أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-2-2019
1902
التاريخ: 21-2-2019
1038
التاريخ: 20-2-2019
1821
التاريخ: 20-2-2019
1809
|
الخوالف:
الخوالف كلمات تستعمل في أساليب إفصاحية، أي: في الأساليب التي تستعمل للكشف عن موقف انفعالي ما والإفصاح عنه, فهي من حيث استعمالها قريبة الشبه بما يسمّونه في اللغة الإنجليزية Exclamation وهذه الكلمات ذات أربعة أنواع:
1- خالفة الإخالة ويسميها النحاة: "اسم الفعل", ويقسِّمونها اعتباطًا ودون سند من المبنى أو المعنى إلى اسم فعل ماض كهيهات, واسم فعل مضارع كوي, واسم فعل أمر كصه, وسنرى بعد قليل بعد ما بين هذه الأفعال وتلك الخوالف.
ص113
2- خالفة الصوت ويسميها النحاة "اسم الصوت", ولا يقوم دليل على اسميتها لا من حيث المبنى ولا من حيث المعنى, فهي لا تقبل علامات الأسماء "إلّا على الحكاية شأنها في ذلك شأن الأفعال والجمل". وذلك نحو: هلَّا لزجر الخيل, وكخ للطفل, وعاه للإبل, وهج للغنم, وحشر للحمار, وبس للقطة, وكذلك أصوات دعوة الحيوان, وحكاية الأصوات مثل: هأ هأ لحكاية الحك, وطاق للضرب, وطَقْ لوقع الحجر, وهلم جرا.
3- خالفة التعجب ويسميها النحاة صيغة التعجب, وليس هناك من دليل على فعليتها، بل إن هناك ما يدعو إلى الظنّ أن خالفة التعجب ليست إلّا أفعل تفضيل تُنُوسِيَ فيه هذا المعنى وأدخل في تركيب جديد لإفادة معنى جديد يمت إلى المعنى الأول بصلة, وليس المنصوب بعد إلّا المفضَّل الذي نراه هنا بعد صيغة التفضيل, ولكنه في تركيب جديد وبمعنى جديد, وليست العلاقة بين الصيغة وبينه علاقة التعدية, وقد سبق لنا أن ذكرنا أمر نقل الصفة إلى علم, والفعل إلى علم "ومن العلم ما ينقل", ونقل الظروف إلى أدوات, والإشارة المكانية إلى الظرفية, وبعض حروف الجر إلى الظرفية, فلا جرم أننا نزعم هنا أن صيغة التعجب هي صيغة التفضيل منقولة إلى معنى جديد في تركيب جديد, ولا سيما لأنها ورد تصغيرها كما يصغَّر التفضيل, وإن شروط صياغتهما واحدة.
صغ من مصوغ من للتعجب ... أفعل للتفضيل وأب اللِّذْ أبى
وما به إلى تعجب وصل ... لمانع به إلى التفضيل صل
ولكن هذه الصيغة في تركيبها الجديد أصبحت مسكوكة لا تقبل الدخول في جدول إسنادي كما تدخل الأفعال, ولا في جدول تصريفي كما تدخل الأفعال والصفات, ولا في جدول إلصاقي كما يدخل هذان ومعهما الأسماء, ولعل فيما يأتي ما يوضح بعض الفهم الذي خطر لي بالنسبة لتركيبي التعجب:
4- خالفة المدح أو الذم, ويسميها النحاة: "فعلي المدح والذم", ولكنهم اختلفوا حول المعنى التقسيمي لهاتين الخالفتين, فرآها بعضهم أفعالًا ورآها آخرون أسماء(1), وذهب كل من الفريقين يلتمس القرائن المؤيدة لرأيه, فأما القائلون بالفعلية فقالوا: إنها ترفع الاسم الظاهر وضميره, وتقبل التاء الساكنة كالأفعال, وأما القائلون بالاسمية فقالوا: إن حرفي الجر والنداء يدخلان عليها, فالنظام الذي بينها وبينهما قرينة على اسمتيها, وغفل الأوّلون عن أنّ هذين اللفظين لا يقبلان من علامات الأفعال إلّا هذه التاء الساكنة, أما تاء فعلت وياء افعلي ونون أقبلن والتصرف إلى مضارع وأمر, بل التصرف في داخل الإسناد فيما عدا قبول تلك التاء, فلا يقبل شيئًا منه, وكل ذلك يطعن في فعليتهما, وغفل الآخرون عن أن حرف الجر يدخل على الجملة المحكيّة حين يقصد لفظها, فليس في دخول الباء على نعم في "والله ما هي بنعم الولد" ما يؤكد اسميتها, ولا سيما إذا نظرنا إلى إبائها قبول بقية علامات الأسماء, زد على ذلك أن هذين اللفظين ليس معناهما الفعل الماضي كما زعم القائلون بذلك، وإنما معناهما الإفصاح عن تأثر وانفعال دعا إلى المدح أو الذم, بل إن ابن جني في اللمع يقول: إن معناهما "المبالغة" في المدح والذم, وتعبيره بالمبالغة يتَّجه اتجاه تعبيري بالإفصاح, وفي كلا التعبيرين إشارة إلى ما هو أكثر من مجرد المدح أو الذم. والذي يقال في نعم وبئس يقال أيضًا في حبذا ولا حبذا, فلا صلة لهما بمعنى مشتقات مادة "ح ب ب", وإنما يقوم التعبير بهذه الخوالف الأربع جميعًا مقام التعبيرات المسكوكة كما سبق في التعجب, فالتعبير هنا بكلماتٍ لا تتغيّر صورتها ولا يتغير ما تقرر لها من الرتبة, فهي على حد تعبير الأشموني جارية مجرى الأمثال(2), أو كما قال ابن مالك: فهو يضاهي
ص115
المثلا" انظر مثلًا إلى الرتب التي تتضح من وضع بعض الكلمات بالنسبة للبعض الآخر:
نعم الرجل زيد حبذا الرجل زيد
زيد نعم الرجل ـــــــــــــــــــــــــ
نعم رجلًا زيد حبذا رجلًا زيد
نعم زيد رجلًا حبذا زيد رجلًا
وخير إعراب لهذه الخوالف أن يعتبر المخصوص مبتدأ غير محفوظ الرتبة؛ إذ قد يتقدَّم أو يتأخر, وما سواه في التعبير خبر, فإذا نظرنا إلى هذا الخبر وجدناه يشتمل على الخالفة وضميمتها التي تعتبر دائمًا أعمّ من المخصوص, ويعتبر المخصوص من جنسها, ولذلك تقف دائمًا منه موقف التفسير, وهذه الضميمة قد تلحق فيها الألف واللام فترفع, وقد تتجرَّد منها فتنصب, وبين الخالفة وهذه الضميمة رتبة محفوظة فلا تتقدم الضميمة على الخالفة.
والقسط المشترك في معاني هذه الخوالف جميعًا ما ذكرناه من أن لها طبيعة الإفصاح الذاتي عمَّا تجيش به النفس, فكلها يدخل في الأسلوب الإنشائي, وتبدو شديدة الشبه بما يسميه الغربيون affective language, وجميعها يحسن بعده في الكتابة أن نضع علامة تأثر"! ", فالفرق بين "شتان زيد وعمرو" وبين "افترق زيد وعمرو", هو فرق ما بين الإنشاء والخبر, فلا تصلح الثانية لشرح الأولى؛ إذ لا تساويها في المعنى, ومثل ذلك الفرق بين "أوه" وبين "أتوجع", فلو أنك أحسست بألم مفاجئ فقلت: "أوه" لحق على الناس أن يسرعوا إلى نجدتك, ولكنك لو قلت في هذا الموقف نفسه: "أتوجع" لسألك السامع: ممَّ تتوجع؟ ولم يخف إلى نجدك لأنّ ما قلته "خبر" مجمل يحتاج إلى تفسير, ويحتمل بعده استفهامًا، وليس إنشاء يتطلب استجابة عملية سريعة، ومثل ذلك يقال عن خوالف الأصوات كزجر الحيوان وإغرائه, وعن خوالف المدح والذم والتعجب, ولك أن توازن
ص116
بين ما يأتي:
أمدح زيدًا أذم عمرًا أعجب لزيد أخبار |
أخبار
|
نعم زيد رجلًا بئس عمرو رجلًا ما أحسن زيدًا |
إفصاحات
|
ولربما كان من المستحسن أن يضمَّ إلى هذه الأساليب الإفصاحية الندبة والاستغاثة والتحذير والإغراء, ولكنَّ ضم هذه الأساليب إلى ما ذكرنا لا يتمّ على المستوى الصرفي؛ لأن هذه الأساليب الأخيرة لا يعبر عنها بالخوالف, فلها مثل الإفصاح المذكور, لكن على مستوى النحو لا مستوى الصرف.
وتمتاز هذه الخوالف مبنى ومعنى عن بقية أقسام الكلم الفصيح، وهاك جوانب امتيازها بالتفصيل:
1- من حيث الرتبة: الملاحظ أن جميع هذه الخوالف تأتي مع ضمائم معينة, وأن الرتبة بين الخالفة وبين ضميتها محفوظة, كما يتضح من الرتبة بين نعم وضميمتها المصغرة للمخصوص, والرتبة بين خالفة التعجب وبين الأداة, وكذلك بينها وبين المتعجب منه, وكالرتبة بين "أفعل" وبين ما لحقت به الباء بعده, وكالرتبة بين الإخالة وما يأتي معها إلخ.
2- من حيث الصيغة: جميع هذه الخوالف صيغ مسكوكة ldioms, ومن هنا كانت محفوظة الرتبة كما سبق, مقطوعة الصلة بغيرها من الناحية التصريفية, وذلك هو قول الأشموني في صيغة التعجب(3): "ليكون مجيئه على صورة واحدة أدلّ على ما يراد به", على أن هناك صيغًا قياسية تأتي على معنى خوالف الإخالة, ولا تعد منها مثل: نزال ودراك, فهي بالنسبة للخوالف إذ تأتي بمعناها كالمصدر بالنسبة للفعل حين يأتي بمعناه نحو: "فندلًا زريق المال" فكما أننا لا نعتبر المصدر فعلًا حين يؤدي وظيفة الفعل فكذلك لا نعتبر هذه الصيغ القياسية خوالف لأدائها وظيفة الخوالف, والأَوْلَى بهذه الصيغ القياسية أن تلحق بقسم المصادر من أقسام الكلم.
ص117
3- من حيث الإلصاق: تلحق نون الوقاية بصيغة واحدة من هذه الخوالف هي "ما أفعل", كما تلصق بهذه الصيغة ضمائر النصب المتصلة, وتلصق تاء التأنيث بنعم وبئس, كما تلصق ضمائر الجر المتصلة "بإيا" حين تستعمل استعمال الخوالف نحو: "إياك", ومن هذا نرى أن الخوالف تشارك من حيث الإلصاق الأفعال حينًا, والأسماء والصفات حينًا, والأدوات حينًا ثالثًا, ولكنها لا تعد واحدة من أيّ قسم منها.
4- من حيث التضام: ذكرنا تحت رقم1 هنا أن الخوالف تأتي مع ضمائم معينة من الأدوات والمرفوعات والمنصوبات والمجرورات, وبقي أن نشير إلى أن بعض هذه الضمائم مما يفتقر إليه الخوالف افتقارًا متأصلًا كافتقار خالفة التعجب إلى "ما" أو"باء الجر".
5- من حيث الزمن: على الرغم مما نسبه النحاة إلى الخوالف من معنى الزمن, فجعلوا خوالف المدح والذم والتعجب على معنى المضي, وقسموا خوالف الإخالة بين المضي والحالية والاستقبال, فإن هذه الخوالف لا ترتبط بمعنى زمني خاص, ولا تتصرف تصرف الأفعال.
6- من حيث التعليق: تقوم الخوالف بدور المسند دون دور المسند إليه, ولعل هذا هو الذي جعل النحاة يعدون معظمها أفعالًا, ولكن الذي يفرّق بينها وبين الأفعال أنها لا توصف بتعدٍّ ولا لزوم بالنسبة لما يصاحبها من المنصوبات, ولا تدخل في علاقة النسبة مع ما يصاحبها من المجرورات.
7- من حيث المعنى الجملي: ذكرنا أن جميع الجمل المركبة من الخوالف وضمائمها جمل إفصاحية إنشائية, وبهذا تختلف الخوالف عن بقية أقسام الكلم.
ص118
__________
(1) الأشموني: باب نعم وبئس.
(2) انظر الأشموني والمقرب لابن عصفور.
(3) شرح الأشموني: باب التعجب ص365, تحقيق: محي الدين.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|