مسجد ضرار
المؤلف:
هاشم معروف الحسني
المصدر:
سيرة المصطفى "ص"
الجزء والصفحة:
ص637-640
2025-12-09
31
وجاء في مجمع البيان وغيره ان بني عمرو بن عوف قد بنوا مسجد قباء وطلبوا من النبي ان يصلي فيه فجاءهم النبي ( ص ) وصلى فيه وأصبح المسجد مركزا للاجتماع والنظر فيما يعود على المسلمين بالخير ، فحسدهم جماعة من المنافقين من بني غنم بن عوف كما ذكرنا وعزموا على أن يبنوا مسجدا في مقابله كي لا يحضروا مع جماعة المسلمين الذين أخلصوا في اسلامهم وكانوا اثني عشر رجلا وقيل أكثر من ذلك ، فلما أتموا بناءه جاءوا إلى رسول اللّه وكان يتجهز إلى تبوك كما جاء في بعض كتب التفسير والسيرة فقالوا يا رسول ار لقد بنينا مسجدا لذوي العلة والحاجة والليلة الممطرة وانا نحب ان تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة ، فقال لهم اني على جناح سفر فإذا رجعنا نصلي فيه ان شاء اللّه ، فلما رجع النبي من تبوك وأراد ان يصلي فيه نزلت الآيات من سورة التوبة بشأنه :
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ( التوبة 107 ) .
لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ، فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ( التوبة 108 ) .
أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .
وكان أحد المنافقين وهو أبو عامر الراهب قد امرهم ببناء هذا المسجد ، وقد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح ، فلما دخل النبي المدينة كان يشاغب عليه ، وبعد أن فتح النبي مكة التجأ أبو عامر إلى الطائف ، ولما أسلم أهل الطائف التحق ببلاد الشام وتنصر ، وقد أرسل إلى المنافقين ان يتموا بناء المسجد ويجدوا في امرهم ووعدهم بأنه سيذهب إلى قيصر ويحرضه على إرسال جيش قوي إلى المدينة للقضاء على محمد ومن معه من المسلمين ، فكان المنافقون يتوقعون ذلك ، ولكنه هلك قبل ان يتصل بملك الروم وأراح اللّه العباد والبلاد منه .
ولما نزل الوحي على النبي وقص عليه حديث هذا المسجد امر النبي ( ص ) بهدمه وإحراقه وأمرهم ان يتخذوا محله مكانا للأوساخ والنفايات .
وجاء في رواية الكافي عن أبي عبد اللّه الصادق ( ع ) ان الحلبي سأله عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال هو مسجد قباء الذي بناه بنو عوف ويقع في جنوب المدينة على ميلين منها .
وقيل إن المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم هو مسجد رسول اللّه ( ص ) الذي شرع في بنائه حين دخوله المدينة واشترك في العمل به مع وجوه الأنصار والمهاجرين .
فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ .
ان هذا المسجد الذي أسس من أول يوم قد أسس للّه ولخير الناس وللعبادة ، لا للفساد والنفاق والتآمر على المسلمين كمسجد هؤلاء المتظاهرين بالاسلام الذين أرادوا ان يتخذوا المسجد قاعدة ينطلقون منها إلى التخريب والإساءة إلى الاسلام والمسلمين .
ومجمل القول إن المساجد التي تبنى اليوم وقبل اليوم لأغراض لا تمت إلى الدين بصلة من الصلات لا فرق بينها وبين المسجد الذي بني في مطلع فجر الإسلام للاضرار بالمسلمين والتفرقة بينهم والدس على الاسلام ، وقد امر النبي بهدمه وإحراقه .
ولم يكن موقف النبي من مسجد ضرار الذي تحدث عنه القرآن الا كتخطيط إسلامي للأهداف التي يجب ان تبنى لأجلها المساجد وغيرها من المشاريع العامة التي توجد في كل زمان ، هذه المساجد والمشاريع يجب أن تكون للّه لا للشيطان وللخير لا للشر ، ولتأليف الناس وجمعهم على الحق والهدى ، لا للبغضاء والنفاق والمظاهر الفارغة التي لا تخدم الدين والانسانية .
والذين يتظاهرون بالدين ويتاجرون بالمشاريع أو بناء الجوامع لأغراض تخدم أعداء الدين ويتخذون منها منطلقا للمؤامرة على الاسلام والمسلمين هؤلاء أضر وشر من أبي عامر الراهب ، وإذا وجدوا من يناصرهم من الأبرياء أو ممن يلتقون معهم في الهدف والغاية كما وجد أبو عامر الراهب من منافقي المدينة واليهود من ناصره فسوف ينكشفون على واقعهم ان عاجلا أم آجلا ولا يجدون من اللّه سبحانه إلا جزاء ما كسبت أيديهم وانطوت عليه ضمائرهم ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة