1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

تأملات قرآنية

مصطلحات قرآنية

هل تعلم

علوم القرآن

أسباب النزول

التفسير والمفسرون

التفسير

مفهوم التفسير

التفسير الموضوعي

التأويل

مناهج التفسير

منهج تفسير القرآن بالقرآن

منهج التفسير الفقهي

منهج التفسير الأثري أو الروائي

منهج التفسير الإجتهادي

منهج التفسير الأدبي

منهج التفسير اللغوي

منهج التفسير العرفاني

منهج التفسير بالرأي

منهج التفسير العلمي

مواضيع عامة في المناهج

التفاسير وتراجم مفسريها

التفاسير

تراجم المفسرين

القراء والقراءات

القرآء

رأي المفسرين في القراءات

تحليل النص القرآني

أحكام التلاوة

تاريخ القرآن

جمع وتدوين القرآن

التحريف ونفيه عن القرآن

نزول القرآن

الناسخ والمنسوخ

المحكم والمتشابه

المكي والمدني

الأمثال في القرآن

فضائل السور

مواضيع عامة في علوم القرآن

فضائل اهل البيت القرآنية

الشفاء في القرآن

رسم وحركات القرآن

القسم في القرآن

اشباه ونظائر

آداب قراءة القرآن

الإعجاز القرآني

الوحي القرآني

الصرفة وموضوعاتها

الإعجاز الغيبي

الإعجاز العلمي والطبيعي

الإعجاز البلاغي والبياني

الإعجاز العددي

مواضيع إعجازية عامة

قصص قرآنية

قصص الأنبياء

قصة النبي ابراهيم وقومه

قصة النبي إدريس وقومه

قصة النبي اسماعيل

قصة النبي ذو الكفل

قصة النبي لوط وقومه

قصة النبي موسى وهارون وقومهم

قصة النبي داوود وقومه

قصة النبي زكريا وابنه يحيى

قصة النبي شعيب وقومه

قصة النبي سليمان وقومه

قصة النبي صالح وقومه

قصة النبي نوح وقومه

قصة النبي هود وقومه

قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف

قصة النبي يونس وقومه

قصة النبي إلياس واليسع

قصة ذي القرنين وقصص أخرى

قصة نبي الله آدم

قصة نبي الله عيسى وقومه

قصة النبي أيوب وقومه

قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله

سيرة النبي والائمة

سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام

سيرة الامام علي ـ عليه السلام

سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله

مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة

حضارات

مقالات عامة من التاريخ الإسلامي

العصر الجاهلي قبل الإسلام

اليهود

مواضيع عامة في القصص القرآنية

العقائد في القرآن

أصول

التوحيد

النبوة

العدل

الامامة

المعاد

سؤال وجواب

شبهات وردود

فرق واديان ومذاهب

الشفاعة والتوسل

مقالات عقائدية عامة

قضايا أخلاقية في القرآن الكريم

قضايا إجتماعية في القرآن الكريم

مقالات قرآنية

التفسير الجامع

حرف الألف

سورة آل عمران

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة إبراهيم

سورة الإسراء

سورة الأنبياء

سورة الأحزاب

سورة الأحقاف

سورة الإنسان

سورة الانفطار

سورة الإنشقاق

سورة الأعلى

سورة الإخلاص

حرف الباء

سورة البقرة

سورة البروج

سورة البلد

سورة البينة

حرف التاء

سورة التوبة

سورة التغابن

سورة التحريم

سورة التكوير

سورة التين

سورة التكاثر

حرف الجيم

سورة الجاثية

سورة الجمعة

سورة الجن

حرف الحاء

سورة الحجر

سورة الحج

سورة الحديد

سورة الحشر

سورة الحاقة

الحجرات

حرف الدال

سورة الدخان

حرف الذال

سورة الذاريات

حرف الراء

سورة الرعد

سورة الروم

سورة الرحمن

حرف الزاي

سورة الزمر

سورة الزخرف

سورة الزلزلة

حرف السين

سورة السجدة

سورة سبأ

حرف الشين

سورة الشعراء

سورة الشورى

سورة الشمس

سورة الشرح

حرف الصاد

سورة الصافات

سورة ص

سورة الصف

حرف الضاد

سورة الضحى

حرف الطاء

سورة طه

سورة الطور

سورة الطلاق

سورة الطارق

حرف العين

سورة العنكبوت

سورة عبس

سورة العلق

سورة العاديات

سورة العصر

حرف الغين

سورة غافر

سورة الغاشية

حرف الفاء

سورة الفاتحة

سورة الفرقان

سورة فاطر

سورة فصلت

سورة الفتح

سورة الفجر

سورة الفيل

سورة الفلق

حرف القاف

سورة القصص

سورة ق

