أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-4-2019
1365
التاريخ: 19-3-2019
918
التاريخ: 22-4-2019
5662
التاريخ: 21-4-2019
935
|
العصور القديمة
أ - قبل عصر النحاة:
-1 إن النظر في اللغة قديم جدا قد يرجع إلى وقت أن أخذت الجماعات البشرية في الكلام ثم دق نسبيا بعد نشأة الكتابة، ولكن الدراسة "العلمية" حقا للغة جد حديثة، وتصورات البشر عن اللغة آخذه من نوع مجتمعهم، وتراثهم الثقافي، وخاصة من دينهم، فالإله تحوت عند قدماء المصريين كان قلب "رع" ولسانه، وعن طريقه نطقت وصية الله في الأرض فوجدت الخليفة. واليونان كذلك قد تخيلوا خلقا للغة والكتابة، وكذلك الحال عند الهنود وعند غيرهم من الأمم القديمة.
شغل القدماء بالبحث في نشوء اللغة، وفي تعدد اللغات واختلافها، ونجد شواهد على ذلك في "سفر التكوين"، فالإنسان الأول قد اخترع أسماء للحيوان، وقصة بابل تفسر تعدد اللغات.
-2 ثم إن اختراع الكتابة، التي تمثل الكلام بأي صورة من الصور، يعتبر نوعا هاما من أنواع النظر في اللغة، وهذا الاختراع حدث هام في تاريخ البشرية: إن هذا الاختراع، مع اختلافات كتابات الجماعات المختلفة، قد دفع بالدراسات اللغوية خطوة كبيرة إلى الإمام، وذلك لأن تمثيل الكلمات الملفوظة برموز كتابية ينطوي على إدراك ماهية المقطع، وذلك في الكتابة المقطعية، وماهية "الصوت" وذلك في الكتابة الألف بائية، وماهية "الكلمة": إنه ينطوي على تجريدها من سلسلة الكلام المنطوق، وينطوي على تحليل هذه السلسلة(1).
ص257
وقد أظهرت الكتابة، كذلك، الفرق بين لغة جيل ولغة الأجيال السابقة عليه. وأحيانا تحتفظ الكتابة بصور قديمة لأن لها صفة مقدسة، وهذه أحوجت إلى تفسيرات، ومن ثم نجد أن قدماء الهنود قد شغلوا منذ وقت بعيد جدا بتحليل أصوات لغتهم السنسكريتية وصورها.
ب- الهنود:
أثر عن الهنود أصحاب الخط الدافناجري(2) الرائع الدقيق نحو وصفي دقيق للغة السنسكريتية لا يعتمد على المنطق شأن النحو اليوناني.
وقد وصف "بانيني"(3) وهو نحوي هندي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد، والقوانين الصوتية والنحوية للغة السنسكريتية وصفا يبلغ درجة كبيرة من الدقة، حتى إنه يُحكى في بعض الروايات أنه تلقى هذا العلم عن طريق الوحي والإلهام. وقد تناولت الأجيال التالية عمله بالشرح والتعليق. ويرى المحدثون من علماء اللغة أن "بانيني" هو خير النحاة الوصفيين القدماء.
وقد سبق لنا أن عرفنا بجهود الهنود في مجال الأصوات اللغوية، وبينا أن وصفهم لأصوات لغتهم يفوق وصف اليونان لأصوات لغتهم.
جـ- اليونان:
أثر عن اليونان القدماء كذلك آراء صوتية لغوية ومحاولات لوصف اللغة اليونانية. وقد سبق أن عرفنا في باب "علم الأصوات اللغوية" بالآراء الصوتية المأثورة عن اليونان، وقارنا بينها وبين ما أثر عن العرب.
1- ولما كان اليونان فلاسفة أكثر من كونهم علماء دين فقد كانت نظريتهم ميتافيزيقية شيئا ما:
فلقد تساءلوا عن ماهية اللغة وعن أصلها، وعن ماهية الكلمة، وتساءلوا: هل هناك علاقة طبيعية وضرورية بين الكلمة وبين الشيء الذي ترمز إليه؟ أتعلق
ص258
المعاني بالكلمة تعلق بالطبع أم تعلق بالاصطلاح؟ ذهب إلى الرأي الأول بروديكوس(4) وسفسطائيو القرن الخامس قبل الميلاد.
أما الرواقيون أنصار زينون الذين يردون كل شيء إلى المنطق، فقد رأوا أن النحو ينبغي أن يطابق المنطق، وينبغي أن تطابق "الفصائل" أو "الأقسام" النحوية أقسام المنطق أو "مقولاته"، وفي رأيهم أن ثمة توافقا بين علامة الجمع مثلا وبين فكرة التعدد. هؤلاء أصحاب قياس. وقد رد عليهم أولئك الذين يدخلون في حسابهم ما يشاهد في اللغة من "شذوذ" فقالوا: قد تدل الكلمة الجمع على مفرد، والتقسيم النحوي إلى مذكر ومؤنث ومحايد، لا يطابق التقسيم على أساس "الجنس" في الواقع الطبيعي، واستنتجوا من ذلك أن ليس هناك تطابق لازم بين اللغة والواقع.
2- ومن أمثلة نظر اليونان في "أصل اللغة" أن هيرودت يروي في القرن الخامس قبل الميلاد أن أبسماتيك(5) فرعون مصر، وقد أراد أن يعرف أي الأمم أعرق وآصل، عزل طفلين حديثي الولادة وحدهما في حديقة، فلما أخذا في الكلام نطقا بكلمة Bekos وهي الكلمة "الفريغية"(6) التي تدل على "خبز".
3- وأفلاطون "427-347ق. م" في محاورته المسماة "كراتيلوس"(7)، يناقش أصل الكلمات، ويناقش مسألة هامة ظلت تشغل اللغويين والمفكرين أزمنة طوالا هي مسألة العلاقة بين "الأشياء" و"الكلمات" التي تسميها: أهي علاقة طبيعية وضرورية أم أنها لا تعدو أن تكون ثمرة "اصطلاح" الجماعات؟ (8).
ص259
4- لم يدرس قدماء اليونان سوى لغتهم، ولكنهم سلموا بأن "بنية" لغتهم تجسم الصور العامة للتفكير الإنساني، أو ربما تجسم الصور العامة للنظام الكوني بأسره. فملاحظاتهم النحوية محدودة بلغتهم ومكررة في صورة فلسفية. وهذه الملاحظات النحوية تبلغ كمالها في نحو ديونيزيوس ثراكس(9) "القرن الثاني قبل الميلاد"، وفي نحو أبولونيوس ديسكولوس(10) في القرن الثاني بعد الميلاد.
5- إن الصفة الغالبة على النحو اليوناني هي الكشف عن قواعد تميز صواب الكلام من خطئه، ثم فرض هذ القواعد، فالنحو اليوناني بهذا الاعتبار نحو تقعيدي تعليمي.
ليست الملاحظة الموضوعية الخالصة هي الغالبة إذن، بل الرغبة في التوفيق، بكل وسيلة ممكنة، بين اللغة والمنطق، ووضع كلمات اللغة وتعبيراتها و ... إلخ في قوالب تيسر تعلمها فالنحو اليوناني منطقي تربوي.
6- والحق أن نحويي اليونان قد قاموا كذلك ببعض الملاحظات اللغوية التفصيلية فيما يتعلق ببعض الصور القديمة من اليونانية، وببعض لهجاتها.
فالإلياذة والأوديسا كانتا مكتوبتين بلغة يونانية قديمة كانت غير معروفة وقت كبار النحاة، فكان عليهم أن يدرسوا لغتهما، وأن يقابلوا بين نسخها المختلفة لتقويم نصها. وكان أشهر الباحثين في هذا الميدان أريستاخوس(11) "ولد حوالي 216ق. م. ومات سنة 144ق. م".
ص260
ولما بعد العهد بلغة كبار الأدباء الأثينيين من القرن الرابع اتخذت لغتهم موضوعا خاصا للدراسة. فقد كانت المثل الأعلى للغة الكتابة، وقد جمع بعض متأخري النحاة معلومات قيمة عن الملاحظات اللغوية التفصيلية في هذا الشأن، ومن أشهر هؤلاء هيروديان(12) بن أبولونيوس.
7- وقد كان لمدرسة الإسكندرية القديمة فضلها في حفظ الآثار الأدبية اليونانية القديمة بوجه خاص. ففي الإسكندرية التي أصبحت مركز الثقافة اليونانية، كثرت الشروح في القرن الثالث قبل الميلاد على أشعار هوميروس، وأشعار سواه من الشعراء. واهتم لغويو الإسكندرية كذلك بدراسة "مفردات" النصوص، ومن ذلك جمع الألفاظ الصعبة، أو الكلمات الشعرية، أو الكلمات التي تنتمي إلى لهجات خاصة.
د- الرومان:
كان الرومان تلامذة لليونان في الدراسات اللغوية. وقد سبق أن عرفنا تعريفا مجملا بما أثر عنهم من ملاحظات صوتية "ص -255". وقد أخذت روما تشارك في الدراسات اللغوية منذ القرن الثاني قبل الميلاد. وقد وضع الرومان أنحاء اللغة اللاتينية على غرار النحو اليوناني، ومعنى ذلك أنهم وضعوا لغتهم في الإطارات التي تصورها اليونان للغتهم اليونانية، وهذا خطأ منهجي كبير. ولم يبلغ الرومان من الدقة في وصفهم لغتهم ما بلغه اليونان في وصف اليونانية، بله ما بلغه الهنود في وصف السنسكريتية.
ومن مظاهر هذا أننا نواجه كثيرا من الصعوبة في معرفة نطق الرومان للغتهم، "ولا سيما تحديد مواضع الارتكاز" وفي معرفة أوزانهم الشعرية.
ومن أشهر النحاة الرومان فارو(13) من القرن الأول قبل الميلاد، وقد كتب De Lingua Latian "= عن اللغة اللاتينية" ودوناتوس(14) من القرن بعد الميلاد، وقد كتب Ars Grammatica "= صناعة النحو"، وبريسكيان(15) من القرن السادس بعد الميلاد.
ص261
__________
(1) الكتابة الهيروغليفية تعبر عن الكلمات برموز ولكنها لا تعطي أي فكرة عن النطق. والكتابة المقطعية Syl - labic تحمل الكلمة إلى مجموعات أكبر من الأصوات وتعبر بعلامة واحدة على مجموعة من الأصوات كالكتابة المسمارية.
أما "الكتابة الألف بائية" أو الأبجدية، وهي أرقى تطورا من الكتابات السابقة، فقد جردت أصواتا أولية تتكون منها اللغة التي تمثلها، وهي تحاول أن ترمز إلى كل صوت من هذه الأصوات الأولية برمز كتابي واحد.
(2) Davenagri Script.
(3) Panini.
(4) Prodicus.
(5) Pasmmethikus.
(6) Phrygian.
(7) Cratyllus.
)8) يقول بلومفيلد في كتابه Language ص4، 5.
إن هذه المحاورة تعطينا لمحة أولى عن مسألة طال الخلاف فيها بين "أصحاب القياس" Analogists وبين "أصحاب التشذيذ" Anomalists: فأصحاب القياس كانوا يعتقدون أن اللغة في أساسها "طبيعية" natural وهي لذلك "منتظمة" "أي "مطردة" القواعد" reguler و"منطقية" logical، أما أصحاب التشذيذ فكانوا ينكرون هذه الأمور، ويشيرون إلى الشواذ الملحوظة في التركيب اللغوي.
كان القياسيون يعتقدون أنه من الممكن تتبع أصل الكلمات ومعناها بالنظر في أشكالها، وسموا البحث في هذا، "الاشتقاق" Etymology ومثل بلوميفلد هذه النظرية مصطنعا أمثلة إنجليزية، قال: من الواضح أن كلمة blackbird تتكون من blac وbird فهذا النوع من الطير إذن قد سمي بهذا الاسم من أجل لونه الأسود، وهذه التسمية صادقة حقا على هذه الطيور فهي "طيور" "وهي "سوداء". وعلى هذا المنوال كان من الممكن أن يستنتج اليونان أن ثمة علاقة بين gooseberry "وهو ثمرة من فصيلة التوت" وبين goose "= إوزة" لأن الكلمة الثانية هي صدر الكلمة الأولى، والواقع أن لا علاقة بينهما إطلاقا سوى هذا الشبه.
وأيا ما كان فإن كثيرا من الكلمات الإغريقية، كما هو الحال في الإنجليزية، تستعصي على هذا النوع من التحليل. فكلمة early "= مبكرا" تنتهي بمثل ما تنتهي به كلمة manly "= رجولي" ولكن من الواضح أن الكلمة الثانية مكونة من man "= رجل" مضافا إليها اللاحقة ly أما ما يتبقى من الكلمة الأولى بعد تجريدها من اللاحقة ly فهي باقية غامضة لا تعين في تفسير معنى هذه الكلمة.
وكذلك كلمة woman "= امرأة" تشبه كلمة man ولكن المقطع الأول في الأولى وهو wo غامض لا يعين في تحديد معنى الكلمة. في هذه الأحوال وما إليها كان اليونان، وتلامذتهم الرومان، يلجئون إلى الحدس والتخمين، ومن ذلك أنهم قالوا إن الكلمة اليونانية lithos "= حجر" مشتقة من العبارة Lian theein "= الجري الكثير" لأن هذا هو ما "لا" تفعله الحجرة!
ثم قال بلومفيلد: إن هذه الاشتقاقات، على أي حال، ترينا أن اليونان قد أدركوا أن الصور الكلامية تتغير على مر العصور.
)9) Dionysius Thrax.
(10) Apollonius Dyscolus.
(11) Aristarchus.
(12) Herodian.
(13) Varro.
(14) Donatus.
(15) Priscian.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|