أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-29
294
التاريخ: 2023-03-28
1118
التاريخ: 9-10-2014
1972
التاريخ: 9-10-2014
2133
|
قال تعالى : {قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ
بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ
لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ
الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ
يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا
وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ
الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ
اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41) وَإِذْ
قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ
وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ
الرَّاكِعِينَ} [آل عمران : 37 - 43]
مريم بدورها تجسد شخصية نسوية ، يلفها النشاط العبادي أيضا ، ولكن
وفق سلوك يمثل الذرى ، حيث تتوالى سلسلة جديدة من المواقف والاحداث والشخوص ،
تواكب مراحل تنشئتها التي ستتمخض في نهاية المطاف عن اكثر من حدث معجز.
قلنا ، أن قصة امرأة عمران ـ وهي القصة الأول من قصص سورة آل عمران ـ
قد مهدت للقصة الثانية ، قصة مريم.
ويتمثل هذا التمهيد فنيا في البنت المنذورة مريم فيما ستولد غلاما
يجسد تحقيقا لما أوحاه الله لعمران... من انه سيهب له رسولا...
ويجدر بنا الآن ، أن نتابع هذه القصة ، وما حفلت به من احداث ومواقف
وبيئات وشخوص ، محفوفة بما يثير الدهشة والانبهار والتشويق...
ولنلخصها أولا في ضوء النص القرآن ، والنصوص المفسرة... تقول هذه
النصوص... ان امرأة عمران قدمت أبنتها المنذورة مريم إلى القائمين بشؤون المسجد ـ
وهم يمثلون صفوة بشرية ، وقالت لهم : دونكم النذيرة.
وتضيف هذه النصوص...
ان المعنيين بالأمر تنافسوا على النهوض بتنشئتها ، بصفتها منذورة
لمهمة عبادية خطيرة ، وبصفتها إبنة إمامهم.
وفي رواية عن الامام الباقر ـ عليه السلام ـ أن هؤلاء الشخوص ـ وهم
نبيون كما تقول الرواية ـ قد ساهموا عليها ـ أي : استخدموا القرعة ـ فكانت القرعة
من نصيب زكريا ـ عليه السلام ـ وهو زوج اختها.
كما ان الآية القرآنية الكريمة ، صريحة في عملية القرعة المذكورة ،
اذ يقول تعالى مخاطبا النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ :
{وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ
إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ
إِذْ يَخْتَصِمُونَ}
إن هذا الاختصام والتنافس على كفالة مريم يحمل دلالة ذات خطورة دون
أدنى شك... إذ يفصح بوضوح عن مدى الوعي العبادي لدى الشخوص ، وتقديرهم الخطير لهذه
المهمة ، بصفتها إسهاما في المسابقة إلى العمل الصالح.
وهذا الوعي العبادي لدى الشخوص ، وحرصهم على ممارسة الفضيلة ، يتجانس
مع الحرص الذي لحظناه عند امرأة عمران أيضا ويتجانس ثالثا مع الحرص الذي سنلحظه
عند مريم ذاتها.
وهذا هو مبدأ فني آخر من مبادئ التجانس بين القصص المرسومة في سورة
آل عمران ، في طبيعة الشخوص والمواقف ، بل وفي طبيعة الاحداث والبيئات كما سنرى ،
عند متابعتنا للعنصر القصصي في السورة.
ونعود الى شخصية مريم... ، وقد رأينا أن زكريا ـ عليه السلام ـ هو
الذي اضطلع بتربيتها وتنشئتها ، بعد عملية التنافس والاختصام حول : من سيكفلها.
ولقد أشار القرآن الكريم الى أهمية تنشئتها بعامة ، وزكريا بخاصة ،
حينما قال تعالى : {وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}.
بيد أن ما يلفت النظر هنا ، ان النص القرآني ، والنصوص المفسرة ،
ترسم لنا (بيئة) لمريم ، يطبعها (المألوف) و(النادر) و(المعجز) من الاحداث
والمواقف التي تضطرب بها (البيئة) المذكورة.
ونقصد بـ(المألوف) ما هو عادي نحياه ، ونألفه في مجرى الحياة
اليومية.
وأما (النادر) فهو الحدث أو الشخصية أو الموقف الذي يبتعد عما هو
عادي ، بحيث يندر وقوعه ، لكنه غير ممتنع ، أي : إنه خاضع لما تسمية اللغة القصصية
بـ(الامكان) و(الاحتمال).
وأما (المعجز) فهو الذي يند عن [الاسباب الطبيعية] التي جعلتها
السماء قوانين عامة تنتظم شؤون الحياة. بحيث لا يحدث الا عند [الصفوة البشرية] من
انبياء وأئمة وصالحين...
وأذا عدنا الى (البيئة) التي رسمها القرآن ، واكتنفت شخصية مريم ،
لحظنا ان (المألوف) و(النادر) منها ، يتمثل في ابتناء موقع خاص لمريم في المسجد ،
فيما جعل لها محراب ، بابه في الوسط ، لا يرقى إليه إلا بسلم مثل باب الكعبة ، ولا
يصعد إليه سوى زكريا.
وأما (المعجز) فهو سلسلة من الاحداث والبيئات المثيرة حقا. فالنصوص
المفسرة ، تشير الى ان المحراب كان يضيء من نورها ، بل إن فاكهة الشتاء في الصيف ،
وفاكهة الصيف في الشتاء ، كانت من اشد معالم (البيئة) بروزا ، من حيث الطابع
(المعجز) ، فيما يشير القرآن الكريم بوضوح الى (الرزق) الذي كان يأتيها ، مما جعل
زكريا يتساءل منبهرا :
أنى لك هذا؟؟
فكانت تجيبه ، كما هو صريح القرآن الكريم :
{قَالَتْ : هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ
بِغَيْرِ حِسَابٍ }
اذن : النور والرزق يشكلان (بيئة) معجزة ، قد اكتنفت مريم عليه
السلام...
لكننا حين نتابع (المعجز) و(النادر) ، حينئذ نترك للآيات القرآنية الكريمة
التالية ، ان تتحدث إلينا مباشرة : قال تعالى :
{وَإِذْ قَالَتِ
الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ
عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ}
{يَا
مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}
هنا ، يتمثل المعجز في سلسلة من (المواقف) المتمثلة في محاورة عنصر
جديد من الشخصيات ، هو عنصر (الملائكة) مع الشخصية البشرية مريم ـ عليه السلام ـ :
فيما بشروها باصطفاء الله اياها ، وبتطهيرها...
هنا ايضا ، ينبغي ألا تغفل ذاكرتك ـ أخي القارىء ـ دعاء امرأة عمران
لابنتها ، وتطهيرها من الوزر : الشيطان.
فيما ينبغي أن يذكرك بالتلاحم العضوي بين القصتين : امرأة عمران
ومريم ، وتمهيد احداهما للأخرى ، وإلقائها الضوء عليها...
ولكن ، فلنتابع المحاورة : محاورة الملائكة مع مريم عليه السلام.
حين نتابع محاورة الملائكة مع مريم عليه السلام ، نلحظ أن (المعجز)
في الموقف وفي الحدث ، يتمثل في : إصطفاء الله لمريم ، وفي تطهيرها ، وفي تفضيلها
على نساء العصر ، فترتئذ.
المحاورة ذاتها ، بصفة ان أحد طرفيها هم شخوص غير بشريين... أي
(الملائكة) ، تفصح عن (المعجز) في الموقف. كما ان عملية الاصطفاء والتفضيل
والتطهير ، تفصح عن (النادر) في الموقف...
غير أن الحدث ، والموقف ، يأخذ صفة الإنبهار والدهشة ، حينما يكتسب
(المعجز) طابعا جديدا قائما على (المفاجأة) المذهلة... مفاجأة (الانجاب) من غير
فحل.
ولعلك تتذكر جيدا ، كيف ان عنصر (المفاجأة) التي حدثناك عنها عند
الحديث عن قصة امرأة عمران ، ونعني بها : مفاجأة الوضع لأنثى بدلا من الحمل
بالغلام... لا بد انك تتذكر كيف ان عنصر (المفاجأة) المذكور ، كان يعكس أثره الفني
على المتلقي وكيف كان يعكس أثره النفسي على بطلة القصة امرأة عمران.
وفي حينه ، حدثناك عن أهمية عنصر (المفاجأة) في أي نص قصصي ،
ومساهمته في استثارة المتلقي وشده الى القصة. كما حدثناك عن الاستجابة التي تركتها
مفاجأة امرأة عمران للأنثى بدلا من الغلام...
هنا ، نلفت نظرك الى أثر المفاجأة فنيا ونفسيا على المتلقي ، وعلى
شخصية مريم عليه السلام... وقبل ان نسرد لك تفاصيل المفاجأة ، نذكرك ايضا ،
بالتلاحم العضوي بين القصتين ، بالتلاحم أولا بين طبيعة الشخوص في القصتين : قصة
امرأة عمران وقصة مريم عليه السلام ، فالشخصيتان كلتاهما : نسويتان ، وكلتاهما
تعنيان بالممارسة العبادية الواعية... ثم نذكرك بالتلاحم بين عنصري الفن :
المفاجأة ، فيما طبعت المفاجأة كلا من الموقفين... ثم نذكرك بسائر عناصر التجانس
والتلاحم بين القصتين فيما ألمحنا الى اكثر من واحد منها ، في حينه...
ولكننا نتركك الآن لعنصر المفاجأة الجديد ، ولتسمع اليه بنفسك ، قال
تعالى :
{إِذْ قَالَتِ
الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ
الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} [آل عمران : 45]
هنا ، سوف لمن تغمرك المفاجأة بدويها الهائل ، مالم تستمع بنفسك الى
محاورة مريم عليه السلام ، عندما هتفت ، متسائلة ، مستفهمة :
{أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ
وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ}
اذن : نحن الآن أمام مجموعة من عناصر التجانس والتلاحم بين قصتي
امرأة عمران ومريم... كلتاهما تتحركان من خلال شخصية نسوية ، وكلتاهما تخضعان
لاستجابة متماثلة في ظاهرة الوعي العبادي ، فضلا عن أن كلتيهما تحفلان بعنصر
(المفاجأة) ، وإتسام هذا العنصر بما هو معجز ونادر ، ثم فضلا عن إتسام الاستجابة
عند الشخصيتين النسويتين ، بطابعي : الاستفهام ، ثم الاقرار بالأمر الواقع ،
والاستسلام الواعي لأشاءة السماء...
هذه الألوان من التجانس والتلاحم ، ينبغي أن تضعهما في ذهنك... حتى تخلص من ذلك إلى ادراك أن السورة ـ كما سترى ذلك مفصلا ـ قد رسمت بنحو ما تخضع له ـ أية عمارة ـ لتخطيط هندسي محكم ، حائم على (افكار) خاصة تستهدفها السماء ، فيما يجيء العنصر القصصي ، واحدا من الادوات التي تنير تلك الافكار كما سنرى.
|
|
لصحة القلب والأمعاء.. 8 أطعمة لا غنى عنها
|
|
|
|
|
حل سحري لخلايا البيروفسكايت الشمسية.. يرفع كفاءتها إلى 26%
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|