سورة القمر

سورة القلم

سورة القيامة

سورة القدر

سورة القارعة

سورة قريش

حرف الكاف

سورة الكهف

سورة الكوثر

سورة الكافرون

حرف اللام

سورة لقمان

سورة الليل

حرف الميم

سورة المائدة

سورة مريم

سورة المؤمنين

سورة محمد

سورة المجادلة

سورة الممتحنة

سورة المنافقين

سورة المُلك

سورة المعارج

سورة المزمل

سورة المدثر

سورة المرسلات

سورة المطففين

سورة الماعون

سورة المسد

حرف النون

سورة النساء

سورة النحل

سورة النور

سورة النمل

سورة النجم

سورة نوح

سورة النبأ

سورة النازعات

سورة النصر

سورة الناس

حرف الهاء

سورة هود

سورة الهمزة

حرف الواو

سورة الواقعة

حرف الياء

سورة يونس

سورة يوسف

سورة يس

آيات الأحكام

العبادات

المعاملات

القرآن الكريم وعلومه : علوم القرآن : التفسير والمفسرون : مناهج التفسير : منهج التفسير العرفاني :

منهج تفسير صدر المتألهين عرفاني

المؤلف:  محمد علي أسدي نسب

المصدر:  المناهج التفسيرية عند الشيعة والسنة

الجزء والصفحة:  ص 435-451.

16-10-2014

9652

حياة المؤلف : المؤلف يسمى نفسه تارة محمد ، المعروف بـ : صدر الدين بن إبراهيم القوامي ، وتارة أخرى بـ : محمد المشتهر بصدر الدين بن إبراهيم الشيرازي مولداً والقمي مسكناً ، كما يسمى نفسه مرة أخرى بـ : محمد بن ابراهيم بن يحيى المشهور بصدر الشيرازي ، وعلى كل حال ، هو معروف بعدة أسماء منها : الملا صدرى ، ومنها : صدر المتألهين ، كما كتب على تفسيره : صدر المتألهين محمد بن ابراهيم صدر الدين الشيرازي .

ولد في مدينة شيراز مركز محافظة فارس في ايران سنة 979هـ ، على ما جاء في تعليقة له على رسالته المسماة بالمشاعر ، فإنه يقول : تاريخ هذه الإفاضة كان ضحوة يوم الجمعة سابع جمادى الأولى لعام سبع وثلاثين بعد الألف من الهجرة ، وقد مضى من  عمر المؤلف ثمان وخمسون سنة قمرية (1) ، فإذا أنقصنا رقم 58 من رقم 1037 ، يكون مولده سنة 979هـ ، وجاء في مقدمة تفسيره : جاء في التراجم أنه توفي رحمه الله سنة 1050 هـ ، فكان عمره حين الوفاة 71 سنة ، فتوفي في البصرة وهو متوجه للحج .

وقال السيد أبو الحسن القزويني : سألت أحد شيوخ العرب – كان ساكناً في النجف وسافر الى البصرة مراراُ – سألته قبل أربعين سنة عن قبر صاحب الترجمة ، فأجابني : " إن في البصرة قبراً مشهوراً بأنه قبر مولى صدرا الشيرازي " ، ولكن فتش عن هذا القبر أخيراً بعض من ذهب الى البصرة ، فلم يعثر عليه ، ولعل الأثر ضاع طيلة هذه المدة (2).

رحلاته : ذكرنا أنه ولد في مدينة شيراز ، وسكن هناك الى وقت شبابه ، ثم سافر الى مدينة إصفهان ، وتلمذ عند الاستاذين العظيمين : الشيخ البهائي والسيد الداماد ، ثم ذهب الى قرية كهك قرب قم ، وعكف هناك مدة للعبادة والرياضة والتفكر في المبدأ والمعاد ، ثم رجع الى شيراز واشتل فيها بالتدريس والتأليف الى نهاية حياته الى كانت في زمان وصوله الى مدينة البصرة في العراق ، قاصداً زيارة بيت الله المبارك .

الأدوار الفكرية : كما جاء في مقدمة تفسيره ، يمكن تقسيم حياته العلمية وأدواره الفكرية الى ثلاث مراحل معينه متميزة ، وهي :

أـ مرحلة الدراسة : في هذه المرحلة ، درس في مدينة شيراز ، وسافر الى اصفهان ، ودرس عند الأساتذة الكبار المعروفين آنذاك في البلاد ، خصوصاً العلمين الشريفين الشيخ البهائي والسيد الداماد ، وفي هذه الدورة درس العلوم الرسمية مع الفلسفة ، ككثير العلماء .

ب ـ مرحلة الاعتزال والخلوة :  بدأت دورة الاعتزال والخلوة في قرية كهك ، في هذه الدورة يتذكر ما مضى من عمره وينشد :

قد صرفت العمر في بحث العلوم             لم يفدنا بحثنا غير الهموم
كل عمر ضاع في غير الحبيب               لم يكن فيه سوى الحسرة نصيب

أيها الساقي أدر كأساً بنا                       ينجبر ما فات من أوقاتنا

وهذه الدورة كانت خالية من التدريس والتأليف ، إلا أن بعض الخواص من التلاميذ كالفيض الكاشاني وغيره استفادوا منه ، واستمرت هذه الدورة الى سفره الى شيراز .

