أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-08-2015
888
التاريخ: 20-11-2014
1107
التاريخ: 5-07-2015
1033
التاريخ: 7-08-2015
1040
|
أنّ جميع أفعال الله تعالى كغيرها حسن بالحسن العقليّ ـ ولو لم يدركه العقل إلاّ بإرشاد النقل ـ كما يستفاد من العقل والنقل ، بمعنى أنّ حسن الأفعال وقبحها عقليّان ، لا سمعيّان وشرعيّان ونقليّان ؛ وهو من أصول مذهب الإماميّة ؛ ردّا على الأشاعرة.
بيان ذلك يقع في
مرحلتين :
الأولى : أنّ
الحسن أو القبح على قسمين : عقليّ ونقليّ ؛ والعقليّ عبارة عمّا يحكم به العقل ولو
لم يلاحظ النقل ، والنقليّ عبارة عمّا يحكم به الشرع بأن يكون الشرع هو المثبت له
بسبب الأمر بشيء أو النهي عنه ، أو عدم الأمر به ، بمعنى أنّه ليس للفعل قبل ورود
الشرع حسن ولا قبح ، بل الشرع يثبته على الوجه المذكور.
والعقليّ ـ كما
يستفاد من إطلاقات العقلاء ـ على أقسام :
منها : الحسن
بمعنى كون الصفة صفة الكمال ، والقبح بمعنى كون الصفة صفة النقص ، كما يقال :
العلم حسن أي لمن اتّصف به كمال وارتفاع شأن ، والجهل قبيح أي لمن اتّصف به نقصان
وانحطاط حال.
ومنها : الحسن
بمعنى ملاءمة الطبع ، والقبح بمعنى منافرته ، كما يقال : الحلو حسن ، والبشع (1)
قبيح ، ومثله حسن السلوك وقبحه وأمثال ذلك.
ومنها : الحسن
موافقة الغرض ، والقبح بمعنى مخالفة الغرض ، فما وافق الغرض كان حسنا ، وما خالفه
كان قبيحا ، كما إذا حصل من لقاء السلطان ـ مثلا ـ تعظيم للملاقي ، أو تحقير له ،
أو إعطاء مال ، أو أخذ مال ، فيقال : صار حسنا ، أو صار قبيحا ، فما لم يكن موافقا
ولا مخالفا لم يكن حسنا ولا قبيحا.
ومنها : الحسن
بمعنى الاشتمال على المصلحة وكونه ممّا فيه جهة محسّنة ظاهرة أو كامنة ، والقبح
بمعنى الاشتمال على المفسدة وكونه ممّا فيه جهة مقبّحة ولو كانت من الصفات الكامنة
، فيقال لما فيه المصلحة : إنّه حسن ، ولما فيه المفسدة : إنّه قبيح ، وما خلا
عنهما لا يكون شيئا منهما ، وهذا المعنى ـ بل بعض ما تقدّم أيضا ـ قد يجتمع في شيء
واحد باعتبارين ، كما يقال : وجود زيد مصلحة لأوليائه ، ومفسدة لأعدائه ، أو
بالعكس بالاعتبارين.
ومنها : الحسن
بمعنى كون الفعل ممّا تعلّق به المدح.
وبعبارة أخرى :
كون الفعل بحيث يستحقّ فاعله به المدح والتعظيم باعتبار العقل ، وكونه بحيث يستحقّ
فاعله الثواب باعتبار الشرع ، أو كونه بحيث يستحقّ فاعله المدح والثواب بملاحظة
العقل والنقل ، والقبح بمعنى كون الفعل بحيث يستحقّ فاعله الذمّ عقلا ، والعقاب أو
العتاب شرعا ، فما تعلّق به مدحه تعالى في العاجل ، وثوابه في الآجل يسمّى حسنا ،
وما يتعلّق به ذمّه تعالى في العاجل ، وعقابه أو عتابه في الآجل يسمّى قبيحا ، وما
لا يتعلّق به شيء منهما، فهو خارج عنهما ، هذا في أفعال العباد. وإن أريد ما يعمّ
أفعال الله تعالى ، اكتفي بتعلّق المدح والذمّ وترك الثواب والعقاب ؛ لما لا يخفى.
ومحلّ النزاع
بالنسبة إلى موضوع المسألة هو المعنى الأخير لا غيره ، كما صرّح به الشارح القوشجي
؛ حيث قال بالنسبة إلى المعنى الأوّل : « لا نزاع في أنّ هذا المعنى أمر ثابت
للصفات في أنفسها ، وأنّ مدركه العقل » (2) وكذا بالنسبة إلى ما فيه مصلحة ومفسدة
قال : «وذلك أيضا مدركه (3) العقل » (4).
