أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-01-07
863
التاريخ: 2024-11-08
449
التاريخ: 2023-04-13
951
التاريخ: 20-6-2018
16162
|
شهدت الصين في عهد التانغ تطورات علمية هائلة وازدهار ثقافي كبير، وكان للعرب والمسلمين إسهاماتهم وبصماتهم الواضحة في مختلف العلوم في تلك المرحلة من تاريخ الصين، فقد أبدع المسلمون في مجال الكيمياء، واهتموا بشكل خاص في أنواع المعادن المختلفة (1). وعبر طريق الحرير نقل التجار العرب العلماء الكثير من المعرفة المتعلقة بالكيمياء إلى أوروبا (2). وكانت العاصمة خمدان مقراً عالمياً لمختلف العلوم، ففي منتصف القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي، تم تأسيس الكلية الإمبريالية في المدينة. وأصبحت هذه الكلية من أشهر مصادر العلم والمعرفة داخل الصين والبلاد المجاورة، إذ وصل عدد الطلبة من اليابان وكوريا وكمبوديا إلى أكثر من ثمانية آلاف طالب في جامعة واحدة في خمدان (3). وقد اشتهر آنذاك الإمبراطور مينغ هوانج (Ming Huang) بالعبقري لأنه جعل من خمدان العاصمة الأكثر حضارة في العالم (4). وأكد السيرافي على أن " الفقير والغني من أهل الصين والصغير والكبير يعلم الخط والكتابة (5). ويبدو أن المسلمين قد وجدوا في هذا التقدم العلمي الذي يوافق ما يدعو إليه دينهم مجالاً للإسهام في الفكر والثقافة داخل المجتمع الصيني، وهناك مقولة " أنه لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل على تفسير محمد بن جرير لم يكن كثيراً (6). ومع تزايد النشاط الفكري والثقافي لمسلمي الصين تراجعت الديانة البوذية والفن البوذي تراجعاً كبيراً، فعلى سبيل المثال، تم تدمير الكثير من الأصنام البوذية والفن البوذي (7)، وقد يرجع ذلك إلى القناعة لدى الذين اعتنقوا الإسلام بعدم أهمية الأصنام والفن البوذي، وذلك لأن الإسلام يمثل نهج وفكر يختلف عن البوذية. أما عهد حكم السونغ للصين، وخصوصاً القرن الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي فقد شهد أعظم إبداعات الشعب الصيني في مجال العلوم والثقافة والتقدم العلمي (8)، لقد كانت الصين في هذه المرحلة من تاريخها تعاني من تهديدات خارجية تهدد وحدتها وقوتها، لكن الاستقرار الداخلي كان أشد قوة وأكثر عمقاً (9). لقد مهد الاستقرار إلى الإبداع العلمي والتكنولوجي والاقتصادي في الصين، وفي عام (537هـ = (1142م أسست الجامعة الوطنية في Quanzhou (10). وقد عرف أن أحد حكام عهد السونغ وهو الإمبراطور Huizong كان أكثر الحكام ثقافة، فقد تربع على عرش الصين من (493 هـ - 19- هـ عام 1100-م - 1126م)، وأسس أكاديمية مزدهرة للفنون، تضم أكر من ستة آلاف لوحة فنية، ولذلك اعتبر هذا الإمبراطور رائداً للنهضة في الصين آنذاك (11). ونذكر هنا انجازات عهد السونغ في الصين لما شهده هذا العهد من تطور علمي وثقافي في مرحلة مهمة من تاريخ الصين، وطالما أن هناك مسلمين مقيمين في الصين سواء مهاجرين جدد أو منحدرين من أصل صيني، فهم جزء لا يتجزأ من المجتمع الصيني، خاصة ونحن نتحدث عن القرن الثاني عشر الميلادي أو حتى الحادي عشر الميلادي، فقد مرت قرون عدة على تواجد المسلمين في الصين، وإن أي حركة علمية أو نهضة ثقافية لا بد أن يكون المجتمع بمختلف شرائحه له دور فيها، وإذا لم تتحدث المصادر عن الإنجازات العلمية للمسلمين الصينيين تحديداً، فإن هذا يرجع إلى أنهم أصبحوا جزءاً من المجتمع الصيني ويعدوا صينيون، وليس إلى غياب دورهم العلمي. لقد مهد النشاط العلمي في عهد السونغ، الذي أسهم فيه المسلمون لنهضة علمية جديدة مزدهرة ظهرت في الصين في العهد المغولي. أما عن النشاط العلمي والفكري