الإعلام العسكري في ظل الحرب الباردة
المؤلف:
الدكتور بطرس خالد
المصدر:
الإعلام والحرب النفسية
الجزء والصفحة:
ص 173- 175
2025-12-09
37
الإعلام العسكري في ظل الحرب الباردة:
واستمر الإعلام العسكري في فترة الحرب الباردة ما بين انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 إلى سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991 بالتطور والصعود مستفيداً من انتشار الاتصالات الحديثة وأجهزة الحاسب الآلي وشبكة الإنترنت وأجهزة الاستقبال بالأقمار الصناعية، حيث تنوعت استخداماته حسب ظروف تلك الفترة التي كان الإعلام إحدى الوسائل المهمة في حرب غير عسكرية استخدمت فيها العمليات السرية والمعلنة والأكاذيب والأخبار المغلوطة وتشويهه وتزييف الحقائق بطرق غير مسبوقة نتيجة اعتراف القطبين حينها الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو من جهة والولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي من جهة أخرى، بصعوبة تحقيق الحسم العسكري في الصراعات القائمة وفرض الإرادات نتيجة ظهور أسلحة متطورة تحد من قدرة أحد الطرفين على الانتصار وصعوبة الحسم العسكري رغم التفوق التقني، حيث أدى الوصول إلى تلك القناعات إلى ازدهار بما يعرف بمصطلح الحرب النفسية التي أصبحت تحتل حيزاً كبيراً بين الأسلحة المستخدمة في النظام العالمي الجديد، بحيث أصبحت مقومات الحرب النفسية أكثر شمولاً.
ويمثل الإعلام العسكري أحد الروافد المهمة في التشكيلات العسكرية، حيث تقوم كافة الوحدات العسكرية بوضع هيكل متكامل لكافة الأقسام التي تشكل وسائل الإعلام العسكري المقروءة منها أو المرئية أو المسموعة، كما تقوم بوضع السياسات الإعلامية التي تطلبها القيادات العسكرية ضمن إستراتيجية وأهداف الدولة المقررة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن العمل الإعلامي في المجال العسكري يحتاج إلى حذر شديد في التعامل مع المعلومات العسكرية لتفادي التأثير في الأمن الوطني، مما يتطلب الكثير من التوازن والالتزام في نقل المعلومات العسكرية للوصول إلى الغاية والأهداف من دون التفريط بالأمن العسكري.
ويبرز دور الإعلام العسكري على المستويات المختلفة للتوعية بمصادر التهديد والتوعية بالدعاية النفسية المعادية، والتي لابد أن تتأسس على نهج علمي سليم، وباستخدام كافة الإمكانيات، ذلك أن إدارة الصراع، وبمقدار ما يتحقق من توجيه حملات نفسية ضد الخصم، معظمها يأتي عن طريق الإعلام، إلا أن الخصم له أيضاً آلياته في مجال الصراع نفسه لتوجيه رسائل مضادة، قد تصيب بأضرار ويجب الوقاية منها عن طريق اتخاذ العديد من الإجراءات المضادة، ومن أهمها:
1- إقامة حزام إعلامي أمني حول المواطن من أجل التصدي للفكر السياسي الدعائي المعادي، الذي يحاول اختراق الأمن النفسي، والتأثير على معنويات الشعب والقوات المسلحة، وذلك من خلال بث الدعاية النفسية غير المباشرة، التي توجه في الخفاء أو العلن، ويكون من أهدافها:
أ. تضليل المواطنين بدعاوي ظاهرها السماحة والبراءة والدعوة إلى القيم النبيلة، ولكنها في الواقع تضم في باطنها سموم الخداع والتضليل من أجل تفتيت وحدة المجتمع.
ب. تنفيذ عمليات الدعاية (عامة ومتخصصة) التي تشنها وسائل الإعلام المعادية بهدف النيل من الروح المعنوية للشعب وقواته المسلحة، وإضعاف مقاومته، وذلك من خلال نشر وإذاعة الدعايات المليئة بالأكاذيب وإطلاق الشائعات.
ج. محاولة الحصول على المعلومات بالسعي نحو استدراج بعض العناصر الوطنية، من خلال إشراكها في برامج تُبث عبر التليفزيون أو الإذاعة، والحصول منها على معلومات من خلال استخدام وسائل الإثارة، أو تشجيع المتحدث على الإدلاء بمعلومات سرية.
2- المتابعة المستمرة لوسائل الإعلام المعادية الموجهة ضد الدولة، لتحليل وعرض ما جاء بها على الرأي العام الوطني، وتعريفه بالحقائق، ونقد المعلومات التي يبثها العدو بصورة علمية.
3- إذاعة حقائق الموقف، من خلال وسائل الإعلام الوطنية، بحيث يثق الشعب في صدقيتها، ويرتبط بها، وينبذ القنوات الأخرى التي يستشعر أنها موجهة للتأثير عليه سلباً.
4- العمل على تنمية الوعي الأمني لدى المواطنين لمواجهة طرق العملاء وأساليبهم، مع عدم الخوض كثيراً في نشر الأنشطة العسكرية، أو التبرع بالإدلاء بمعلومات سرية تكون لدى المسؤولين من مواقع الوظائف التي يزاولونها.
5- تنفيذ خطة خداع استراتيجي متكاملة على مستوى الدولة، وباشتراك الوزارات والهيئات المعنية، وبما يحقق تأثيراً وإرباكاً لخطط العدو في الإعلام النفسي.
6- إجراء قياسات دورية لكافة المستويات لتبيان مدى التأثير النفسي لحملات العدو المعنوية، ومدى ارتباط الشعب بوسائل إعلامه، وما الصورة التي رسخت في وجدان المتلقين (مدنيين وعسكريين)، والعمل على تطوير الخطط الإعلامية النفسية (السالبة والموجبة)، وبما يحقق تلاحم الجماهير والنظام والقوات المسلحة.
ولا شك أن ثورة الاتصالات والمعلومات، التي أصبحت تخترق الجدران وتبحث عن الحقائق وتنقل الأحداث بوقائعها المجردة، وتصل آثارها إلى ملايين المواطنين، وخاصة الأجيال الجديدة ستحدث تغييرات هائلة في خلق وعي جديد، ويظل الصراع الحقيقي هو صراع الأفكار والقيم الإنسانية العادلة، والفائز فيه عبر وسائل الإعلام الحديثة هو الفائز في عدة ميادين أخرى، فنوع الوعي، ونوع الفكر الذي يسود أمة من الأمم بأبعاد إيجابية وشاملة، هو الذي يصنع التحول الأساسي نحو النهضة.
الاكثر قراءة في الدعاية والحرب النفسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة