أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-3-2016
1364
التاريخ: 27-11-2015
1698
التاريخ: 3-1-2023
1126
التاريخ: 27-11-2015
1950
|
إنّ القرآن الكريم الذي يُري الطريق ويُعين في الوصول إلى المقصود في جميع المسائل الفكريّة ، له إشارات كثيرة أيضاً في هذا المجال من جملتها :
1- قال تعالى في موضعٍ : {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلمِ إِلَّا قَلِيلًا} (الأسراء/ 85) .
فاحذروا أن تحاولوا بعلمكم المحدود أن تُنظّروا في كُلّ شيء ، وتتصوروا بجهلكم بأسرار الحوادث عدم وجود تلك الأسرار.
2- بعد أن أشار تعالى في سورة النساء إلى قسمٍ من الاختلافات التي قد تحدث بين الزوجَيْن ، أمر الرجال بحسن معاملة النساء فقال : {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئاً وَيَجعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيراً كَثِيراً} (النساء/ 19) .
وقد ورد نفس هذا المفهوم بتعبيرٍ آخر ، بالنسبة إلى الجهاد في سورة البقرة ، كقوله تعالى :
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعلَمُونَ} (البقرة/ 216) .
مع أنّ الآية الاولى تخص المعاشرة الزوجيّة ، والآية الثانية تخصُّ الجهاد المسلّح ضد العدو ، لكن ما ورد في نهايتهما قانون كُلّيٌّ حيث يقول : إنّ محدودية علمكم في الكثير من الموارد تحول دون تمييزكم الخير والشّر ، وعليه لا يُمكن النظر فقط إلى ظاهر الحوادث والقضاء بشأنها ، فمن المسلَّمِ أن الحوادث البشريّة المُرّة تقع في دائرة هذا القانون الكلّي أيضاً.
3- إنّ قصة الخضر وموسى عليهما السلام التي وردت في سورة الكهف والتي تُعدُّ من القصص القرآنية الغنيّة الرامية إلى أهداف متعددة ، تشير بوضوح إلى بحثنا ، والتي يُمكن القول : إنّ أحد ألاهداف الأساسية من طرحها هو هذه المسألة وهي : عندما يصدر فعلٌ معينٌ من حكيم ، يجب عدم الحكم بظاهره والقضاء بشأنه استناداً إلى ذلك ، فما أكثر الحالات التي يبدو فيها ظاهر العمل قبيحاً ، لكنّه يحتوي في باطنه على أسرار عميقة.
فمثلًا خرق سفينة المساكين المستضعفين التي كانت تشكّل مصدر عيشهم (رزقهم) المحدود ، أو قتل الغلام الذي كان يبدو بريئاً ولم يرتكب جرماً وخيانةً ظاهراً ، أو إقامة الجدار الذي أو شك على الانهيار بدون ثمن ، في قرية البخلاء الذين أبْوا أن يضيّفوا (موسى وصاحبه عليهما السلام) كانت جميعها أعمالًا يُعد كلٌّ منها أقبح من الآخر.
ولهذا السبب كان موسى عليه السلام يعترض كُلّما ارتكب الخضر عليه السلام أحد هذه الأعمال ويقول له : لِمَ فعلت هذا ! ؟
ففي الموقف الأول قال له : {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهلَهَا لَقَد جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} (الكهف/ 71) (1) .
وفي الموقف الثاني استنكر قائلًا : {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيرِ نَفسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً} (الكهف/ 74) .
وفي الموقف الثالث أراد مِنَ الخضر عليه السلام أن يتقاضى أجراً مقابل عمله {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} (الكهف/ 77) .
وكان يبدو لموسى عليه السلام أنَّ العمل الأول اتلاف مال الغير ، والثاني اتلاف النفوس ، والثالث اتلاف الحق الخاص.
ولكن عندما كشف (الخضر عليه السلام) ، ذلك العالم الكبير الذي كان يُعَدُّ في هذه الواقعة بمنزلة استاذ ومعلّم لموسى عليه السلام ، حجباً عن أسرار عمله تأسف موسى عليه السلام على استعجاله في القضاء بشأن تلك الأمور ، لأنّه عرف أنّ من وراء ظاهر هذا العمل القبيح أسراراً خفيّة تعود بالمصلحة للمستضعفين في النهاية !
فخرق السفينة وإعابتها المؤقتة حال دون غصبها من قبل سلطانٍ جبّارٍ غاصبٍ كان يغصب جميع السفن السليمة.
