العوامل البشرية المؤثرة في الإنتاج الزراعي

كما علمنا سابقاً في دراستنا في الفصل الأول بان جغرافية الزراعة لها علاقة متشابكة مع علوم كثيرة وفروع الجغرافية الاخرى مع معرفة أن المحصول الزراعي هو محصلة لمجموعة عوامل طبيعية واجتماعية وبشرية ووراثية متشابكة ومتداخلة مع بعضها ، وكل عامل من هذه العوامل يؤثر في الإنتاج بدرجة مختلفة ،  وتتميز العوامل الطبيعية المؤثرة في الإنتاج بإمكانية قياس مدى تأثيرها في الزراعة بطرق علمية قاطعة ، بينما يصعب قياس العوامل البشرية بنفس الأسلوب والدقة وذلك لكثرتها وتداخلها مع بعضها بعضاً . كما تتميز بسرعة تبدلها مما يجعل أثرها في الإنتاج يتغير باستمرار .

ويقصد بالعوامل البشرية المؤثرة في الزراعة كل ما يتصل بالإنسان ونشاطه في مجال الزراعة، ولا تقل اهمية عن تأثير العوامل الطبيعية من حيث الكمية والنوعية ، فكلما ازدادت قدرة الأنسان في تغلبه على الظروف الطبيعية وتهيئة الظروف الملائمة لنجاح الزراعة خارج منطقة نشؤه كلما استطاع التقليل من الصعوبات التي تحول دون تحقيق طموحه في استثماره الأمثل للبيئة ، وقد خطى الأنسان خطوات كبيرة في رفع القدرة الإنتاجية للمنتجات الزراعية من نباتات وثروات حيوانية من خلال استخدامه الأسمدة والمخصبات  الكيمياوية لتحسين خواص التربة وتطوير كثير من الصفات الوراثية لسلالات النبات والحيوان ، والهدف من قيام الأنسان بهذه التطورات الوصول الى الحد أو تقليل المخاطر والخسائر التي تواجه الإنتاج الزراعي نتيجة الأمراض والآفات الزراعية التي يتعرض اليها الإنتاج الزراعي بصورة مستمرة .

    بالإضافة الى ذلك تمكن الأنسان من توفير ظروف بيئية ملائمة لانتاج محاصيل زراعية في مناطق قليلة المياه كالمناطق الصحراوية من خلال تطوير طرق الري وابتكار طرق جديدة ذو كفاءة عالية في الاستخدام الأمثل للموارد المائية كطرق التنقيط والري تحت السطحي والرش وغيرها ، فضلا عن زراعة محاصيل زراعية في فصل نمو قصير كزراعة القمح الربيعي في مناطق سهول البراري في كندا وسهول شمال سيبريا ، وكذلك زراعة المحاصيل في غير مواسم زراعتها من خلال اقامة البيوت البلاستيكية والزراعة المحمية والتي اصبحت من الزراعة الاكثر انتشارا في العالم .

  كما استطاع الأنسان ان يحور طبيعة نمو كثير من محاصيل الفواكه وخاصة المحاصيل التي تنمو عموديا وتتأثر بسرعة الرياح القوية التي تكسر اغصانها فأصبحت تنمو بصورة افقية مع سطح الأرض وتتلافى سرعة الرياح التي تحول دون زراعتها في كثير من مناطق انتاج محاصيل الكرز والتفاح .

   وعلى الرغم من تداخل تأثير العوامل البشرية على الإنتاج الزراعي وتعقد توضيح هذه الاثار وخاصة تأثر كثير من العوامل البشرية  بالقرارات السياسية مما اعطاها التغير المستمر وعدم الثبات في نتائجها والتي تختلف من دولة الى اخرى ومن فترة زمنية الى اخرى ضمن المنطقة الواحدة.