أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-02-2015
2231
التاريخ: 26-04-2015
1500
التاريخ: 11-10-2014
11992
التاريخ: 5-5-2017
3629
|
لقد جاء في التنزيل وصف جميع القرآن الكريم بأنّه كتاب محكم {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} [هود : 1] وقال بعضهم في قوله تعالى {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [يونس : 1] إنّ حكيم هنا بمعنى محكم . (1)
كما جاء في التنزيل أيضا وصف جميع القرآن بأنّه كتاب متشابه {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر : 23] وفي مقابل هذا الاستعمال الشامل لهذين الوصفين نجد التنزيل يطلقهما بشكل
يجعل الإحكام مختصّا ببعض الآيات القرآنية. ويجعل التشابه مختصّا ببعض آخر منها كما جاء ذلك في قوله تعالى {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } [آل عمران : 7] ويكاد الباحثون في علوم القرآن في تعيين معنى كلّ من الوصفين في استعمالهما الشامل حيث يجدون أنّ العلاقة التي صحّحت إطلاق وصف الإحكام على الآيات القرآنية كلها هي ما في القرآن من إحكام النظم وإتقانه وما فيه من التماسك والانسجام في الأفكار والمفاهيم والأنظمة والقوانين. كما يجدون أنّ العلاقة التي صحّحت إطلاق وصف المتشابه عليه هي محض التماثل والتشابه بين بعضه والبعض الآخر في الاسلوب والهدف وسلامته من التناقض والتفاوت والاختلاف {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } [النساء : 82] ولكنهم اختلفوا منذ البداية حين حاولوا أن يحدّدوا المعنى المراد من هذين الوصفين (المحكم والمتشابه) في الآية السابقة من آل عمران الأمر الذي أدّى إلى ولادة علم من علوم القرآن سمّي بالمحكم والمتشابه.
ومن الواضح أنّ البحث لمّا دار حول فهم المعنى القرآني المراد من كلمتي المحكم والمتشابه في هذه الآية الكريمة لا يكون بحثا اصطلاحيا ولا شبيها بالمعنى الاصطلاحي كما هو الحال في البحث عن المراد بالمكّي والمدنيّ، لأنّه يحاول أن يحقّق غاية موضوعية وهي معرفة ما أراده اللّه سبحانه من هاتين الكلمتين. (2) وقد تعددت الاتّجاهات والآراء في معنى المحكم والمتشابه المراد من هذه الآية نظرا لاستمرار البحث فيها منذ العصور الاولى للتفسير ولأهميّتها من ناحية مذهبيّة حتّى أنّ بعض الباحثين ذكر ستّة عشر رأيا في حقيقة المحكم والمتشابه. وسوف نكتفي في بحثنا هذا بدراسة الاتّجاهات الرئيسيّة الهامّة منها.
مختارنا في المحكم والمتشابه
وتفرض علينا طبيعة البحث أن نذكر الرأي الصواب في تحديد معنى هاتين الكلمتين ليتّضح على ضوئه مدى صحّة بقية الاتّجاهات وانسجامها مع المدلول اللغوي والمحتوى الفكري للآية الكريمة.
وبهذا الصدد يجدر بنا أن نستذكر تقسيما تعرّضنا له في بحوثنا السابقة وهو : أنّ التفسير تارة يكون للّفظ وذلك بتحديد مفهومه اللغوي العام الذي وضع له اللفظ، واخرى يكون للمعنى وذلك بتجسيد ذلك المعنى في صورة معيّنة ومصداق خاصّ.
وعلى أساس هذا التقسيم نتصوّر التشابه المقصود في الآية الكريمة ضمن نطاق التشابه في تجسيد صورة المعنى وتحديد مصداقه الواقعي الموضوعي، لا في نطاق التشابه في العلاقة بين اللفظ ومفهومه اللغوي (المعنى) سواء في هذا النفي التشابه الذي يكون بسبب الشك في أصل وجود العلاقة بين اللفظ والمفهوم اللغوي (المعنى) كما إذا تردّد اللفظ في استعماله بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي.
وهذا التفسير للتشابه لا نتبناه على أساس عدم صلاحية كلمة التشابه بحدودها اللغوية لاستيعاب هذا اللون من التشابه اللغوي. وإنّما نقرّر ذلك على أساس وجود قرينة خاصّة في الآية الكريمة تأبى الانفتاح على هذا اللون من التشابه، وهذه القرينة هي ما نستفيده من قوله تعالى : {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران : 7] فإنّ هذا الاتّباع لا يكون إلّا في حالة ما إذا كان للّفظ مفهوم لغوي يكون العمل به اتّباعا له ؛ إذ ليس من اتّباع الكلام - أيّ كلام - أن نأخذ بأحد معانيه المشتركة، وإنّما يكون هذا العمل من اتّباع الهوى والرأي الشخصي.
وحين نلاحظ استعمال كلمة الاتّباع في مجال آخر نجد هذا الاستنتاج أمرا واضحا، فنحن نعرف وجود نصوص كثيرة تأمرنا بضرورة اتّباع القرآن الكريم والسنّة النبوية والتمسّك بهما. فهل نتوهّم فيمن يأخذ بأحد المعاني المشتركة للفظ خاصّ ورد في الكتاب الكريم أو في السنّة النبويّة أنّه متّبع للكتاب والسنة ؟ أو لا بدّ - لانطباق هذا المفهوم في حقّه - من الأخذ بالنصوص التي لها ظهور في معان معينة.
ولا شكّ بتعيين الشقّ الثاني. وعليه فالتشابه المقصود في الآية الكريمة نوع خاص لا بدّ فيه أن يكون قابلا للاتّباع. وهذه القابلية تنشأ من عامل وجود مفهوم لغوي معيّن للفظ يكون العمل به اتّباعا له.
فالتشابه لم ينشأ من ناحية الاختلاط والتردّد في معاني اللفظ ومفهومه اللغوي؛ لأنّنا فرضنا أن يكون للّفظ مفهوم لغوي معيّن، وإنّما ينشأ من ناحية اخرى وهو الاختلاط والتردّد في تجسيد الصورة الواقعية لهذا المفهوم اللغوي المعيّن وتحديد مصداقه في الذهن من ناحية خارجية.
فحين نأتي إلى قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه : 5] نجد للفظ الاستواء مفهوما لغويا معيّنا اختصّ به وهو الاستقامة والاعتدال مثلا. وليس هناك أيّ تشابه بينه وبين معنى آخر في علاقته باللفظ فهو كلام قرآني قابل للاتّباع، ولكنه متشابه لما يوجد فيه من الاختلاط والتردّد في تحديد صورة هذا الاستواء من ناحية واقعيّة وتجسيد مصداقه الخارجي بالشكل الذي يتناسب مع الرّحمن الخالق الذي ليس كمثله شيء. وحين نفهم المتشابه بهذا اللّون الخاص لا بدّ لنا أن نفهم المحكم على أساس هذا اللون الخاصّ أيضا.
وهذا الشيء تفرضه طبيعة جعل المحكم في الآية مقابلا للمتشابه، فليس المحكم ما يكون في دلالته اللغوية متعيّن المعنى والمفهوم فحسب، بل لا بدّ فيه من التعيين في تجسيد صورته الواقعية وتحديد مصداقه الخارجيّ، ففي قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى : 11] نجد الصورة الواقعية لهذا المفهوم متعيّنة فهو ليس كالإنسان ولا كالسماء ولا كالأرض ولا كالجبال.
فالمحكم من الآيات ما يدلّ على مفهوم معيّن لا نجد صعوبة أو تردّدا في تجسيد صورته أو تشخيصه في مصداق معيّن. والمتشابه منها ما يدلّ على مفهوم معيّن تختلط علينا صورته الواقعية ومصداقه الخارجي.
____________________
(1) لسان العرب، مادة حكم، ج 13، ص 53 طبع دار صادر بيروت.
(2) قارن بهذا ما ذكره الزرقاني في مناهل العرفان ، ج2 ، ص 166.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
العتبة العباسية تستعدّ لتكريم عددٍ من الطالبات المرتديات للعباءة الزينبية في جامعات كركوك
|
|
|