وبقتل ذلك الشاب غير المؤمن والكافر الظالم (الذي كان مستحقّاً لمثل هذه العقوبة حسب القوانين الإلهيّة) قد خلّص أبويه المؤمنَيْن من الخطر.
وبترميمه ذلك الجدار الذي كان مُشرفاً على الإنهيار كان قد حفِظَ كنزاً لطفلَيْن يتيميْن ، والذي كان يُعدُّ إرثاً خلّفه لهما أبوهما المؤمن ليستفيدا من أوان بلوغهما سنَّ الرشد.
كان الخضر عليه السلام إنساناً عاقلًا حكيماً ولكنه بالقياس إلى علم اللَّه وحكمته لا يُساوي شيئاً مذكوراً ، وكانت أعماله في الظاهر بدرجة من القباحة بحيث لا يُمكن في باديء الأمر توجيهها بأي بيان ، وكان هذا هو السبب في استنكار موسى واعتراضه عليها ، لكن أسرارها الإنسانية والمنطقيّة انكشفت تماماً بتوضيحٍ قصير ومختصر من قبل الخضر عليه السلام ، واقتنع بها موسى عليه السلام بصورة تامّة.
يمكن الاستفادة من هذا البيان القرآني كقانون كُلّي ، والإستنارة به لمعرفة حقائق الأمور الظاهرية التي قد نشاهدها أحياناً في عالم الوجود ، واعتباره جواباً إجمالياً لنستيقن بالأسرار الخفية المحتمل وجودها من وراء هذه الظواهر.
4- وتُلاحظ إشارة اخرى إلى هذا الموضوع في قصّة قارون ، ذلك الرجل الثري والأناني الظالم من بني اسرائيل ، في الموضع الذي استعرض قارون يوماً ما كان يملكه من الثروات الطائلة والنفيسة (من الخيول والغلمان والإماء والمجوهرات الذهبية) أمام أنظار بني اسرائيل ، فدُهشَ جماعة من الأفراد ذوي النظرة الظاهرية ، من هذا المشهد بحيث قالوا :
{يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِىَ قَارُونُ} (القصص/ 79) .
ولكن في اليوم التالي الذي خُسفت فيه الأرض بقارون وأمواله وتبيّن بأنّ من وراء ذلك الجمال الظاهري قبحٌ باطني وعقوبة أليمة ، قالوا مستوحشين : {لَوْلَا أَن مِّنَّ اللَّهُ عَلَينَا لَخَسَفَ بِنَا} (القصص/ 82) .
علاوة على ما تحمله هذه القصّة من التجليات التربويّة فإنّها تُشير إلى هذه المسألة وهي : استحالة إمكانية القضاء بشأن أمرٍ معينٍ خيراً كان أو شرّاً على أساس ظواهر الأمور.
فأحياناً ما يراه الإنسان خيراً في الظاهر فانّه شرٌفي باطنه بحيث لو عرف نتائجه لولى منه فراراً. ومن قبيل هذه الحوادث تُعَدّ الأرضيّات المنطقية للجواب الإجمالي على الأسئلة المطروحة في داخل روح الإنسان.
5- في المسائل المتعلّقة بالوصيّة في القرآن الكريم ، بعد أن أشار تعالى إلى إرث الطبقة الأولى (الأبناء والوالديْن) قال : {آبَائُكُمْ وَأَبْنَائُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقرَبُ لَكُم نَفعاً} (النساء/ 11) .
مع كون الأب والأم والولد اقرب إلى الإنسان ممن سواهم ، ويقضي أغلب سنين عمره معهم ، إلّا أنّ القرآن يقول : أنتم لا تدرون أيّاً من آبائكم وأبنائكم أقرب لكم نفعاً ، وأيّهم صاحب الدور في حياتكم ، لذا لم يوكل أمر تعيين حصّة الارث إليكم.
فالإنسان الذي لا تسمح له محدودية علمه في أن يحكم حكماً قطعياً في مثل هذه المسائل كيف يُمكنه أن يحكم سَلفاً على حدَثٍ ينتج عنه الألم في الظاهر بأنّها مسألة غير موزونة في عالم الخلق ؟
خلاصة الكلام هو أنّ الأدلّة العقلية بل والآيات القرآنية أيضاً تدل بوضوح على هذا الجواب الإجمالي الكلّي حول الأسئلة المطروحة أعلاه ، وعلى الأقل إنّها قد منعت الإنسان من القضاء القطعي بشأن الأمور ، وحثّته على التريُّث والتفكُّر بصورة أكثر.
_______________________
(1) «إمر» على وزن «بِئْر» تُطلق على العمل المهم والعجيب ، أو المبغوض والقبيح جدّاً.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|