لمسلمي الصين خلال القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي فقد كان لهم دور مميز في النهضة الفكرية والعلمية لدرجة أن هذا القرن يعد العصر الذهبي لمسلمي الصين من الجانب العلمي (12). وبما أن هذه الحقبة من تاريخ الصين تميزت بسيطرة المغول على الصين بالكامل، فقد حرصوا على العلم والمعرفة وجلب المعارف والعلوم الجديدة للبلاد (13). لقد قام قبلاي خان برعاية العلماء والشعراء والمصممين المعماريين والمهندسين والرسامين وجلب الكثير منهم من كافة أنحاء العالم (14)، كما أسس المعاهد والمدارس لتشجيع كافة العلوم على أسس حديثة مثل محطة لدراسات الفضاء وعلوم الهندسة والجبر والجغرافيا والتاريخ. ففي مجال التاريخ شهدت هذه الحقبة أعظم ما أنتجته الحضارة الصينية حيث جرى رصد وتوثيق مفصل ومهم لأحداث الصين المهمة والحياة اليومية فيها خلال القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي (15). وفي خضم هذه الأجواء من ازدهار العلوم وتشجيع السلطة والحاكم على النشاط العلمي والثقافي، كان للمسلمين النصيب الأكبر من المشاركة الفاعلة والحيوية في تلك النهضة التي شهدتها الصين (16)، فقد وصل للصين الكثير من العلماء المسلمين القادمين من العالم الإسلامي وخاصة من آسيا الوسطى بتشجيع من السلطان الحاكم المغولي (17). ولقد حظي الكثير من علماء المسلمين بالعناية الفائقة من قبل الإمبراطور، وكذلك تم توفير الحماية اللازمة لهم ليقوموا بأعمالهم وانجازاتهم (18)، وقد قدم هؤلاء العلماء العلوم العربية والمعرفة العربية والإسلامية للصين، وعلى رأسها علم الفلك وأدوات تطبيق هذا العلم (19). وكان من أبرز الشخصيات الإسلامية التي اشتهرت في عهد قبلاي المسئول الحكومي الرفيع المستوى أحمد، والذي عمل كوزير للمالية (20). وفي عام (665هـ= 1267م)، قام عالم الفلك الفارسي المسلم جمال الدين ببناء محطة رصد لعلم الفلك في مدينة بكين (21)، وبعد ذلك بأربع سنين أسس قبلاي خان المعهد الفلكي الإسلامي، وعين علماء عرب وفرس من الفلكيين، وكان معظمهم من خارج الصين (22). واستطاع المهندسون المسلمون تصنيع أسلحة متقدمة للجيوش المغولية، وقام أطباء فرس باختراع وتصنيع أدوية جديدة ومستشفيات جديدة، (23) فهناك ذكر لمسلم لمع اسمه في تاريخ الصين وهو سيد أجل شمس، وهو منحدر من أوساط آسيا، وقد عينته السلطات المغولية كحاكم لمقاطعة يونان في الصين، واشتهر بإنجازاته العظيمة في تحديث وتحسين مشاريع الري الزراعية (24). أما عن المصممين المعماريين المسلمين، فقد شهد التاريخ الصيني بإنجازاتهم في هذا المجال، فهم الذين صمموا القصر الإمبراطوري الذي ما زال قائماً إلى اليوم في مدينة بكين (25). وفي هذه الحقبة من تاريخ الصين، أصبح الصينيون تلامذة للمسلمين في كثير من العلوم، وعلى رأسها علم الفلك (26)، لقد تعلم الصينيون من العرب طريقة الحساب الدقيقة في قياس ظاهرة الخسوف وحساب حركة الشمس والقمر، ولقد اشتهر الصينيون بخوفهم الشديد من ظاهرة الخسوف إذ يقوم الصينيون بضرب الطبول لكي يبعدوا التنين الذي يحاول أن يبلع الشمس أو القمر (27)، وهذه أسطورة صينية تفسر ظاهرة الخسوف وكيفية التخلص من الخوف. ويبدو أن المسلمين تمتعوا بمكانة عالية في الصين خلال القرنين السابع والثامن الهجريين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين، ويؤكد ابن بطوطة في رحلته المكانة المميزة والعالية التي حظي بها المسلمون في الصين، وفي كل مدينة من مدن الصين مدينة للمسلمين ينفردون بمساكنها ولهم فيها المساجد لإقامة الجماعات وسواها وهم معظمون "محترمون (28). ومن الواضح أن دور مسلمي الصين كبير في الإنجازات العلمية والحياة الفكرية، ولعل بسبب ذلك يعود إلى ارتباطهم بالحضارة الإسلامية المزدهرة على مستوى العالم، فالنهضة العلمية والفكرية والإسلامية كانت في قمتها، وأوروبا كانت تعاني من الجهل والظلام والتخلف بما يعرف بعصورها الوسطى. إن التقدم العلمي للمسلمين فرض الهيبة والاحترام لهم عند حكام المغول، فقد استعانوا بالخبرات العلمية المسلمة والإنجازات الإسلامية الحضارية وجلبوها لبلادهم بهدف التطور والتقدم. كذلك فإن مسلمي الصين الذين مضى على استقرارهم فيها قرون عدة قد حرصوا على دور فكري وعلمي في مجتمعهم، وربما كانوا على تواصل مستمر مع أقرانهم من العلماء في العالم الإسلامي الكبير مما جعلهم يتميزون عن غيرهم من عناصر المجتمع الصيني، فالاحتكاك والتعاون مع علماء خارج المجتمع المحلي يحقق لهم نوعا من التميز عن الآخرين. كذلك فإن السلطة الحاكمة المغولية في الصين قد أبدت درجة عالية من الحكمة في رعاية العلم والعلماء، ويتناقض ذلك مع الجرائم البشعة التي ارتكبوها ضد مسلمي بغداد وحضارتها ومكتباتها. أما في الصين، فقد أدرك قبلاي خان بأن حكم النار والحديد وحده لا يكفي. فأراد أن يترك انطباعاً قوياً لدى الصينيين بإنجازاته العلمية، وأن يثبت للصين أن المغول ليسوا أقل حضارة من الصينيين ويثبت ذلك باعتماده على العلماء المسلمين. لقد كان لنتائج هذا الإسهام والإسهاب العلمي والفكري للمسلمين في الصين بعداً عميقاً ليس فقط في الصين بل في بلاد ما وراء النهر، فقد توطنت الثقافة الإسلامية في البلاد المجاورة لحدود الصين الغربية، وأصبحت اللغة العربية من العلوم الأساسية بين تلك الشعوب (29). فلقد لعبت الثقافة الإسلامية دوراً تاريخياً وثقافياً في تذويب الخلافات والصراعات العرقية في مناطق حدود الصين الغربية وبلاد ما وراء النهر (30)، وأصبحت الكثير من تلك المناطق تنتج حركات سياسية وفكرية هائلة كما هو واضح في طبقات الأطباء والحفاظ والفقهاء والشعراء واللغويين والنحاة والمفكرين في بلاد ما وراء النهر، وأيضاً في المناطق المتاخمة لحدود الصين الغربية (31).
.............................................
1- Williams Edward, A Short History Of China, p.160
2- IBID, p.160
3- Williams Edward, A Short History of China, p.160
4- Fitzgerald, Flood Tide in China, p.338
5- السيرافي، رحلة السيرافي، ص40.
6 الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج14، ص272.
7- Fitzgerald, Flood Tide in China, P.359
8- Findling, John, The History of China, p.78.
9- Findling, John, The History of China, P.78.
10- Bowman, John, Columbia Chronology, p.88.
11- IBID, p.88.
12- Ching, Julia, Chinese Religion, P.181; Schidmore, Eliza, China: the long Lived Empire P.327.
13- 2 Paul, Cedar, The Mongol Mission, P.327.
14-IBID, P.327.
15- HERBERT, Franke, Aspects of Chinese History, P.117
16- Ching, Julia , Chinese Religion, P.181
17- IBID, P.180
18- IBID, P.180
19- IBID, P.180
20- ‘IBID, P.181
21- ‘IBID, P.181
22- ‘Bowman, John, Colombia Chronology, P.107
23-‘Ching, Julia, Chinese Religion, P.181
24- IBID, P.181
25- IBID, P.181
26- Schidmore, Eliza, China: The long lived Empire, P.87
27- IBID,p.87.
28- ابن بطوطة، رحلة ابن بطوطة ج2، ص718.
29- محمد حسن أحمد الإسلام والحضارة العربية في آسيا، ص128.
30- الجنابي هيثم الإسلام في أوراسيا، ص 183.
31- محمد حسن أحمد، الإسلام والحضارة العربية في آسيا، ص128.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|