أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-12-23
1534
التاريخ: 2-5-2016
8784
التاريخ: 28-1-2019
2714
التاريخ: 31-01-2015
3786
|
كان الانفتاح الرسالي العظيم الذي قام به النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) إثر المعاهدة التي أبرمها مع الأوس والخزرج في بيعة العقبة الثانية[1] « 2 » ، والذي كان نقطة انطلاق الدعوة الإسلامية إلى العالم الأوسع ، والخطوة الكبيرة لبناء المجتمع الرسالي المؤمن ، بعد أن انتشر الإسلام في يثرب بجهود الصفوة من الدعاة المخلصين والمضحّين من أجل اللّه ونشر تعاليم الإسلام ، وبذا أصبح للمسلمين بقعة آمنة تمثّل محطة مركزية ومهمة لبلورة العمل الثقافي والتربوي والدعوة الإلهية في مجتمع الجزيرة العربية .
وحين تمادى طغاة قريش في إيذاء المسلمين والضغط عليهم لإرغامهم على ترك الدين الإسلامي وفتّهم عن نصرة النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) وحين كثر عتوّهم واضطهادهم ؛ أمر النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) أصحابه بالهجرة إلى يثرب ، فقال ( صلّى اللّه عليه وآله ) : « إنّ اللّه قد جعل لكم دارا تأمنون بها وإخوانا » ، فخرجوا على شكل مجاميع صغيرة وبدفعات متفرّقة خفيّة عن أنظار قريش[2].
ومع كلّ المعاناة التي لاقاها النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) من القريب والبعيد والضغوط والتكذيب والتهديد حتى قال ( صلّى اللّه عليه وآله ) : « ما أوذي أحد مثل ما أوذيت في اللّه »[3] فإنّ أمله بالنصر على الأعداء والنجاح من تبليغ الدعوة الإسلامية لم يضعف ، وثقته المطلقة باللّه كانت أقوى من قريش ومؤامراتها ، وقد عرفت قريش فيه ( صلّى اللّه عليه وآله ) ذلك وتجسّدت لديها الأخطار التي ستكشف عنها السنون المقبلة إذا تسنّى لمحمّد ( صلّى اللّه عليه وآله ) أن يلتحق بأصحابه ويتّخذ من يثرب مستقرا ومنطلقا لنشر دعوته ، فأخذوا يعدّون العدّة ويخطّطون للقضاء عليه قبل فوات الأوان على شرط أن لا يتحمّل مسؤولية قتله شخص معيّن أو قبيلة لوحدها ، فلا تستطيع بنو هاشم وبنو المطلب مناهضة القبائل جميعا في دم صاحبهم فيرضون حينئذ بالعقل منهم .
فكان القرار بعد أن اجتمعوا في دار الندوة وقد كثرت الآراء بينهم أن يندبوا من كلّ قبيلة فتى شابّا جلدا معروفا في قبيلته ، ويعطى كلّ منهم سيفا صارما ثم يجمعون على النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) في داره ، ويضربونه ضربة رجل واحد فيقتلونه ، واتّفقوا على ليلة تنفيذ الخطة ، فأتى جبرئيل إلى النبيّ وأخبره بذلك ، وأمره أن لا يبيت في فراشه ، وأذن له بالهجرة ، فعند ذلك أخبر عليّا بأمورهم وأمره أن ينام في مضجعه على فراشه الذي كان ينام فيه ، ووصاه بحفظ ذمّته وأداء أمانته ، وقال له أيضا : « إذا أبرمت ما أمرتك به ؛ فكن على أهبة الهجرة إلى اللّه ورسوله ، وسر لقدوم كتابي عليك »[4] ، وهنا تتجلى صفحة من صفحات عظمة علي ( عليه السّلام ) ، إذ استقبل أمر الرسول ( صلّى اللّه عليه وآله ) بنفس مؤمنة صابرة مطمئنّة ، فرسم لنا أكمل صورة للطاعة المطلقة في أداء المهمّات استسلاما واعيا للقائد وتضحية عظيمة من أجل العقيدة والمبدأ ، فما كان جوابه ( عليه السّلام ) إلّا أن قال للرسول ( صلّى اللّه عليه وآله ) : « أو تسلم يا رسول اللّه إن فديتك نفسي ؟ » .
فقال ( صلّى اللّه عليه وآله ) : « نعم بذلك وعدني ربّي » ؛ فتبسّم علي ( عليه السّلام ) ضاحكا ، وأهوى إلى الأرض ساجدا ، شكرا لما أنبأه به رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) من سلامته[5].
ثمّ ضمّه النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) إلى صدره وبكى وجدا به ، فبكى عليّ ( عليه السّلام ) لفراق رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) [6].
وعندما جاء الليل ؛ اتّشح عليّ ( عليه السّلام ) ببرد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) الذي اعتاد أن يتّشح به ، واضطجع في فراش النبيّ مطمئن النفس رابط الجأش ثابت الجنان مبتهجا بما أوكل اليه فرحا بنجاة النبيّ ، وجاء فتيان قريش والشرّ يملأ نفوسهم ويعلو سيوفهم ، وأحاطوا بالبيت وجعلوا ينظرون من فرجة الباب إلى حيث اعتاد النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) أن ينام فيه فرأوا رجلا ينام على فراشه ، فأيقنوا بوجود النبيّ ، واطمأنت قلوبهم على سلامة خطّتهم ، فلمّا كان الثلث الأخير من الليل خرج النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) من الدار وقد كان مختبئا في مكان منها ، وانطلق إلى غار « ثور » وكمن فيه ليواصل بعد ذلك هجرته المباركة .
ولمّا حانت ساعة تنفيذ خطّتهم ؛ هجموا على الدار ، وكان في مقدّمتهم خالد ابن الوليد ، فوثب عليّ ( عليه السّلام ) من فراشه فأخذ منه السيف وشدّ عليهم فأجفلوا أمامه وفرّوا إلى الخارج ، وسألوه عن النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) : فقال : لا أدري إلى أين ذهب .
وبذلك كتب اللّه السلامة لنبيّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) والانتشار لدعوته .
بهذا الموقف الرائع والإقدام الشجاع والمنهج الفريد سنّ عليّ ( عليه السّلام ) سنّة التضحية والفداء لكلّ الثائرين من أجل التغيير والإصلاح والسائرين في دروب العقيدة والجهاد . لم يكن همّ عليّ ( عليه السّلام ) إلّا رضا اللّه وسلامة نبيّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) وانتشار دعوته المباركة ، فنزلت في حقّه الآية المباركة : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ[7].
مباهاة اللّه ملائكته بموقف عليّ ( عليه السّلام ) :
كان مبيت عليّ ( عليه السّلام ) على فراش رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) خذلانا سافرا لقريش المعتدية ، فقد خابت آمالهم وفشلت خططهم في قتل الرسول ، وكان فيها إرغام الشيطان وعلو شأن الإيمان ، ولم يكن أيّ عمل نظيرا للمبيت في الثواب والقيمة ، كيف وقد باهى اللّه بهذه التضحية ملائكته ، كما روي :
أنّه ليلة بات عليّ بن أبي طالب ( عليه السّلام ) على فراش رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) ؛ أوحى اللّه تعالى إلى جبرئيل وميكائيل : إنّي قد آخيت بينكما ، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر ، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة ؟
فاختار كلاهما الحياة وأحبّاها ، فأوحى اللّه تعالى اليهما : أفلا كنتما مثل عليّ ابن أبي طالب حين آخيت بينه وبين محمّد ، فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة ، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه ، فهبط جبرئيل فجلس عند رأسه وميكائيل عند رجليه ، وجعل جبرئيل يقول : بخ بخ ، من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي اللّه بك الملائكة فوق سبع سماوات[8] ؟
مهامّ ما بعد ليلة المبيت :
مع إطلالة فجر اليوم الأوّل للهجرة المباركة وظلال السلام والأمان الإلهي تحوط رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) في كلّ خطوة يخطوها نحو يثرب مقرّ الرسالة الإسلامية الجديد ، انفرجت أسارير قلب عليّ ( عليه السّلام ) ، فقد انصرم الليل الرهيب باحتمالاته العديدة ومكارهه الكثيرة دون أن يقع شيء يمس حياته ( عليه السّلام ) بخطر أو مكروه ، واستطاع أن يؤدّي المهمّة على أكمل وجه ، فقد كان على قدر عال من الانضباط والدقّة والوعي في التنفيذ .
وبقيت أمام عليّ ( عليه السّلام ) مهمات أخرى لم يكن بمقدور أحد أن يقوم بها ، منها : أداء الأمانات التي كانت مودعة عند النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) إلى أصحابها - وهم من المشركين - الذين وثقوا بالنبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) لأمانته وإخلاصه ، فقد اشتهر بين قريش بالصادق الأمين ، وكذلك من يقدم من العرب في الموسم فأودعوا عنده الحلي والأموال ، ولم يكن الرسول ممّن يخل بتعهداته أو يخون أماناته حتى ولو كانت الظروف المحيطة صعبة والخطورة تهدّد حياته الشريفة في تلك اللحظات المتسارعة التي يطير لبّ العاقل فيها ، لم ينس النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) أن يوكل هذه المهمّة إلى رجل يقوم بها خير قيام ، ولم يكن إلّا عليّ ( عليه السّلام ) لأنّه الأعرف بشؤون رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) وبالمودعين وأموالهم وهو القويّ الأمين .
فأوصل ( عليه السّلام ) الأمانات إلى من كان من أصحابها ، ثم قام على الكعبة مناديا بصوت رفيع : يا أيّها الناس هل من صاحب أمانة ؟ هل من صاحب وصيّة ؟ هل من صاحب عدة له قبل رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) ؟ فلمّا لم يأت أحد لحق بالنبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، وكان مقام عليّ بن أبي طالب بعد النبي بمكّة ثلاثة أيام[9].
[1] السيرة النبوية لابن هشام : 1 / 440 ، وموسوعة التاريخ الإسلامي : 1 / 700 .
[2] السيرة النبوية لابن هشام : 1 / 480 ، والمناقب لابن شهرآشوب : 1 / 182 ، وموسوعة التاريخ الإسلامي :
[3] كنز العمال : 3 / 130 ، ح 5818 ، حلية الأولياء : 6 / 333 .
[4] الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي : 45 ، وبحار الأنوار : 19 / 59 - 60 .
[5] ذكر قصّة مبيت الإمام عليّ ( عليه السّلام ) في فراش النبي ( صلّى اللّه عليه وآله ) عدد كبير من العلماء والمؤرّخين منهم :
الطبري : 2 / 99 ، وأحمد بن حنبل في مسنده : 1 / 311 ، وأسد الغابة : 4 / 45 ، وابن عساكر في تأريخ دمشق :
1 / 137 ، والحاكم في المستدرك : 3 / 4 ، وبحار الأنوار : 19 / 60 .
[6] أعيان الشيعة : 1 / 275 .
[7] البقرة ( 2 ) : 207 . راجع في شأن نزول الآية شرح النهج لابن أبي الحديد : 13 / 262 ، وإحياء العلوم للغزالي : 3 / 238 ، والكفاية للكنجي : 114 ، والتذكرة لسبط ابن الجوزي : 41 ، ونور الابصار للشبلنجي : 86 ، والطبقات لابن سعد : 1 / 212 ، وتأريخ اليعقوبي : 2 / 29 ، وسيرة ابن هشام : 2 / 291 ، والعقد الفريد لابن عبد ربّه : 3 / 290 ، وتفسير الرازي : 5 / 223 ، وشواهد التنزيل للحسكاني : 1 / 96 .
[8] تذكرة الخواص : 41 ، والسيرة الحلبية بهامشه السيرة النبوية : 2 / 27 ، والفصول المهمّة لابن الصبّاغ : 48 ، والمناقب لابن شهرآشوب : 2 / 65 ، وبحار الأنوار : 19 / 39 ، وأسد الغابة لابن الأثير : 4 / 25 .
[9] المناقب لابن شهرآشوب : 2 / 58 ، ومروج الذهب للمسعودي : 2 / 285 .
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|