وصرّح بما أشرنا
أيضا صاحب « المواقف » وشارحه ؛ حيث قالا : « ( ولا بدّ أوّلا ) أي قبل الشروع في
الاحتجاج ( من تحرير محلّ النزاع ) ليتّضح المتنازع فيه ، ويرد النفي والإثبات على
شيء واحد
( فنقول ) ـ
وبالله التوفيق ـ : ( الحسن والقبح يقال لمعان ثلاثة : الأوّل : صفة الكمال والنقص) فالحسن كون الصفة
صفة كمال ، والقبح كون الصفة صفة نقصان ( يقال : العلم حسن ) أي لمن اتّصف به كمال
، وارتفاع شأن ( والجهل قبيح ) أي لمن اتّصف به نقصان ، واتّضاع حال ( ولا نزاع )
في أنّ هذا المعنى أمر ثابت للصفات أنفسها و ( أنّ مدركه العقل ) ولا تعلّق له
بالشرع.
( الثاني : ملاءمة
الغرض ومنافرته ) فما وافق الغرض كان حسنا ، وما خالفه كان قبيحا ، وما ليس كذلك
لم يكن حسنا ولا قبيحا.
( وقد يعبّر عنهما
) أي عن الحسن والقبح ( بالمصلحة والمفسدة ) فيقال : الحسن ما فيه مصلحة، والقبيح
ما فيه مفسدة ، وما خلا عنهما لا يكون (5) شيء منهما ( وذلك أيضا عقليّ ) أي مدركه
العقل كالمعنى الأوّل ( ويختلف بالاعتبار ؛ فإنّ قتل زيد مصلحة لأعدائه ) وموافق
لغرضهم ( ومفسدة لأوليائه ) ومخالف لغرضهم ، فدلّ هذا الاختلاف على أنّه أمر إضافي
لا صفة حقيقيّة وإلاّ لم يختلف كما لا يتصوّر كون الجسم الواحد أسود وأبيض.
( الثالث : تعلّق
المدح والثواب ) آجلا وعاجلا ( أو الذمّ والعقاب ) كذلك ، فما تعلّق به المدح في
العاجل والثواب في الآجل يسمّى حسنا ، وما تعلّق به الذمّ في العاجل ، والعقاب في
الآجل يسمّى قبيحا ، وما لا يتعلّق به شيء منهما فهو خارج عنهما ، هذا في أفعال
العباد. وإن أريد ما يشمل أفعال الله تعالى اكتفي بتعلّق المدح والذّمّ ، وترك
الثواب والعقاب ( وهذا ) المعنى الثالث ( هو محلّ النزاع ) » انتهى (6).
ومثل ما ذكر ذكر
شارح « المقاصد » ؛ حيث قال :
« وليس النزاع في
الحسن والقبح بمعنى صفة الكمال والنقص كالعلم والجهل ، وبمعنى الملاءمة للغرض
وعدمها كالعدل والظلم ، وبالجملة كلّ ما يستحقّ المدح أو الذمّ في نظر العقول
ومجاري العادات ؛ فإنّ ذلك يدرك بالعقل ورد الشرع أم لا ، وإنّما النزاع في الحسن
والقبح عند الله تعالى بمعنى استحقاق فاعله في حكم الله تعالى المدح أو الذمّ
عاجلا ، والثواب والعقاب آجلا. والتعرّض للثواب والعقاب على أنّ الكلام في أفعال
العباد » (7). انتهى.
ومثل ذلك ذكر
العلاّمة في « النهاية » (8).
وبالجملة ، فمحلّ
النزاع بالنسبة إلى موضوع المسألة ـ كما ذكرنا ـ الحسن والقبح بالمعنى الأخير ،
وبالنسبة إلى متعلّق الموضوع ما يعمّ أفعال الله تعالى وأفعال العباد ، وبالنسبة
إلى المحمول ما أشرنا إليه من أنّ المراد من العقليّ ما يحكم به العقل ولو لم
يلاحظ النقل ، والمراد من النقلي ما يحكم به الشرع خاصّة ، كما أفاد شارح المقاصد
، حيث قال :
« فعندنا ذلك بمجرّد
الشرع بمعنى أنّ العقل لا يحكم بأنّ الفعل حسن أو قبيح في حكم الله تعالى، بل ما
ورد به الأمر به فحسن ، وما ورد به النهي عنه فقبيح من غير أن يكون للفعل جهة
محسّنة أو مقبّحة في ذاته ، ولا بحسب جهاته واعتباراته حتّى لو أمر بما نهى عنه
صار حسنا ، وبالعكس. وعندهم للفعل جهة محسّنة أو مقبّحة في حكم الله تعالى يدركها
العقل بالضرورة كحسن الصدق النافع وقبح الكذب الضّارّ ، أو بالنظر كحسن الكذب
النافع وقبح الصدق الضّارّ ، أو بورود الشرع كحسن صوم يوم عرفة ، وقبح صوم العيد.
فإن قيل : فأيّ
فرق بين المذهبين في هذا القسم؟
قلنا : الأمر
والنهي عندنا من موجبات الحسن والقبح بمعنى أنّ الفعل إن أمر به فحسن ، أو نهي عنه
فقبيح ، وعندهم من مقتضياته بمعنى أنّه حسن فأمر به ، أو قبيح فنهي عنه ، فالأمر
والنهي إذا وردا كشفا عن حسن وقبح سابقين حاصلين للفعل لذاته أو لجهاته » (9)
انتهى.
فالمراد أنّ الفعل
بحسب الواقع ونفس الأمر له حسن أو قبح أو حالة متوسّطة يمكن إدراكه للعقل وإن لم
يلاحظ الشرع ، أو لم يصل إليه نقل ، لا أنّ جميع ذلك مدرك له بالفعل فضلا عن
الضرورة أو الدوام ، فالقضيّة بحسب الجهة ممكنة باعتبار إدراك العقل إن اعتبر
الكلّيّة في الموضوع ، وإلاّ فمطلقة عامّة ، أو وقتيّة ، أو منتشرة ودائمة ، بل
ضروريّة باعتبار ثبوت صفة الحسن أو القبح ، بمعنى أنّ الحسن أو القبح ثابت للفعل
في الواقع ونفس الأمر بالدوام أو بالضرورة ، وأنّ العقل يدركهما بالقوّة ، أو
بالفعل على سبيل الممكنة ، أو المطلقة ، أو وقت الجلاء والالتفات ، أو وقتا ما على
سبيل الوقتيّة ، أو المنتشرة.
فالمراد من عقليّة
الحسن والقبح أنّه يكون للفعل بحسب الواقع حسن أو قبح ، ويمكن للعقل إدراك
ممدوحيّة فاعل الأفعال في نفس الأمر ، أو مذموميّته كذلك إن لم يرد به شرع ، أو
إدراك جهة ورود الشرع على تحسين الفعل أو تقبيحه إن ورد به شرع.
وعدم علم العقل
بنفسه بجهات الحسن والقبح في بعض الأفعال غير قادح في عقليّتهما ؛ لأنّه يكون من
جهة خفائهما وانغمار العقل بالشهوات الحيوانيّة والعلائق الجسمانيّة ، وكونه غريقا
في لجّة الأغشية الناسوتيّة ، وبعيدا عن محطّ الأنوار اللاهوتيّة ، فبإدراك الحسن
والقبح في بعض الأفعال ـ الذي ليس بمرتبة ما ذكر في الخفاء ـ يحكم بعدم القول
بالواسطة ، الكاشف عن حكم الله الصانع القادر المقدّر أنّ الفعل الذي أمر به
الشارع حسن في نفس الأمر ، وإلاّ لكان طلب الحكيم قبيحا ، وبأنّ الفعل الذي نهى
عنه الشارع قبيح في نفس الأمر ، وإلاّ لكان النهي عنه مذموما.
والمراد من شرعيّة
الحسن والقبح أنّه ليس للفعل قبل ورود الشرع حسن أو قبح حتّى يمكن للعقل إدراكه.
وقد يقال : إنّ
المراد من عقليّتهما اشتمال الفعل على الجهة المحسّنة أو المقبّحة وإن لم يتمكّن
العقل لإدراكهما ، والمراد من شرعيّتهما أن لا يكون كذلك ، بل يكون حسنه أو قبحه
بمجرّد ورود الأمر أو النهي من الشارع ، فيمكن التعاكس بورود الأمر على المنهيّ
عنه في حال النهي عنه ، وبالعكس ، وعلى الأوّل لا يصحّ التعاكس إلاّ إذا اختلف
الوقت وتغيّر المصلحة بالمفسدة، أو العكس كما في نسخ الأحكام والأديان.
________________________
(1) البشع :
الخشن من الطعام واللباس والكلام. كذا في « لسان العرب » 1 : 416 « بشع ».
(2) « شرح تجريد العقائد » : 338.
(3) في المصدر : « يدركه ».
(4) « شرح تجريد
العقائد » : 338.
(5) « لا يكون » هنا تامّة.
(6) « شرح المواقف » 8 : 182.
(7) « شرح المقاصد » 4 : 282.
(8) أي كتاب « نهاية الوصول إلى علم الأصول ».
|
|
لصحة القلب والأمعاء.. 8 أطعمة لا غنى عنها
|
|
|
|
|
حل سحري لخلايا البيروفسكايت الشمسية.. يرفع كفاءتها إلى 26%
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|