تطور الخبر الصحفي

قبل ظهور الصحف المطبوعة المنتظمة الصدور، عرف العالم الصحافة المنسوخة أو الخبر المنسوخ كما عرف بعض أشكال الصحافة المطبوعة التي كان يتم فيها طبع الأخبار في أوراق منفصلة تتضمن الأخبار والإعلانات والحوادث المهمة، ولكنها لم تكن منتظمة في الصدور.

ولم يقض ظهور الأخبار المطبوعة على الفور على الأخبار المنسوخة التي كان يجمعها وينسخها تجار الأخبار ويقدمونها للنبلاء والتجار وأصحاب النفوذ مقابل أجر عال. ولم يتمكن الخبر المطبوع من القضاء على الخبر المنسوخ، وظلا يسيران معا حتى القرن السابع عشر، ويرجع عدم قضاء الخبر المطبوع على الخبر المنسوخ إلى عدد من الأسباب، هي:

- إن تأسيس المطابع وانتشارها في هذا الوقت كان يحتاج إلى تمويل مالي كبير والى وقت طويل. بالإضافة إلى احتكار السلطات المدنية والدينية للمطابع في غالبية المدن الأوربية في بداية انتشار الطباعة.

- كان النبلاء وأصحاب النفوذ يفضلون الأخبار المنسوخة على الأخبار المطبوعة، لأن الأولي كانت تكتب خصيصا لهم بواسطة من يثقون فيهم من تجار الأخبار. أما الأخبار المطبوعة فكانت في متناول الشعب لرخصها وضآلة أهميتها بالنسبة للأخبار المنسوخة.

- تعرض المطبوعات والمطابع إلى رقابة السلطات الشديدة على عكس الأخبار المنسوخة. وإن كان هذا لم يمنع بعض الحكومات من فرض رقابة مماثلة على الأخبار المنسوخة أيضا. ووصل الأمر ببعض الملوك مثل إمبراطور اسبانيا إلى معاقبة أحد الناسخين ويُدعى أنيبالي كابللو بقطع يده وانتزاع لسانه ثم شنقه وتعليق لوحة على جثمانه كُتب عليها كذاب ومنافق. كما كان يتم تعذيب تجار الأخبار بتقييدهم بالسلاسل وجرهم على الأرض.

- رخص ثمن الأخبار المطبوعة وضآلة أهميتها بالمقارنة بالأخبار المنسوخة.

لقد أدت العوامل السابقة إلى استمرار ظهور الخبر المنسوخ جنبا إلى جنب مع الخبر المطبوع إلى أن انفرد الأخير بالساحة في مطلع القرن الثامن عشر نتيجة ثلاثة عوامل هي:

- انتشار المطابع انتشارا كبيرا في المدن الأوروبية، وقيام أصحابها بإصدار النشرات الإخبارية المطبوعة.

- التطور الكبير في الطباعة بظهور آلة الطباعة الضخمة (روتاتيف) التي مكنت الصحف اليومية من طبع نحو سبعين ألف نسخة في اليوم، واختراع آلة الكتابة السطرية اللينوتيب.

- رواج النشرات الإخبارية المطبوعة نتيجة شغف الشعوب إلى معرفة أخبار وتطورات بعض الأحداث المهمة في ذلك الوقت، مثل أخبار الاكتشافات البحرية والحرب التركية- الإيطالية التي اشتركت فيها جميع الدول الأوروبية.

- ظهور وتطور البريد الذي كان الأساس الثاني بعد المطبعة في انتشار الصحف المطبوعة وتوزيعها على نطاق واسع.

- ظهور وتطور السكك الحديدية التي ساهمت في نقل الصحف بين المدن في وقت قصير، بالإضافة إلى ظهور المطابع الميكانيكية التي اختصرت وقت الطباعة من جانب وحسنت نوعية المطبوع وزادت منه زيادة كبيرة.