أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-10-2014
6099
التاريخ: 23-10-2014
7332
التاريخ: 10-05-2015
8418
التاريخ: 14-11-2014
6305
|
قد نستغني عن التذكير بأنّه كما يوجد كشف وشهود واقعي يحصل تارة بالإيمان واليقين الكامل ، وتارة اخرى بالرياضات النفسية ، فانّه يوجد كشف وشهود وهمي كثير ، فقد يحصل هذا الكشف بسبب التلقينات المكررة وانحراف الذهن والفكر عن جادة الصواب ، وتارة بسبب الالقاءات الشيطانية ، فتتمثل في ذهن الإنسان صور وحوادث لا واقع لها ، إنّها مجموعة أوهام لا أكثر ، ومن هذا القبيل الكشف والشهود الذي يدعيه كثير من «الصوفية» ، فإنّ المريد البسيط يعتقد في بداية عمله (من جراء الإعلام والدعاية التي يتلقاها من البعض) أنّه ينبغي له أن يرى مرشده الحقيقي في المنام ، وتقوى هذه الفكرة عنده كل يوم ، فيتوقع في كل يوم رؤية جمال مرشده ومراده في عالم الرؤيا يزوره ويرشده (غالباً ما يضع أشخاصاً معينين نصب عينيه لهذا المنصب ، وإذا لم يعينهم بالدقة فانّه يعين صفات ومميزات خاصة لهم).
قد يفقد هذا الصوفي توازن فكره الطبيعي من جراء الرياضات الروحية الشاقة وانحراف المزاج ، فتزداد قدرة الوهم عنده ، فيرى في المنام يوماً أشخاصاً قريبين- من حيث الصفات والميزات- من الأشخاص الذين رسمهم في ذهنه ، وقد يتطابقون في الصفات بالكامل ، وقد يحصل هذا في عالم اليقظة ، لأنّ عيني هذا السالك البسيط انّشدت إلى الطريق ، واذنيه صاغيتان إليه دائماً فهو يتنظر دائماً أن ينفتح له باب من ذلك العالم : فتنمو هذه الفكرة عنده ليلًا ونهاراً ، وقد تصنع قوة الوهم عنده- لا إرادياً- صوتاً ينقر اذنه ، أو تتمثل أمامه صورة ، فيتخذها أساس اعتقاده.
كما أنّ الاستماع إلى المواضيع المؤنسة والمنشطة (التي قد تبين في اطار إشارات جميلة وتتزامن مع ألحان مخدِّرة ، يزيد من تأثير التلقينات عليه أضعافاً مضاعفة.
إنّ تلك الفرقة من الصوفيين الذين يؤيدون «الوجد والسماع» «1» ، يذوبون فيهما بشكل حيث يفقدون توازنهم ، ويُعطَّل العقل عندهم ، فيتركون الساحة فارغة لقوة الوهم ، وأولئك الغارقون في وهم الكشف والشهود ومشاهدة عالم الغيب يسيرون في عوالم خيالية تتوقف سعتها على شدّة الوهم والخيال عندهم ، فتتمثل أمامهم صور مثل بحار النور ، وجبل الطور ، والسموات السبع والأرضين السبع ، وكلما مالت قوة الوهم عندهم إلى شكل أو صورة ، تمثل ذلك الشكل أو تلك الصورة أمام أعينهم. إنّهم يفرحون لهذه اللحظات كثيراً ، وكأنّهم التقوا بالمراد وعانقوه ، فيصرحون وتعلو أصواتهم ، مما يزيد ويفاقم هذه الحالة عندهم ، ثم يرمون بحالة شبيهة بالاغماء ، وبعدما يصحون ويهدءون من هذه الحالة ، يحكون للناس ما رأوا ظناً منهم أنّه كشف.
إنّهم في الحقيقة يسعون نحو السراب ظناً منهم أنّه ماء ، ورغم عدم وصولهم إلى شيء ، يبتلون بأمور بعيدة عن الحق والحقيقة.
وبعبارة مختصرة : لا يمكننا تصديق كل من ادعى الكشف والشهود ، وكذا لا يمكننا اعتبار كل تمثل وكل نداء إلهياً واقعياً ، وذلك لأنّ هناك كشفاً شيطانياً.