ج ـ مرحلة التدريس والتأليف : بدأت هذه الدروة بعد وصوله الى شيراز ، واستمرت الى آخر حياته الشريفة ، فأكثر ما ألفه كان في هذه المرحلة من عمره (3).
التعريف العام بالتفسير
تفسير القرآن الكريم ، لصدر المتألهين ، يشتمل على تفسير بعض القرآن ، فلا يشمل جميع الآيات ، وقد طبع في سبعة مجلدات على النحو التالي :

الأول : يشمل على تفسير سورة الفاتحة والبقرة الى الآية 16 في 552 صفحة .

الثاني : يشمل على بقية سورة البقرة الى الآية 33 من نفس السورة في 448 صفحة .

الثالث : يشتمل على تفسير آيات البقرة من الآية 34 الى الآية 65 من البقرة في 568 صفحة .

الرابع : يشتمل على تفسير آية الكرسي : 255 و 256 و 257 من البقرة في 462 صفحة .

الخامس : تفسير سورة يس الى آخرها في 576 صفحة .

السادس : تفسير سورة السجدة والحديد الى آخرها في 414 صفحة .

السابع : تفسير سور الواقعة والجمعة والطارق والأعلى والزلزال ، في 512 صفحة .

وهذا التفسير ، يسمى تفسيراً عرفانياً فلسفياً ، اعتنى بالظاهر كما اعتنى بالباطن ، واستفاد من المصادر التفسيرية المشهورة ، كما استفاد من اهل الكشف والشهود ، خصوصاً ابن عربي والقيصري ؛ فإن لابن عربي منزلة رفيعة عند صدر المتألهين ، ولا يرى تلك المنزلة لشخص آخر .

أسلوبه : أسلوب تفسير صدر المتألهين يتشكل من قسمين ظاهري وعرفاني :

ففي القسم الأول : يتمشى مع المفسرين الكبار ويحذو حذوهم في الغالب ، فهو يذكر الآية أولاً ، ويبحث عن مجموعة من العلوم العربية غالباً ، مثل : القراءات ، اللغة ، النحو ، الفصاحة والبلاغة ، ثم يذكر تفسيراً ظاهرياً طبقاً للقواعد الموجودة في الأصول والتفسير ، وغالباً ينقل كلمات القوم في هذه المرحلة .

وفي القسم الثاني : يظهر صدر المتألهين بسمة فيلسوف عميق وعارف كبير ، فيفسر القرآن العظيم على المنهج العرفاني القويم ، مع التأييد بالبرهان من العقل والقرآن الكريم . يقول : وذكرت فيها لب التفاسير المذكورة في معانيها ، ولخصت كلام المفسرين الناظرين في مبانيها ، ثم أتبعتها لطيفة الحال والمقام ، وأردفتها بفوائد شريفة يفضيها المفضل المنعام (4).

صدر المتألهين ونظرة الآخرين له :

قال الاستاذ محمد رضا المظفر في مقدمة الأسفار : يلذ لي الحديث كثيراً عن المولى (صدر الدين محمد بن ابراهيم الشيرازي القوامي ) .... وأنا أحد المعجبين بعقله ، وسمو نفسه ، وقوة عارضته ، وحرية تفكيره ، وحسن بيانه ، ونضج أفكاره ، وصراحته في الإعلان عن آرائه ، مع ما لاقى من عنت وتفكير ، وكل ذلك استشعرته من كتبه ورسائله ، قبل أن أفهمه من حديث الناس المترجمين له ...

والحق : أن صاحبنا من عظماء الفلاسفة الإلهيين ، الذين لا يجود بهم الزمن إلا في فترات متباعدة من القرون ، وهو – بعد – المدرس الأول لمدرسة الفلسفة الإلهية في هذه القرون الثلاثة الأخيرة في البلاد الإسلامية الإمامية ، والوارث الأخير للفلسفة اليونانية والإسلامية ، والشارع لهما ، والكاشف عن أسرارهما ... وكل من جاء بعده من الفلاسفة في هذه البلاد فإن فخر المجلي منهم أن يقال عنه : إنه يفهم اسرار كلامه أو إنه تلميذه ولو بواسطة ، ومن الطريف حقاً أن نجد اساتذة فن المعقول – كما يسمونه – يفتخرون باتصالهم به في سلسلة التلميذة ، حتى أن بعضهم يبالغ في حفظ اسماء أشخاص هذه السلسلة ، كالعناية بسلسلة رواة الحديث ، وأكثر من ذلك أن شيخنا وأستاذنا العظيم المحقق الحجة الشيخ محمد حسين الإصفهاني ، سمعت عنه أنه كان يقول : لو أعلم أحداً يفهم كتاب الأسفار ، لشددت إليه الرحال للتلمذة عليه ، وإن كان في أقصى الديار ، وكأن أستاذنا قدس الله نفسه الزكية يريد أن يفتخر بأنه وحده بلغ درجة فهم أسراره ، أو أنه بلغ درجة من المعرفة أدرك فيها عجزه عن اكتناه مقاصد العالية ، وأزيدك أني من المؤمنين بأن صاحبنا صدر المتألهين أحد الأقطاب في الدورة الإسلامية ، هو والمعلم الثاني أبو نصر الفارابي المتوفى حدود 340هـ والشيخ الرئيس ابن سينا 373-427هـ ، والمحقق نصير الدين الطوسي 597-672هـ ، هؤلاء هم الرعيل الأول وهم الأصول للفلسفة ، وصاحبنا خاتمتهم ، والشارح لآرائهم ، والمروج لطريقتهم ، والاستاذ الأكبر لفنهم ، ولولا خوف المغالاة لقلت : هو الأول في الرتبة العلمية ، لا سيما في المكاشفة والعرفان ..

