المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4903 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
الشكر قناة موصلة للنعم الإلهية
2025-01-12
أسباب ودوافع الكفران وطرق علاجه
2025-01-12
عواقب كفران النعمة
2025-01-12
معنى كفران النعمة
2025-01-12
دور الإدارة الحكوميـة فـي التنـميـة التكـنولوجـيـة 2
2025-01-12
دور الإدارة الحكوميـة فـي التنـميـة التكـنولوجـيـة 1
2025-01-12



امكان المعاد و الدليل عليه‏  
  
1089   12:22 صباحاً   التاريخ: 9-08-2015
المؤلف : محمد حسن آل ياسين
الكتاب أو المصدر : أصول الدين
الجزء والصفحة : ص467-481
القسم : العقائد الاسلامية / المعاد / تعريف المعاد و الدليل عليه /

  إننا نعيش مسألة المعاد بأكملها في داخل اطار العقيدة وضمن مجالها الخاص ... وأن الايمان بالمعاد مرحلة متفرعة من الايمان بالأساس الاعظم، ونعني به الايمان باللّه تعالى خالقا للكون ومنشأ للوجود وسببا أعلى ترجع إليه الأسباب، من دون أن يكون لوجوده سبب أو يشاركه في ايجاده سبب.

وعندما يتحقق مثل هذا الايمان الثابت الرصين باللّه تعالى وبكونه علة الخلق ومصدر الوجود وبكون المادة احدى مخلوقاته وان توهم ازليتها بعض الماديين‏ (1) فلن يكون أمام الانسان ما يقف مانعا عن الايمان بالعودة والرجوع والبعث وعن الاقرار بإمكان ذلك وعدم استحالة وقوعه.

ان ايمان العقل بالفاعل الأول يفتح الطريق أمامه للإيمان بقدرة ذلك الفاعل على تكرار فعله للمرة الثانية ولآلاف‏ المرات، وان ذلك من البداهة ما لا يحتاج الى مزيد توضيح و استدلال، وحسبنا في التمثيل لذلك أن نرى الانسان الذي استطاع أن يصنع شيئا ما- عقلا الكترونيا أو محركا نفاثا مثلا- فان قدرة هذا الانسان على تكرار صنع ذلك الشي‏ء لن تكون محل تردد أو تشكيك، ما دمنا مقتنعين بكونه الصانع الأول ...

وان صانع السيارة لو قام بتفكيك تلك السيارة الى آلاف من القطع الصغيرة؛ ثم قال بانه قادر على اعادتها سيارة مترابطة كما كانت؛ فليس هناك في العالم من يتصدى له ليطلب منه الدليل على هذه القدرة، وما ذاك إلا لأن فاعل الشي‏ء أولا قادر على فعله ثانيا وثالثا والى مئات المرات وملايين المرات.

وبهذا النحو من الاستدلال على امكان المعاد وبموجب هذا التدرج في سلم العقيدة برهن القرآن الكريم على بداهة البعث والعودة بعد الموت.

و لنستعرض بعضا من تلك الآيات الشريفة التي عنيت ببيان هذه الحقيقة وتوضيح امكانها لكل ذي لب و وعي و إدراك.

قال تعالى:

{وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا * قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا * أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [الإسراء: 49، 51].

{وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} [مريم: 66، 67].

{يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] .

{اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الروم: 11] .

{وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ } [الإسراء: 98، 99].

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 12 - 16].

{نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ * أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ} [الواقعة: 57 - 62].

{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: 36 - 40] ؟؟ .

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأحقاف: 33].

{أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ } [المرسلات: 20 - 24].

{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 77 - 79].

{أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [يس: 81] .

{أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق: 15] .

{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [غافر: 57].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج: 5، 7].

{لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا} [الكهف: 48] .

وهكذا يتجلى لنا بوضوح: {أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [الإسراء: 99] كما بدأ اوّل خلق يعيده.

وان النشأة الاخرى لن تختلف عن النشأة الاولى المعلومة لدينا بالعيان و البرهان.

وان من اودع في النطفة قابلية التطور الى ... علقة .. مضغة .. جنين ... طفل ... شاب ... شيخ .. قادر على تكرار عملية الخلق والايجاد بعثا واحياء واعادة، ف «يحي‏ العظام وهي رميم» كما خلقها من قبل ولم تك شيئا.

وليس ذلك بغريب ما دام هو سبحانه‏ { الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ } ؛ و هو {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [الأحقاف: 33] ؛ «وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ».

{فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } [يس: 83] «سُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ».

وهذا هو منطق العقل والفطرة والوجدان؛ مبرءا عن أية شائبة من شوائب الشكوك والريب والاحتمالات.

اما ذو الشك والريبة في هذه الحقيقة الناصعة فلا نعتبره شاكا في المعاد لندخل في نقاش فيه، بل ان شكه هذا انما يدل على عدم صدقه في ادعائه الايمان بكون اللّه تعالى هو المبدأ الاول، وحينذاك لن يحق له ان يطالب بالاستدلال على مسألة المعاد او يزعم الانكار لها او عدم الاقتناع بها، وانما يجب عليه ان يبحث عن دلائل الايمان بالخلق الاول والخالق الاول، باعتبار ان المعاد ... هو التكرار العملي لشي‏ء كان قد سبق صنعه ووقوعه ، وعندما يتحقق الايمان بالسالف عن قناعة ويقين فلن يكون للشك في تحقق اللاحق اي مجال ابدا.

لعل هناك من يعترض على ما سلف فيقول: ان انكارنا للمعاد ليس انكارا لخلق اللّه تعالى وايجاده، وانما هو نزول على حكم العقل في استحالة العودة، بعد ان اصبح الانسان بموته معدوما، وبديهي ان المعدوم تستحيل اعادته، وليس من المعقول ان يطلب من الانسان العاقل ان يؤمن بالمستحيلات!!

هذه هي خلاصة موجزة لشبهة يكثر معتنقوها ويتعدد مطلقوها، بعد ان التبس عليهم الامر فخلطوا هذا بذاك او غفلوا عن المعنى الحقيقي للموت والمعاد.

ولو اراد ذو الشبهة التعمق قليلا لوقف على جلية الامر، حيث يتضح له ان الموت في واقعه ليس انعداما لأجزاء الانسان، بل تفريقا وبعثرة لتلك الاجزاء، وقد ظن بعض الناس ان الجسم بعد التفرق والتشتت معدوم لا وجود له، ولكنه في الحقيقة موجود متفرق الاجزاء والذرات، وعندما يريد اللّه تعالى اعادته يجمع بقدرته هذه الاجزاء المتشتتة ويؤلفها على حالها السابقة جسما وروحا وميزات، وذلك هو المعاد.

ويرشدنا الى هذا المعنى خير ارشاد ما ورد في القرآن الكريم من سؤال ابراهيم الخليل (عليه السلام) ربه بقوله: {أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى } [البقرة: 260]؟، فكان جواب اللّه تعالى اياه قوله عز ذكره: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة: 260] بمعنى ان يقطعهن ابراهيم الى اجزاء صغيرة يختلط بعضها ببعض خلطا غير قابل للتجزئة والتمييز، {ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا } اي جزءا من ذلك الخليط، {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا } حيث يميز اللّه تعالى اجزاء كل طير عن صاحبه، و يجمع ما يتعلق بكل واحد منها مستقلا عن الباقي، و يودع فيها الحياة عند ما تكمل لكل طير هيئته الخاصة به.

وهذا المثل القرآني الدقيق صريح الدلالة على ان الموت تفريق للأجزاء وليس انعداما لها كما يظن بعض المنكرين.

واذن فليس في الامر أي معنى من معاني الاستحالة، وأي شبهة من شبهات الاصطدام بالامتناع العقلي كما يزعم بعض الزاعمين.

لما كان المعاد ... عبارة عن عودة الناس- كل الناس- بعد الموت لغرض الحساب والمحاكمة؛ ثم الاثابة والمعاقبة على ضوء نتائج هذه المحاكمة {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا } [الكهف: 47] {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ} [آل عمران: 30].

فانه لا بد ان يسبقه فناء العالم بكل من فيه وما فيه حيث تقف حركة الحياة و تموت الاحياء {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء: 104] {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم: 48].

فهل ذلك ممكن في العقول؟ وهل يستطيع العلم الحديث ان يرشدنا الى هذا الامكان فيما تفتحت امامه من آفاق ومجالات لكشف المجهول والتنبؤ بشئون المستقبل؟.

يقول البروفسور فرانك اللن:

«ان قوانين الديناميكا الحرارية تدل على ان مكونات هذا الكون تفقد حرارتها تدريجيا؛ وانها سائرة حتما الى يوم تصير فيه جميع الاجسام تحت درجة من الحرارة بالغة الانخفاض هي الصفر المطلق، ويومئذ تنعدم الطاقة وتستحيل الحياة، لا مناص من حدوث هذه الحالة من انعدام الطاقات عند ما تصل درجة حرارة الاجسام الى الصفر المطلق بمضي الوقت».

ويقول البروفسور ادوارد لوثركيل:

«هنالك انتقال حراري مستمر من الاجسام الحارة الى الاجسام الباردة، ولا يمكن ان يحدث العكس بقوة ذاتية بحيث تعود الحرارة فترتد من الاجسام الباردة الى الاجسام الحارة. ومعنى ذلك ان الكون يتجه الى درجة تتساوى فيها حرارة جميع الاجسام وينضب فيها معين الطاقة. ويومئذ لن تكون هنالك عمليات كيماوية او طبيعية، ولن يكون هنالك اثر للحياة نفسها في هذا الكون».

ويقول البروفسور كلود. م. هاثاوى:

«ادرك سير اسحاق نيوتن ان نظام هذا الكون يتجه نحو الانحلال وانه يقترب من مرحلة تتساوى فيها درجة حرارة سائر مكوناته ... وأيدت دراسة الحرارة هذه الآراء وساعدتنا على التمييز بين الطاقة الميسورة والطاقة غير الميسورة، وقد وجد انه عند حدوث اي تغييرات حرارية فان جزءا معينا من الطاقة الميسورة يتحول الى الطاقة غير الميسورة، وانه لا سبيل الى ان يسير هذا التحول في الطبيعة بطريقة عكسية».

«وقد اهتم بولتزمان بتمحيص هذه الظاهرة، واستخدم في دراستها عبقريته ومقدرته الرياضية، حتى اثبت ان فقدان‏ الطاقة الميسورة الذي يشير إليه القانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارية، ليس الا حالة خاصة من ظاهرة عامة تشير الى ان كل تحول او تغير طبيعي يصحبه تحلل او نقص في النظام الكوني. وفي حالة الحرارة يعتبر تحول الطاقة من الصورة الميسورة الى الصورة غير الميسورة فقدانا ونقصا في التنظيم الجزي‏ء، او بعبارة اخرى: تفتتا وانحلالا للبناء».

ويقول الدكتور محمد جمال الدين الفندي:

«يؤكد علماء الفلك جميعا ان الشمس- كأي نجم آخر- لا بد ان يعتريها ازدياد مفاجئ في حرارتها و حجمها واشعاعها بدرجة لا تصدقها العقول، وعند ذلك يتمدد سطحها الخارجي بما حوى من لهب ودخان حتى يصل القمر ويختل توازن المجموعة الشمسية كلها. وكل شمس في السماء لا بد ان تمر على مثل هذه الحالة قبل ان تحصل على اتزانها الدائم، ولم تمر شمسنا بالذات بهذا الدور بعد (2). قال تعالى:

{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِين} [الدخان: 10] {إِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ}؟ [القيامة: 7 - 10].

{وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً } [الحاقة: 14].

واذن فيوم المعاد بكل ما يدل عليه من فناء الكون والعالم وانعدام الحياة ممكن كل الامكان، بل محتم وقطعي في المفهوم العلمي المعاصر.

واذا كان العلم الحديث قد زادنا اطمئنانا بهذه الحقيقة، فان بعض الفلاسفة القدماء ممن لم يساعدهم العلم في عصرهم على معرفة الحقائق ذهب الى ضرورة بقاء العالم على صورته الحالية من دون فناء او زوال، مستدلا على ذلك بالشمس التي لم يظهر عليها- رغم عمرها المديد- اي تغير يشعر بنقص أو ذبول، وهذا يعني انها باقية الى أبد الآبدين، اذ لو كان مقررا لها الفناء لبدا فيها ما يدل عليه من نقص او تبدل او ذبول.

ويتضح بطلان هذا الزعم من معرفة الحقائق الآتية:

1- ان قانون الديناميكا الحرارية قد أعلمنا بأن الحرارة غير خالدة الى الابد، وان يوم انتهائها المؤدي الى فناء العالم سيأتي حتما...

2- ان الارصاد قد اخبزت عن عدة انفجارات وقعت‏ على سطح الشمس في مساحات كبيرة جدا، وقد ظهرت بقع في أماكن وقوع هذه الانفجارات لا يمكن تفسيرها الا كونها تآكلا في جرم الشمس.

3- تأكيد علماء الفلك على وصول تمدد سطح الشمس الخارجي الى القمر؛ حيث يختل توازن المجموعة الشمسية كلها...

ومعنى ذلك كله ان فناء العالم حتمي لا مفر منه، وان القول بخلود الشمس وابديتها قول لم يقم عليه أي دليل.

اما استدلال القائلين بعدم المعاد بقاعدة «المادة لا تفنى» لتصويب زعمهم فهو مرفوض على كل حال لان القول بعدم فناء المادة اصبح من الاقوال القديمة التي تعداها العلم الى القول بالفناء.

وسواء فنيت المادة او لم تفن فان المسألة لا علاقة لها بموضوع البحث لان المعاد تبدل في صورة المادة و ليس فناء لها. قال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ}.

وفرق كبير بين التبدل و الفناء!.

وخلاصة القول:

{وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج: 7] .

و{إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} [الشورى: 18] {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ} [الجاثية: 27].

وستأتي هذه الساعة «حينما تبلغ الارض ذروة حضارتها ويبلغ الانسان غاية تقدمه، فتأخذ الارض زخرفها وزينتها، ويظن الانسان انه تحكم في كل شي‏ء واصبح قادرا على كل شي‏ء، فهو يتحكم في الامطار، ويزرع الصحارى، ويداوي ما استعصى من امراض، وينقل القلوب والعيون من موتى الى احياء، ويسافر بين الكواكب، ويفجر الذرة، وينقل الجبال.

 

ان اللّه يتوعدنا منذرا:

{حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} [يونس: 24].

وفي الآية لطف وخفاء ... فاللّه يقول ان الساعة تأتي ليلا أو نهارا، ولا تفسير لذلك الا ان تكون الارض كروية دوارة نصفها ليل ونصفها نهار، فاذا جاءت الساعة وهي تأتي في لحظة: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} [النحل: 77] فان نصف سكانها يكونون في ليل والنصف الثاني في نهار.

ثم يصل القرآن بنا الى العلامة الاخيرة من علامات الساعة وهي نفخة الصور وقيام القيامة.

والمشاهد التي يرويها القرآن للقيامة رهيبة يتثلج لها الدم في العروق .. فالشمس تكسف، والقمر يخسف، والجبال تنسف، والنجوم تنكدر، والبحار تنفجر، والارض تتزلزل، وكل الاحياء في الارض والسماوات تصعق.

يحدث هذا مع نفخة الصور الاولى ومع النفخة الثانية يبعث الكل ويبدأ الحساب ‏(3).

{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49].

{وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ } [الزمر: 69، 70].

 صدق اللّه العلي العظيم.

__________________

 

( 1) يراجع في اثبات عدم ازلية المادة و مناقشة القائلين بالأزلية: كتابنا« هوامش على كتاب نقد الفكر الديني»/ ط بيروت/ 1391 ه- 971 م.

( 2) يراجع في النصوص العلمية السالفة الذكر كتاب« اللّه بتجلي في عصر العلم» صفحات 8 و 29 و 92- 93 و 167.

( 3) القرآن لمصطفى محمود: 207- 209.

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.