أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-11-2014
2577
التاريخ: 17-1-2016
2686
التاريخ: 3-12-2015
2217
التاريخ: 23-09-2014
3026
|
لقلت : قد اقتضت حكمة الله ان تكون معجزة كل رسول – وهي من مستلزمات النبوة – مما هو شائع في عصـره ومما تهالكوا عليه، وبرعوا فيه ليكون ذلك ابلغ في تأييد الرسول واقوى في الالزام .
فمعجزة موسى (عليه السلام) ، هي العصا ، التي انقلبت افعى وابتلعت عصـي السحرة وحبالهم ، لما برع فيه المصـريون اذ ذاك من السحر ، ومعجزة عيسى (عليه السلام) بأحياء الموتى ومعالجة المرضى؛ لأنهم برعوا في الطب .
اما معجزة نبينا محمد (صلى الله عليه واله وسلم) التي تحدى بها العرب ، وهم الذين اشتهروا بالفصاحة وبرعوا في فنون القول[1] فأننا ان قرأنا اللغة العربية ودرسنا ادبها ظهر لنا من دون ريب أنَّه لا يمكن ان تكون في الوجود لغة انسب من لغتنا لأداء افكار السماء والافصاح عن معاني العلم الالهي ، فلها من القوة على التأثير في قلوب السامعين ، فبالجمل الصغيرة من هذه اللغة تؤدي المعاني الكبيرة التي تعجز غيرها من اللغات عن ادائها ، والى مثل هذه اللغة كانت تحتاج معاني القرآن الكريم ، فمن حكمة الله البالغة ورحمته الشاملة بعباده اختار لهم لغة العرب على غيرها للنبوة العالمية[2].
فمن هنا جاء القرآن الكريم مجاريا ً لهم ومتحديا ً لهم مما يلزمنا بالاطلاع على تأريخ الادب العربي ، اذ إنَّ للعرب في جاهليتهم منهجا ً في ارسال ابنائهم الى البادية لينشأ اولادهم افصح لسانا ً واصح جسما ً واصف ذكاء [3]؛ لأنهم كانوا يحرصون على تعلم الاستماع فمما اثر عنهم : (تعلم حسن الاستماع كما تعلم حسن الكلام ) [4]، وكذا ( الإنسان لا يعلم حتى يكثر سماعه) [5]، وسأل جماعة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) تعجبا عن فصاحته، فقال (صلى الله عليه واله وسلم): (...وَ مَا يَمْنَعُنِي وَ أَنَا أَفْصَحُ الْعَرَبِ وَ أَنْزَلَ اللهُ الْقُرْآنَ بِلُغَتِي وَ هِيَ أَفْضَلُ اللُّغَاتِ بَيْدَ أَنِّي رُبِّيتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْر)[6]. فظاهر الحديث ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بيّن أهمية البيئة وحسن التلقي في صياغة الملكة الكلامية.
كما كان للعرب في الجاهلية مواسم عامة يؤمها اصحاب المقاصد من جميع القبائل، يسمونها اسواقًا، وكان من اعظمها سوق عكاظ ، يقصده كثير من العرب من كل حدب وصوب ، وكان الشعراء والادباء ممن يقصده مما يدل على رقي الأمة، فكان الشعراء يغتنمون الفرصة في اجتماع هذا الحشد الكبير من ابناء القبائل فينشدون شعرهم على الجمهور المحتشد، وكانوا يعنون بالأدب والشعر حتى طاروا به واصبح سمة لهم ، فطرقوا به كل باب من غزل ومديح ورثاء، فكان للسمع نصيب من شعرهم.
فهذا الأعشى يعرض لنا صورة جميلة عن (السمع) ومدى تأثره بالأصوات حيث يقول :
تَسمَعُ للحَلِي وَسْوَاساً إِذَا انصـرفَتْ |
كَمَا استَعَانَ برِيحٍ عِشـرقٌ زَجِلُ [7] |
فقد اعطى حياة لأصوات الحلي ، وكيف انها اثرت في سمعه .
وننتتقل الى لوحة اخرى يرسمها طرفة بن العبد لناقته حين يصف سمعها فيقول :
وصادقتا سمع التوجس للسـرى |
لهجس خفيٍ ٍ او لصوت ٍمندد |
مؤللتان تعرف العشــــق فيهما |
كسامعتي شاة ٍ بحــومل مفرد[8] |
فهي لها اذنان محددتان تحديد الالة تعرف نجابتها فيها وهما كأذني ثور وحشي منفرد فهي اشد فزعاً وتيقظا ً واحترازا ً .
وكذا قول عمرو بن معد يكرب :
امن ريحانة الداعي السميع |
يؤرقني ، واصحأَبِي هجوع[9] |
فالسمع هنا الواسطة التي تنتقل اليه ما يجعله سهران واصحابه هجوع ، او مصدر فرح او مصدر حزن .
وهذا النابغة الذبياني يبرر موقفه للنعمان معتذراً له إذ يقول :
اتاني – ابيت اللعن – انك لمتني |
وتلك التي تستك منها المسامع[10] |
فقد اراد ان من الاخبار ما يضايق السمع ولا طاقة لها على السماع .
وهذا عبد غوث يصف حاله عندما قتله الثأر في الجاهلية إذ يقول :
احقاً عباد الله ان لست سامعًا |
نشــيد الرعاء المـــــــــــعزبين المتاليا[11] |
فلم يسمع منهم العهود التي اعطوها اياه فهو يخاطبهم ويذكرهم بها وهذا امرؤ القيس يتذكر في قصيدته صورته القديمة إذ كان يثير اعجاب النساء ويقارنها بصورته حيث تقوس ظهره :
يرعن الى صوتي اذا ما سمــــعنه |
كما ترعوي عيط الى صوت اعيسا [12] |
من هذا المسح السـريع لأدبنا العربي تظهر العلاقة الوثيقة بين البناء القرآني والأدب العربي إذ جاء القرآن على منهج العرب متحديا ً لهم في لغتهم التي برعوا بها .
فكان للقرآن الكريم وقعٌ في نفوسهم، وكان يأخذ بمجامع قلوب سامعيه من ألد الخصوم، فهذا الوليد بن المغيرة سمع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يتلو بعض أي الذكر الحكيم فصـرح الى نفر من قريش بقوله : (سَمِعْتُ مِنْ مُحَمَّدٍ آنِفاً كَلَاماً مَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، إِنَّ لَهُ لَحَلَاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً[13]، وَإِنَّ أَعْلَاهُ لَمُثْمِرٌ، وَإِنَّ أَسْفَلَهُ لَمُغْدِقٌ[14]، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَ لَا يُعْلَى.. [15]. فهكذا عجزت العرب عن معارضته لما فيه من الإعجاز لهم ، فمضوا يشهرون سيوفهم ويغمدون ألسنتهم .
[1] المصدر نفسه 1: 162 .
[2] طبارة: عفيف عبد الفتاح: مع الانبياء في القرآن الكريم ، ط 14- 1985م، دار العلم للملايين، بيروت – لبنان: 22.
[3] الزوزني: ابو عبدالله الحسين بن احمد: شرح المعلقات العشر،1979م، دار مكتبة الحياة، بيروت ـ لبنان:9.
[4] ابن هشام: السيرة النبوية، تح: مصطفى السقا وجماعته، ط3-1973، دار الفكر، بيروت – لبنان1: 163 .
[5] ابن المقفع: عبدالله بن المبارك: الادب الكبير والادب الصغير، ط2ـ 1986، دار الرسالة بيروت: 199.
[6] المفيد: محمد بن محمد: الإختصاص : 187.
[7] ابن هشام: السيرة النبوية 1 :162 .
[8] الزوزوي: ابو عبدالله الحسين: المعلقات الشعر : 184 .
[9] المصدر نفسه :105 .
[10] القيسي: نوري حمودي: تأريخ الادب العربي قبل الاسلام : 27 .
[11] المصدر نفسه.
[12] المصدر نفسه .
[13] الطلاوة بالتثليث: الحسن و البهجة.
[14] من أغدقت الأرض: أخصبت.
[15] المجلسي: محمد باقر: بحار الأنوار 9 : 167.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
العتبة العباسية تستعدّ لتكريم عددٍ من الطالبات المرتديات للعباءة الزينبية في جامعات كركوك
|
|
|