وسرعة الكوكب الذي نحن بصدد دراسته، يتم ترجمة نتيجة الملاحظة إلى الرياضيات عبر استنتاج أعداد إحداثيات الكوكب وكمية حركته من خلال الملاحظة ثم نستخدم معادلات الحركة المستنبطة من قيم الإحداثيات وكمية الحركة في وقت محدد، يمكن بهذه الطريقة لعالم الفلك أن يتنبأ بقيم الإحداثيات أو أية خصائص أخري في وقت لاحق، فهو قادر، أن يتنبأ، مثلا، بالضبط بوقت خسوف القمر.
يختلف هذا الإجراء في نظرية الكم قليلا، فنحن نهتم، مثلا، بحركة إلكترون ما عبر غرفة سحابية ويمكن أن نحدد عبر الملاحظة موضعه الأولى وسرعته. بيد أن مثل هذا التحديد لن يكون دقيقا، فهو على أقل تقدير يشتمل على أخطاء ناتجة عن علاقات اللايقين، وربما اشتمل على أخطاء أكبر ناجمة عن صعوبة التجربة أول هذه الأخطاء هي تلك التى تجيز لنا ترجمة نتيجة الملاحظة إلى نظام رياضياتي النظرية الكم. لقد تم تسجيل الدالة الاحتمالية التى تمثل الموقف التجريبي وقت القياس، مشتملة حتى على الأخطاء الممكنة في هذا القياس.
تمثل هذه الدالة الاحتمالية مزيجا من شيئين، فهي تشمل جزءا من الواقعة وجزءا من معرفتنا بالواقعة فهي تمثل واقعة بقدر ما تحدد، لأول وهلة، الوحدة الاحتمالية (أي اليقين الكامل) للموقف الأولي : يتحرك الإلكترون بالسرعة الملحوظة عند موضع ملاحظ، تعني "ملاحظ" ما هو ملاحظ داخل دقة التجربة. وهي تمثل معرفتنا بالنسبة لملاحظ أخر ربما يقدر على معرفة موقع الكترون بطريقة أكثر دقة. إن الخطأ في التجربة لا يمثل البتة خاصية للإلكترون، بل هو نقص في معرفتنا بالإلكترون ذاته، حيث يتم التعبير عن هذا النقص في المعرفة أيضا بدالة الاحتمال.
ينبغي علينا في الفيزياء الكلاسيكية أن نتوخى الحذر عند التحقق، وأيضا لا بد من أن نضع في الاعتبار خطأ ،الملاحظة، ومن ثم يمكن للمرء أن ينال توزيعا احتماليا للقيم الأولية للإحداثيات والسرعات، ومن ثم نجد شيئا شبيها بدالة الاحتمال في ميكانيكا الكم إن ما تفتقر إليه الفيزياء الكلاسيكية هو اللايقين الضروري الذي هو نتيجة لعلاقات لا يقينية.
في البداية عندما تم تحديد دالة الاحتمال في نظرية الكم من خلال الملاحظة تمكننا من خلال قوانين نظرية الكم، حساب دالة الاحتمال مستقبلا، ومن ثم يمكننا أن نحدد احتمالية مقياس ما بإعطاء قيمة بعينها للكمية المقاسة. كما يمكننا على سبيل المثال، أن نتنبأ باحتمالية العثور على الكترون في وقت لاحق عند نقطة محددة في غرفة سحابية. ينبغي أن نؤكد هنا، أن دالة الاحتمال لا تمثل في حــد ذاتها سياقا بين الوقائع في سياق الزمن، بل تمثل النزوع نحو الوقائع ومعرفتنا بها، يمكن ربط دالة الاحتمال مع الواقع إذا تم تحقيق شرط أساسي واحد وهو: إذا تم تقديم قياس جديد يحدد خاصية معينة للنسق، عندئذ فقط تسمح لنا دالة الاحتمال حساب النتيجة المحتملة للقياس الجديد مرة أخري يتم تحديـد هـذا القيـاس بمصطلحات الفيزياء الكلاسيكية لذلك، يتطلب التفسير النظري لتجربة ما ثلاث خطوات واضحة المعالم:
(1) ترجمة الموقف التجريبي الأولي إلى دالة احتمال.
