أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-12-2015
![]()
التاريخ: 2023-03-24
![]()
التاريخ: 28-1-2021
![]()
التاريخ: 2023-03-23
![]() |
قصّةُ أصحاب الكهف ، تَعرض نَموذجاً للإيمان في النُفوس المُؤمنة ، كيف تَطمئِنُّ به ، وتُؤثِرُه على زينة الأرض ومتاعها ، وتَلجَأَ به إلى الكهف حين يَعُزّ عليها أنْ تَعيش به مع الناس ، وكيف يَرعى الله هذه النُفُوس المُؤمنة ، ويَقيها الفِتنة ، ويَشملها بالرحمة .
وفي القصّة روايات شتّى وأَقاويل كثيرة ، فقد وَرَدَت في بعض الكُتُب القديمة وفي الأساطير بصور شتّى ، ولكن يَجب الوقوف فيها عند حدِّ ما جاء في القرآن ، فهو المَصدر الوحيد المُستَيقَن ، ولتُطرح سائر الروايات والأساطير التي اندسّتْ في التفاسير بِلا سندٍ ، وبخاصّة أنّ القرآن الكريم قد نَهى عن استفتاءِ أحدٍ فيهم ، وعن المِراء والجَدل رَجماً بالغيب {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا } [الكهف : 22] .
والكهف : المَغارَة الواسعة ، والرقيم ، قيل : إنّه مُعرَّب ( أركه = Arke ) اليونانيّة أحد أسماء مدينة ( بطرا ) (1) هي قَصَبَة الأَنباط ، كانت مدينةً صخريّةً قائمةً في مُستوٍ من الأرض ، تُحيط بها الصُّخور كالسُّور المَنيع ، وهي واقعة في ( وادي موسى ) عند مُلتَقى طُرُق القوافل بين ( تدمر ) و ( غزّة ) .
وقد عَمُرَت في إبّان دولة الأَنباط وكَثُرَت فيها الأَبنية ، فلمّا ذهبت الدولة تَخَرَّب مُعظمُها ، وبقيَ منها إلى الآن أَطلال لا تَفنيها الأيّام ولا يؤثِّر فيها الإقليم ، منها ( خزنة فرعون ) وهي بِناء شامخ مَنقور في صَخرٍ ورديّ اللّون ، على وِجهتِه نُقُوش وكتابات بالقلم النَّبطي ، وبجانبها مسرح مَنقور في الصَّخر أيضاً ، ويُستطَرق مِن هناك إلى سَهلٍ واسع فيه عَشَرات من الكُهوف الطبيعيّة أو المَنقورة ، ولبعضها وِجهات مَنقوشة وجُدران أَكثرُها ظُهوراً مكان يُقال له ( الدير ) ، وكانت هذه الكُهوف مساكن الحوريّين القُدماء ، ويَلجأَُ إليها اليوم بعضُ المارّة ، فِراراً مِن المَطر أو البَرد .
ومدينة بطرا ، أو الرقيم أنشأها الأنباط ـ في الجنوب الشرقي من فلسطين ـ مدينة عربيّة قَبْلَ القَرن الرابع قبل الميلاد ، وظلّت قائِمةً إلى أَوائل القَرن الثاني بعده ، إذ دَخَلت في حَوزة الرّومان سنة 106 م .
وبطرا لفظ يوناني معناه الصَّخر ، وقد سُمّي البلد بذلك ؛ لأنّ مبانيَه مَنحوتةٌ في الصَّخر ، واسمها القديم سَلْع وسالع ، ويعني أيضاً الصَّخر ، ولا زالت أَطلالُه إلى اليوم في وادي موسى في الأُردن ، ويُسمّى أيضاً وادي السيق .
والعرب شاهَدوا آثارَ هذه المدينة بعد الإسلام وسَمّوها ( الرقيم ) وهو تعريبُ أَحد أسمائها اليونانيّة ؛ لأنّ اليونانيّين كانوا يُسمّونها أركه ـ كما تقدّم ـ فحرّفه العرب وقالوا : الرقيم (2) .
وقال المقريزي في عَرْضِ كلامِه عن التَيه : ( إنّ بعضَ المَماليك البحريّة هَرَبوا من القاهرة سنة 652 هـ فمرّت طائفةٌ منهم بالتَيه فَتاهوا خَمسَةَ أيّامٍ ، ثُمّ تراءى لهم في اليوم السادس سوادٌ على بُعْدٍ فَقَصَدوه ، فإذا مدينة عظيمة لها سُور وأبواب كلّها من رُخَام أخضر ، فَدَخلوا بها وطَافوا ، فإذا هي قد غَلَب عليها الرَّمل حتّى طمَّ أَسواقَها ودُورَها ، ووجدوا بها أواني ومَلابِس .
وكانوا إذا تَنَاولوا منها شيئاً تَناثر مِن طُول البِلى ، وَوَجدوا في صينيّة بعض البزّازينَ تِسعةَ دنانير ذهباً عليها صورة غَزال وكتابة عِبرانيَة ، وحَفَروا مَوضعاً فإذا حَجَر على صهريجِ ماءٍ ، فشربوا ماءً أَبرد مِن الثلج ، ثُمّ خَرَجوا ومَشوا ليلةً فإذا بطائفة من العُربان ، فحَملوهم إلى مدينة الكرك ، فدفعوا الدنانير لبعض الصيارِفة ... ودفع لهم في كلِّ دينار مِئة درهم ... وقيل لهم : إنّ هذه المدينة لها طُوفان رَمل يزيد تارة ويَنقص أخرى لا يراها إلاّ تائِهٌ (3) .
ولعلّ في هذا الوَصْفِ اختلاطاً للحقيقة بالخيال ، وأنّ المماليك شاهدوا أَطلال بطرا ـ كما احتمله زيدان ـ وَوَجَدوا الدنانير ، إمّا مِن ضَرْبِ اليهود أو النبطيّينَ ، وقد زَارَ المدينة غير واحد من المُستشرقينَ في القَرن الماضي ( 19 ) وقرأوا ما عليها من نقوش نبطيّة (4) .
مَن هُم أصحاب الكهف ؟
قد ذَكَر المُؤرِّخونَ والمُفسِّرونَ عن أهل الكهف شيئاً كثيراً ، أَورده الطبري في التأريخ وفي تفسيره ، ويتّفق أكثر الروايات على القول بأنّ عدداً من الفتية نَبَذوا عبادةَ الأوثان واعتنقوا التوحيدَ في مدينة ( أَبْسُس ) (5) ثُمّ فَرّوا مِن تلك المدينة وأَوَوا إلى كهفٍ وكان معهم كَلب عَجَزوا عن إبعاده ، وناموا في هذا الكهف ، ثُمّ جاء المَلِك الوَثَني داقيوس ( ويُسمّى أيضاً داقينوس وداقيانوس ) ومعه أَتباعُه للقبض عليهم ، ولكن لم يستطع أيُّ واحدٍ منهم دُخولَ الكهفِ ، فَبَنَوا عليهم بابَ الكهفِ ؛ ليموت الفتية جُوعاً وعَطشاً ، ونَسيَ الناسُ أمرَهم بعد ذلك .
وفي يوم من الأيّام بَعَثَ أحدُ الرُّعاةِ برجاله وأَمَرَهم بفتحِ فَمِ الغار ليتّخذه حَظيرةً لغنمِهِ ، ولمّا دخلوا لمَ يَروا أَوّل الأمر الفتيةَ الذين بَعثهم الله في الأَجل الذي ضَرَبه ليَقظَتِهم ، وعندما استيقظوا كانوا لا يَزالون يَملؤُهم الفَزَعُ والرُّعبُ مِن الخَطر الذي نَجَوا منه ، فَعَمدوا إلى الحِيطة وبعثوا بأَحدهم إلى المدينة ليشتري لهم طعاماً ، ولم يَعرف بائعُ الطعام النقود التي دفعها إليه الفتى ، فَسَاقَه إلى المَلِك وهناك تبيّن كلّ شيء : فقد نام الفتية ثلاثمِئة سَنة وتسعاً ، وكانت الوثنيّة قد انقرضت خلال هذه المُدَّة وحلّ محلّها التوحيد ، وفَرِح المَلِك بأصحاب الكهف فَرَحاً عظيماً ؛ لأنّ بَعْثَهُم أَيّدَ عقيدةً دينيّةً كان البعض يَشكّ في صحّتها ، وهي أنّ الناس يُبعثون كما هم بالجَسَد والروح معاً .
ولم يَكد الفتى يعود إلى الكهف ثانيةً حتى ضَرَب الله على آذانهم مرّةً أخرى ، فجاء الناس وشَيَّدوا هناك ـ على المَغارة ـ مَسجِداً ، تَبرُّكاً بهم .
* * *
وهنا عدة أسئلة أخرى :
ما هي تلك المدينة التي هَرَب منها الفتية ولَجأُوا إلى الكهف ؟
يقول ابن عاشور : والذي ذَكَره الأكثر أنّ في بَلدٍ يُقال له : ( أَبْسُس ) ـ بفتح الهمزة وسكون الباء وضمّ السين ، بعدها سين أخرى ـ وكان بَلداً مِن ثُغور طرسوس (6) بين حَلَب وبلاد أرمينيّة وأنطاكيّة .
قال : وليست هي ( أفسس ) بالفاء ، المعروفة في بلاد اليونان بشُهرةِ هَيكَلِ المُشتري فيها ، فإنّها من بلاد اليونان ، وقد اشتبه ذلك على بعض المُؤرِّخينَ والمُفسِّرين ، وهي قريبة من ( مَرْعَش ) (7) مِن بلادٍ أرمينيّة (8) .
وأَبْسُس هذه هي مدينة ( عَرْبَسُوس ) (9) القديمة في ( كبادوشيا ) ، وكانت تُسمّى أيضاً ( أَبْسُس ) ، وتُسمّى اليوم ( بربوز ) (10) .
فهل كانت مدينة ( أَبْسُس ) هذه هي المَسرح الذي وَقَعت فيه تلك الحوادث بما فيها مِن غرائبٍ ؟
أمّا ( ده غوى ) فيُؤيِّد هذا الرأي مُعتَمِداً على براهين اسمتدّها مِن النُصوص ، وفي الحقّ إنّ بعض الرَحّالة قالوا : إنّهم رَأَوا في مدينة ( أَبْسُس ) هذه كَهفاً كان به جُثَث ثلاثة عشر رجلاً قد يَبِسَت (11) .
قال ياقوت : أَبْسُس ، اسم لمدينةٍ خراب قُرب ( أَبُلُسْتَين ) من نواحي الروم ، يُقال :
منها أصحاب الكهف والرقيم ، وقيل : هي مدينة دقيانوس ، وفيها آثار عجيبة مع خَرابِها (12) .
وفوقَ هذا فقد تَضمَّنت مجموعةُ النُصوص المُتعلّقة بتأريخ السَّلاجقة ما يَنصّ على أنّ ( عَرْبَسوس ) هي مدينة أصحاب الكهف والرقيم ، وربّما كان اكتشاف هذه الجُثث الثلاث عشرة هو الأصل لهذا القول ، ثُمّ حَرَّف الناسُ ( أبسس ) فيما بعد إلى ( أفسس ) ! (13) .
وقيل : هي البتراء ( بطرا ) مدينة أَثريّة في الأُردن وفيها المَسرح الكبير ، حسبما تَقدّم ، ولعلّه المُراد فيما أُثِر عن ابن عباس ، قال : الرقيم ، وادٍ دونَ فلسطين قريب من أيلة (14) .
* * *
متى كان هذا الهُروب واللجوء ؟
والأكثر على أنّه كان بعد ظُهور النصرانيّة ولعلّه في بدايتها ، كانت الدِّيانة النصرانيّة دَخَلت في تلك الجِهات ، وكان الغالب عليها دين عبادة الأوثان على الطريقة الروميّة الشرقيّة قبل تَنْصُّر قسطنطين ، فكان مِن أهلِ ( أَبْسُس ) نفرٌ مِن صالحي النصارى يُقاومون عبادة الأصنام ، وكانوا في زَمن الإمبراطور ( دقيانوس ) الذي مَلَك في حُدود سنة 237 م ، وكان مُتعصِّباً للديانة الرومانيّة وشديد البُغْض للنصرانيّة ؛ ولذلك تَوعَّدهم بالتعذيب ، فاتّفقوا على أنْ يَخرجوا من المدينة إلى جبلٍ بينه وبين المدينة فَرسخان يقال له : ( بنجلوس ) أو ( أنخيلوس ) .
وتقول الروايات : إنّ المَلِك الوَثني الذي اضطهدَ النصارى كان يُسمّى ( داقيوس ) الذي مَلَك مابين ( 249 ـ 251 م ) ، أمّا المَلِك النصراني الذي بُعِث الفتية في عهده فهو المَلِك ( تيودوس ) الثاني ( 408 ـ 450 م ) ، فتكون مدّة مُكُوثِهم في الكهف ما يَقرُب من ( 200 ) سنة ، وهذا لا يتّفق مع ما وَرَد في القرآن مِن أنّ أصحاب الكهف {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا } [الكهف : 25] ! (15)
يقول الدكتور عبد الوهّاب النجّار ـ مُعلِّقاً على ذلك في الهامش ـ : الذي أُلاحِظُه ، أنّ عبارة دائرة المعارف الإسلاميّة كعبارة أكثر المُفسّرينَ ، تَعتَبِر أنّ قوله تعالى {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا } خبر عن مُدّة مَكثِ أهل الكهف في كهفهم مُنذ دَخَلوه إلى أنْ استيقظوا !
ولكنّي أفهم غير ذلك وأقول : إنّ قوله ( ولبثوا ... ) معمولٌ لقوله ( سيقولون ثلاثة ... ) فهو مِن مَقول السائلينَ وليس خبراً من الله تعالى ، ولذا أُتبع ذلك القول بقوله {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ} [الكهف : 22] ، وكذا هنا أُتبع قوله { وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ ... } بقوله {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .... } [الكهف : 26].
فالقرآن ساكت عن عَدَدِهم وكذا عن مِقدار لَبْثِهم ؛ إذ لا غَرض يترتب على الهدف الذي سَاقَه القرآن .
وقد وَرَد هذا القول عن ابن عباس وتلميذِه قتادة .
قال ابن عباس : إنّ الرجل لَيُفسّر الآية يَرى أنّها كذلك ، فَيَهوي أبعد ما بين السماء والأرض !
ثُمّ تلا : { وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ... }قال : لو كانوا لَبِثوا كذلك لم يَقُل الله : { قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا } ، لكنّه حكى مَقالةَ القوم في العَدَد وفي المُدّة ، وردَّ عليهم بأنّه تعالى أَعلم .
وقال قتادة : في حرف ( أي قراءة ) ابن مسعود : { وقالوا لبثوا في كهفهم ... } يعني إنّما قالَهُ الناس ، أَلا ترى أنّه قال : { قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا } .
وفي رواية أُخرى عنه أيضاً : هذا قولُ أهل الكتاب ، فردَّ الله عليهم { قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا } (16) .
* * *
قلت : قصّة أصحاب الكهف ، حَسبما جاءت في القرآن ، قصّة قديمة مُوغِلة في القِدَم ، يَرجع عَهدُها إلى ما قَبلَ الميلاد ، ولعلّه بقُرون ، ولأنّها بقضيّة يهوديّة أشبه منها أن تكون قضيّة مسيحيّة .
روى مُحمّد بن إسحاق بإسناده إلى سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس ، قال : إنّ النضر بن الحرث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط ، أَنفَذَهُما قريش إلى أَحبار اليهود بالمدينة ، وقالوا لهما : سَلاهم عن مُحمّد ، وَصِفا لهم صفته ، وَخَبِّراهم بقوله ، فإنّهم أهلُ الكتاب الأَوّل وعندهم من عِلم الأنبياء ما ليس عندنا ، فَخَرجا حتّى قَدِما المدينة فَسَأَلا أَحبار اليهود عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) وقالا لهم ما قالت قريش .
فقالَ لهما أَحبار اليهود : اسأَلوه عن ثلاث ، فإنْ أَخبَرَكم بهنّ فهو نبيّ مُرسَل ، وإنْ لم يَفعل فهو رجل مُتقوِّل ، فَرَأُوا فيه رأَيَكم ، سَلُوه عن فتية ذَهَبوا في الدهر الأَوّل ، ما كان أَمرُهم ؟ فإنّه قد كان لهم حديث عجيب ، وسَلُوه عن رجلٍ طوّاف قد بَلَغ مَشارق الأرض ومَغاربها ، ما كان نَبأُه ؟ وسَلُوه عن الرُوح ما هو ؟
وفي رواية أخرى : فإنْ أَخبَرَكم عن الثنتين ولم يُخبِرْكم بالروح فهو نبيّ .
فانصرَفا إلى مكّة ، فقالا : يا معاشر قريش ، قد جِئناكم بفَصلٍ ما بينكم وبين مُحمّد ، وقصّا عليهم القصّة فجاءوا إلى النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) فَسَأَلوه ، فاستمهَلَهم النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) حتّى يَأتيَه الوحي ، فَمَكث أُسبوعينِ حتّى نزلتْ الآيات بشأن أصحاب الكهف وذي القرنَينِ وبشأن الرُوح : إنّه مِن أَمر ربّي ولم يُبيّن (17)
وفي هذا الوصف الذي جاء في رواية ابن إسحاق ، دلالة واضحة على أنّ حديث الفِتية حديث قديم يَرجع عَهدُه إلى الدهر الأَوّل ، وربّما يعني ذلك : العَهد القديم السابق على عهد موسى وبني إسرائيل ، فقد كان حديثاً شائعاً يَتَداولُه أبناء الأديان القديمة وتَوارَثَها المُتأخِّرون ومنهم اليهود ، ولعلّه كان مِن شارات أصحاب الأديان ، هي معرفة هكذا قَصَص دينيّة فيها اضطِهاد وفيها الصبر والأَناة والمقاومة تجاه الإلحاد ، وفي النهاية : النصر والظَفَر ... فهو حديث غَلَبة الحقّ على الباطل ، وظُهور السلام على العَسْف والطغيان في أيّ زمان {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء : 18] ، جاءت الآية حديثاً عن مواضع الأنبياء الظافرة .
إذن فقد كان حديث الفِتية رَمزاً قديماً لانتصار التوحيد على الشرك كلّه ، وشِعارَاً لائِحاً بمَحَجّة الدِّين الظاهرة والدائِمة على مَدى الدهر .
وجاءت القصّة في الأوساط المسيحيّة بعنوان ( نُوّام أَفَسُس (18) السبعة ) نُشِرت لأَوّل مرّة في الشرق في كتاب سرياني يَرجع تأريخه إلى القَرن الخامس بعد الميلاد (19) ، وَوَردت عند الغربيّينَ في كتاب ( ثيودوسيوس ) (20) عن الأرض المُقدّسة . وقصّة أصحاب الكهف مشهورة ذائِعة في الآداب الشرقيّة والغربيّة على حدّ سواء (21) .
غير أنّ فكرة تَقادم القصّة في أوساط سابقة على المسيحيّة ، قد شَغَلت أذهان المُحقّقينَ ، حتّى عَثَر بعضهم على آثار مُشابِهة في مصادر يهوديّة ويونانيّة وغيرهما ، منها : قصّة ( أُنياس ) ـ حوني ـ التي جاءت في كتاب ( تعانيت ) في فُصول مِن كتاب ( التلمود ) ، وكان قد استغرق نومُه 70 سنة .
وهكذا قصّة ( هلني ) والنُوّام التسعة بساردينيا ، التي أشار إليه ( أرسطو ) ، وغير ذلك مِمّا ذَكَروه بهذا الصدد (22) .
_________________________
(1) يقول عنها العرب : البَتراء ، مدينة أثريّة في الأُردن ، هي سَلْع القديمة أو الصخرة ، أَهم آثارها قَصرُ فرعون والبوّابة الأثريّة والمَسرح الكبير وقبور بيترا وهيجرا .
(2) العرب قبل الإسلام ، ص 83 ـ 84 .
(3) الخطط المقريزيّة ، ج 1 ، ص 376 .
(4) العرب قبل الإسلام ، ص 85 .
(5) بلدة رومانيّة من ثغور طرسوس بين حلب وأنطاكية .
(6) مدينة في جنوبيّ تركيا الآسيويّة ( قيليقيا ) ، وفيها وُلِد بولس وَفَتَحها المأمون سنة 788 م وفيها دُفن .
(7) مدينة في جنوب تركيا على حدود سوريّة .
(8) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور ، ج 15 ، ص 21 .
(9) عَرْبَسُوس : بلد من نواحي الثُغور قُرب المِصْيَصة ( مدينة على شاطئ نهر جيحان قُرب طَرَسوس ـ تركيا ) .
(10) دائرة المعارف الإسلاميّة المُتَرجَمة ، ج 2 ، ص 242 .
(11) ليس في ذلك دليل ؛ لأنّ العُثور على جُثَث مُتَيبِّسة في الكُهوف ، كان أمراً شائِعاً ذلك العَهد ، وَوُجِد من ذلك الكثير وليس هذا وحده .
(12) مُعجم البُلدان ، ج 1 ، ص 73 .
(13) دائرة المعارف الإسلاميّة المُتَرجَمة، ج2 ، ص 243 .
(14) الدُرّ المنثور ، ج 5 ، ص 362 . وأيلة : ميناء أُردني في شمال العَقبة على البحر الأحمر يقوم على أنقاض أيلة الرومانيّة .
(15) الكهف 18 : 25 ، راجع : دائرة المعارف الإسلاميّة المُتَرجَمة ، ج 2 ، ص 242 .
(16) الدرّ المنثور ، ج 5 ، ص 379 .
(17) مجمع البيان ، ج 6 ، ص 451 ـ 452 .
(18) مدينة قديمة في آسيا الصُغرى على بحر إيجة ، تقع أنقاضها بالقُرب مِن ( سلجوق ) الحاليّة ( تركيا ) ، كانت مركزاً تجاريّاً عامراً مُنذ القَرن الثامن قبل الميلاد .
(19) نُشِرت على يد الأُسقف السرياني يعقوب السروجي ( 451 ـ 521 م ) شاعر سرياني كبير ، وُلِد في ( كرتم ) ( ما بين النهرين ) ودَرَس في مدرسة ( الرها ) الشهيرة ، أُسقف بطنان المونوفيزي 519 .
(20) بطريرك الإسكندريّة ( 535 ـ 566 م ) ، كان مونوفيزيّاً فَنُفي إلى القسطنطينيّة 537 ، له مؤلّفات دينيّة .
(21) راجع : دائرة المعارف الإسلاميّة المُتَرجَمة ، ج 2 ، ص 243 .
(22) راجع : دائرة المعارف الإسلاميّة الكُبرى للبجنوردي ، ج 9 ، ص 141 .
|
|
للعاملين في الليل.. حيلة صحية تجنبكم خطر هذا النوع من العمل
|
|
|
|
|
"ناسا" تحتفي برائد الفضاء السوفياتي يوري غاغارين
|
|
|
|
|
نحو شراكة وطنية متكاملة.. الأمين العام للعتبة الحسينية يبحث مع وكيل وزارة الخارجية آفاق التعاون المؤسسي
|
|
|