النحو
اقسام الكلام
الكلام وما يتالف منه
الجمل وانواعها
اقسام الفعل وعلاماته
المعرب والمبني
أنواع الإعراب
علامات الاسم
الأسماء الستة
النكرة والمعرفة
الأفعال الخمسة
المثنى
جمع المذكر السالم
جمع المؤنث السالم
العلم
الضمائر
اسم الإشارة
الاسم الموصول
المعرف بـ (ال)
المبتدا والخبر
كان وأخواتها
المشبهات بـ(ليس)
كاد واخواتها (أفعال المقاربة)
إن وأخواتها
لا النافية للجنس
ظن وأخواتها
الافعال الناصبة لثلاثة مفاعيل
الأفعال الناصبة لمفعولين
الفاعل
نائب الفاعل
تعدي الفعل ولزومه
العامل والمعمول واشتغالهما
التنازع والاشتغال
المفعول المطلق
المفعول فيه
المفعول لأجله
المفعول به
المفعول معه
الاستثناء
الحال
التمييز
الحروف وأنواعها
الإضافة
المصدر وانواعه
اسم الفاعل
اسم المفعول
صيغة المبالغة
الصفة المشبهة بالفعل
اسم التفضيل
التعجب
أفعال المدح والذم
النعت (الصفة)
التوكيد
العطف
البدل
النداء
الاستفهام
الاستغاثة
الندبة
الترخيم
الاختصاص
الإغراء والتحذير
أسماء الأفعال وأسماء الأصوات
نون التوكيد
الممنوع من الصرف
الفعل المضارع وأحواله
القسم
أدوات الجزم
العدد
الحكاية
الشرط وجوابه
الصرف
موضوع علم الصرف وميدانه
تعريف علم الصرف
بين الصرف والنحو
فائدة علم الصرف
الميزان الصرفي
الفعل المجرد وأبوابه
الفعل المزيد وأبوابه
أحرف الزيادة ومعانيها (معاني صيغ الزيادة)
اسناد الفعل الى الضمائر
توكيد الفعل
تصريف الاسماء
الفعل المبني للمجهول
المقصور والممدود والمنقوص
جمع التكسير
المصادر وابنيتها
اسم الفاعل
صيغة المبالغة
اسم المفعول
الصفة المشبهة
اسم التفضيل
اسما الزمان والمكان
اسم المرة
اسم الآلة
اسم الهيئة
المصدر الميمي
النسب
التصغير
الابدال
الاعلال
الفعل الصحيح والمعتل
الفعل الجامد والمتصرف
الإمالة
الوقف
الادغام
القلب المكاني
الحذف
المدارس النحوية
النحو ونشأته
دوافع نشأة النحو العربي
اراء حول النحو العربي واصالته
النحو العربي و واضعه
أوائل النحويين
المدرسة البصرية
بيئة البصرة ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو في البصرة وطابعه
أهم نحاة المدرسة البصرية
جهود علماء المدرسة البصرية
كتاب سيبويه
جهود الخليل بن احمد الفراهيدي
كتاب المقتضب - للمبرد
المدرسة الكوفية
بيئة الكوفة ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو في الكوفة وطابعه
أهم نحاة المدرسة الكوفية
جهود علماء المدرسة الكوفية
جهود الكسائي
الفراء وكتاب (معاني القرآن)
الخلاف بين البصريين والكوفيين
الخلاف اسبابه ونتائجه
الخلاف في المصطلح
الخلاف في المنهج
الخلاف في المسائل النحوية
المدرسة البغدادية
بيئة بغداد ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو في بغداد وطابعه
أهم نحاة المدرسة البغدادية
جهود علماء المدرسة البغدادية
المفصل للزمخشري
شرح الرضي على الكافية
جهود الزجاجي
جهود السيرافي
جهود ابن جني
جهود ابو البركات ابن الانباري
المدرسة المصرية
بيئة مصر ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو المصري وطابعه
أهم نحاة المدرسة المصرية
جهود علماء المدرسة المصرية
كتاب شرح الاشموني على الفية ابن مالك
جهود ابن هشام الانصاري
جهود السيوطي
شرح ابن عقيل لالفية ابن مالك
المدرسة الاندلسية
بيئة الاندلس ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو في الاندلس وطابعه
أهم نحاة المدرسة الاندلسية
جهود علماء المدرسة الاندلسية
كتاب الرد على النحاة
جهود ابن مالك
اللغة العربية
لمحة عامة عن اللغة العربية
العربية الشمالية (العربية البائدة والعربية الباقية)
العربية الجنوبية (العربية اليمنية)
اللغة المشتركة (الفصحى)
فقه اللغة
مصطلح فقه اللغة ومفهومه
اهداف فقه اللغة وموضوعاته
بين فقه اللغة وعلم اللغة
جهود القدامى والمحدثين ومؤلفاتهم في فقه اللغة
جهود القدامى
جهود المحدثين
اللغة ونظريات نشأتها
حول اللغة ونظريات نشأتها
نظرية التوقيف والإلهام
نظرية التواضع والاصطلاح
نظرية التوفيق بين التوقيف والاصطلاح
نظرية محاكات أصوات الطبيعة
نظرية الغريزة والانفعال
نظرية محاكات الاصوات معانيها
نظرية الاستجابة الصوتية للحركات العضلية
نظريات تقسيم اللغات
تقسيم ماكس مولر
تقسيم شليجل
فصائل اللغات الجزرية (السامية - الحامية)
لمحة تاريخية عن اللغات الجزرية
موطن الساميين الاول
خصائص اللغات الجزرية المشتركة
اوجه الاختلاف في اللغات الجزرية
تقسيم اللغات السامية (المشجر السامي)
اللغات الشرقية
اللغات الغربية
اللهجات العربية
معنى اللهجة
اهمية دراسة اللهجات العربية
أشهر اللهجات العربية وخصائصها
كيف تتكون اللهجات
اللهجات الشاذة والقابها
خصائص اللغة العربية
الترادف
الاشتراك اللفظي
التضاد
الاشتقاق
مقدمة حول الاشتقاق
الاشتقاق الصغير
الاشتقاق الكبير
الاشتقاق الاكبر
اشتقاق الكبار - النحت
التعرب - الدخيل
الإعراب
مناسبة الحروف لمعانيها
صيغ اوزان العربية
الخط العربي
الخط العربي وأصله، اعجامه
الكتابة قبل الاسلام
الكتابة بعد الاسلام
عيوب الخط العربي ومحاولات اصلاحه
أصوات اللغة العربية
الأصوات اللغوية
جهود العرب القدامى في علم الصوت
اعضاء الجهاز النطقي
مخارج الاصوات العربية
صفات الاصوات العربية
المعاجم العربية
علم اللغة
مدخل إلى علم اللغة
ماهية علم اللغة
الجهود اللغوية عند العرب
الجهود اللغوية عند غير العرب
مناهج البحث في اللغة
المنهج الوصفي
المنهج التوليدي
المنهج النحوي
المنهج الصرفي
منهج الدلالة
منهج الدراسات الانسانية
منهج التشكيل الصوتي
علم اللغة والعلوم الأخرى
علم اللغة وعلم النفس
علم اللغة وعلم الاجتماع
علم اللغة والانثروبولوجيا
علم اللغة و الجغرافية
مستويات علم اللغة
المستوى الصوتي
المستوى الصرفي
المستوى الدلالي
المستوى النحوي
وظيفة اللغة
اللغة والكتابة
اللغة والكلام
تكون اللغات الانسانية
اللغة واللغات
اللهجات
اللغات المشتركة
القرابة اللغوية
احتكاك اللغات
قضايا لغوية أخرى
علم الدلالة
ماهية علم الدلالة وتعريفه
نشأة علم الدلالة
مفهوم الدلالة
جهود القدامى في الدراسات الدلالية
جهود الجاحظ
جهود الجرجاني
جهود الآمدي
جهود اخرى
جهود ابن جني
مقدمة حول جهود العرب
التطور الدلالي
ماهية التطور الدلالي
اسباب التطور الدلالي
تخصيص الدلالة
تعميم الدلالة
انتقال الدلالة
رقي الدلالة
انحطاط الدلالة
اسباب التغير الدلالي
التحول نحو المعاني المتضادة
الدال و المدلول
الدلالة والمجاز
تحليل المعنى
المشكلات الدلالية
ماهية المشكلات الدلالية
التضاد
المشترك اللفظي
غموض المعنى
تغير المعنى
قضايا دلالية اخرى
نظريات علم الدلالة الحديثة
نظرية السياق
نظرية الحقول الدلالية
النظرية التصورية
النظرية التحليلية
نظريات اخرى
النظرية الاشارية
مقدمة حول النظريات الدلالية
أخرى
أحدث الآراء حول نشأة اللغة
المؤلف: د. ابراهيم انيس
المصدر: دلالة الالفاظ
الجزء والصفحة: ص21- 28
21-4-2018
3825
أحدث الآراء(1)
اهتدى بعض المحدثين من اللغوبين و على رأسهم «جسبرسن» الى نظرية نطمئن إليها بعض الاطمئنان، لأنها تأخذ بكل النظريات السابقة مجتمعة، و تؤسس عناصرها على أسس علمية واضحة المعالم ، و خاضعة للتجربة الحديثة. فالنظريات السابقة اعتمدت على طريقة استنباطية لأنها تبدأ بالفرض، ثم تساق لهذا الفرض
ص21
الأدلة والبراهين، أما نظرية هؤلاء المحدثين فتتبع الطريقة الاستقرائية فتستعرض الملاحظات والتجارب، ثم تتكون النتيجة أيّاً ما كانت هذه النتيجة.
وأصحاب هذه النظرية الحديثة يؤسسون نظريتهم على أسس ثلاثة:
1- دراسة مراحل نمو اللغة عند الأطفال.
2- دراسة اللغة في الأمم البدائية.
3- دراسة تاريخية للتطور اللغوي.
1- لغة الطفل:
لقد درس علماء التشريح مراحل نمو الجنين في بطن أمه، ثم أكدوا لنا أنه يمر خلال شهور الحمل الأولي في نفس المراحل التي مر بها الإنسان قبل أن تكمل إنسانيته، وهي المراحل التي استنفدت من عمر الإنسانية آلاف السنين أو ربما ملايين السنين.
و برقت هذه النظرية لأعين بعض الباحثين في اللغة، و حاولوا على ضوئها أن يستشفوا شيئاً عن النشأة اللغوية. اعتقادا منهم أن مراحل نمو اللغة عند الأطفال هي نفس المراحل التي مر بها الإنسان الأول، حتى نشأت له لغة إنسانية ذات أصوات و مدلولات كالتي نألفها في اللغات الآن.
و من الواضح أن بعض هؤلاء الباحثين قد غالي في الاعتماد على دراسة مراحل نمو اللغة عند الطفل، و تناسي الفرق الشاسع بين ظروف الأطفال الآن حين يتعلمون لغة أبويهم، والظروف التي عاش فيها الإنسان الأول في أثناء نشأة الكلام.
فالطفل حين يتعلم لغة أبويه لايكاد يعدو عمله الربط بين أصوات يسمعها و مدلولات يفهمها، فهو مقلد لا مبتكر أو مخترع، و هو يلتقط ألفاظاً متداولة في بيئته، و قد أعدت كل الإعداد، و هيئت له كل التهيئة على يد معلم لايمل تعليمه من أهله و ذويه. في حين أن الإنسان الأول لم تتح له نفس الظروف، بل كان بمثابة المخترع يستخرج أمراً جديداً، وحدثا جليلا، ويعلم نفسه بنفسه مالم يكن له وجود من قبل. ولعل خير مايوضح لنا الفرق بين الحالين أن نتصور باحثاً في الموسيقي يحاول استنباط مراحل تطورها عن طريق دراسة المراحل التي يمر بها الطفل في تعلمه العزف على البيانو، دون أن يفطن الى أن الطفل في تعلمه العزف يري نفسه أمام أنغام معدة مهيأة، و أغان مسموعة مألوفة، فهو يقلد مااخترعه غيره، وماشاع في بيئته.
ص22
غير أنه مع هذا يمكن أن يستأنس بمراحل نمو اللغة عند الأطفال في دراسة النشأة اللغوية، إذا اقتصرت دراستنا على السنة الأولي من عمر الأطفال حين يناغون و يصوتون بأصوات مبهمة لاتهدف إلا الى اللذة والمتعة. ففي هذه المرحلة قد نسمع من الأطفال أصواتاً غريبة على اللغة الشائعة في بيئته، وقد ينطق الطفل بسلسلة من الأصوات تشق عليه فيما بعد حين يتعلم لغة أبويه. فقد نسمع من الطفل الإنجليزي أصوات الحلق و ليس في لغة أبويه مثل هذه الأصوات. بل حتى بعد السنة الأولي من عمر الطفل و قبل نهاية السنة الثالثة نري بعض الأطفال يكونون ما يمكن أن يسمي بلغتهم الصغيرة وهي المملوءة بألفاظ مخترعة لاتكاد تمت في أصواتها أو مدلالوتها للغة أبويهم بصلة ما.
تلك هي الأمور التي تستحق الدراسة في مراحل نمو اللغة عند الأطفال ليستأنس بها الباحث في بحثه للنشأة اللغوية، ولتلقي ضوءاً على ذلك الغموض الذي يكتنف تلك النشأة اللغوية.
وقد اقتصر «لويس Lowes» في كتابه lafant Spesch على دراسة تلك المرحلة من نمو لغة الطفل، و حاول تفسير الكثير من ظواهرها. فهو مثلاً يؤكد لنا أن الطفل في غضبه يصدر أصواتا أنفية كالنون والميم، ولكنه في سروره يكرر أصواتاً حلقية أو قريبة من الحلق كالكاف والغين والجيم الى آخره ..
فإذا ربط أحد الباحثين بين هذه الملاحظة و بين ما نعرفه من أن أداة النفي في جل اللغات البشرية تتضمن صوتاً أنفياً، لم يكن متجنيا أو مشتطا حين يقول إنه من المحتمل أن صوت الغضب الفطري قد تولدت منه في آخر الأمر تلك الأدوات التي تعبر عن النفي في اللغات.
و مع كل هذا فلا تزال دراسة هذه المرحلة عند الأطفال بحاجة الى المزيد من البحث حتى يمكن أن نطمئن كل الاطمئنان الى النتائج المؤسسة عليها.
2- لغة الأمم البدائية:
والأساس الثاني الذي يستأنس به الباحثون في دراستهم للنشأة اللغوية هو ما نلحظه الآن من صفات خاصة في لغات الأمم البدائية. و يري هؤلاء الباحثون أن لغات هؤلاء الأقوام تمثل مرحلة قديمة في نمو اللغات و تطورها، و هي لهذا تلقي ضوءاً على ما كانت علية لغة الإنسان في العصور السحيقة. ومقارنتها بلغات الأمم المتمدينة ترينا الطريق الذي سلكته اللغة في تطورها، والعناصر التي تخلصت منها أو أبقت عليها.
ص23
و مع هذا فمن المغالاة أن نتصور أن لغات الأمم البدائية قريبة الشبه بلغة الإنسان الأول. فهي مهما التقطناها من بين أحط الشعوب في المدنية تمثل مرحلة متأخرة نسبياً من مراحل التطور اللغوي. فلا شك أن آلافا من السنين قد مرت على لغة الإنسان قبل أن تصل الى مرحلة تلك الشعوب التي نسميها بدائية.
3-الدراسة التاريخية:
وربما كان هذا الأساس الثالث أهم من الأساسين السابقين في بحث النشأة اللغوية. وقد وجه المحدثون كل جهودهم لهذه الدراسة التاريخية، ولكنهم بدأوها بطريقة عكسية، أي أنهم بدأوا البحث في لغات العصر الحاضر، ثم عادوا الى الوراء جيلاً بعد جيل، وقرناً بعد قرن، مستخدمين معلوماتهم عن حال اللغات في العصور الماضية من النصوص اللغوية والمستندات التاريخية وهم في هذا البحث يعقدون المقارنات ليستنبطوا قوانين أو قواعد عامة للتطور اللغوي.
فمثلاً يقارنون حال الإنجليزية الحديثة محالها في عصر شكسپير ثم عصر تشومر ثم بالألمانية القديمة، ويقارنون اللهجات الهندية الحديثة بالنصوص التي رويت عن اللغة السنسكريتية، ويقارنون اللهجات العربية الحديثة باللهجات القديمة، وهكذا تستمر مقارنتهم خلال العصور التاريخية التي روي عنها نصوص لغوية. فإذا تجمعت لهم عن طريق تلك المقارنة التاريخية قواعد عامة للتطور اللغوي، أمكن تطبيق تلك القواعد على عصور ماقبل التاريخ، واستنباط الحال التي كانت عليها اللغات في تلك العصور البعيدة التي لا نكاد ندري من أمرها شيئاً. وربما أمكن الباحث عن هذا الطريق الوصول الى تكوين فكرة واضحة المعالم عن أقدم المراحل في النشأة اللغوية. بل ربما أمكن تبديد السحب التي تكتنف تلك النشأة اللغوية.
وقد استطاع جسبرسن (2) أن يصل الى نتائج قيمة عن طريق هذا البحث المقارن، وأن يصور لنا ما كانت عليه اللغات في أقدم العصور.
الأصوات:
أ- الاتجاه نحو تيسير الأصوات:
هذا هو الميل العام الذي لوحظ في تطور اللغات. فحين قورنت النصوص القديمة بالنصوص الحديثة تبين للباحثين أن التطور الصوتي في اللغات يميل في غالب الأحيان نحو تيسير النطق بها، والاقتصاد في الجهد العضلي أثناء صدورها. وترتب على هذا الميل العام ظواهر ثلاث:
ص24
أولاها: أن اللغات في أحدث صورها تكاد تخلو من المجموعات الصوتية المتنافرة التي تتعثر في نطقها الألسنة، مثل تلك الكلمات التي يصفها علماء البلاغة بتنافر الحروف مجتمعة كالهعخع، مستشزرات، احجنشتس بطن فلان(3). فاجتماع مثل هذه الأصوات في الكلمة الواحدة كان أمراً مألوفاً في اللغات في أقدم عصورها. ثم تطورت الأصوات و مالت الى تسهيل النطق، فتخلصت من تلك المجموعات الصوتية الشاقة، ولم تخلف لنا منها إلا كلمات قليلة هي التي تشبه ما يتخذه علماء البلاغة من أمثلة لتنافر الحروف.
ثانيتها: الميل نحو التقصير من بنية الكلمات فقد دلت الملاحظات الحديثة على أن النصوص القديمة في معظم اللغات قد تضمنت كلمات طويلة كثيرة الحروف و إن خلت في بعض الأحيان مما يسمي بتنافر الحروف مجتمعة. ولذا لاندهش حين نري أن كثيراً من الكلمات الجاهلية الكثيرة الحروف قد انقرضت على مر العصور. كتلك الأوزان التي يشير إليها الصرفيون في كتبهم والتي لانكاد نرى لها أثرا في القرآن الكريم، أو الشعر العباسي مثل اقعنسس واسلنقى واحرنجم واطلخم واجرنثم مثل مايرى عن امرئ القيس: (رب جفنة مثعنجرة وطعنة مسحنفرة... إلخ).
فليس في (احرنجم) حروف متناثرة في اجتماعاتها، ومع هذا فقد اندثر هذا النوع من الكلمات الطويلة، وشاع في اللغة العربية.. تلك الكلمات الثلاثية الحروف أو الرباعية الحروف، وتكونت منها معظم كلمات اللغة العربية.
ويتبين من هذا أن ما يدعو إليه بعض العلماء من الأصل في بينة الكلمات أن تكون ثنائية لا أساس لا أساس له من الصحة، بل يبدو من كل العصور التاريخية أن العكس هو الصحيح؛ أي إن الكلمات كانت طويلة ثم قصرت.
كتب الأب مرمرجي الدومنكي الأستاذ بالمعهد الفرنسي بالقدس كتابا سماه (المعجمية العربية على ضوء الثنائية والألسنية السامية، وقد حاول في هذا الكتاب الصغير أن يبرهن على صحة نظريته من الأصل السامي القديم كان ثنائيا).
وقد عرض لعدة كلمات من بينها كلمة "الصفح"، وهو العيد الاسرائيلي المعروف، فافترض أن الأصل كان يتكون من حرفين الأولين أي الفاء والصاد أو ما يشبههما كالباء والسين أو الشين، وساق لنا كلمات من اللغات السامية المتباينة كالعبرية والآرامية والحبشية، وقد تكون كل منها من حرفين الأول شفوي والثاني من
ص25
حروف الصفير، وكل هذه الكلمات تعبر عن معنى الخروج أو الانتشار أو الانفصال... إلخ، ثم افترض أن الأصل السامي الثنائي قد زاد مبناه باتصال الصوت الحلقي وهو الحاء. وتخصص معناه وأصبح مقصورا على الاجتياز أو العبور، وهكذا نشأت كلمة (الفصح) الشائعة في العبرية بمعنى السيد المعروف. ويزعم لنا المؤلف أن الكلمة في صورتها الثلاثية، ومعناها الخاص قد انتقلت من العربية الى شقيقاتها السامية، وأنه لولا رجوعنا الى الأصل الثنائي ما استطعنا الربط بين هذه اللغات في اشتقاق هذه الكلمة، لأن المعنى يكاد يتحد بين هذه اللغات حين نقتصر على الأصل الثنائي.
وليس يكفي لتدعيم مثل هذا الرأي أن يسوق الباحث عدة ألفاظ من بين كلمات اللغات السامية التي تعد بعشرات الآلاف؛ فالأمثلة التي ساقها المؤلف ليست في الحقيقة إلا وليد المصادفة، هذا إلى ما في علاجه لتلك الأمثلة من تأويل وتخريج لا يخلو من التلكف والتعسف.
ثالثتها: من المألوف الشاهد في كل لغات الأمم المتمدينة أن الأصوات اللغوية تتكون بواسطة الهواء في أثناء صعوده من الرئتين وخروجه من الفم، ولا يتكون صوت عن طريق الشهيق أو دخول الهواء من الفم والرئتين إلا ما شاع بيننا من أصوات مبهمة نطلقها وقت الدهشة أو الاستنكار أو التضجر وحين الاستمتاع بشيء من الاشياء. وهي على كل حال ليست من كلمات اللغة المعترف بها.
أما في بعض اللغات البدائية فقد دلت البحوث على أن من أصوات ما يتكون عن طريق دخول الهواء الى الفم والرئتين، ويسميها المحدثون clcks، وقد كثرت هذه الأصوات في بعض لغات أفريقيا التي تمثل مرحلة قديمة لتطول اللغة الانسانية مما جعل المحدثون يفترضون أن اللغة الانسانية في عصور ما قبل التاريخ كانت تشتمل على مجموعة كبيرة من الأصوات التي تتكون بهذه الطريقة.
ب- الميل الى الغناء في أثناء النطق:
دلت الملاحظات الحديثة على أن كثيرا من اللغات في صورها القديمة كانت تعنى بالتنغيم، وتعدد الدرجات الصوتية، من صعود وهبوط في اثناء النطق، وأن مثل هذا قد أخذ في الانقراض تدريجيا حتى أصبح الأمر على الصورة التي نألفها الآن.
كذلك لاحظ الباحثون أن تعدد الدرجات الصوتية لايزال شائع في كثير من لغات الأمم البدائية؛ مما جعل المبشرين من الأوربيين يصفون القوم بأنهم يغنون في أثناء كلامهم حتى ليحسب السامع أن كل كلامهم غناء. وهم عادة ينسبون هذه الظاهرة
ص26
الى قوة العاطفة في هؤلاء القوم، فكلامهم وقت الغضب كلامهم وقت السرور يتضمن سلسلة متنوعة من الدرجات الصوتية.
أما في الأمم المتمدينة، حيث يطالب المرء بضبط النفس فنراه يلتزم في كلامه وتيرة واحدة تكاد تخلو من التنويع.
على أن هذا التنويع في الدرجة الصوتية الذي نلحظه في لغات الأمم البدائية ليست كذلك الذي نلحظه الآن في اللغة الصينية، التي فيها يختلف المعنى باختلاف النغمة الموسيقية، فليس يرتبط التنويع في لغات الأمم البدائية أي نوع من الارتباط بمدلولات الكلمات. وعلى هذا لا يصح أن تعد اللغة الصينية مرحلة قديمة من مراحل التطور اللغوي، بل هي في الحقيقة قد مرت في أطوار كما مرت لغاتنا الحديثة، غير أنها بدلا من أن تفقد هذا التنويع في الدرجة.. فإنها استغلته في أمر آخر وهو التعبير عن المدلولات متباينة للألفاظ.
ويبدو من كل ما تقدم أن اللغات الانسانية، في أقدم صورها كانت مملوءة بمجاميع من الأصوات المتنافرة والكلمات الطويلة الكثيرة الحروف، وكانت تصدر أصواتها عن طريق الزفير والشهيق، فلدخول الهواء الى الرئتين أصوات ولخروج اصوات، وأخيرا كانت أشبه بالغناء منها الى كلام.
صورة خيالية لنشأة اللغة
نستطيع مما كتبه المحدثون أن نتصور الكلمات في نشأتها كثيرة المبنى قليلة المعنى، فكأنما نسمع جعجعة ولا نرى طحنا. أم المجتمع فهو جماعة من الشباب يمرحون ويلعبون ويستمتعون بالنطق، دون هدف معين سوى المتعة واللعب بألسنتهم كما كانوا يلعبون بأيديهم وأرجلهم؛ أي إن اللغة نشأت في صورة لعب ممتع لا تهدف الى إيصال معنى الى السامع، بل كانت أشبه بمناغاة الطفل وأصواته المبهمة التي يطلقها أمامنا دون هدف معين.
ومن الغباوة أن ننساق مع بعض الفلاسفة، الذين تصوروا أن الهدف الأصلي من الكلام كان التفاهم وإيصال المعاني الى السامع، فلم يكن الإنسان الأول معنيا بالأفكار عناية هؤلاء الفلاسفة، ولكن عنايته كانت مقصورة على الغرائز والعاطفة، ولعل الحب والغريزة الجنسية أقوى هذه العواطف، فهو ينطق أو يصوت ليسترعي انتباه الأليف، ويثبت وجوده واستقلاله، كالطير حين ينتقل من فنن الى فنن وهو يغني غناء متواصلا، لعله بهذا ينال الحظوة لدى أليفه من الطيور.
كذلك كان الانسان الأول يغني في أثناء صيده و في حربه، وفي كل ما يقوم به، غناء لا كغنائنا يهدف الى الطرب أو يتضمن أصولا وقواعد وإنما هو تصويت منسجم تتردد فيه الأصوات والمقاطع.
ثم تطور هذا النطق من مجرد اللعب والمتعة وأصبح ذا هدف فيما بعد، واستغل في التعبير عن كل ما يدور بخلد الإنسان من خير أو شر.
ومثل التطور الكلامي كمثل التطور في الكتابة حين بدأت تصويرية قد يرمز فيها المرء بالصورة الواحدة لعبارة ذات أحداث متعددة، ثم صارت أخيرا الى كتابة الهجائية التي ترمز فيها للصوت الواحد بحرف واحد، فأخذ كل حرف الفكرة الكلية وأصبح يستعمل في الكلمات المتباينة. وهكذا الكلام بدأ في صورة كتلية ثم تحللت الكتلة الى عناصر هي التي نسميها الآن بالكلمات.
أما كيف انتقلت الأصوات الخيالية من الدلالة الى ألفاظ ذات دلالات ومعان فنستطيع أن ندركه بسهولة حين نتذكر عمل الطفل وربطه بين ما يسمع وبين ما يشهد من أحداث، مما يؤدي في أخر الأمر إلى فهمه لمدلولات الألفاظ.
فإذا تصورنا زعيما امتاز بالقوة الجسمانية والجرأة ينطق أمام ذويه بأصوات مبهمة، لا يهدف من ورائها الى هدف معين، وتصادف أن حدث حينئذ انتصار على وحش مفترس. ربط السامعون بين هذا الحدث وأصوات الزعيم، وقد يرددون ما يسمعون، ويكررون ترديده كلما تكرر هذا الحدث، حتى أصبح تلك الأصوات بمثابة علم عليه، ولا يلبث العلم أن يتطور الى كلمة عامة. ولدينا في العصور الحديثة كثير من الأمثلة التي تبرهن على امكان تطور العلم الى لفظ عام ذي معنى كلي. فمن (الإله) نشأ (التأله)؛ ومن الشياطين جاء (تشيطن)، ومن إبليس نشأة الأبلسة وأصبح لأمثال العلمين (حاتم ونيرون) دلالات كلية تستغل في لغات كثيرة.
أم الكلمات ذات الصلة الوثيقة بين صوتها ومدلولها وهي التي يطلق عليها onomatopoeia، فأمرها هين ونشأتها واضحة؛ فهي قليلة في كل لغة ولا تفسر الكثرة الغالبة من ألفاظ اللغات. ولذا نرجح أن معظم الكلمات قد أخذت مدلولاتها بطريقة المصادفة؛ أي إنها كانت أصواتا مبهمة لا هدف منها سوى اللعب والمتعة، ثم تصادف أن نطق بها في أثناء حدث من الأحداث، فارتبطت به ارتباط العلمية وتدرج العلم من معناه الخاص الى معنى عام.
فإذا فسرت الأسماء في قوله تعالى (وعلم آدم الأسماء كلها) بمعنى الأعلام، ساير هذا التفسير أحدث ما ينادى به اللغويون في عصرنا الحاضر.
ص28
__________________
(1) carap, Rudolf.
(2) language, its nature p. 415.
(3) راجع موسيقى الشعر ص31.