مكمن الإعجاز في القرآن الكريم عند اهل البيت :

         تكاد تجتمع كلمة المسلمين على أنَّ مكمن الإعجاز وعنصـره هو الفصاحة والنظم، إذ عدَّ هذا الامر ركنا اساسا في اعجاز القرآن ، فالمتصفح لكتب الإعجاز يجد انها تتوسع فيه بحثا وتنقيبا وتحقيقا، واعترف بذلك العدو قبل الصديق، فهذا الوليد بن المغير وهو من بلغاء العرب يقول كلمته المشهورة بعد سماعه القرآن: {وَاللهِ إِنَّ لَهُ لَحَلَاوَةً وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً وَإِنَّ أَعْلَاهُ‏ لَمُثْمِرٌ وَإِنَّ أَسْفَلَهُ لَمُعْذِقٌ وَمَا يَقُولُ هَذَا بَشـر}[1].

         وممن قال كلمته في القرآن من الاعداء عتبة بن ربيعة بعدما سمعه قال: (أنى قد سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة، يا معشـر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم)[2].

         وذهب بعضهم الى أنَّ القرآن معجز بالفصاحة فقط.

         وذهب الرماني(386هـ) الى ان اعجازه يكمن في سبعة امور: ان لا يعارض مع وجود الدواعي وشدة الحاجة ، وان يكون متحديا لكافة الناس ، وان الناس مصـروفة عن معارضته ، وبلاغته، وأخبار الغيب الصادقة، وخروجه عن العادة ، وقياسه بكل معجزة[3].

         وذهب بعض الى أنَّه معجز بالصـرفة أي ان الله تعالى صـرف الناس عن معارضة القرآن وهذا ما ذهب اليه النظام من شيوخ المعتزلة، ومن الامامية الشيخ المفيد (413هـ)[4]، وعلم الهدى السيد المرتضى(436هـ)[5].

         اما مكامن الإعجاز عند اهل البيت ( نجده على مستويات عدة منها :

ان مكامن الإعجاز هو الاخبار بالأمور الماضية والمستقبلة، فقد روي عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): ( إِنَّ الْعَزِيزَ الْجَبَّارَ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ كِتَابَهُ وَ هُوَ الصَّادِقُ الْبَارُّ فِيهِ خَبَرُكُمْ وَ خَبَرُ مَنْ قَبْلَكُمْ وَ خَبَرُ مَنْ بَعْدَكُمْ وَ خَبَرُ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ لَوْ أَتَاكُمْ مَنْ يُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ لَتَعَجَّبْتُمْ)[6].

ومثله ما روي عن أَبِي عبد الله (عليه السلام) : ( إِنَّ فِي القرآن‏ مَا مَضَى، وَ مَا يَحْدُثُ، وَ مَا هُوَ كَائِنٌ وَ كَانَتْ‏ فِيهِ أَسْمَاءُ الرِّجَالِ فَأُلْقِيَتْ وَ إِنَّمَا الِاسْمُ الْوَاحِدُ فِي وُجُوهٍ لَا تُحْصَى تَعْرِفُ ذَلِكَ الْوُصَاةُ)[7]. اذ نجد أنَّ الروايتين ذكرتا مستويين من الإعجاز الغيبي وهو الغيب الماضي والغيب المستقبل.

وفي رواية أخرى يذكر الامام ابو الحسن الأول (عليه السلام)- يَعْنِي مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (عليه السلام)- ان مكمن الإعجاز أبعد مما يتصوره الانسان إذ يقول: (وَ قَدْ وَرِثْنَا هَذَا القرآن فَفِيهِ مَا يُقَطَّعُ بِهِ الْجِبَالُ وَ يُقَطَّعُ الْـمَدَائِنُ‏ بِهِ وَ يُحْيَا بِهِ الْـمَوْتَى وَ نَحْنُ نَعْرِفُ الْـمَاءَ تَحْتَ الْهَوَاءِ وَ إِنَّ فِي كِتَابِ اللهِ لَآيَاتٍ مَا يُرَادُ بِهَا أَمْرٌ إِلَى أَنْ يَأْذَنَ اللهُ‏ بِهِ مَعَ مَا فِيهِ)[8].

         أما في رواية الامام الرضا (عليه السلام) فإنها ذكرت النظم، ففي حديث ينقله مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: (ذَكَرَ الرِّضَا (عليه السلام) يَوْماً القرآن فَعَظَّمَ الْحُجَّةَ فِيهِ وَ الْآيَةَ وَ الْـمُعْجِزَةَ فِي نَظْمِه‏)[9].

         فنستطيع بعد هذه النصوص أن نقول: إنَّ الإعجاز له مستويات عدة، وانها لم تقصـر على أمر معين ولكل نصيب ، وهذا يحتاج تأمل وبعد نظر والتزام المنهج الحق حتى يستطيع الانسان ان يقرر تلك المستويات.