التحضر Urbanization

إن المدينة بمكوناتها وعلاقاتها المتشابكة تعد جزءاً مهماً من المكان الجغرافي الذي يجد فيه علم الجغرافية ضالته، لذا أصبحت المدينة ظاهرة جغرافية جديرة بالدراسة والتقصي، وقد دخلت الجغرافية بكل ثقة إلى المجال الحضري، الذي يشاهد فيه الأثر الجغرافي من جوانبه المتعددة، وباتت الاتجاهات الحديثة في الجغرافية تجد مجالها الحيوي في المدن، كما أسهمت تعقيدات الحياة في المدينة في ظهور فروع جديدة للجغرافيا. بعبارة أخرى، فإن الجغرافيا أثرت وتأثرت بالمجتمع المدني.

والحقيقة التي ينبغي التعامل معها، أن البعد الجغرافي كان حاضراً منذ نشوء المدينة، فلا توجد مدينة إلا وللعوامل الجغرافية أثر في نشوئها واستمراريتها وديمومة دورها المحلي والإقليمي والعالمي. كما يكون لتلك العوامل دور في إضعاف أدوار بعض المدن واندثار معالمها وهجرة سكانها، فالمدن الكبرى في العالم كان نشوؤها لأسباب جغرافية، ومنها مدينة ليفربول الألمانية التي أنشئت أول الأمر حول مرفأ محمي لإيواء سفن صيد الأسماك، أما مدينة نيويورك الأمريكية فهي تقع عند المنفذ الوحيد الذي يخترق جبال الابلاش الصعبة المسالك، وهذا المنفذ عبارة عن وادي نهر هدسن وموهاك. أما مدينة لندن البريطانية فقد أقيمت عند ربوة مرتفعة قريبة من النهر محاطة بالمستنقعات والجداول لحمايتها من هجمات الأعداء، كما يمكن إحاطتها بالأسوار والمتاريس للغرض نفسه، وهي بسبب ارتفاعها محمية من خطر الفيضانات(1).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ل ددلي ستامب، الآراء الحديثة في الجغرافية، مصدر سابق، ص164-165.