وهذه المدرسة أخرى له في المعرفة ، وهي : التوفيق بين الشرع الإسلامي وبين الفلسفة اليقينية ، على هذا لم يفتأ يستشهد على كل مسألة حكمية عويصة بالآيات القرآنية والآثار الإسلامية ، وهو بارع حقاً في تطبيق ما يستشهد به على فلسفته ، والحق : أنه في هذه المدرسة مؤسس مجدد أيضاً ، لم نعرف له نظيراً فيها ، وحاشا أن تكون استشهاداته بالأدلة السمعية – كما يسميها – رياءً لغرض دفع عادية المتهمين له بالخروج على الشرع ، بل هو دائماً يتبجح بأنه لا يرى أحداً يفهم أسرار القرآن الكريم والسنة المطهرة كما يفهمها هو ، ويبالغ في التوفيق بين فلسفته والدين ، مبالغة تجعله أبعد ما يكون عن الرياء والدجل ، حتى يكاد أن يجعل كتبه الفلسفية تفسيراً للدين ، وكتبه الدينية كتفسير القرآن وشرح الكافي تفسيراً للفلسفة ، ولذا نقول : إن كتبه في التفسير وشرح الحديث هي امتداد لفلسفته ... ولهذا الفكرة العميقة جزآن أو طرفان :

الطرف الأول : تأييد العقل للشرع ، ووضع فيها كتبه الفلسفية ، ويستهدف بها تأييد ما جاء في الشرع الإسلامي بالفلسفة .

الطرف الثاني : تأييد الشرع للعقل ، ووضع فيها كتبه الدينية ، ويستهدف بها تأييد ما جاء في فلسفته بالشرع ، فحق ان نعد كتبه الفلسفية كتباً دينية أي : كلامية ، وتعد كتبه الدينية كتباً فلسفية ... وهذا معنى ما قلناه آنفاً : إن كتبه الدينية كانت امتداداً لفلسفته حتى كتبه في التفسير (5).

وقال السيد جلال الدين الآشتياني :  إن واحداً من هذه الجهابذة ، وأعظم فلاسفة الإسلام ، ونابغة الشرق ، الفيلسوف الكبير الفارسي صدر المتألهين الشيرازي (979-1050) الذي فاق في العلوم الإلهية ، وله مقام رفيع في فلسفة ما وراء الطبيعة ، وآراؤه ونظرياته الفلسفية تكون مورداً لتوجه المحققين ،وكان المرجو من فضلاء وطننا العزيز وعظمائه أن يمعنوا النظر في أفكار هذا الرجل العظيم وعقائده ؛ أداءً لحق هذا المفكر العظيم ، ولكن مع الأسف ، فإنه في الوقت الحاضر تبحث أفكار صدر المتألهين في إيران خاصة ، وعلماء الغرب لا يعلمون شيئاً من آرائه وعقائده ، ويحصرون الفلسفة الإسلامية في آراء الشيخ الرئيس ، وهم غافلون عن ترقيات فلسفة ما وراء الطبيعة في أدوار مختلفة ، إن صدر الدين مع كونه حكيماً راسخاً متضلعاً في العلوم ، يعد ايضاً من أعاظم العرفاء في الأدوار الإسلامية ، وفلسفته مع أنها نتيجة السير التكاملي للفلسفة في القرون الأخيرة ، إلا أنها لاختلاطها وامتزاجها بالآراء الفلسفية وعقائد أهل الكشف والعرفان ، زادت قدراً ، حتى أن المتون الموروثة من حكماء اليونان ، وإن كانت أفضل المتون الفلسفية ، إلا أنها صارت أمام فلسفته كالشيء البالي لا يعتنى به ، وأصالة هذه المدرسة كانت سبباً لأن يجذب شعاعها أفكار علماء الغرب ، وأن تنسخ كتبه الفلسفية كتب القوم الذين كتبوا قبله في الفلسفة الإلهية (6).

منهجه الفلسفي والعرفاني : الحكيم المتأله صدر الدين الشيرازي ، من جهة غوره في كتب الفلسفة (أعم من الإشراقية والمشائية ) ، وتمرسه في علوم أهل الكشف ، وإحاطته بالمأثورات الواردة من طريق الشرع ، والسير الكامل في افكار الأفلاطونيين الجدد والقدماء ، واطلاعه الكافي على جميع المشارب والأفكار ، أسس طريقته التي رجحت على جميع المشارب والمآرب الفلسفية (وأفكار الشيخ الرئيس العميقة ، وسائر أتباع المشاء ، وآراء الأفلاطونيين ، وتحقيقات العرفاء ، وأفكار حكماء الإشراق والرواق قد هضمت في كتبه التحقيقية ) وأحاطتها سعة فكرة وجودة تحقيقه كل الإحاطة ، قال في مقدمة الشواهد : قد اطلعت على مشاهد شريفة ، قلما تيسر لأحد الوقوف عليها ، إلا أوحدي من أفاضل الحكماء ، أو صوفي صفي القلب من أماجد العرفاء .

وقد بنى صدر الدين فلسفته على هذا الأساس الذي ذكرناه ، فلهذا كانت فلسفته جامعة لمجموع من طريقة المشاء والإشراق والرواق ومسلك العرفاء الإسلاميين ، ومأخذ أفكاره العرفانية كسائر الكمل من أهل التحقيق في الكتاب والسنة ،  ومع هذا الفرق ، فإن صدر الدين استفاد من الأفكار والحقائق الواردة من طريق أهل بيت العصمة والائمة الطاهرين بنحوٍ أعلى وأوفر ، وشرحه لأصول الكافي الذي الفه شيخنا الكليني ، وتفسيره للقرآن المجيد ، أصدق شاهد على ما قلناه .

قال في مقدمة كتابه المسمى (متشابه القرآن) : هذه لمعة من لوامع علوم المكاشفة في فهم متشابهات القرآن ، وشرحناه في بعض مواضع من تفسيرنا الكبير الجامع لأكثر ما في التفاسير ، المميز عنها بعلوم الأنوار وبطون الأسرار المكنونة المخزونة في كتاب الله المبين ، الذي لا يمسه إلا المطهرون (7).

وقال في مقدمة الأسفار أيضاً : وليعلم أن معرفة الله ، وعلم طريق الآخرة ، ليس المراد بها الاعتقاد الذي تلقاه العامي أو الفقيه وراثة وتلقفاً ، ولا ما هو تحرير الكلام والمجادلة في تحسين المرام ، كما هي عادة المتكلمين ، وليس أيضاً مجرد البحث البحث كما هو دأب أهل النظر وغاية أصحاب المباحثة والفكر ؛ فإن جميعها ظلمات بعضها فوق بعض (8).

تأليفاته : البحوث والتحقيقات التي تسجل ابتكار صدر المتألهين ، ولم يسبق لأحد من القائلين بها أن برهنها ، هي :

1- مسألة أصالة الوجود ، بنحو التحقيق والشرح الكامل .

2- التوحيد الخالص ، بنحو صحيح مبرهن .

3- الحركة الجوهرية ، بنحو كامل وشامل .

4- مسألة اتحاد العاقل والمعقول .

5- إتحاد النفس الناطقة في سيرها التكاملي بالعقل الفعال .

6- قاعدة بسيط الحقيقة كل الأشياء .

7- القول بأن النفس جسمانية الحدوث وروحانية البقاء .

8- قاعدة : النفس في وحدتها كل القوى .

9- تجرد القوة الخيالية بالتجرد البرزخي .

10- إثبات أرباب الأنواع ، بنحو تام ، وتوضيح مراد أسلافه من هذا المقال .

11- تحقيق في الصور البرزخية والمثل المعلقة بين عالم العقل وعالم الطبيعة .

12- تحقيق في المعاد الجسماني (9).

منهجه التفسيري : لتوضيح منهجه التفسيري ، نذكر الأمور التالية :

1- هدفه ذكر الإلهامات الغيبية في تفسير الآيات

ذكر الإلهامات التفسيرية هو الهدف الأساسي في تفسير صدر المتألهين ، فمثلاً عندما يتكلم على تفسير سورة الحديد ، وهي أول سورة فسرها ؛ لأنه في كتاب (شرح أصول الكافي) يقول : ثم من النوادر : أن هذا العبد المسكين كان في سالف الزمان ، متأملاً متدبراً ، على عادتي عند تلاوة القرآن في معاني آياته ورموزها وإشاراتها ، وكان المنفتح على قلبي من آيات هذه السورة وإشاراتها أكثر من غيرها ، فحدا بي ذلك – مع ما سبق من الخواطر الغيبية والدواعي العلمية والإعلامات السرية – الى أن أشرع في تفسير القرآن المجيد والتنزيل الحميد ، فشرعت ،وكان أول ما أخذت في تفسيره من السور القرآنية هذه السورة ؛ لفرط شغفي وقوة شوقي ، بإظهار ما ألهمني ربي من عنده (10).

2- العناية بالتفسير الظاهري

يعد تفسير صدر المتألهين من التفاسير العرفانية التي تعنى بالظاهر ، وتهتم بالقواعد الممهدة لمعرفة الكلام في مقام الإفادة والاستفادة ، فمرة يقول : وأنت خبير بأن خروج الألفاظ القرآنية عن معانيها المتعارفة المشهورة يوجب تحير الناظرين فيها ، والقرآن نازل لهداية العباد وتعليمهم وتسهيل الأمر عليهم مهما أمكن ، لا للتعقيد والإشكال ، فيجب أن تكون اللغات محمولة على معانيها الوضعية المشهورة بين الناس ؛ لئلا يوجب عليهم الالتباس (11).

ومرة أخرى يقول : كن أحد رجلين : إما المؤمن بظواهر ما ورد في الكتاب والحديث من غير تصرف وتأويل ، أو العارف الراسخ في تحقيق والمعاني ، مع مراعاة جانب الظواهر وصور المباني (12).
3- العناية الكثيرة بالتفسير الإشاري وعدم الاكتفاء بالظواهر

في جميع كتب صدر المتألهين نرى العناية الكبيرة بالكشف والشهود في معرفة كلام علام الغيوب والقرآن المشهود ،كما نراه يهجم على المكتفين بالظواهر ، والذين يجتنبون الأسرار والبطون . فيقول : فمن لم يطلع من  القرآن إلا على تفسير الألفاظ ، وتبيين اللغات ، دقائق العربية والفنون الأدبية ، وعلم الفصاحة والبيان ، وعلم بدائع اللسان ، وهو عند نفسه أنه من  علم التفسير في شيء ، وأن القرآن إنما أنزل لتحصيل هذه المعارف الجزئية ، فهو أحرى بهذا التمثيل ،أي : { كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة : 5].

4- لزوم طهارة الروح لتفسير القرآن الكريم

لا تصدر الكلمات الروحانية إلا من الأرواح الطاهرة ، فالتفسير الإشاري الروحاني ينبع من القلب الطاهر النوراني ، ولأجل ذلك يقول الشيرازي : واعلم أنك لو أردت أن تكون عالماً ربانياً مفسراً للكلام الإلهي ، من دون أن تتعب نفسك وتداوم على الأمور المقربة للقدس ، من الرياضة والخضوع والخشوع والصبر والصلاة ، وتجريد الذهن عن الخواطر ، وسد أبواب المشاعر ، ودوام النظر في الإلهيات ، فقد حدثت نفسك بممتنع أو شبيه بالممتنع (13).

5- العناية بجمع الفلسفة والعرفان والنقل والمسلمات الناتجة من علم الكلام

إن فسلفة صدر المتألهين ليست فلسفة اليونانيين المشائين ، وليست فلسفة العرفاء والاشراقيين ، وليست مخالفة للكتاب والسنة ، او مضادة للاعتقادات الكلامية الصادقة ، بل فلسفته كمفترق ختم به الكل ، فهو يعتقد عدم مخالفة العلوم الصحيحة العقلية أو الكشفية لما يوجد في كتاب والسنة .

فتارة يقول : وحاشى الشريعة الحقة البيضاء ، ان تكون احكامها مصادقة للمعارف اليقينية الضرورية ، وتباً لفلسفة تكون قوانينها غير مطابقة للكتاب والسنة (14). وتارة اخرى يقول : ونحن قد جعلنا مكاشفاتهم الذوقية مطابقة للقوانين البرهانية (15).

6- النقد الشديد للصوفية والباطنية واجتنابهما
قد فرق صدر المتألهين بين منهج العرفاء الكاملين الصادقين ، وبين منهج المتصوفين والباطنيين والمؤولين لما هو واضح وجلي ، الى ما هو مبهم وكريه ، الذين لا يعرفون شيئاً من قواعد التأويل الصحيح للقرآن الكريم .

فهو يقول : إن بعض الجهلة من المتصوفين المقلدين ، الذين لم يحصلوا طريق العلماء العرفاء ، ولم يبلغوا مقام العرفان ، توهموا ؛ لضعف عقولهم ، ووهن عقيدتهم ، وغلبة سلطان الوهم على نفوسهم ، ان لا تحقق بالفعل للذات الأحدية (16).

وفي مكان آخر يقول : وبهذا الطريق توسلت الباطنية الى هدم جميع الشريعة ، بتأويل ظواهرها وتنزيلها على رأيهم ، فيجب الاحتراز عن الإغترار بتلبيساتهم ؛ فإن شرهم أعظم على الدين من شر الشياطين ؛ إذ الشياطين بوساطتهم تتذرع الى انتزاع الدين من قلوب المسلمين (17).

