أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-12-2018
595
التاريخ: 22-2-2019
18977
التاريخ: 28-11-2018
3990
التاريخ: 1-12-2018
3466
|
الفلسفة اللغوية:
أ- إن إقامة "الفلسفة" اللغوية على أساس "منطقي" أو "عقلي" بات أمرا مرفوضا. وتاريخ الدراسات اللغوية خير شاهد على عدم صلاحية المنطق أساسا للدراسة اللغوية، فالمنطق لا يمكن من تفسير كثير من الظواهر اللغوية، أو هو قد يفسرها بطريق التعنت والتعسف، وسبيل التأويل والتعقيد، أو قد يؤدي إلى الاستغراق في الجدال في مسائل لا طائل من ورائها، أو من وراء الجدال فيها.
1- وهذه أمثلة شاهدة بفساد الاعتماد على أصل "منطقي" أو "عقلي" في إقامة الفلسفة اللغوية.
وأول ما يعرض من ذلك هو الصلة بين "النحو" و"المنطق"، هذه الصلة التي كان يراها القدماء صلة "طبيعية" أو "لازمة" أو كما نقول صلة "منطقية"!
ووصل النحو بالمنطق، يرجع إلى اليونان. "فالرواقيون" أنصار "زينون" الذين كانوا يردون كل شيء إلى المنطق، رأوا أن النحو ينبغي أن "يطابق" المنطق، وأن "الأقسام" "categories" النحوية ينبغي أن تطابق "الأقسام" المنطقية.
2- ففي رأيهم مثلا أن هناك توافقا بين علامة الجمع وبين فكرة التعدد. هؤلاء أصحاب قياس رد عليهم من معاصريهم من يدخلون في حسابهم ما يشاهد في اللغة "شذوذ" فقالوا: قد تدل الكلمة الجمع على مفرد(1).
3- كما ردوا على أصحاب القياس(2) في مسألة أخرى هي العلاقة بين "الجنس" في اللغة والجنس في الواقع، فقالوا: إن التقسيم النحوي إلى ما مذكر ومؤنث "وما بين المذكر والمؤنث" "الوسط، المحايد ... " لا يطابق التذكير والتأنيث وما بينهما في الواقع الطبيعي، واستنتجوا من ذلك أنه ليس ثمة تطابق لازم بين اللغة والواقع(3). وقد عرف هؤلاء الأخيرون بأنهم "أصحاب التشذيذ" "المشذذون".
ص66
4- ومن الأمثلة العربية التي تبين أنه ليس ثمة تطابق لازم بين اللغة والواقع، أن اللغة العربية تعامل كلمات في المفرد معاملة المذكر، بينما تعامل جمع هذه الكلمات نفسها معاملة المؤنث: من هذا "كتاب" و"حمّام"، و"قلم"، فكل من هذه مذكر بينما جمع كل منها. وهو "كتب" و"حمامات" و"أقلام"، يعامل معاملة المؤنث. وكلمة "رجل" نفسها تجمع على "رجال"، ومن صور جمعها "رجالات"، والصورة اللغوية لكلمة "رجالات" هي صورة جمع المؤنث.
5- ولو كان التطابق بين اللغة والواقع لازما لاتفقت اللغات جميعا في تقسيم الأسماء من حيث الجنس، ولكن نجد أن من اللغات، كالعربية، ما يكتفي بتقسيم الاسم من حيث "الجنس" قسمة ثنائية ليس غير إلى مذكر ومؤنث، ومنها كاليونانية ما يقسمه إلى ثلاثية إلى "مذكر" و"مؤنث" و"محايد". كما نجد أن أسماء الذوات لا تتطابق في اللغات جميعا من حيث الجنس، وأوضح مثال على ذلك "القمر" و"الشمش". فالقمر مذكر في العربية مؤنث في الفرنسية و"الشمس" مؤنثة في العربية مذكرة في الفرنسية.
6- "ولقد سلَّم اليونان بأن بنية لغتهم اليونانية تبرز الأشكال العام للتفكير الإنساني، لا بل ذهبوا إلى أنها قد تبرز الأشكال العامة للنظام الكوني بأسره. ولقد قاموا تبعا لهذا بملاحظات نحوية، ولكنهم قصروها على لغة واحدة هي اليونانية، وقرروها في صورة فلسفية"(4).
ولقد نتج عن تقديس آراء نحاة اليونانية التي تلقفها عنهم تلامذتهم اللاتين، الذين أخذ عنهم الأوروبيون المحدثون، أن ظل علماء اللغة، إلى ما قبل ظهور علم اللغة الحديث، يقيمون نظرياتهم اللغوية على أسس منطقية فلسفية.
ب- قد تكفي هذه الأمثلة لبيان قصور الفلسفة القديمة التي قامت على أساسها دراسة اللغة عند اليونان والرومان وفي العصور الوسطى، فالنظر في اللغة
ص67
على أساس من "المنطق" الأرسطي أو من أي مذهب فلسفي نظر غير سليم، كما أن دراسة اللغة على أساس من علم النفس دراسة قاصرة غير سليمة. ودراستها على أساس "رياضي" أو "آلي" لا تؤدي إلى النتائج المرجوة.
1- ولكن لا بد من "فلسفة" عامة تقوم عليها دراسة اللغة، ونقصد بالفلسفة هنا مجموعة من المبادئ أو الأصول أو الأسس. ومن الخطأ أن ندرس اللغة مستعينين بفلسفة "خارجية" أي فلسفة مستمدة من غير موضوع الدراسة وهو "اللغة"، أي من الخطأ أن نستعين بفلسفة مفروضة على الموضوع من خارج، أو فلسفة تحقق غرضا آخر غير درس اللغة في ذاتها ومن أجل ذاتها، أو فلسفة قاصرة لا تصلح إلا لبعض جوانب الدراسة. إن هذه "الفلسفة" ينبغي أن تقوم على أساس فهم ماهية اللغة: ما اللغة؟ فيم تستعمل؟ كيف تستعمل؟ متى تستعمل؟ إلى آخر ما يكشف لنا عن حقيقة اللغة. أي أن هذه "الفلسفة" ينبغي أن تستقي عناصرها من طبيعة الأدوار التي تقوم بها في الحياة الإنسانية.
2- إن الباحث اللغوي الحديث يضطر إلى القيام بسلسلة من التجريدات(5) على مستويات مختلفة، حتى يسلم وصفه وتحليله وتصح نتائجه. لا بد لعلم اللغة من أن تكون الطرق العامة التي يضعها لدراسة اللغة مرنة كل المرونة، فضلا عن وجوب كونها دقيقة كل الدقة، حتى يتأتى استعمالها عند درس اللغات جميعها. ولقد أنفق علماء اللغة جهودا متوالية حتى توصلوا إلى جملة من الطرق والوسائل التي يصدق عليها هذا الوصف، ولا يزال اللغويون حتى الآن يوجهون عناية كبيرة إلى تحسين هذه الطرق والوسائل وإلى تدقيقها وتبسيطها وإلى الإضافة إليها.
ما نوع التجريدات التي يقوم بها علم اللغة في سبيل دراسته؟ وما أسسها وما ميدانها وما مداها؟
من المسلم به أنه لا بد لعلم اللغة، كما أنه لا بد لأي علم، من أن يفرد، أو "يعزل" أو "يجرد" شيئا ما ليدرسه. وماهية اللغة توجب أن يكون ثمة أكثر من مستوى للدراسة. فاللغة من حيث كونها أصواتا يدرسها علم الأصوات اللغوية،
ص68
وله وسائله الخاصة به. وتكوين الأصوات في مقاطع وكلمات وجمل على أصوات معينة يدرس تحت اسم المورفولوجيا(6) و"النظم"(7) أي تحت اسم "النحو".