(2) متابعة هذه الدالة في سياق الزمن.
(3) يمكن تقديم عبارة قياس جديدة للنسق عندئذ يمكن حساب نتيجتها من دالة الاحتمال.
فبالنسبة للخطوة الأولى فإن تحقيق علاقات اللايقين شرط ضروري. أما فيما يتعلق بالخطوة الثانية، فلا يمكن وصفها بمصطلحات المفاهيم الكلاسيكية، فليس ثمة وصفا لما يحدث في النسق بين الملاحظة الأولية والقياس التالي. أما الخطوة الثالثة وحدها هي التي تجعلنا نتحول مرة أخرى من الممكن" إلى "الواقعي".
دعونا نوضح هذه الخطوات الثلاث في تجربة مثالية بسيطة. لقد قيل إن الذرة تتكون من نواة وإلكترونات تدور حول تلك النواة ، وقد تم التصريح بأن مفهوم مدار الإلكترون هو موضع شك، في استطاعتنا أن نناقش بأنه ينبغي على الأقل، من حيث المبدأ، أن نلاحظ الإلكترون في مداره، فالمرء ينبغي ببساطة أن يلاحظ الذرة من خلال ميكروسكوب ذي قدرة عالية للغاية على التوضيح، إذن سيلاحظ المرء الإلكترون يتحرك في مداره. لا يمكن الحصول على هذه القدرة على التوضيح من ميكروسكوب يعمل بالضوء العادي، إذ لا يمكن البتة أن تقل عدم دقة الموضع عـن طول موجة الضوء. في حين يمكن أن يقوم بهذا ميكروسكوبا يستخدم أشعة جافا مع طول موجة أصغر من حجم الذرة، هذا الميكروسكوب لم يتم تشييده بعد، إلا إن هذا لا يحول دون مناقشة التجربة المثالية.
هل الخطوة الأولى التى تقول بترجمة نتيجة الملاحظة إلى دالة احتمال ممكنة؟ هي ممكنة فقط إذا ما تم تحقيق علاقة اللايقين بعد الملاحظة. سيتم التعرف على موضع الإلكترون على نحو دقيق عبر طول موجة أشعة جاما، قد يكون الإلكترون عمليا في حالة سكون قبل الملاحظة من ثم لا بد من أن يتم تمرير ضوء كم واحد من الميكروسكوب عند الملاحظة، عندئذ لا بد من أن ينحرف هذا الضوء من جانب الإلكترون أولاً، لذلك، يتم دفع الإلكترون من خلال ضوء الكم، فتتغير كمية حركته وسرعته، ويستطيع المرء أن يظهر أن لايقين هذا التغير هو من الضخامة بمكان بحيث يكفي ضمان صحة علاقات اللايقين. ومن ثم لا يوجد ثمة صعوبة مع الخطوة الأولى.
يمكن للمرء في الوقت ذاته أن يرى بسهولة أنه ليس ثمة طريق لملاحظة مدار الإلكترون حول النواة. هنا تظهر الخطوة الثانية. حزمة أمواج لا تتحرك حول النواة بل بعيدا عن الذرة، ذلك لأن ضوء الأول قد تسبب في إزاحة الإلكترون خارج الذرة، فإذا كان طول موجة أشعة جاما أصغر بكثير مـن حجـم الذرة، كانت كمية حركة كم الضوء لأشعة جاما أكثر بكثير من كمية حركة الإلكترون الأصلية من ثم، فإن ضوء الكم الأول يكفي لإزاحة الإلكترون خارج الذرة، ولا يمكن للمرء مطلقا أن يلاحظ أكثر من نقطة واحدة في مدار الإلكترون وبالتالي لا يوجد مدار بالمعنى المألوف. أما الملاحظة التالية - الخطوة الثالثة - سوف يظهر الإلكترون في مساره خارج الذرة، بشكل عام ليس ثمة طريقة لوصف ما يحدث بين ملاحظتين متعاقبتين.
