أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-4-2019
1385
التاريخ: 11-2-2019
397
التاريخ: 11-2-2019
398
التاريخ: 21-4-2019
609
|
الصوت اللغوي:
حين يتكلم المتكلم، نلاحظ أنه يقوم بحركات خاصة بفكه الأسفل، وشفتيه ولسانه، ونلاحظ كذلك أن أثرا سمعيا معينا يصل إلى آذاننا، فنفهم أنه مرتبط بهذه الحركات التي في فم المتكلم.
هذا الأثر السمعي لا يبدو في مظهر ذبذبة مستمرة طويلة غير معدلة، كالتي نسمعها من صفارة الإنذار، أو من صفارة القطار، وإنما هي معدله بمقدار ما يصاحبها من حركات الفم، التي ذكرناها في البداية، هذه الحركات النطقية ملونة بألوانها الصوتية الخاصة، هي ما اصطلح العلماء على تسميته بالأصوات اللغوية، فالصوت
ص63
اللغوي إذا ذو جانبين أحدهما عضوي والآخر صوتي؛ أو بعبارة أخرى أحدهما حركي والثاني تنفسي؛ أو بعبارة ثالثة أحدهما يتصل بعملية النطق، والثاني يتصل بصفته، وعملية النطق هذه تحدث في أية نقطة مما بين الشفتين، والأوتار الصوتية في الجهاز النطقي الإنساني.
ويجب أن نشير هنا إلى حقيقة عامة، تتصل بحركات هذا الجهاز هي أن بعض أعضائه ثابت، والبعض الآخر متحرك، فالأجزاء الثابتة هي الأسنان واللثة والغار، والجدار الخلفي للحقح، والأجزاء المتحركة هي الشفتان واللسان من طرفه إلى ما يشمل لسان المزمار، والفك الأسفل والطبق بما فيه اللهاة والحنجرة والأوتار
ص64
الصوتية والرئتان، أضف إلى ذلك الحجاب الحاجز، وبعض العضلات البطنية، وهذان الأخيران سوف لا يدخلان في دراستنا هذه.
وهناك حقيقة أخرى، لا بد من الإشارة إليها هي أن الوظيفة الأساسية لهذا الجهاز، ليست متصلة بالنطق اللغوي، وإنما تؤدي وظيفة حيوية بالعمل على جعل استمرار الحياة أمرا ممكنا، فالشفتان صمام لحفظ الطعام من الانتشار أثناء المضع، وتستعملان كذلك في المص والبصق؛ والأسنان والأضراس لتقطيع الطعام ومضغه، واللسان، وهو عضلة في نهاية التعقيد من ناحية تركيبه، وحركته، يساعد على خلط الطعام في الفم، ويفصل سقف الفم بين تجويفين يختلفان في الوظيفة، هما تجويف الفم وتجويف الأنف، والتجويف الأنفي حجرة لتكييف الهواء قبل هبوطه إلى الرئتين، والحلق ممر الهواء، وهو ينتهي بالأوتار الصوتية، التي هي جزء من الحنجرة، وهذه الأوتار صمام لحفظ الرئتين من الأجسام الغربية، ولحبس الهواء فيهما لأغراض مختلفة، منها السعال وحمل الأحمال الثقيلة، والرئتان تكرران الهواء، وترسلانه إلى القلب، ويتم هذا التكرير عن طريق التنفس.
ولكن الضرورة الاجتماعية مضافة إلى الذكاء الإنساني خلقا وظيفة ثانوية لهذا الجهاز الحيوي، هي وظيفة النطق اللغوي، ويستطيع الإنسان بتحريك الأجزاء القادرة على الحركة من هذا الجهاز، وتقريبها من أجزائه الأخرى أن يحدث تضييقا في مجرى هواء، كما يستطيع بإلصاق الأجزاء القادرة على الحركة أيضا بالأجزاء الأخرى منه، أن يقفل مجرى الهواء إقفالا تاما؛ وبهذا التضييق وذلك الإقفال، أو عدمهما يستطيع المرء أن يحدث من الأصوات ما لا حصر له، ولعل عدد الأصوات المستخدمة في جميع اللغات الإنسانية في كوكبنا هذا، لم تستنفد كل الإمكانيات الصوتية في الجهاز النطقي الإنساني، ولكن هذه الجمهرة الضخمة من الإمكانيات النطقية، لا تستخدم كلها في لغة واحدة، وإنما تختار كل لغة منها طائفة قليلة متباينة، يختلف بعضها عن بعض؛ إما من ناحية مكان التضييق أو الإقفال الذي هو المخرج، وإما من ناحية الأثر الصوتي المسموع جهرا كان أو همسا، وإما من ناحية الطريقة التي يخرج بها الهواء عبر المخرج، سواء كانت هذه الطريقة انفجارا
ص65
أو احتكاكا أو خروجا حرا، وإما من ناحيتين أو أكثر من هذه النواحي.
ويحس المتكلم العادي دائما، إذا كان واعيا بالأصوات التي يتكلمها، أن هذه الأصوات لا تعدو بحال عدد الرموز الكتابية في لغته، ولكن هذا الإحساس خاطئ بالطبع، وربما لا يكون من بين المتكلمين بلهجة القاهرة من يدرك بلا إرشاد أن اللام في طلب، من الناحية الصوتية، غير اللام في ثلاثة، وأن التاء في يتعلم غير التاء في يتصرف؛ لأن من عادته أن يعامل الصوتين في كل حالة معالة الحرف الواحد، فإذا كانت اللامات والتاءات تختلف في اللهجة الواحدة، فلا شك أن في لغات العالم، عددا ضخما من اللامات والتاءات، التي يختلف كل منها عن الآخر مخرجا جهرا، أو همسا أو طريقة أو درجة، أو رنينا أو تفخيما أو ترقيقا.
فلا يغرنك إذا أن تسمع المتكلم الأجنبي يأتي في كلامه بأصوات، تذكرك بأصوات لغتك، فتظن بادئ ذي بدء أن هذا هو عين الصوت الذي تتكلم به أنت، فأنت إذا دققت السمع وجدت فرق ما بين السماء، والأرض بين صوتك الذي في كلامك، وصوته الذي في كلامه، وذلك فرق يبدو بدقة الملاظة، كما يبدو بالوسائل الميكانيكية، التي تستخدم في البحث في معمل الأصوات اللغوية، تلك الوسائل التي سنشرحها بعد قليل، وهذا الفرق من ناحية أخرى يرجع إلى
اختلاف نوع التكييف العضلي الذي يصحبه، وهذا التكييف أمر فردي في طابعه، حتى ليختلف الأخوان في طريقة النطق، ويختلف الشخص مع نفسه من نطق إلى نطق، بحسب ظروفه العضلية والنفسية.
ولكن لا جدال في أن التاء، إن اختلفت من فرد إلى فرد، ومن لهجة إلى لهجة ومن لغة إلى لغة، فهي في مجموعها نوع نطقي معين تشترك اللغات فيه، وتختلف
في أفراده، وهذا هو الذي يبرر كتابة أسماء الأعلام في اللغات الأجنبية بمقابلات رمزية عربية. لاحظ التاء مثلا في الكلمات الآتية:
ستالين، تورين، تفليس، سان استيفانو، مارجريت، كلكتا.
وإنك لتجد رموزا عربية أخرى في هذه الكلمات إلى جانب التاء، يمكن أن
ص66
يقال فيها ما يقال في التاء، وهذا أيضا هو المبرر الوحيد لخلق أبجدية أصواتية عالمية محدودة عدد الرموز، فكل رمز في هذه الأبجدية نوعي "Typologcil"، يدل على طائفة من حالات النطق تشترك في سلوك عضلي وسمعي معين، وتختلف في تفاصيل نطقها وسماعها، ففي العربية تاء وفي الإنجليزية
أخرى وفي الهندستانية ثالثة، ولكن العربية أسنانية مهموسة، والإنجليزية لثوية مهموسة، والهندوستانية انقلابية retroflex أقل همسا من كليتهما؛ ومع ذلك فإن الكلمة الإنجليزية التي بها تاء مثل "توماس"، إذا نقلت إلى العربية ابتدأت بالتاء أيضًا.
ولكننا ضربنا مثلا بالتاء فحسب، مع أن الواقع أن ذلك يقال عن كل ما في اللغة من رموز أصواتية، ولقد سبق أن قلنا: إن في اللغة العربية حرفا يضم اسمه في مفهومه طائفة من الأصوات، التي تختلف في مخارجها من الأسنان في الأمام إلى اللهاة في الخلف، لاحظ نفسك وأنت تنطق النون في قولك: "من ظلم" "مع ملاحظة أن اللسان لا بد أن يخرج مع الظاء"، وستجد أن النون صوت يخرج اللسان معه، كما يخرج مع الثاء والذال والظاء، ثم لاحظ نفسك أيضا وأنت تنطق النون في "من شاء"، "من جاء"، "من خرج"، "من غاب"، "من قعد"، "من بات"، "من يكون"، ثم في قولك: "أنا"، وستجد -لا محالة- أن بعض هذه الأصوات يختلف عن بعض، ولكنها كلها تلتقي تحت مفهوم حرف النون. ولاحظ كذلك أننا قد قابلنا النون الأجنبية بنون عربية في ثلاثة من الأمثلة، التي جئنا بها من قبل، وهي:
ستالين، تورين، سان استفانو.
ولست أريد هنا أن أدخل في مسألة نقل الأعلام الأجنبية بحروفها إلى اللغة العربي، واستعارة الكلمات الأجنبية بحروفها كذلك؛ فلهذا النقل نظام خاص من المقابلات لا أحب أن أخوض فيه في هذا الكتاب، ولكن الذي أحب أن أقوله هنا، هو أن لدراسة الأصوات منهجا خاصا بها تبحث على أساسه، وما دام إنتاج الصوت عملا فرديا -وقد سبق أن قلنا: إن الأخوين لا ينطقان نطقا متشابها
ص67
تماما- فإن دراسة الأصوات، إنما تقوم على أساس فردى لا جمعي؛ وذلك أنك تختار من اللهجة، التي تريد أن تدرسها من الناحية الصواتية، متكلما من متكلمي هذه اللهجة نشأ عليها من طفولته، مع تفضيل المتكلم الذي لم يغادر المنطقة اللغوية، التي تتكلم اللهجة فيها طول حياته؛ فهذا خير من يمثلها تمثيلا صحيحا، والأفضل في ذلك أيضا أن يكون ذلك المتكلم "ولنسمه بعد ذلك مساعد البحث" أميالا يعرف القراءة، والكتابة؛ لأن للقراءة والكتابة تقاليدها التي لا تتمشى دائما مع المنهج الصحيح، فإذا كان المساعد قارئا كاتبا تدخلت معرفته بذلك في مجرى البحث، وضيعت كثيرًا من الفائدة على طالب البحث.
لقد حدث حين درست لهجتي الخاصة "لهجة الكرنك مركز أبي طشت بمديرية قنا"، لدرجة الماجستير في جامعة لندن أن اتخذت نفسي مساعدا لنفسي، حيث كنت طالب البحث، فلما سجل رسالتي للدكتوراه في دراسة أصوت لهجة عدن وتشكيلها الصوتي، حدث أن اتخذت مساعدا لي عدنيا، كان يدرس القانون في لندن، وقد كان أول عملي معه أن أستمليه بعض القصص والحكايات باللهجة العدنية، وأن أسجل بعض ذلك على إسطوانات في معمل الأصوات، بمعهد اللغات الشرقية في لندن.
وكنت إذا تم التسجيل أدرت هذه الإسطوانات جملة جملة، وربما كررت إدارة الإسطوانة للجملة الواحدة عشرين إلى ثلاثين مرة أو أكثر، حتى أحصل منها على الأثر الصوتي المرضي، فأسجله بكتابة أصواتية مضبوطة محددة الرموز. ويتم ذلك عادة بحضور المساعدة، حتى يصحح لسمعي ما قد تدغمه الإسطوانة حين سماعها.
فإذا وجدت كلمة غامضة في سماعها من الإسطوانة، طلبت إلى المساعد أن يكررها؛ فلا يزال يكررها حتى أطلب إليه أن يكف، ثم أدير هذه الكلمة بخصوصها على الإسطوانة، وأقارن بين السماعين حتى يتضح ما في الإسطوانة لأذني، ومع أن لهجة عدن ولهجتي الخاصة بينهما وضوح متبادل -لأنهما، كما يعلم القارئ، ينتميان إلى لغة واحدة هي اللغة العربية- لم يكن من السهل علي في بعض الحالات أن أحدد مفاصل الكلمات، فأعلم أين تبدأ الكلمة وأين تنتهي، ذلك؛ لأن تحديد الكلمات في أية لهجة غير معتادة بالنسبة للباحث، إنما يقوم على أسس معقدة أصواتية، وتشكيلية وصرفية ونحوية، وعلى عوامل أخرى.
ص68
|
|
لصحة القلب والأمعاء.. 8 أطعمة لا غنى عنها
|
|
|
|
|
حل سحري لخلايا البيروفسكايت الشمسية.. يرفع كفاءتها إلى 26%
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|