إن للموقع الجغرافي أثراً هاماً في حياة السكان وبوجوه متعددة ، فله دور في توجيههم نحو أنشطة اقتصادية وخدمية معينة، وقد يقف معوقاً أمام قيام أنشطة أخرى. وإذا كان تأثيره مباشراً على النشاط الزراعي مثلاً، فإن أثره على الصناعة وأنماطها ومواقعها غير مباشر في أكثر الأحيان ، فالموقع الفلكي له دور في تحديد نوع المناخ السائد، ومن ثم نوع المنتجات الزراعية المنتجة، فما تجود زراعته في المنطقة المعتدلة يختلف عن الحارة، وفي الباردة تجود زراعة محاصيل أخرى ، وهذه وتلك تحدد نوع الصناعات الزراعية التي تقوم على معالجة المحاصيل المنتجة محلياً .

وتتميز بعض المواقع بأهمية كافية لتشجيع إقامة الصناعة فيها، وتأتي تلك الأهمية من واقع سياسي أو موقع بحري متميز مثلاً. فالمناطق الحرة في الموانئ تعتبر مواقع جاذبة للعديد من الفعاليات الاقتصادية ومنها الصناعية، لما تتمتع به من حرية في حركة رأس المال والاستثمار وعمليات الاستيراد والتصدير وحركة قوة العمل للصفة السياسية والاقتصادية والقانونية التي اكتسبتها. وتنفرد بعض المواقع بإطلالة فريدة على خطوط الملاحة البحرية العالمية مما يشجع على إقامة صناعات فيها كتلك الموجهة بموادها الأولية المستوردة، أو القائمة على تصدير منتجاتها نحو الخارج، ومن أحسن الأمثلة على مثل هذه الصناعات تكرير النفط والبتروكيمياويات، حيث تعتبر الموانئ مواقع مفضلة لها .