من المغري بطبيعة الحال، أن الإلكترون لا بد من أن يكون في مكان ما بين الملاحظتين، وبالتالي لا بد للإلكترون من أن يوصف على أنه قد اتخذ مسارا أو مدارا حتى لو كان يبدو معرفة هذا المسار أمرًا مستحيلا. هذا من شأنه أن يشكل حجة معقولة في الفيزياء الكلاسيكية، أما الأمر في نظرية الكم سيكون إساءة استخدام اللغة التي كما سنرى لا يمكن تبريرها. يمكن أن نترك المجال مفتوحا في الوقت الراهن، سواء كان هذا التبرير عبارة عن الطريقة التي ينبغي التحدث بها عن الوقائع الذرية، أو عبارة عن الوقائع ذاتها، سواء كان هذا يشير إلى الإبستمولوجيا Epistemology أو الأنطولوجيا Ontology). على أية حال علينا أن نكون حذرين للغاية بشأن صياغة أية عبارة تتعلق بسلوك الجسيمات الذرية. بالفعل لسنا في حاجة على الإطلاق، للحديث عن الجسيمات، ففي كثير من التجارب يكون أكثر ملائمة أن نتحدث عن موجات المادة ،مثلا عن موجات المادة الثابتة حول النواة الذرية مثل هذا الوصف يتناقض بشكل مباشر مع الوصف الآخر إذا لم نوجه اهتمامًا للقيود المفروضة من قبل علاقات اللايقين من خلال هذه القيود يتم تفادي هذا التناقض. فعلى سبيل المثال، يعد من الملائم استخدام "موجات المادة " عند التعامل مع الإشعاع المنبعث من الذرة. فعن طريق تردداتها وشدة الإشعاع يمكن أن يتوفر لدينا معلومات عن توزيع الشحنة المتذبذة في الذرة، وهنا تصبح الصورة الموجية أقرب إلى الصدق مقارنة بالصورة الجسيمية، لذلك دعا بور إلى ضرورة استخدام الصورتين معا وهذا ما أطلق علية بور "التتام" Complementarity. بطبيعة الحال لا يمكن الجمع بين هاتين الصورتين، لأن الشيء لا يمكن أن يكون جسيما (أي مادة محددة في حجم صغير للغاية وفي الوقت نفسه موجة (أي مجالاً منتشرا على حيز كبير إلا إن الصورتين يتمم كل منهما الآخر. وباللعب بهاتين الصورتين يمكننا التحرك من صورة إلى أخرى وبالعكس، حتى نصل في نهاية المطاف إلى انطباع صحيح للواقع الغريب وراء تجاربنا الذرية.
يستخدم بور مفهوم التتام " في مواضع عديدة لتفسير نظرية الكم. إن معرفة موضع الجسيم متمم لمعرفة سرعته أو كمية حركته ، فإذا ما عرفنا أيهما بدقة أكبر، لا نتمكن من معرفة الآخر بنفس هذه الدقة، فما زال يتعين علينا أن نعرف كليهما لتحديد سلوك الجسيم. إن وصف الزمكان للوقائع الذرية متمم لوصفها الحتمي. فدالة الاحتمال تخضع لمعادلة الحركة تماما مثل الإحداثيات في الميكانيكا النيوتونية، حيث يتحدد تغيرها وفي سياق الزمن تماما عبر معادلة ميكانيكا الكم إلا إنها لا تسمح بوصف للمكان والزمان من جهة أخرى تفرض الملاحظة وصفا للمكان والزمان، إلا أنها تحدث قطيعة مع الاستمرارية الحتمية لدالة الاحتمال عبر تغيير معرفتنا لهذا النسق.
لم تعد هذه الثنائية بين وصفين مختلفين للواقع نفسه من الصعوبة بمكان بخاصة أننا عرفنا من الصياغة الرياضياتية للنظرية بأن التناقضات لا يمكن أن تظهر، ومن ثم برزت الثنائية بوضوح بين الصورتين المتنامتين - الموجات و الجسيمات – في مرونة النهج الرياضياتي، إن الصورية تظهر عادة بحيث تشبه الميكانيكا النيوتونية مع معادلات الحركة والإحداثيات وكمية حركة الجسيمات، ولكن يمكننا إعادة صياغتها عن طريق تحويل بسيط بحيث تشبه معادلة موجيه لموجة مادة عادية ثلاثية الأبعاد، لذلك، فإن إمكانية اللعب بالصور المتتامة المختلفة لها نظيرها في التحولات المختلفة للنسق الرياضياتي، وهذا لا يـؤدي إلـــى أيـــة صعوبات في تفسير كوبنهاجن لنظرية الكم.
إلا إن ثمة صعوبة حقيقية تظهر في فهم هذا التفسير، عندما يسأل المرء هذا السؤال الشهير ما الذي يحدث فعلا" في أي واقعة ذرية؟ سبق القول إنه يمكن صياغة آلية ونتائج ملاحظة ما في ضوء المفاهيم الكلاسيكية، بيد أن ما يستنبطه المرء من ملاحظة ما دالة احتمال هو تعبير رياضياتي يجمع بين عبارات احتمال أو نزعات وعبارات عن معرفتنا بالوقائع، لذلك لا يمكننا البتة أن نجعل نتيجة ملاحظة ما ،موضوعية، ولا يمكن أن نصف ما "يحدث" بين هذه الملاحظة و الملاحظة التي تليها، هذا يبدو كما لو أننا ندخل عنصرا من الذاتية في النظرية. كما لو كنا نعني ما نقول: إن ما يحدث يتوقف على طريقتنا في الملاحظة أو في الواقعة التى نلاحظها لكن من الضروري قبل مناقشة مشكلة الذاتية أن نفسر يقابل المرء صعوبات جمة إذا حاول وصف ما يحدث بين ملاحظتين متتاليتين. من الملائم لهذا الغرض أن نناقش التجربة المثالية التالية: نحن نفترض أن مصدرا صغيرا لضوء أحادي اللون يشع تجاه حاجزا أسود به ثقبان صغيران، ربما لا يكون قطر الثقبين أكبر بكثير من طول موجة الضوء، إلا إن المسافة بينهما ستكون أكبر بكثير، وعلى مبعدة من الحاجز هناك لوحة فوتوغرافية تسجل الضوء الساقط، إذا ما وصف المرء هذه التجربة بمصطلحات الصورة الموجية فيقول أن الموجة الأصلية تخترق من خلال الثقبين وتتداخل مع بعضها بعضا، هذا التداخل سينتج عنه نمط من الكثافة المتنوعة على اللوحة لفوتوغرافية.
