أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-08
994
التاريخ: 2023-09-28
1135
التاريخ: 2023-11-14
967
التاريخ: 2024-09-28
379
|
وقضت ظروف قسطنطين السياسية والعسكرية ببقائه في الشرق أكثر من الغرب؛ فالقبائل البربرية التي كانت تهدد حدود الدولة في أوروبة كانت تتأثر كثيرا بحركات القبائل الضاربة في مراعي روسية الجنوبية، والأسرة الساسانية التي كانت قد أعادت إلى فارس نشاطها وطموحها كانت قد بدأت تطمع في ولايات رومة الشرقية، وكانت هذه الولايات الشرقية قد احتفظت بنشاطها الاقتصادي فكانت تؤدي إلى الخزينة مبالغ عظيمة من المال تَفُوقُ بكثير ما كانت تؤديه الولايات الغربية، وكانت ولايات البلقان تقدم أفضل الرجال للجيش. ولمس قسطنطين هذا كله فرأى أن لا بد من إنشاء عاصمة جديدة في الشرق تُسَهِّلُ الدفاع عن الدانوب والفرات وتضمن الطمأنينة اللازمة لأبناء الولايات الشرقية، فأراد في البدء أن يجعل مسقط رأسه نيش عاصمةً لملكه، ثم اتجهت أنظاره نحو صوفية Sardica وثيسالونيكية، ورأى بعد ذلك أن طروادة أحق بالشرف من هذه جميعها؛ لأنها كانت موطن الجبابرة ومسقط رأس الرومانيين الأولين الذي أسسوا رومة. وقام إليها بنفسه وخطط العاصمة الجديدة فيها وفي ضواحيها وأنشأ الأبواب الرئيسية، ولكنه تراءى له في الحلم أن إلهه يأمره بالتفتيش عن محلٌّ آخر، فوقع اختياره على بيزنطة (1). وكانت بيزنطة مستعمرة يونانية قديمة أسسها أبناء ميغارة Megara في السنة 652 قبل الميلاد؛ للاتجار بحبوب روسية الجنوبية ومعادن حوض البحر الأسود ومصايد البوسفور، وقامت بيزنطة هذه على رأس ناتئ في البحر عند أول فجوة داخلة في ساحل البوسفور الأوروبي. وكانت هذه الفجوةُ على شكل هلال مائي داخل في الأرض عشرة كيلومترات؛ ولذا اسمه المتأخر القرن الذهبي»، واتخذت بيزنطة شكل الرأس الذي عليه فأصبحت مثلثًا تحمي المياه جانبين من جوانبه الثلاثة، ويحمي جانبه الثالث سور قوي لا تتحكم فيه أيَّةً مرتفعات مجاورة. وجاء في التقليد أنّ الإمبراطور المؤسس عندما بدأ بتخطيط العاصمة الجديدة أمسك رمحا بيده وطاف حول بيزنطة وأطال الطواف، فقال له رجال الحاشية: متى تقف يا سيد؟ فأجاب: عندما يقف هذا الذي يسير أمامي، وشاع بين القوم أن قوة سماوية كانت ترشده سواء السبيل (2) ، والواقع أن قسطنطين لم يقف إلا بعد أن أدخل في تخطيطه كل التلال السبع التي ضمها الرأس بين بحر مرمرة والقرن الذهبي، واختار قسطنطين الجزء الجنوبي الشرقي من بيزنطة فأنشأ فيه قصره الإمبراطوري، وجعل من الساحة المستطيلة التي وقعت إلى الشمال الغربي من هذا القصر ساحة عمومية رئيسية دعاها الأوغوسطايوم Augustaeum؛ أي ساحة أوغوسطوس، فغطى أرضها بالمرمر، وأحاطها من جميع جوانبها بالمنشآت العامة، وأقام إلى غربي ساحل أوغوسطوس الملعب الكبير Hippodromus الذي أصبح فيما بعد مسرحًا للسياسة ولجميع ظواهر الحياة العامة في العاصمة، فكان يشمل فيما شمل الكاثيسمة Kathisma؛ أي لوج الإمبراطور، وكان العرش العظيم الذي أُقيم في وسط هذا اللوج هو المكان الذي يطل منه الإمبراطور على شعبه في غالب الأحيان. وازدان هذا الملعب بمسلة فرعونية أحضرت من مصر، وبالثعبان النحاسي ذي الرؤوس الثلاثة الذي صنعه بوسانياس لهيكل دلفي بمناسبة الانتصار على الفرس في بلاتية (479 ق.م)، وبالعمود البرونزي المربع. وأنشأ قسطنطين بالقرب من هذا الملعب وإلى شرقيه بناءً صغيرًا جَعَلَه نقطة الانطلاق لبعد المسافات في جميع أنحاء العالم الشرقي ودعاه المليون Milion، وكان هذا المليون يُشبه الهياكل، ويقوم سقفه على سبعة أعمدة، وبداخله تمثال للإمبراطور وتمثال آخر لوالدته هيلانة، وخص قسطنطين المسيحيين بكنيسة كبيرة أسماها كنيسة الحكمة الإلهية Hagia Sophia، ولم تكن هذه كنيسة الحكمة الإلهية الحالية، بل كانت بازيليقة احترقت مرتين فاندثرت، وأقام قسطنطين في هذه المنطقة نفسها مجلسًا للشيوخ وقصرًا للبطريرك. ولا نعلم بالضبط متى خطط قسطنطين عاصمته الجديدة، وربما كان ذلك بين السنة 328 والسنة ،329 ولكننا نعلم أن تدشينها جرى في الحادي عشر من أيار سنة 330 وأن الأساقفة النصارى باركوا القصر وأقاموا صلاة خصوصية في كنيسة الحكمة. ودعا قسطنطين عددًا من شيوخ رومة القديمة وعددًا كبيرًا من كبار الأغنياء في بلاد اليونان وآسية للإقامة في العاصمة الجديدة، وأغرى آلافًا من رجال الفن والصناعة والتجارة للغرض نفسه، ووزع القمح والزيت مجانا على السكان، وخصص القمح الذي كان «يُجبى» من مصر للعاصمة الجديدة، وجعل قمح قرطاجة لمئونة العاصمة القديمة، وأصدر أمرًا منح بموجبه المدينة الجديدة لقب «رومة الجديدة» ولكن الشعب أطلق عليها اسم القسطنطينية (1). ولا يختلف اثنان في أنَّ نقل العاصمة إلى هذا المقر الجديد كان ــ في حد ذاته - عملا تاريخيًا عظيمًا؛ لأنه أعطى الدولة الرومانية حصنا منيعا تصمد فيه فتصد هجمات البرابرة وتحفظ تراثًا مدنيًا كبيرًا، ولأنه أمدَّ النصرانية بعاصمة تنطلق منها إلى جميع الجهات، لا سيما وأن رومة كانت لا تزال حصن الديانة القديمة وأنها بقيت وثنية إلى وقت طويل (2).
.........................................
1- Sozomenis, Hist. Ecc. II, 3 E .Piganiol, A., Emp. Chretien, 49
2- Philostorgii, Hist. Ecc., ii, 9
3- Maurice, J., Origines de Constantinople, Paris, 1904 16 .Brehier, L., Constantin et la Fondation de Const., Rev. Hist., 1915, 238 .Emereau, C., Notes sur les Origines de Const., Rev. Arch. 1925, 1–25 أومان: الإمبراطورية البيزنطية، تعريب الدكتور مصطفى طه بدر، الفصل الأول ص3–13.
4- Uspensky, Th. Hist. of Byz. Emp. I, 60–62
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
العتبة العباسية تستعدّ لتكريم عددٍ من الطالبات المرتديات للعباءة الزينبية في جامعات كركوك
|
|
|