أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-10-15
1305
التاريخ: 2023-11-11
1071
التاريخ: 2023-11-09
1065
التاريخ: 2023-11-04
1318
|
ولم يقع أي تمزيق جديد في جسم الدولة العباسية في أيام المعتضد (892–902)، والمكتفي (902–908)، وفي عهد المقتدر (908–932) عادت الدولة إلى ما كانت عليه من التفكُّك، ثم أضاع القاهر (932–934) والراضي (934–940) والمتقي (940–944) والمستكفي (944–946) آخِرَ ولاياتهم، فاضمحلتْ بذلك سُلطةُ الخليفة الزمنية بكاملها، وكان بين الطامعين في المُلك والسلطان في أثناء هذا الانحلال بعضُ القبائل البدوية العربية، ولعل أشهر هؤلاء بنو تغلب؛ فإن كبيرهم الأمير عبد الله بن حمدان تمكن في السنة 905 في عهد المكتفي من انتزاع حاكمية الموصل من يد الخليفة، وتمكن ولداه حسن وعلي في السنة 942 من انتزاع اللقبين ناصر الدولة للأول وسيف الدولة للثاني، وتغلغل سيف الدولة في البلاد حتى شمال سورية الشرقي في السنة 937، وفي السنة 944 دخل حلب وأسس فيها دولة دامت حتى السنة 1003، وبقي ناصر الدولة في الموصل يُسَكِّن الفتن في بغداد بينما هَبَّ سيف الدولة يمتشق حسام الإسلام في وجه الروم، وما فتئ كذلك حتى أدركته المنية في السنة 967. ولما استقر سيف الدولة في حلب وجعلها عاصمةً لملكه وقاعدةً لأعماله الحربية؛ تحول القتال الرئيسي بين الروم والعرب من جبهة أرمينية إلى خط قتال جديد امتد من قيليقية حتى ديار بكر، وكانت الحدود بين الدولتين تبدأ من نقطة مجهولة على الفرات فوق سميساط، فتمر بين حصن منصور وزبطرة وفوق الحدث ومرعش متبعة سلسلتَي جبال طوروس حتى أبواب قيليقية واللامس أو الليموس، وتبدأ من النقطة نفسها على الفُرات فتتجه شمالًا إلى شرقي سميساط فأرمينية. وكانت المبادرةُ في الحروب بين الروم والعرب قد أفلتت من يد العرب؛ نظرًا لِمَا كان قد حلَّ بالخلافة من انحلال ومصائب، وكان الدافعُ لمحاربة الروم قد أصبح واحدًا من اثنين أو الاثنين معًا: إما القيام بواجبِ الجهاد، أو إِحراز الغنائم، ولم تكن حُروبُ القرن العاشر حروبَ فَتْح كتلك التي قام بها الأُمويون والعباسيون المؤسسون، وأصبح موقفُ العرب دفاعيًّا أكثر بكثير منه هجوميًّا، ونيط الدفاع بحُكَّام الحُدُود، وانتقلت المبادرة في هذه الحروب إلى الروم، وأصبحتْ هجومية أكثر منها دفاعية، وقد رأينا الأسرة المقدونية تبدأ بأعمالٍ تمهيديةٍ، فتضرب البولسيين حلفاء العرب في تفريقية ضربةً قاضيةً، ثم تعترف بأَشوت البغرتوني ملك الأرمن وتحالفه، ثم تبدأ هجومها في عهد رومانوس ليكابينوس — كما سبق أن ذكرنا. ويَرَى رجالُ الاختصاص أن انتصار الروم على العرب في القرن العاشر لم يكن نتيجة ضعف العباسيين فحسب، بل إنه تَأَتَّى عن تجددٍ عند الروم وتيقظٍ وتنشطٍ، وأن هؤلاء وإن اختلفوا في العنصر فقد اتحدوا في إيمانٍ واحدٍ، وفي المفاخرة بأمجادٍ ماضيةٍ، وشعروا بوجوب إعادةِ النظر في أَنْظِمَتِهِم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبوجوب إِتْقَان الجيش وتكميله؛ ليأتي بالفائدة المطلوبة، فالرومُ في القرن العاشر — في نظر هؤلاء — كانوا في يقظةٍ ونشاطٍ لا في غفلةٍ وانقسامٍ (1). وأثقل الحمدانيون كاهل العشائر الضاربة في الجزيرة التابعة لحكمهم بالضرائب، وبين هؤلاء بنو حبيب، وكان بنو حبيب تغالبةٌ أيضًا، فشق عليهم الأمر، فانقبضوا ثم خرجوا للقتال، فجرد عليهم ناصر الدولة في السنة 935 فقهرهم، فعوَّلوا على الرحيل، فقاموا عشرة آلاف فارس بنسائهم وأولادهم وعبيدهم وقطعوا الحُدُود والتجئوا إلى الروم وتَنَصَّرُوا، وحذا حذوهم غيرُهُم مِنْ عَشَائِرِ الجزيرة، فتوترت العلاقات بين الروم وبين الحمدانيين(2)، وبدأ سيف الدولة غزواته في أرض الروم، فكان يقوم بها كلما شعر بهدوءٍ واستقرارٍ داخليٍّ، واشتهر في بغداد بالغازي. وفي السنة 938 سجل سيف الدولة انتصارَه الأول أمام حصن زياد، فدخله عَنْوَةً، ثم خرج منه يقاتلُ جيشًا كبيرًا أَنْفَذَهُ الرومُ عليه، وأدركه الروم بين حصن زياد وحصن سلام، واقتتل الطرفان فدارت الدائرةُ — فيما يظهر — على الروم وتَغَنَّى أبو فراس بالنصر، وفي السنة 939 أنفذ الرومُ حملة عسكرية إلى القوقاس لتأديب الكرج «الإيبريين» الذين كانوا قد امتنعوا مرارًا عن غزو الأراضي العربية على الرغم من كونهم أرثوذكسيين يدينون بدين الفسيلفس، فاستنجد الكرج الحمدانيين، فهبَّ سيف الدولة لمعونتهم وأجلى الروم عن بلادهم، وفي الربيع التالي سنة 940 دخل إلى ثيمة خلدية، واستولى على عدد من الحُصُون والمُدُن فيها، ثم قام إلى كولونية وحاصرها(3)، فأصبح زعيم الجهاد الأكبر في الأقطار الإسلامية وعدو النصرانية عند الروم. وشغلت سيف الدولة ما بين السنة 940 والسنة 944 مشاغلُ في عاصمة الخلافة كان محورها السلطة العليا، فأصبح أمير طرسوس عدو الروم الأوحد، فَانْقَضُّوا عليه في خريف السنة 940 ووصلوا إلى منطقة كفرتوتة، ثم شغلوا في أوروبة فتراجعوا، وعادوا في مطلع السنة 942 فانطلقوا في سُهُول قيليقية حتى حدود سورية فأسروا خمسة عشر ألف أسير، وفي خريف هذه السنة نفسها انقض غرغون على مقاطعة ديار بكر فاستولى على ميافارقين وغيرها — كما سبق وأشرنا — وكان ما كان من أمر المنديل. وفي السنة 944 دخل سيفُ الدولة حلب وحمص، وانتزعهما من يد الإخشيديين، فانطلق الرومُ في منطقة مرعش ومنطقة بغراس حتى أبواب أنطاكية، فردَّ سيفُ الدول بإغارة في منطقة عرابسوس، ودخل سيف الدولة في ربيع السنة 945 في نزاع مع الإخشيديين فلم يستغل قسطنطين السابع هذا الظرفَ، وجاءَت السنةُ 946 فتبادل الخصمان الأسرى عند لامس سلفكية، وفي ربيع السنة 948 خرج الروم من ملاطية وسميساط واتجهوا نحو الجزيرة ليستولوا على ممر الحدث: مرعش، فصمد سيف الدولة في وجههم في معركة جلباط الوارد ذكرها في إحدى قصائد أبي فراس، وفي الربيع التالي 949 ظهر لاوون بن فوقاس أمام الحدث محاصرًا، فدخلها عنوةً ودك حصونها(4)، واستولى الروم في هذه السنة عينها على مرعش وقاتلوا عند أسوار طرسوس، وحملوا على جزيرة أقريطش ولكن دون جدوى (5)، وفي ربيع السنة 950 قام سيف الدولة إلى الجزيرة يتفقد شئونها، وأناب عنه في الحُكم في حلب ابن عمه محمد بن ناصر الدولة، فَانْقَضَّ لاوون بن فوقاس على شمالي سورية حتى مداخل أنطاكية، وحاصر بوقة في سهل العُمق، فهَبَّ محمدٌ لقتاله ولكنه فشل فشلًا ذريعًا. وأرسل قسطنطين السابع وفدًا يُفاوض في التهادُن، فمثل الوفد أمام سيف الدولة في آمد، وكاد الاتفاقُ يتم ولكن مروان القرمطي قتل أحد أعضاء الوفد، وأسرع سيف الدولة يعتذر ويُظهر استعداده للتعويض، ولكن قسطنطين أصر على تسيلم القاتل، فأبى سيفُ الدولة وانقطعت المفاوضات.(6) وعاد سيف الدولة إلى حلب يستعد للقتال، فجمع ثلاثين ألف مقاتل واصطحب ثلاثة من الشعراء: المتنبي وأبا فراس وأبا زهير المهلهل، وقام في أواخر آب أو أوائل أيلول من السنة 950 إلى مرعش فانضم إليه أربعةُ آلاف مقاتل من طرسوس، ثم نهض بجُمُوعه عن طريق ملاطية (قيصرية) فاحتل صارخة وقتل وسبى وأحرق، وأراد العودة إلى حلب نظرًا لحلول فصل الشتاء فعبر الهاليس واتجه جنوبًا، ثم علم أن لاوون بن فوقاس قد حشد جيشه في منطقة خَرشَنة Charsianon، فأوقف السير وعاد بنخبة من جنوده فعبر الهاليس وأنزل بالروم خسارة كبيرة، ثم اتجه نحو الجنوب. ولمَّ الروم شعثهم ونظموا صفوهم وأسرعوا إلى جبال طوروس يكمنون لسيف الدولة، واستقروا في درب الجوزات بين الإلبستان والحدث، ومرت طلائع سيف الدولة ولم يحرِّك الروم ساكنًا، ثم أقبل سيف الدولة فوجد الممر مسدودًا مقطوعًا، فأمطره الروم حجارةً وصخورًا وسهامًا، فسقط عددٌ كبيرٌ من رجاله وأُسِرَ غيرُهُم، وتمكن سيف الدولة من اجتياز هذا الممر والوصول إلى أعلى الجبل، ولحق به الروم فأرهقوه وحملوه على ما لا يطيق، وكان عليه أن يمر بعقبة الشير فسبقه الرومُ إليها وقطعوها عليه، فاضطر أن يسلك طريقًا وعرة للغاية مستعينًا على ذلك بالأدلاء، فأدركه الرومُ وأرهقوه، وتفرَّق عنه رجالُهُ، ولم يبقَ معه مَن يستطيع القتال المنظم، فقتل الأسرى وأخرق الأمتعة وفرَّ هاربًا نحو حلب، فعُرفت هذه الحرب «بغزوة المصيبة«،(7) وعاد سيفُ الدولة لأخذ الثأر في السنة 951، فدخل قبدوقية ليخرج منها مدحورًا، ثم قام قادةُ الروم بغزواتٍ متتاليةٍ بين السنة 952 والسنة 958 في قيليقية والجزيرة، انتصروا فيها وانخذلوا (8). وفي السنة 958 بَدَتْ علاماتُ الضعف في مقاومة سيف الدولة، وتسلم قيادة الروم يوحنا شمشيق Jean Tzimisces فأحرز انتصاراتٍ متتاليةً في الجزيرة العُليا واحتلَّ أكثر مُدُنها، ثم حاصر سميساط على الفُرات وأنزل بسيف الدولة سلسلةً من الهزائم، وبعد السنة 960 أضاف الرومُ إلى ملكهم كل ما وقع شرقي الفُرات، جاعلين من هذه المناطق ثيمة الجزيرة (9).
..............................................
1- Gelzer, H., Genesis der Byzantinischen Themenverfassung, 8; Canard, M., Dynastie des Hamdanides, I, 718-719.
2- اطلب ابن حوقل، فصله عن الجزيرة.
3- Canard, M., Dynastie des Hamdanides, I, 741–747
4- Cedrenus, G., Historiarum Compendium, II, 336
5- Vasiliev, A. A., Byz. ET les Arabes, II, 285ff
6- كمال الدين ابن العميد، زبدة الحلب في تاريخ حلب، في مجموعة كنار، ص397.
7- Canard, M., Dynastie des Hamd. I, 702–770; Vasiliev, A. A., Byz. ET les Arabes, II, 286–290
8- Canard, M., Op. Cit., I, 770–783
9- Philipson, A. E., Byzantinische Reich als Geographische Ercheinung, 173
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
العتبة العباسية تستعدّ لتكريم عددٍ من الطالبات المرتديات للعباءة الزينبية في جامعات كركوك
|
|
|