إن اصطباغ اللوحة الفوتوغرافية باللون الأسود عملية كمية، هي تفاعل كيميائي ناتج عن كم الضوء الواحد، لذلك، لا بد من أن نتمكن أيضا من وصف التجربة بمصطلحات كمية الضوء. إذا كان من الجائز القول إن ما يحدث لكم الضوء الواحد فيما بين انباعثه من مصدر الضوء وامتصاصه في اللوحة الفوتوغرافية، فتكون الحجة على هذا النحو يمر كم الضوء المفرد من خلال الثقب الأول أو من خلال الثقب الثاني، فإذا ما مر من خلال الثقب الأول فاستطار فإن احتمال امتصاصه عند نقطة معينة في اللوحة الفوتوغرافية لا يتوقف على ما إذا كان الثقب الثاني . مغلقا أم مفتوحاً. سيكون التوزيع الاحتمالي على اللوحة دون تغيير حتى لو كان التقـــب الأول وحده هو المفتوح. فإذا ما تم تكرار التجربة عدة مرات وأخذ المرء كــل الحالات التي مر فيها كم الضوء خلال الثقب الأول، فإن اصطباغ اللوحة باللون الأسود يكون نتيجة لهذه الحالات التي ستتطابق مع هذا التوزيع الاحتمالي الناشئ عن الفرض بأن الثقب الثاني فقط هو المفتوح. لذلك فإن مجموع اللون الأسود يكون حاصل جمع هذا اللون في الحالتين معا، بعبارة أخرى، لا ينبغي أن يكون هناك نمط من التداخل، ولكننا نعلم أن هذا ليس صحيحا، وستظهر التجربة نمط التداخل، لذلك، فإن العبارة التي تقول إن أي كم ضوء لا بد من أن يمر إما من خلال الثقب الأول أو من خلال الثقب الثاني هي عبارة إشكالية وتقودنا إلى تناقضات، يظهر هذا المثال بوضوح أن مفهوم دالة الاحتمال لا يسمح بوصف ما يحدث بين ملاحظتين، وأن أي محاولة لإيجاد مثل هذا الوصف من شأنه أن يؤدي إلى تناقضات وهذا يعني أن مصطلح "يحدث" يقتصر على الملاحظة.
حتى الآن، تبدو هذه نتيجة غريبة للغاية، إذ تبدو أنها تشير إلى أن الملاحظة تلعب دورا في هذه الواقعة، إن هذا الواقع المتنوع يتوقف على ما إذا كنا نلاحظه أم لا. لتوضيح هذه النقطة علينا أن نحلل عملية الملاحظة عن كثب.
من الأهمية بمكان أن نتذكر ، بادئ ذي بدء أننا لا نهتم في العلوم الطبيعية بالكون ككل، بما في ذلك أنفسنا، ولكننا نوجه اهتمامنا إلى جزء من الكون ونجعله موضوعا لدراستنا هذا الجزء عادة ما يكون في الفيزياء الذرية موضوعا صغيرا للغاية، قد يكون جسيم ،ذري، أو مجموعة من الجسيمات قد تكون أكبر بكثير، الحجم هنا، لكن من المهم أن جزءًا كبيرا من الكون بما في ذلك أنفسنا، لا يهم لا ينتمي إلى هذا الموضوع.
حتى الآن، يبدأ التفسير النظري لتجربة ما بخطوتين ناقشتهما من قبل، في الخطوة الأولى علينا أن نصف في النهاية ترتيب التجربة مع الملاحظة الأولى، بمصطلحات الفيزياء الكلاسيكية وترجمة هذا الوصف إلى دالة احتمال تتبع دالة الاحتمال هذه قوانين نظرية الكم، ومن الممكن حساب تغيرها في سياق الزمن، هذا التغير يكون مستمرا ، هذا الحساب يتم من خلال الشروط الأولية، وهذه هي الخطوة الثانية حيث تجمع دالة الاحتمال بين العناصر الموضوعية والذاتية، وتشتمل على عبارات الاحتمال أو النزوع نحو الأفضل أو ما يسمى في الفلسفة الأرسطية الوجود بالقوة هذه العبارات تكون موضوعية تماما ولا تعتمد البتة على الملاحظ، وتشتمل على عبارات عن معرفتنا بالنسق، وهذا بطبيعة الحال يصطبغ بصبغة ذاتية بقدر ما يختلف من ملاحظ إلى آخر في الحالات النموذجية، سنجد العنصر الذاتي في دالة الاحتمال غير ذات أهمية من الناحية العملية إذا قارناه بعنصر آخر
موضوعي، وهذا ما يطلق عليه الفيزيائيون " حالة مجردة " Pure Case عندما نصل إلى الملاحظة التالية، وهي النتيجة التي ينبغي التنبؤ بها من النظرية، فمن المهم أن ندرك بالفعل أن موضوعنا هو أنه ينبغي أن نكون على صلة مع جزء آخر من العالم، أعني الترتيب التجريبي قضيب القياس وهلم جرا. قبل لحظة الملاحظة أو على أقل تقدير عند هذه اللحظة، هذا يعني أن معادلة الحركة لدالة الاحتمال تتضمن الآن أثر التفاعل مع أداة القياس. هذا الأثر يقدم عنصرا جديدا من عدم اليقين، لأن أداة القياس يتم وصفها بالضرورة بمصطلحات الفيزياء الكلاسيكية، هذا الوصف يتضمن كافة أوجه اللايقين المتعلقة بالتركيب الميكروسكوبي لهذه الأداة و التي نعرفها من الديناميكا الحرارية.
ونظرا لأن هذه الأداة ترتبط مع بقية العالم ، فإنها تتضمن، في حقيقة الأمر، لا يقينيات التركيب الميكروسكوبي للعالم ككل، يمكن أن نعتبر، هذه اللايقينيات موضوعية لأنها ببساطة نتيجة للوصف بمصطلحات الفيزياء الكلاسيكية ولا تعتمد على الملاحظ. ويمكن اعتبارها ذاتية بقدر ما تشير إلى معرفتنا الناقصة عن العالم. بعد أن يتم هذا التفاعل، فإن دالة الاحتمال تتضمن عنصرا موضوعي النزعة، وعنصرا ذاتيًا للمعرفة الناقصة حتى ولو لم يتم تسجيل أي حالة مجردة من قبل، لهذا السبب لا يمكن التنبؤ عموما بنتيجة الملاحظة على وجه اليقين وما يمكن التنبؤ به هو احتمالية الحصول على نتيجة محددة للملاحظة، ويمكن التحقق من عبارة الاحتمالية هذه من خلال تكرار التجربة عدة مرات. إن دالة الاحتمال لا تصف حادثة بعينها على الأقل في أثناء عملية الملاحظات على عكس الإجراء الشائع في الميكانيكا النيوتونية - بل تصف مجموعة كاملة من الوقائع المحتملة .
تعتبر الملاحظة ذاتها دالة الاحتمال بشكل منفصل، فهي تختار من بين كل الوقائع المحتملة التي حدثت بالفعل، ولما كانت معرفتنا بالنظام من خلال الملاحظة قد تغيرت بشكل منفصل، فإن تمثيلها الرياضياتي سيشهد هو الآخر تغيرا منفصلا، نحن نتحدث عن قفزة الكم) عندما نستخدم هذا القول القديم المأثور إن الطبيعة لا تتحرك في قفزات لنقد نظرية الكم، عندئذ سيكون في مقدورنا الرد بالتأكيد أن معرفتنا يمكن أن تتغير بشكل فجائي، وهذا يبرر حقيقة استخدامنا لمصطلح " قفزة الكم".
لذلك يتم الانتقال من الممكن" إلى "الفعلي في أثناء عمل الملاحظة، فإذا ما أردنا وصف ما يحدث في واقعة ذرية علينا أن ندرك أن كلمة "يحدث تنطبق فقط على الملاحظة، وليس على العلاقات بين ملاحظتين فهي تنطبق على الفعل المادي للملاحظة وليس على النفسي. ويمكن القول إن هذا الانتقال من الممكن إلى الفعلي يتم بمجرد تفاعل الشيء وأداة القياس ومن ثم مع باقي العالم، مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يوجد أي ارتباط مع ما سجله الملاحظ بعقله من نتيجة، إن التغير المنفصل في دالة الاحتمال يتم مع فعل التسجيل، ذلك لأن التغير المنفصل لمعرفتنا في لحظة التسجيل هو ما ينعكس في التغير المنفصل لدالة الاحتمال.
في آخر المطاف إلى أي مدى إذن قد وصلنا إلى وصف موضوعي للعالم بخاصة العالم الذري؟ يبدأ العلم في الفيزياء الكلاسيكية من اعتقاد – أو من وهم اعتقاد أنه يمكننا أن نصف العالم أو على الأقل أجزاء منه دون أية مرجعية لذواتنا، هذا بالطبع ممكن إلى حد كبير. نحن نعرف بوجود مدينة لندن سواء رأيناها أو لا يمكن القول أن الفيزياء الكلاسيكية قد جعلت من نفسها مثالية عندما تتحدث عن أجزاء من العالم دون مرجعية من ذواتنا. وقد أدى نجاحها إلى مثال عام لوصف موضوعي للعالم غدت الموضوعية المعيار الأول لقيمة أي نتيجة علمية، فهل ما زال تفسير كوبنهاجن لنظرية الكم يأخذ بهذا النموذج؟ ربما يقول المرء إن نظرية الكم تتطابق مع هذا النموذج إلى أقصى حد ممكن بالتأكيد لا تحتوي نظرية الكم على سمات ذاتية حقيقية، فهي لا تضع عقل الفيزياني باعتباره جزءا من الواقعة الذرية، بل تبدأ في تقسيم العالم إلى موضوع وبقية العالم، في حقيقة الأمر نحن نستخدم المفاهيم الكلاسيكية، على الأقل في وصفنا لبقية العالم. هذا التقسيم هو إجراء تعسفي وهو نتيجة تاريخية مباشرة لمنهجنا العلمي، و استخدامنا للمفاهيم الكلاسيكية هو في نهاية المطاف نتيجة لطريقتنا العامة في التفكير. بيد أن هذا يمثل بالفعل مرجعية لذواتنا إلى هذا الحد لا يكون وصفنا موضوعيا بشكل كامل.
لقد ذكرنا منذ البداية أن تفسير كوبنهاجن لنظرية الكم يبدأ من مفارقة، يبدأ من حقيقة أننا نصف تجاربنا بمصطلحات الفيزياء الكلاسيكية، وفي الوقت ذاته تعرف أن هذه المفاهيم لا تتلائم مع الطبيعة بشكل دقيق. وأن التوتر بين نقطت البداية هاتين هو مصدر السمة الاحصائية لنظرية الكم. لذلك، يطرأ على بال المرء أحيانا أنه ينبغي أن ينصرف عن المفاهيم الكلاسيكية تماما، وأن تغيرا جذريا في المفاهيم المستخدمة في وصف التجارب قد يؤدي إلى احتمال العودة مرة أخرى إلى وصف الطبيعة وصفا موضوعيا تماما وغير إحصائي.
بيد أن هذا الاقتراح مبني على سوء فهم، فمفاهيم الفيزياء الكلاسيكية هي مجرد تنقيح لمفاهيم الحياة اليومية، وهي جزء جوهري من اللغة التي تشكل أساس كل العلوم الطبيعية. نحن نستخدم المفاهيم الكلاسيكية لوصف التجارب في موقفنا الواقعي في العلوم، وقد كانت مشكلة نظرية الكم هي إيجاد تفسير نظري للتجارب على هذا الأساس. ليس ثمة فائدة من مناقشة ما الذي يمكن عمله لو كنا كائنات أخرى غير ما نحن عليه، عندئذ يجب أن ندرك كما قال فون فايتسيكر Weizsicke إن الطبيعة أقدم من الإنسان، بيد أن الإنسان أقدم من العلوم الطبيعية يبرر الجزء الأول من العبارة الفيزياء الكلاسيكية ومثلها الأعلى المتعلق بالموضوعية الكاملة في حين يخبرنا الجزء الثاني لماذا لا نقدر على الفرار من مفارقة نظرية الكم، أعني ضرورة استخدام المفاهيم الكلاسيكية.
