اسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة
المؤلف:
هاشم معروف الحسني
المصدر:
سيرة المصطفى "ص"
الجزء والصفحة:
ص561-564
2025-12-06
17
رجع النبي ( ص ) من عمرة القضاء كما يسميها المؤلفون في السيرة إلى مكة في شهر ذي الحجة كما ذكرنا ، وبانتهائه دخلت السنة الثامنة للهجرة فأقام بالمدينة بضعة اشهر اسلم خلالها عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة كما جاء في رواية ابن كثير في البداية والنهاية ، وكانوا من المناهضين للاسلام ومن أعدائه الألداء في جميع المراحل التي مر فيها وقد ذكرنا بعض مواقفهم في الفصول السابقة .
وجاء في بعض كتب السيرة عن اسلام خالد بن الوليد أنه قال : لما أراد اللّه بي ما أراد من الخير قذف في قلبي الاسلام وحضر لي رشدي ، وقلت قد شهدت هذه المواطن كلها مناوئا لمحمد ولا موطن من المواطن شهدته الا وانصرف وانا أرى في نفسي اني في غير شيء وان محمدا سيظهر ، فلما جاء لعمرة القضاء تغيبت ولم اشهد دخوله مكة ، وكان أخي الوليد بن الوليد معه فيمن دخل في الاسلام فطلبني فلم يجدني في مكة يوم ذاك ، فكتب إلي كتابا ، فإذا فيه :
بسم اللّه الرحمن الرحيم اما بعد ، فاني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الاسلام ، وعقلك عقلك ومثل الاسلام لا يجهله أحد ، وقد سألني رسول اللّه عنك فقلت يأتي به اللّه فاستدرك ما فاتك من مواطن صالحة . فلما جاءني الكتاب زادني رغبة في الاسلام ، ورأيت في منامي كأني في بلاد ضيقة مجدبة فخرجت منها إلى بلاد خضراء واسعة ، فلما عزمت على الخروج إلى المدينة لقيت صفوان بن أميّة فقلت له يا أبا وهب : أما ترى ان محمدا ظهر على العرب والعجم فلو قدمنا عليه واتبعناه فإن شرفه شرف لنا ، فقال لو لم يبق من العرب غيري ما اتبعته أبدا ، فقلت في نفسي هذا رجل قتل أبوه واخوه ببدر ، فلقيت عكرمة بن أبي جهل وقلت له مثل ما قلت لصفوان ، فأجابني بمثل جوابه ، فقلت له اكتم علي ما قلت لك .
ثم لقيت عثمان بن طلحة الجمحي وكان قد قتل أبوه وعمه وإخوته في أحد فترددت في الحديث معه ، ولكني أخبرته أخيرا برأيي فأسرع إلى إجابتي ، ووعدني ان سبقني انتظرني في مكان عينه لي وإن سبقته انتظرته وخرجنا ليلا من مكة باتجاه المدينة فنزلنا محلا مع طلوع الفجر فوجدنا عمرو بن العاص فيه ، فقال مرحبا بالقوم : اين مسيركم فأخبرناه بما عزمنا عليه ، فقال وانا في هذا الطريق ثم اتفقنا في طريق واحدة حتى أتينا المدينة فأقبلنا على رسول اللّه ( ص ) والمسلمون حوله .
وجاء في البداية والنهاية ان أول من تقدم وبايع رسول اللّه خالد بن الوليد وتقدم عثمان بن طلحة فبايع أيضا ، ثم تقدم بعدهما عمرو بن العاص فجلس بين يديه ينظر ببصره الأرض حياء من رسول اللّه ، وطلب من النبي ان يغفر له ما تقدم من ذنوبه ، فقال له : ان الاسلام يجب ما قبله ثم بايع رسول اللّه ( ص ) .
وجاء في اسلام ابن العاص انه بعد صلح الحديبية قد تصور ان محمدا سيدخل مكة في العام القادم ولا يستطيع ان يتصوره فيها ورأى من الخير له ولجماعة من قومه ان يخرجوا من الحجاز إلى الحبشة حتى لا يدخل محمد مكة وهم في تلك البلاد فخرج مع جماعة من قومه وحملوا الهدايا إلى النجاشي فاستقبلهم ورحب بهم ، وخلال اقامتهم عنده جاءه وفد رسول اللّه عمرو بن أميّة الضمري يحمل كتابه إليه ، فطلب من النجاشي ان يسلمه رسول محمد ليقتله فأنكر عليه النجاشي ذلك واخبره ان محمدا يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي عيسى بن مريم وحثه على الدخول في الاسلام ، وأخيرا بايع له واسلم بواسطة النجاشي ، وخرج من الحبشة متجها إلى الرسول في المدينة حتى جمعه الطريق بخالد وعثمان بن طلحة في حديث طويل ذكره المؤلفون في سيرة النبي يكاد يشبه الأساطير ، رواه الواقدي عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن عمرو بن العاص[1].
والمتتبع لتاريخ ابن العاص منذ ان بعث النبي حتى دخوله في الاسلام إلى آخر نفس من حياته يخرج جازما بأنه لم يدخل في الاسلام عن قناعة وإيمان برسالة محمد بن عبد اللّه والذي دفعه إلى اتخاذ هذا الموقف من الاسلام انه قد أدرك بعد تلك الانتصارات التي حققها الرسول على العرب واليهود في شبه الجزيرة العربية انه لم يعد بإمكان قريش وغيرها من العرب ان يقفوا في طريقه ، وأيقن ان محمدا بعد ان دخل مكة معتمرا على كره من قريش سيدخلها فاتحا ان عاجلا أو آجلا ، وعندما تسقط مكة لا يبقى في الحجاز بأسرها من يستطيع الوقوف على قدميه في وجه الزحف الاسلامي الذي سوف لا يقف عند حدود الجزيرة وما ذا يكون مصيره وأمثاله من الأعداء الألداء الذين قادوا جميع التحركات المعادية للاسلام . لقد أيقن ان لا بديل له يحميه من محمد وأصحابه فيما لو استمر على ما هو عليه غير اقراره لمحمد بالنبوة ولو بلسانه فبادر إلى ذلك قبل فوات الاوان ، ووسعه عفو محمد ( ص ) الذي وسع بعد اشهر قليلات من اسلامه أبا سفيان وزوجته هندا التي مثلت بعمه الحمزة أسد اللّه وأسد الاسلام وأكلت من كبده ثم حملتها معها إلى مكة لتتشفى بالنظر إليها كلما تذكرت ما جر على أبيها وأخيها وعمها يوم بدر كما روى ذلك جماعة من الأخباريين .
[1] عبد الحميد بن جعفر روى عن جماعة منهم الزهري وغيره وضعفه جماعة من المحدثين منهم سفيان الثوري ويحيى بن سعيد ، وعده النسائي مع الضعفاء ، ووثقه جماعة كما جاء في تهذيب التهذيب ، ويكفي هذه القصة عيبا انها تنتهي في سندها إلى ابن العاص الذي بقي بعد ان اظهر الاسلام منحرفا عن الحق يعمل لمصلحة معاوية وغيره من المنحرفين عن الاسلام .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة