تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير آية {33-34} من سورة المائدة
المؤلف: اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: ......
28-2-2017
17285
قال تعالى : {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {33} إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة : 33 - 34] .
لما قدم تعالى ذكر القتل وحكمه ، عقبه بذكر قطاع الطريق ، والحكم فيهم ، فقال . {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ} أي : أولياء الله ، كقوله تعالى {والَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ} {وَرَسُولَهُ} أي : يحاربون رسوله {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} المروي عن أهل البيت عليهم السلام : إن المحارب هو كل من شهر السلاح وأخاف الطريق سواء كان في المصر ، أو خارج المصر ، فإن اللص المحارب في المصر ، وخارج المصر ، سواء ، وهو مذهب الشافعي ، والأوزاعي ، ومالك . وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن المحارب هو قاطع الطريق في غير المصر ، وهو المروي عن عطا الخراساني . والمعنى في قوله {إنما جزاؤهم} (2) إلا هذا عن الزجاج ، قال : لان القائل إذا قال : جزاؤك دينار ، فجائز أن يكون معه غيره ، وإذا قال : إنما جزاؤك دينار ، كان المعنى ما جزاؤك إلا دينار .
{أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ} قال أبو جعفر ، وأبو عبد الله عليهما السلام : " إنما جزاء المحارب على قدر استحقاقه ، فإن قتل فجزاؤه أن يقتل ، وإن قتل وأخذ المال ، فجزاؤه أن يقتل ويصلب ، وإن أخذ المال ولم يقتل ، فجزاؤه أن تقطع يده ورجله من خلاف ، وإن أخاف السبيل فقط ، فإنما عليه النفي لا غير " وبه قال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، والسدي ، والربيع . وعلى هذا فإن أو ليست للإباحة هنا ، وإنما هي مرتبة الحكم باختلاف الجناية . وقال الشافعي : " إن أخذ المال جهرا ، كان للإمام صلبه حيا ، ولم يقتل ، قال : ويحد كل واحد بقدر فعله ، فمن وجب عليه القتل . والصلب قتل قبل صلبه كراهية تعذيبه ، ويصلب ثلاثا ، ثم ينزل " . قال أبو عبيد : " سألت محمد بن الحسن عن قوله {أَوْ يُصَلَّبُوا} فقال : هو أن يصلب حيا ، ثم يطعن بالرماح ، حتى يقتل " . وهو رأي أبي حنيفة ، فقيل له :
هذا مثلة ؟ قال : المثلة يراد به . وقيل معنى أو ها هنا للإباحة والتخيير ، أي : إن شاء الإمام قتل ، وإن شاء صلب ، وإن شاء نفى ، عن الحسن ، وسعيد بن المسيب ، ومجاهد . وقد روي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام .
وقوله : {مِنْ خِلَافٍ} معناه اليد اليمنى ، والرجل اليسرى {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} قيل فيه أقوال ، والذي يذهب إليه أصحابنا الإمامية : أن ينفى من بلد إلى .
بلد ، حتى يتوب ويرجع ، وبه قال ابن عباس ، والحسن ، والسدي ، وسعيد بن جبير ، وغيرهم ، وإليه ذهب الشافعي ، قال أصحابنا : ولا يمكن من الدخول إلى بلاد الشرك ، ويقاتل المشركون على تمكينهم من الدخول إلى بلادهم ، حتى يتوبوا .
وقيل : هو أن ينفى من بلده إلى بلد غيره ، عن عمر بن عبد العزيز ، وعن سعيد بن جبير ، في رواية أخرى . وقال أبو حنيفة وأصحابه : إن النفي هو الحبس والسجن ، واحتجوا بأن المسجون يكون بمنزلة المخرج من الدنيا ، إذا كان ممنوعا من التصرف ، محولا بينه وبين أهله ، مع مقاساته الشدائد في الحبس ، وأنشد قول بعض المسجونين :
خرجنا من الدنيا ، ونحن من أهلها ، * فلسنا من الأحياء فيها ، ولا الموتى
إذا جاءنا السجان يوما لحاجة ، * عجبنا وقلنا : جاء هذا من الدنيا
{ذَلِكَ} أي : فعل ما ذكرناه {لَهُمْ خِزْيٌ} أي : فضيحة وهوان {فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} زيادة على ذلك . وفي هذا دلالة على بطلان قول من ذهب إلى أن إقامة الحدود تكفير للمعاصي ، لأنه سبحانه بين أن لهم في الآخرة عذابا عظيما ، مع أنه أقيمت عليهم الحدود . والمعنى أنهم يستحقون العذاب العظيم ، وليس في الآية أنه يفعل ذلك بهم لا محالة ، لأنه يجوز أن يعفو الله عنهم ، ويتفضل عليهم بإسقاط ما يستحقونه من العذاب الأكبر .
{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} لما بين سبحانه حكم المحارب ، استثنى من جملتهم من يتوب مما ارتكبه ، قبل أن يؤخذ ويقدر عليه ، لان توبته بعد قيام البينة عليه ، ووقوعه في يد الإمام ، لا تنفعه ، بل يجب إقامة الحد عليه {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يقبل توبته ، ويدخله الجنة . وفي هذه الآية حجة على من قال : لا تصح التوبة من معصية مع الإقامة على معصية أخرى يعلم صاحبها أنها معصية ، لأنه تعالى علق بالتوبة حكما لا تخل به الإقامة على معصية ، هي السكر ، أو غيره .
____________________________
1. تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص324-326 .
2. [ما جزاؤهم] .
{ إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهً ورَسُولَهُ ويَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَساداً } المراد بمحاربة اللَّه ورسوله ان الاعتداء على الناس اعتداء على اللَّه والرسول ، ومن أجل هذا كانت عقوبته حدا من حدود اللَّه . والمراد بالفساد في الأرض هنا قطع الطريق ، وتلتقي في هذه الجريمة عدة جرائم : إخافة الآمنين والتمرد على الحكم ، والمجاهرة بالإجرام ، وإراقة الدماء ، ونهب الأموال ، وقد يكون فيها هتك الأعراض . ومن أجل ذلك جعل اللَّه جزاء قطاع الطريق ما أشار إليه بقوله :
{ أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا ولَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ } . المراد بالمفسد هنا كل من جرد السلاح لإخافة الناس بالضرب أو القتل أو السلب أو الإهانة أو الاعتداء على الأعراض ، مسلما كان أو غير مسلم ، فعل ذلك في بر أو بحر ، في ليل أو نهار ، في مصر أو غير مصر ، تسلح بسيف أو مسدس أو عصا أو حجارة ، فالعبرة بإخافة الناس على أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم ، ونصت الآية على أربع عقوبات :
1 - القتل ، وجاء بصيغة المبالغة إشارة إلى ان القتل حتم لا بد منه ، ولو ان قاطع الطريق قتل نفسا ، وعفا عنه ولي المقتول فلا يعفى عنه ، قيل للإمام أبي جعفر الصادق ( عليه السلام ) : أ رأيت لو أراد أولياء المقتول أن يأخذوا الدية ، ويدعوه ، ألهم ذلك ؟ قال : لا ، عليه القتل .
2 - الصلب ، والمبالغة فيه كالمبالغة في القتل ، أما كيفيته فما هو معروف عند الناس .
3 - قطع الأيدي والأرجل من خلاف ، أي إذا قطعت اليد اليمنى قطعت الرجل اليسرى ، والمبالغة فيه أظهر من المبالغة في القتل والصلب لتكرار القطع .
4 - النفي إلى بلد ناء عن بلده يحس فيه بالغربة والتشريد ، وقال أبو حنيفة :
المراد بالنفي السجن . .
وعلق صاحب المنار على هذا بقوله : « وهو أغرب الأقوال » .
واختلفت المذاهب الإسلامية في كيفية تنفيذ هذه العقوبات الأربع : هل تنفذ على سبيل التخيير أو التعيين لكل حسب جرمه ، ومقدار إفساده ؟ .
قال الشيعة الإمامية : ان ( أو ) تدل بظاهرها على التخيير ، وعليه يترك الأمر لاجتهاد الحاكم في تنفيذ ما تدرأ به المفسدة ، وتقوم به المصلحة من القتل أو الصلب أو القطع أو النفي . وقريب من هذا قول المالكية .
وقال الشافعية : ان هذه العقوبات تختلف باختلاف الجنايات ، فمن اقتصر على القتل قتل ، ومن قتل وأخذ المال قتل وصلب بعد القتل ثلاثة أيام ، ومن أخذ المال فقط قطع من خلاف ، ومن أخاف السبيل ، دون أن يقتل أو يأخذ المال نفي .
وقال الحنفية : ان أخذ المال وقتل فللحاكم الخيار ، ان شاء قطع من خلاف وان شاء قتل ولم يصلب ، وان شاء جمع بين القتل والصلب ، وصفة الصلب عنده أن يصلب حيا ، ويبعج بطنه برمح إلى أن يموت ، ولا يصلب أكثر من ثلاثة أيام .
{ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهً غَفُورٌ رَحِيمٌ } .
إذا تاب قاطع الطريق من تلقائه ، وقبل القبض عليه سقطت عنه العقوبة ، لأن الحكمة من العقوبة أن يرتدع المجرم عن الفساد ، فان ارتدع من نفسه لم يبق لها من موجب ، وهذا أصدق مثال على إنسانية الشريعة الإسلامية وعظمتها .
وتجدر الإشارة إلى أن التوبة قبل الظفر بالجاني تسقط عنه العقوبة الأدبية ، أما الحقوق المادية للناس فيطالب بها ، فإن سلب مالا فعليه إرجاعه أو إرجاع بدله من المثل أو القيمة إذا كان قد تلف ، وان قتل ، فلأولياء المقتول أن يقتلوه به إن شاؤوا .
________________________
1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 50-52 .
قوله تعالى : { إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً } .
{ فَساداً } مصدر وضع موضع الحال ، ومحاربة الله وإن كانت بعد استحالة معناها الحقيقي وتعين إرادة المعنى المجازي منها ذات معنى وسيع يصدق على مخالفة كل حكم من الأحكام الشرعية وكل ظلم وإسراف لكن ضم الرسول إليه يهدي إلى أن المراد بها بعض ما للرسول فيه دخل ، فيكون كالمتعين أن يراد بها ما يرجع إلى إبطال أثر ما للرسول عليه ولاية من جانب الله سبحانه كمحاربة الكفار مع النبي صلى الله عليه وآله وإخلال قطاع الطريق بالأمن العام الذي بسطه بولايته على الأرض ، وتعقب الجملة بقوله : { وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً } يشخص المعنى المراد وهو الإفساد في الأرض بالإخلال بالأمن وقطع الطريق دون مطلق المحاربة مع المسلمين ، على أن الضرورة قاضية بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يعامل المحاربين من الكفار بعد الظهور عليهم والظفر بهم هذه المعاملة من القتل والصلب والمثلة والنفي .
على أن الاستثناء في الآية التالية قرينة على كون المراد بالمحاربة هو الإفساد المذكور فإنه ظاهر في أن التوبة إنما هي من المحاربة دون الشرك ونحوه .
فالمراد بالمحاربة والإفساد على ما هو الظاهر هو الإخلال بالأمن العام ، والأمن العام إنما يختل بإيجاد الخوف العام وحلوله محله ، ولا يكون بحسب الطبع والعادة إلا باستعمال السلاح المهدد بالقتل طبعا ولهذا ورد فيما ورد من السنة تفسير الفساد في الأرض بشهر السيف ونحوه ، وسيجيء في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى .
قوله تعالى : { أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا } (إلخ) التقتيل والتصليب والتقطيع تفعيل من القتل والصلب والقطع يفيد شدة في معنى المجرد أو زيادة فيه ، ولفظة { أَوْ } إنما تدل على الترديد المقابل للجمع ، وأما الترتيب أو التخيير بين أطراف الترديد فإنما يستفاد أحدهما من قرينة خارجية حالية أو مقالية فالآية غير خالية عن الإجمال من هذه الجهة .
وإنما تبينها السنة وسيجيء أن المروي عن أئمة أهل البيت عليه السلام أن الحدود الأربعة مترتبة بحسب درجات الإفساد كمن شهر سيفا فقتل النفس وأخذ المال أو قتل فقط أو أخذ المال فقط أو شهر سيفا فقط على ما سيأتي في البحث الروائي التالي إن شاء الله .
وأما قوله : { أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ } فالمراد بكونه من خلاف أن يأخذ القطع كلا من اليد والرجل من جانب مخالف لجانب الأخرى كاليد اليمنى والرجل اليسرى ، وهذا هو القرينة على كون المراد بقطع الأيدي والأرجل قطع بعضها دون الجميع أي إحدى اليدين وإحدى الرجلين مع مراعاة مخالفة الجانب .
وأما قوله : { أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ } فالنفي هو الطرد والتغييب وفسر في السنة بطرده من بلد إلى بلد .
وفي الآية أبحاث أخر فقهية تطلب من كتب الفقه .
قوله تعالى : { ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ } الخزي هو الفضيحة ، والمعنى ظاهر .
وقد استدل بالآية على أن جريان الحد على المجرم لا يستلزم ارتفاع عذاب الآخرة ، وهو حق في الجملة .
قوله تعالى : { إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } (إلخ) وأما بعد القبض عليهم وقيام البينة فإن الحد غير ساقط ، وأما قوله تعالى : { فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } فهو كناية عن رفع الحد عنهم ، والآية من موارد تعلق المغفرة بغير الأمر الأخروي .
__________________________
1. تفسير الميزان ، ج5 ، ص 279-280 .
جزاء مرتكب العدوان :
تكمل الآية الأولى ـ من الآيتين الأخيرتين ـ البحث الذي تناولته الآيات السابقة حول قتل النفس ، وتبيّن جزاء وعقاب من يشهر السلاح بوجه المسلمين ، وينهب أموالهم عن طريق التهديد بالقتل أو بارتكاب القتل ، فتقول : {إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}.
ومعنى قطع الأيدي والأرجل من خلاف هو أن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى.
ويجدر الانتباه هنا إلى عدّة أمور ، وهي :
١ ـ إنّ المراد جملة {الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ} الواردة في الآية ـ كما تشير إليه أحاديث أهل البيت ويدل عليه سبب نزول الآية ـ هو ارتكاب العدوان ضد أرواح أو أموال الناس باستخدام السلاح والتهديد به ، سواء كان هذا العدوان من قبل قطاع الطرق خارج المدن أو داخلها ، وعلى هذا الأساس فإن الآية تشمل أيضا الأشرار الذين يعتقدون على أرواح الناس وأموالهم ونواميسهم .
والذي يلفت الانتباه في هذه الآية هو أنّها اعتبرت العدوان الممارس ضد البشر بمثابة إعلان الحرب وممارسة العدوان ضد الله ورسوله ، وهذه النقطة تبيّن بل تثبت مدى اهتمام الإسلام العظيم بحقوق البشر ورعاية أمنهم وسلامتهم .
٢ ـ المراد بقطع اليد أو الرجل ـ المذكور في الآية ، وكما أشارت إليه كتب الفقه ـ هو القطع بنفس المقدار الذي ينفذ بحق السارق لدى قطع يده ، أي مجرّد قطع أربعة من أصابع اليد أو الرجل (2) .
٣ ـ هل أنّ العقوبات الأربع المذكورة في الآية لها طابع تخييري ؟ أي هل أن الحكومة الإسلامية مخيرة في استخدام أي منهما بحق الفرد الذي تراه يستحق ذلك ، أم أن العقوبة يجب أن تتناسب ونوع الجريمة التي ارتكبها الفرد؟ أي إذ ارتكب الفرد المحارب جريمة قتل ضد أفراد أبرياء تطبق بحقّه عقوبة الإعدام ، وإن ارتكب سرقة عن طريق التهديد بالسلاح تنفذ فيه عقوبة قطع أصابع اليد أو الرجل ، وإذا ارتكب الجريمتين معا يكون عقابه الإعدام والصلب على الأعواد لفترة معينة لكي يعتبر به الناس ، وإذا شهر الفرد المحارب السلاح على الناس دون أن يراق أيّ دم أو تتم سرقة شيء يكون عقابه النفي إلى بلد آخر؟
لا شك أنّ الاحتمال الثّاني ـ وهو تطبيق العقوبة المتناسبة مع الجريمة أقرب إلى الحقيقة ، وقد أيد هذا المعنى ما ورد في أحاديث عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام أيضا (3) .
وبالرغم من أنّ بعض الأحاديث أشارت إلى أنّ الحكومة الإسلامية مخيرة في انتخاب أي من العقوبات الأربع الواردة ، لكننا ـ نظرا للأحاديث التي أشرنا إليها قبل قليل ـ نرى أنّ المراد من التخيير لا يعني أن تنتخب الحكومة الإسلامية واحدا من العقوبات المذكورة انتخابا اعتباطيا دون أن تأخذ نوع الجريمة بنظر الإعتبار ، حيث من المستبعد كثيرا أن تكون عقوبتا الإعدام والصلب متساويتين مع عقوبة النفي ، أو أن تكونا بمنزلة واحدة !
ويلاحظ هذا الأمر أيضا في الكثير من القوانين الوضعية المعاصرة بصورة واضحة ، حيث تعين عقوبات مختلفة لنوع واحد من الجرائم ، وعلى سبيل المثال نرى أن بعض الجرائم تتراوح عقوبتها بين ٣ سنين إلى ١٠ سنين من السجن ، والقاضي يتعامل في هذا المجال وفق ما يراه مناسبا لواقع الحال ، وليس وفق ما يشتهيه هو ، فتارة يكون المناسب في الجريمة أن تطبق العقوبة المشددة ، وأخرى يتناسب معها تخفيف العقوبة ، نظرا للظروف المحيطة والملابسات الواردة في حالة ارتكاب الجريمة.
وهذا القانون الإسلامي الذي جاء بحق المحاربين ، يتفاوت فيه أسلوب العقاب ونوعه مع اختلاف الجريمة التي يرتكبها الفرد المحارب أو الجماعة المحاربة .
وغني عن القول أنّ العقوبات المشددة التي جاء بها الإسلام لقطاع الطريق تتوضح فلسفتها في الأهمية القصوى التي أعارها هذا الدين للدماء البريئة ، لكي يحول دون اعتداء الأفراد الأشقياء الأشرار القتلة على أرواح وأموال وأعراض الناس الأبرياء (4) .
وفي الختام تشير الآية إلى أن هذه العقوبات هي لفضح المجرمين في الدنيا ، وسوف لا يتوقف الأمر على هذه العقوبات ، بل سينالون يوم القيامة عقابا أشد وأقسى حيث تقول الآية : {ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ}.
ويستدل من هذه الجملة القرآنية على أن العقوبات الإسلامية الدنيوية التي تنفذ في المجرمين لن تكون حائلا دون نيلهم لعقاب الآخرة ، ولكن طريق العودة والتوبة لا يغلق حتى بوجه مجرمين خطيرين كالذين ذكرتهم الآية إن هم عادوا إلى رشدهم وبادروا إلى إصلاح أنفسهم ، ولكي يبقى مجال التعويض عن الأخطاء مفتوحا تقول الآية الثانية : {إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
والذي يظهر من هذه الآية هو أنّ العقاب والحدّ الشرعي يرفعان عن أولئك المجرمين في حالة انصرافهم طوعا عن ارتكاب الجريمة وندمهم قبل أن يلقى القبض عليهم فقط .
وبديهي أنّ توبة هؤلاء لا تسقط العقاب عنهم إن كانوا قد ارتكبوا جريمة قتل أو سرقة ، إلّا في حالة ارتكاب جريمة التهديد بالسلاح فإن العقوبة تسقط إن هم تابوا وندموا قبل إلقاء القبض عليهم.
وبعبارة أخرى فإنّ التوبة في مثل هذه الجرائم لها تأثير في ما يخص الله فقط ، أمّا حق الناس فلا يسقط بالتوبة ما لم يرض صاحب الحق.
وهكذا فإنّ عقاب المحارب يكون أشدّ وأقسى من عقاب السارق أو القاتل العادي ، فهو إن تاب نجا من العقوبة التي تشمله لكونه محاربا ، لكنه لا يتخلص من عقوبة السرقة والقتل العاديين .
وقد يطرأ هنا سؤال وهو كيف يمكن إثبات التوبة ما دامت هي عملية قلبية باطنية ؟
والجواب هو : أن طرق إثبات التوبة في هذا المجال كثيرة وافرة ، وأحدها :أن يشهد عادلان على أنّهما سمعا توبة المجرم في مكان ما ، وأنّه تاب دون أن يرغمه أحد على التوبة ، والآخر : أنّ يغير المجرم أسلوب حياته بشكل تظهر عليه آثار التوبة بجلاء .
* * *
__________________
1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 496-499 .
2. كنز العرفان في فقه القرآن ، ج ٢ ، ص ٣٥٢ .
3. نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٦٢٢.
4. إن الأحكام التي تطرقنا إليها جاءت على شكل بحث تفسيري ملخص ، وتفاصيل هذه الأحكام وشروطها موجود في كتب الفقه .