علينا أن نضيف بعض التعليقات على الإجراء الواقعي في التفسير الكمي النظري للوقائع الذرية. لقد قيل دائما إننا نبدأ من تقسيم العالم إلى شيء، الذي نحن بصدد دراسته وبقية العالم هذا التقسيم تعسفي إلى حد ما، وينبغي حقا أن النتيجة النهائية لن تتغير إذا أضفنا على سبيل المثال جزءا من أداة القياس أو أداة القياس بأكملها على الشيء وقمنا بتطبيق قوانين نظرية الكم على هذا الشيء الأكثر تعقيدا. يمكن أن نستعرض هنا أن مثل هذا التعديل في المعالجة النظرية لن يغير من التنبؤات المتعلقة بالتجربة المعطاة. هذا ينتج رياضياتيا من الحقيقة التي تقول إن قوانين نظرية الكم تكاد تتطابق بشكل تقريبي مع القوانين الكلاسيكية بالنسبة للظواهر التي يمكن اعتبار ثابت بلانك فيها مقدارا ضئيلاً للغاية. لكن من الخطأ أن نعتقد أن تطبيق قوانين نظرية الكم على أداة القياس قد يساعد على تفادي المفارقة الجوهرية لنظرية الكم.
تستحق أداة القياس هذا الاسم إذا كانت على صلة وثيقة ببقية العالم، إذا كان ثمة تفاعل بين الأداة والملاحظ، لذلك فإن اللايقين بالنسبة للسلوك الميكروسكوبي للعالم سيدخل إلى نسق الكم - النظري كما هو الحال أيضا في التفسير الأول، إذا كان سيتم عزل أداة القياس عن بقية العالم فلن يكون هناك أداة قياس ولا يمكن أن يكون ثمة وصف بمصطلحات الفيزياء الكلاسيكية البتة.
أكد بور - فيما يتعلق بهذا الموقف، أن الأكثر واقعية أن نقرر أن التقسيم إلى شيء وبقية العالم ليس تقسيما تعسفيا. بل إن موقفنا الواقعي في العمل البحثي داخل الفيزياء الذرية عادة ما يكون هكذا نحن ترغب في فهم ظاهرة محددة، كما فرغب في إدراك كيف أن هذه الظاهرة تنبع من القوانين العامة للطبيعة. لذلك فإن هذا الجزء من المادة أو الإشعاع الذي يشترك في الظاهرة، هو "الشيء" الطبيعي في المعالجة النظرية والذي ينبغي أن ينفصل، في هذا الصدد، عن الأدوات المستخدمة في دراسة الظاهرة. هذا يؤكد مرة أخرى على العامل الذاتي في وصف الوقائع الذرية، فلأن أداة القياس هي من تصميم الملاحظ وعلينا أن نتذكر أن مــا نلاحظه ليس هو الطبيعة ذاتها، وإنما الطبيعة التي تتكشف لمناهجنا الإستجوابية. يتكون عملنا العلمي في الفيزياء من طرح تساؤلات حول الطبيعة باللغة التي نملكها ونحاول الحصول على الإجابة من التجربة بالوسائل المتاحة لنا. تذكرنا نظرية الكم بهذه الطريقة التي وضعها ،بور بالحكمة القديمة وهي لا يجب على المرء الباحث عن التناغم في الحياة أن ينسى البتة أننا في خضم دراما الوجود تكون الممثلين والمتفرجين معا. ومن المفهوم بطبيعة الحال في علاقتنا العلمية بالطبيعة، أن لنشاطنا الخاص أهمية عندما نتعامل مع أجزاء الطبيعة، عندما يكون في مقدورنا اختراقها فقط باستخدام أكثر الأدوات إحكامًا.
الاكثر قراءة في ميكانيكا الكم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
