تأصيل التراث العمراني والمحافظة عليه بمكة المكرمة
المؤلف:
د. محمد دلف احمد الدليمي
المصدر:
تخطيط المدن والاستدامة الحضرية
الجزء والصفحة:
ص 214 ـ 215
2025-12-03
18
شهدت مكة المكرمة خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي حركة عمرانية مكثفة وسريعة، كان الباعث لها استيعاب الأعداد الهائلة من المسلمين التي تتوافد عليها خلال مواسم الحج والعمرة لتوفر أماكن إقامة وإنشاء المزيد من المرافق والخدمات اللازمة لهم ليؤدوا مناسكهم في يسر وسهولة، يضاف إلى ذلك الزيادة المضطردة في أعداد السكان من أهل البيت الحرام والمقيمين والوافدين إليها وما يتطلب ذلك من توفر المساكن والخدمات اللازمة، وعلى هذا فإن الوضع العمراني لمكة المكرمة يتحدد في إجراء أعمال توسعة وعمارة للمسجد الحرام وما ترتب عليه من أعمال إزالة لمناطق سكنية وأسواق قديمة ومرافق بما تحتويه من ملامح تراثية وتاريخية.
ان محاولة الحفاظ على التراث العمراني وتأصيله أخذت عدة توجهات:
1. تقليد الماضي والنقل الصريح لعمارته وتبسيط عناصره، وهي في الواقع نظره سطحية للتراث وغير واقعية.
2. تأصيل التراث العمراني من خلال التأصيل لروحه وفلسفته ، ولاشك أن ذلك يستلزم دراسة متعمقة ليس فقط لعناصر ومفردات وملامح الصورة الخارجية للمباني التقليدية القديمة، ولكن بصورة أكثر تركيزاً على المتطلبات الوظيفية والانسانية والاجتماعية التي تحددها قيم وتعاليم الإسلام الحنيف.
3. محاولة ترميم بعض المباني التقليدية القديمة والحفاظ عليها لتبقى شاهدة على عراقة الماضي وأصالته، وإن كان هذا الأمر محدوداً.
ويمكن هنا عرض بعض المشروعات المعمارية التي تعد أمثلة جيدة لتأصيل التراث العمراني بمكة المكرمة، ومن هذه المشروعات:
اولاً : مشروع شركة مكة للإنشاء والتعمير أن موقع المشروع كان يحتله مجموعة من المباني الكثيفة والمتهالكة والصغيرة المساحة ليس لبعضها ميزة تاريخية أو معمارية، ولذلك قامت الشركة وبالتعاون مع الملاك كمساهمين بإزالة هذه المباني المتداعية وإنشاء مجمع الأغراض على مساحة تقدر بنحو (13700م2)، وقد قام المصمم بمعالجة الواجهات المعمارية للمبنى مبتعداً عن أسلوب الطراز الدولي، واستخدم مفردات من الملامح التراثية لعمارة مكة المكرمة مثل الرواشين والفتحات الطولية والعقود، حيث جاء استخدام الرواشين بطريقة جيدة سواء من حيث علاقتها بالفراغ الداخلي أو الخارجي، كما التزم بتوفر الخصوصية للوحدات السكنية والفندق عن طريق إيجاد فراغ تم تنسيقه بالمسطحات الخضراء والنوافير ذات الطراز الإسلامي.
ثانياً : مشروع مبنى أمانة العاصمة: يعتبر من المباني الإدارية الهامة التي تعكس الإحساس بالطابع الإسلامي عامة بطريقة مطورة في الفكرة المعمارية والتشكيل العام والتفاصيل المختلفة، والمساحة المخصصة للمشروع صغيرة نسبياً وغير منتظمة الشكل وتحوي أركاناً صعبة الاستغلال ، وهي محاطة بمجموعة من المباني الإدارية الحكومية القديمة والجديدة.
يتكون المشروع من مبنى مجمع للإدارات المختلفة بالأمانة موزعة على ستة طوابق، فضلاً عن قاعة للمؤتمرات ملحقة بالمبنى الرئيسي ومواقف للسيارات تحت المبنى وخارجه وصمم المشروع بحيث تطل معظم عناصره على فناء داخلي كبير بارتفاع المبنى يستخدم كصالة رئيسية للانتظار وإقامة المعرض ونسق بنافورة مياه وبعض المزروعات كما هو الحال في المباني الإسلامية الكلاسيكية.

الاكثر قراءة في الجغرافية التاريخية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة