المدن الصحية

تمتاز هذه المدن عن المدن الترويحية بأنها أكثر دواماً. وتختار مواضعها بعناية؛ لأن معظم روادها من كبار السن الذين يقدرون على دفع نفقات العلاج الباهظة. وتقوم هذه المدن قرب منابع المياه الجوفية الحارة كعلاج لبعض أمراض الروماتيزم أو السل الرئوي وضيق التنفس. ومن الطريف أن كل شيء باهظ الثمن، إلا الماء المعدني ذاته فهو بدون مقابل. لكن هذا لم يحقق إلا أحجاما ضئيلة من المدن. وهي بضعة آلاف من البشر، كمدن الحمامات المعدنية في جبال البرانس، وهضبة فرنسا الوسطى، ومدينة حلوان جنوب القاهرة، وحمامات زرقاء ماعين في الأردن.

وتدين هذه المراكز بوجودها إلى التركيب الجيولوجي الذي ساعد نتيجة الانكسار على ظهور هذه الينابيع الساخنة، مثل مدينة فيتشي Vichy في هضبة فرنسا الوسطى، ومدينة كارلسباد في تشيكوسلوفاكيا (سابقا) ومدينة الصحراء الحارة

Desert Hot City جنوب شرق کلیفورنيا. ولكن لم يزد الإقبال عليها إلا بعد توفر طرق المواصلات من سكك حديدية وبرية، وبعد قيام الفنادق ودور الضيافة حولها. وغالبا ما يتم إنشاء الفنادق الفخمة ودور الضيافة من قبل بيوت الكماليات الفاخرة عند مقدمة سفوح الجبل، مما أدى إلى وجود طبقة من الرواد من ذوي الفئات الارستقراطية. ولهذا اتسمت بالنظافة والأناقة، ووفرة الحدائق والغابات الصناعية المغروسة، التي توفرها السلطات المحلية من خلال الضرائب غير المباشرة من هؤلاء الرواد الأغنياء مما جعلها مفتوحة طوال العام. نخلص من هذا العرض إلى أن الوظائف الحربية والسياسية، والتجارية والصناعية، والدينية والترويحية والصحية جميعا، هي سبب قيام المدن ونموها. ولا توجد مدينة – في العصر الحديث – تخلو من مثل هذه الوظائف، التي أصبحت متشابكة حسب ظروف العصر الذي تعيشه، وهي المفصل الذي يميزها عن المراكز العمرانية في منطقة الريف.