حركة الاستشراق هذه تعني في الحقيقة الحركة ذات المظهر الثقافي والعلمي التي قادها جماعة من الغربيين في دراساتهم لأحوال الشرق الثقافية والاجتماعية والسياسية والتي كان لها تأثير بالغ الأهمية في حياة الشرق الثقافية وبالتالي الفكرية والاجتماعية والسياسية، لما تتمتّع به الثقافة من مركز خطير في حياة كل امة وجماعة انسانية.

وقد جاءت حركة الاستشراق واسعة النطاق فشملت كلّ الشرق بدياناته ومذاهبه ومجتمعاته المختلفة. كما أنّ الذين قادوها كانوا يتّصفون غالبا بأنهم رجال دين كرّسوا حياتهم لخدمة ديانتهم الخاصّة وإن كانوا يحاولون أن يسبغوا على أبحاثهم الصفة العلميّة الموضوعية. ونجد بعض المستشرقين أحيانا ينزع إلى العلمانية والتجرّد عن الصفة الدينية بشكل مطلق ليؤكدوا بذلك الصبغة الموضوعية في أبحاثهم .

ونحن في دراستنا الخاصّة هذه سوف نقتصر على الحديث عن حركة الاستشراق فيما يختص منها بالعالم الإسلامي والأمّة الإسلامية وذلك للأسباب التالية :

أوّلا- إنّ العالم الإسلامي يعتبر إلى وقت قريب نقطة الارتكاز المهمة في الشرق بشكل عام سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية. ولذلك كان الهدف الرئيس لكثير من أعمال المستشرقين وأساليبهم.

ثانيا- إن أسبابا معيّنة سوف تنكشف خلال حديثنا عن الاستشراق كانت تدفع المستشرقين إلى التأكيد على العالم الإسلامي بالخصوص إلى جانب الأهمّية التي كان يتمتع فيها الشرق بصورة عامة.

ثالثا- إنّنا بوصفنا مسلمين يجب أن نهتمّ بهذا الجانب من الاستشراق في دراستنا له؛ لأنّه الجانب الذي يعنينا بشكل خاص.