ودراسة اللغة من حيث إنها كلمات تدل على معان، موضوعها علم الدلالة(8). ولعلم الدلالة منهجه ووسائله، فهو يعتمد على دراسة الصوت، وعلى الدراسة، ولكنه يدخل في اعتباره عناصر غير لغوية كشخصية المتكلم وشخصية السامعين، وكالحاضرين، وظروف الكلام ... إلخ، وثمة منهج لدراسة المعنى من الناحية الوصفية، ومنهج لدراسة المعنى من الناحية التطورية "انظر الفصل الخاص بعلم الدلالة".
3- أما المسائل العامة، مثل علاقة اللغة بالفكر، واللغة من حيث نشأتها وتطورها، وانقسام اللغة إلى لهجات، وانبثاق "لغة عامة" عن لهجة أو عن مجموعة من اللهجات، فلكل منها اعتباراتها الخاصة التي ينبغي أن تراعى.
4- ومن أهم ما تعنى به الدراسة اللغوية الحديثة التمييز بين دراسة لغة ما في مرحلة معينة من مراحل تطورها، أي دراستها دراسة "وصفية"(9) أو "حال استقرارها"(10) أو "ثباتها"(11) وبين دراستها من الناحية "التاريخية"(12)، أو "التطورية"(13)، أو "الحركية"(14).
5- ولقد بينت في كتابي "اللغة والمجتمع: رأي ومنهج"(15) أن النظرية "الكلاسيكية" في اللغة تقوم على أساس "منطقي" أو "رياضي" أو "نفسي"
ص69
أو "آلي" تؤدي إلى اعتبار اللغة "مرآة" ينعكس عليها الفكر، أو أداة عاكسة للفكر، أو "مستودعا" للفكر المنعكس، أو وسيلة لتجسيم الفكر أو التعبير عنه، إلى أشباه هذا. أي أن وظيفة اللغة عند أصحاب هذه النظرية هي "التفاهم" أو "توصيل الفكر" أو "التعبير عن الفكر"، ولكن هذ الطريقة لا تمكن من تحليل جميع أشكال "السلوك الكلامي"(16) فليس ثمة، "توصيل" للفكر في أنواع كثيرة من "الوظائف الكلامية"(17) "كالمونولوج" ولا توصيل للفكر في استعمال اللغة في "السلوك الجماعي"(18) كالصلاة والدعاء، وفي استعمال اللغة في المخاطبات الاجتماعية التي تستهدف غاية كلغة التحيات، وفي التلذذ بالأصوات واللعب بها. وذكرت أن الأصح والأدق أن ننظر إلى اللغة على أنها "وظيفة اجتماعية"(19)، على أنها طريقة من العمل(20)، ثم بينت بشيء من التفصيل طرق دراسة الوظيفة الاجتماعية للغة.
ص70
__________
(1) Blomfield Leonard Language p 4.
)2) Analogists.
(3) Anomalists.
(4) Bloomfield Leonard Language p 5.
(5) Abstractions.
(6) Morphology.
(7) Syntax.
)8) Semantics.
(9) Descriptive.
)10) Synchronistic "Synchronic".
(11) Static.
(12)Historical.
(13) Dynamic.
(14) Diachronistios "Diacronie".
انظر في ترجمة هذه المصطلحات الستة ص15، 16 من كتابنا "اللغة والمجتمع رأي ومنهج" وبخاصة هامش ص16.
)15) ارجع إلى البابين الأول والثاني وهما "وظيفة اللغة" أو "دراسة الوظيفة الاجتماعية للغة".
(16)Speech Behaviour.
(17) Speech Functions.
(18) Choric Behaviour.
(19) Social Function.
)20) Mode of Action.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف وحوزة قمّ المقدسة يبحثان سبل تعزيز التعاون في مجال التأليف والتحقيق والفهرسة
|
|
|