7- اجتناب التأويلات المخالفة للظواهر

مع أن تفسيره يعد تفسيراً إشارياً ، والمفسر قد تأثر بكثير من شخصيات هذا الميدان ، لكن نرى أن المكانة الكبيرة التي يعتقدها لبعض العرفاء الكبار ، لا تمعنه من إظهار رأيه المخالف لما ذكره ، ولأجل ذلك نراه يخالف ابن عربي القائل بعدم العذاب في الآخرة ، وبعد ذكر أدلة من ينكر العذاب ، يقول : وأما على أصولنا الحكمية الإيمانية ، فالجواب عنها بما مر من أن العقوبة إنما تحلق الكفار ، لا من جهة انتقام منتقم خارجي يفعل الإيلام والتعذيب على سبيل المثال القصد وتحصيل الغرض ، حتى يرد السؤال عن الفائدة وعدم الفائدة ، أو الفائدة عائدة إليه تعالى أو الى العبد ، بل العقوبة إنما تحلقهم من باب اللوازم والتبعات والنتائج والثمرات (18).

8- للقرآن درجات كما للإنسان درجات

يقول صدر المتألهين : وبالجملة : إن للقرآن درجات ومنازل ، كما إن للإنسان مراتب ومقامات ، وأدنى مراتب القرآن كأدنى مراتب الإنسان ، وهو ما في الجلد والغلاف ، كما أن أدنى الدرجات للإنسان هو ما في الإهاب والبشرة ، ولكل درجة منه حملة يحفظونه ويكتبونه ولا يسمونه إلا بعد طهارتهم عن حدثهم أو حدوثهم ، وتقدسهم عن علايق مكانهم أو إمكانهم ، والقشر من الإنسان لا ينال إلا سواد القرآن وصورته المحسوسة ، ولكن الإنسان القشري من الظاهرية لا يدرك إلا المعاني القشرية ، وأما روح القرآن ولبه وسره ، فلا يدركه إلا أولو الألباب ، ولا ينالونه بالعلوم المكتسبة من التعلم والتفكر ، بل بالعلوم اللدنية (19).

9- الفرق بين الكلام الإلهي والكتاب السماوي

يقول صدر المتألهين : ذكر بعض أكابر العلماء : أنه فرق ما بين (الكلام الإلهي) و(الكتاب السماوي) ، فالكلام بسيط ، والكتاب مركب من حامل ومحمول ، والكلام أمري {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] والكتاب خلقي {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 18 - 21] .

وعالم الأمر خالٍ من  التضاد ، بل إنه مقدس عن التغير والتكثر ، {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ } [القمر: 50] ، وأما عالم الخلق ، فمشتمل على التضاد والتغير {وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59] . وكما أن الكلام يشتمل على الآيات { تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ }. والكلام إذا تشخص وتنزل من سماء التجرد ، صار كتاباً ، كما أن الأمر إذا تنزل والحكم إذا مضى ، صار فعلاً { كن فيكون} (20).

وهو يذكر هذا القول ولا يرده ، ويبدو أنه قبل هذا الفرق بين الكلام الإلهي والكتاب السماوي .

مصادره التفسيرية : الاتجاه العام الحاكم على تفسير صدر المتألهين هو الاتجاه العرفاني الفلسفي ، وهذا شيء مشهود في جميع الآيات التي فسرها والسور التي بينها ، وحتى حينما يستفيد من الروايات والآيات ومصادره التي بها يفسر الآيات ، ويؤولها :

1- القرآن الكريم

الملا صدرا – كغيره من المفسرين – لا يمكن أن يترك الرجوع الى القرآن في تفسير الآيات ، فهو في ذيل الآية {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: 14] يقول : هذا هو النوع الرابع من أنواع الافعال والأقوال القبيحة للمنافقين المذكورة في هذه الآيات ، ولهم أنواع كثيرة من القبائح مذكورة في مواضع من القرآن ، منها : ما ذكره بقوله : {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الزمر: 45] وبقوله : {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} [الحج: 72] ، ومنها :

ما وصفهم الله به في قوله : {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ} [البقرة: 206] (21) . وهكذا يستمر في بيان الآيات للاستشهاد حتى يذكر 38 آية من القرآن الكريم .

2- الروايات والآثار

في ذيل الآية { يؤمنون بالغيب } وتحت عنوان (توجيهات نقلية) يقول :

قال بعض المفسرين : معنى يؤمنون بالغيب : يصدقون بجميع ما أوجبه الله تعالى أو ندب اليه أو اباحة ، وقال الحسن : معناه : يصدقون بالقيامة والجنة والنار ، وعن ابن عباس : بما جاء من عند الله ، وعن ابن مسعود وجماعة من الصحابة : ما غاب عن العباد علمه ، وهذا أولى ؛ لعمومه ، يدخل ما رواه أصحابنا من زمان غيبة المهدي عليه السلام ووقت خروجه ،وأكد كونه منتظراً بالقرآن والخبر .

أما القرآن ، فقوله : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور: 55] ، وأما الخبر فقوله : " لو لم يبق من  الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من أهل بيتي يوافق اسمه اسمي وكنيته كنيتي ، به يملأ الله الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً " (22).

 3- الكشف والشهود

في كثير من الموارد يفسر صدر المتألهين الآيات ويوسعها بواسطة الكشف والشهود تحت عناوين متعددة ، مثل : الكشف التنبيهي ، الكشف الإلهامي ، كشف إستفادي مكاشفة ، مكاشفة قرآنية ، مكاشفة سرية ، مكانية إلهامية ،وغير ذلك من التعابير العرفانية .

فهو تحت عنوان (مكاشفة قرآنية) يقول : وتمثيل القرآن بماء المطر شائع في كتاب الله ،كما في قوله : {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [النحل: 65] يعني : أو لم يروا أنا نسوق ماء العلم القرآني ، من سماء الملكوت العقلي ، وجو العالم الأعلى ، الى أرض النفوس الساذجة ، المنقطعة عن شواغل الدنيا وعوائق الهوى ، فنخرج به زرع العلوم الكشفية الإلهية ، والآداب والأحكام العملية يتغذى ويتقوى بالأولى روح الإنسان وباطنه ؛ تكميلاً للقوة العقلية ، ويتروض ويتهذب بالثانية نفس الإنسان وظاهره ؛ تكميلاً للقوة العملية ؛ فإن النفس بمنزلة المركب للروح العقلي ،كما أن  البدن بمنزلة المركب للنفس الحيوانية ، لهذا استعير لفظ الرياضة الموضوعة لمن يروض الحيوان ، أي : يمنعه عن العلف لتقبل التأديب والتعليم ، لأجل النفس الحيوانية عند تسخير الروح العقلي إياها وضبطه لها عن اللذات ، لتشايع قواها الروح ، في سلوكه طريق الحق وسيره الى الله (23).

4- القواعد الفلسفية و العرفانية

في ذيل الآية : {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [يس: 81] يقول صدر المتألهين : إن الذي تستحسنه العقول الزكية ،  المستشرقة بأنوار المعارف القرآنية ، وتستقبله القلوب المهتدية بأسرار الحقائق الإيمانية ، أن النكتة في قوله تعالى : {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ } هي : أنه لما تقدر أهل الحكمة والبرهان ، وأصحاب المكاشفة والعرفان ، بالمقدمات التي بعضها حدسية وبعضها برهانية ، أن الإنسان بجميع اجزائه وأعضائه ، متحد الحقيقة بالعالم بجميع أبعاضه وأفراده ، أعني : مجموع السماوات والأرض بما فيها ، وأن الإنسان عالم صغير ، والعالم إنسان كبير ، فالمضاهاة بينها ثابتة ، والمماثلة فيهما متحققة ، وقد ثبت أيضا في العلوم البتة .

فلهذه المضاهاة والمماثلة ، الثابتة بين مجموع السماوات والأرض وبين الإنسان ، جعل إيجاد أحدهما دليلاً على إمكان إيجاد الآخر ، وإذا كان الفرد الذي ثبت كونه مخلوقاً له تعالى إنساناً كبيراً أكبر من سائر الأفراد ، فيثبت بالطريق الأولى كون الأفراد الصغيرة مما يمكن أن تكون مخلوقة له ، وكونه قادراً عليها ، فالضمير في (مثلهم) راجع الى الأنسان ، ولفظ (المثل) إشارة الى كل ما هو مماثل له في الحقيقة النوعية (24).

ففي هذا الكلام أشار الى عدد من القواعد الفلسفية و العرفانية ، مثل :

1- الإنسان متحد الحقيقة مع العالم .

2- الإنسان عالم صغير ، والعالم إنسان كبير .

3- كل حكم ثبت لبعض الأفراد ، أمكن ثبوته لسائر أفراد نوعه .
 ____________________

1- المشاعر ، لصدر المتألهين : 77.
2- تفسير القرآن الكريم 1 : 12 و 13 .
3- راجع : مقدمة تفسيره : 16-20.
4- راجع : تفسير القرآن الكريم 6 : 141 ، مقدمة تفسير سورة الحديد .
5- الأسفار الأربعة 1 : 5-13 ،  المقدمة .
6- راجع : الأسفار الأربعة 1 : 51 .
7- راجع : الأسفار الأربعة 1 : 53.
8- المصدر السابق : 11 .
9- راجع : الأسفار الأربعة : 1 ، المقدمة .
10- شرح اصول الكافي : 246، باب النسبة ، ح3.
11- عند تفسير الآية 10 من سورة السجدة .
12- عند تفسير الآية 168 من سورة البقرة .
13- تفسير القرآن الكريم ، 3 : 298.
14- الأسفار الأربعة ، 8 : 303 .
15- المصدر السابق 6 : 268.
16- كسر أصنام الجاهلية : 3 و 4.
17- المصدر السابق : 30.
18- تفسير القرآن الكريم 1 : 365 ، ذيل الآية 7 من سورة البقرة .
19- مفاهيم الغيب : 41.
20- تفسير القرآن الكريم 5 : 464 و 465 ، ذيل الآية 82 من سورة يس .
21- تفسير القرآن الكريم 1 : 225- 227.
22- المصدر السابق : 268.
23- المصدر السابق 6 : 131 ، ذيل الآية 27 من سورة السجدة .
24- تفسير القرآن الكريم 5 : 367 و 368 ، ذيل الآية 81 من سورة يس .

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي