أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-8-2020
1857
التاريخ: 6-11-2021
2188
التاريخ: 4-2-2021
2162
التاريخ: 28/12/2022
1463
|
1. لا يمكن عَدُّ كلِّ محبّةٍ أخلاقاً: وإن كانت تلك المحبّة ممدوحة ومحمودة، وليس كلّ فعل ممدوح أو مذموم، يُعَدّ أخلاقيّاً أو غير أخلاقيّ؛ فالفارس القويّ يُمدَح على قوّته وبسالته، لكن لا يُعَدّ ذلك أمراً أخلاقيّاً بطبيعة الحال؛ لأنَّ «الأخلاقيّة» تتضمَّن عنصر الاختيار والاكتساب لِمَلَكات غير غريزيّة، فإذا كان الشيء الجميل الحَسَن فطريّاً وغريزيّاً في الإنسان، حيث لم يكتسبه اختياراً، فهو وإن كان رائعاً ومحموداً، إلّا أنّه لا يدخل تحت عنوان «الأخلاق».
على سبيل المثال: حبّ الوالدَين للابن شيءٌ مقدَّس وعظيم، لكن لا يُقال بأنَّ هذه الإحساسات الرقيقة والعاطفة الحارّة «أخلاق»؛ بدليل أنّ هذه الأُمّ لا تشعر تُجاه ابن جارتها بما تشعر به تُجاه فلذة كبدها، ولا يعنيها أمره، فهذه الأحاسيس لم تكتسبها اكتساباً، بل قانون الخلقة الحكيم هو الّذي وهبها إيّاها؛ لكي تنتظم الأمور والشؤون الاجتماعيّة للبشر، ولولا ذلك لَمَا أرضعَت أمٌّ ابنَها. وعلى هذا، فأحاسيس الأمومة هي مشاعر حبّ للغير، ناشئة من «العاطفة»، وخارجة عن نطاق «الذات» و«الفرد»، لكن لا يمكن عدُّها «أخلاقيّة»، ولا يمكن إدراج فعل الأمّ هذا ضمن «الأخلاق». كذلك هو شأن أحاسيس الأب والأقارب والأرحام والمشاعر الوطنيّة والقوميّة. فالمشاعر الّتي لم تحصل للإنسان بالاكتساب، لا يمكن عدُّها «أخلاقيّة».
2. الإيراد الثاني هو أنّ دائرة الأخلاق أوسع من محبّة الآخرين: إذ توجد سلسلة من الأفعال و السلوكات النبيلة والراقية يمارسها الإنسان من غير أن تكون ناشئة من حبّه للآخرين، والمرء لا يملك إلّا أن يُقدّس تلك المعاني، كما يُقدّس ما يرتبط بمحبّة الآخرين، كالإيثار[1] والإحسان، ومن ذلك ما يسمّيه العرب «إباء الضيم»[2]. ونحن نعاين رجالاً في التاريخ يضحّون بأرواحهم، ويبذلون مهجهم فيما إذا خُيِّروا بين عزّتهم وكرامتهم، وبين أن يخنعوا أذلاء صاغرين[3].
هذه التضحية، وهذا الإباء والشموخ قمّةُ الأخلاق، ولا ربط له بمحبّة الآخرين، ولا يمتّ لها بصلة، بل هو إحساس نبيل. وتجد هذا في كلمة الإمام الحسين بن عليّ(عليهما السلام)، إذ يقول: «الْقَتْلُ أَوْلَى مِنْ رُكُوبِ الْعَار»[4]. وفي كلمة الإمام عليّ (عليه السلام) في المروءة: «قَدِ اسْتَطْعَمُوكُمُ الْقِتَالَ[5]؛ فَأَقِرُّوا عَلَى مَذَلَّةٍ وَتَأْخِيرِ مَحَلَّةٍ، أَوْ رَوُّوا السُّيُوفَ مِنَ الدِّمَاءِ، تَرْوَوْا مِنَ الْمَاءِ؛ فَالْمَوْتُ فِي حَيَاتِكُمْ مَقْهُورِينَ، وَالْحَيَاةُ فِي مَوْتِكُمْ قَاهِرِينَ»[6].
إذاً، فالقول بعدم وجود شيء جميل وحَسَن في هذا العالم، سوى «المحبّة»، قولٌ غير صائب، بل توجد أمور أخرى جميلة، غير محبَّة الآخرين.
3. الإيراد الثالث هو أنّ مفهوم «حبّ الإنسان» بحاجة إلى تفسير: فمثلاً: هل عطف الإنسان على الحيوان -كما في قصّة الرجل الّذي سقى الكلب الظامئ- لا يُعَدّ مِنَ الأخلاق؛ لأنّه ليس «محبّة إنسان»؛ لكون الكلب ليس إنساناً؟ وهل يتعيّن على الإنسان أن يقصر حبَّه على أبناء نوعه فحسب، ولا ينبغي له أن يحبّ الكائنات الأخرى؟ ينبغي أن يحبّ كلّ الأشياء؛ لأنّها مخلوقات الله. يقول «سعدي»:
مبتهجٌ أنا بهذا العالَم؛ لأنَّ هذا العالَم البهيج منه تعالى
وأنا عاشقٌ لكلّ العوالم؛ لأنَّها كلّها منه تعالى
فيا أيُّها الرفيق، عليكَ بنسيم السحر
كي تُحيي هذا القلب الميِّت؛ لأنَّ هذا النسيم نَفَسُه تعالى
حقّاً، لا يملك الملك ولا الفلك، مثل ما في القلب
الإنسان المفاض[7] منه تعالى
إنِّي أشرب السمّ الزعاف[8] بلذّة ونشوة؛ لأنَّ الساقي هو الشاهد
وبإرادتي أقتل نفسي؛ لأنَّ المحيي هو تعالى
[1] الإيثار: تَفْضِيل الغير عَلَى نَفْسِهِ.
[2] إباء الضيم: رفض الظلم.
[3] صاغرون: مُهَانون رَاضون بِالذُّلِّ وَالضَّيْمِ.
[4] المجلسيّ، العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، نشر دار إحياء التراث العربيّ، لبنان - بيروت، 1403هـ، ط2، ج45، ص50.
[5] استطعموكم القتال: طلبوا منكم أن تطعموهم القتال، كما يقال «فلان يستطعمني الحديث»؛ أي يستدعيه مني.
[6] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص88، الخطبة 51.
[7] الإنسان المفاض: يُريد بذلك الروح.
[8] السمّ الزعاف: سُمّاً قاتِلاً في الحينِ.
|
|
لصحة القلب والأمعاء.. 8 أطعمة لا غنى عنها
|
|
|
|
|
حل سحري لخلايا البيروفسكايت الشمسية.. يرفع كفاءتها إلى 26%
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|