وقد جاء في حديث للإمام علي عليه السلام مع الحسن البصري : أنّ الإمام عليه السلام مر بالحسن البصري وهو يتوضأ فقال : يا حسن اسبغ الوضوء ، فقال : يا أمير المؤمنين لقد قتلت بالأمس اناساً يشهدون أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له وأنّ محمداً عبده ورسوله ، يصلون الخمس ، ويسبغون الوضوء ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : قد كان ما رأيت فما منعك أن تعين علينا عدونا ، فقال : واللَّه لأصدقنّك يا أمير المؤمنين لقد خرجت في أول يوم فاغتسلت وتحنطت وصببت عليّ سلاحي وأنا لا أشك في أنّ التخلف عن عائشة هو الكفر ، فلما انتهيت إلى موضع من الخريبة ناداني مناد «يا حسن إلى اين ارجع فإنّ القاتل والمقتول في النار» فرجعت ذعراً وجلست في بيتي ، فلما كان في اليوم الثاني لم أشك أنّ التخلف عن عائشة هو الكفر ، فتحنطت ، وصببت عليّ سلاحي وخرجت اريد القتال ، حتى انتهيت إلى موضع من الخريبة فناداني مناد من خلفي : «يا حسن إلى اين مرةً بعد اخرى القاتل والمقتول في النار» قال علي عليه السلام : صدقك افتدري من ذلك المنادي؟ قال : لا ، قال عليه السلام :
ذاك أخوك ابليس ، وصدقك أنّ القاتل والمقتول منهم في النار ، فقال الحسن البصري : الآن عرفت يا أمير المؤمنين أنّ القوم هلكى «2».
إنّ نداءات كهذه أشير إليها في القرآن بصفة وحي الشياطين ، حيث يقول تعالى في الآية :
{وكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِى بَعْضُهُمْ الَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً}. (الانعام/ 112)
إنّها نوع من الامتحان للتمييز بين صفوف المؤمنين وغيرهم ، فقد جاء في الآية : {وَانَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ الَى أَوْلِيَائِهم}. (الانعام/ 121)
وبناءً على ما تقدم ، نرى كتب الصوفية مليئة بهذا النوع من المكاشفات ، مكاشفات غريبة وموحشة ، ومردوداتها السلبية كثيرة ، نشير إلى بعضٍ منها هنا بشكل مختصر :
1- ورد في كتاب «صفوة الصفاء» في شرح أحوال الشيخ صفي الدين الأردبيلي ، بقلم أحد مريديه ما مضمونه : أنّ رجلًا من ذوى المكاشفات أخبر الشيخ بأنّه رأى في عالم الرؤيا أنّ أكمام الشيخ امتدت من العرش إلى الثرى فقال له الشيخ : إنّ رؤياك هذه تتناسب مع طول أناتك وصبرك!
2- كتب محي الدين بن عربي في كتابه «مسامرة الأبرار» إنّ الرجبيين لأشخاص مرتاضون برياضات خاصة ، ومن صفاتهم أنّهم يرون الرافضين (الشيعة) في حالة الكشف في صورة خنازير.
3- وكتب الشيخ عطار في كتابه «تذكرة الأولياء» عن «با يزيد البسطامي» : طِفْتُ البيت فترة ، وعندما وصلت إلى الحق ، رأيت أنّ الكعبة تطوف حولي! ... إنّ اللَّه بلغ بي إلى درجة حيث أستطيع أن أرى الخلق جملة بين اصبعي!! «3».
4- وقد جاء في نفس الكتاب ، أنّ با يزيد قال : عرض عليَّ الحقُ الفي مقامٍ عنده وفي كل مقام سلطان ، وما قبلتُ «4».
إنّ هذه ادّعاءات لم تُسمع من نبيٍ مرسل ولا من إمام معصوم ، بل إنّ أدعيتهم ومناجاتهم في جنب بيت اللَّه التي تكون في غاية التذلل والتواضع تكشف عن أن كشفاً كهذا إن لم يكن فهو- قطعاً- أوهام وتخيلات شيطانية ترتسم في أذهان البعض ، لأسباب وعوامل مختلفة ، أشرنا إلى بعضها سابقاً ، وإنّ سعة هذه الأوهام تتوقف على مدى وطول آمال الشخص وتخيلاته.
________________________
(1). المراد من السماع ، الألحان الموسيقية أو نغمات المطربين الدارجة في بعض مجالس الصوفيين ، والمراد من الوجد ، الذوق والشوق واللهفة التي تحصل للصوفيين الذين يحسنون السماع ويقترن مع حركات تشبه الرقص.
(2). احتجاج الطبرسي ، ج 1 ، ص 250.
(3). تذكرة الأولياء ، ص 102.
(4). المصدر السابق ، ص 101.
|
|
لصحة القلب والأمعاء.. 8 أطعمة لا غنى عنها
|
|
|
|
|
حل سحري لخلايا البيروفسكايت الشمسية.. يرفع كفاءتها إلى 26%
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|