أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-24
494
التاريخ: 16-7-2022
1934
التاريخ: 20-3-2016
6176
التاريخ: 7-11-2017
4451
|
لمّا مضى عمر إلى ربّه ودفن في مقرّه الأخير أحاط البوليس بأعضاء الشورى فألزمهم بالاجتماع واختيار حاكم للمسلمين من بينهم تنفيذاً لوصية عمر فاجتمعوا في بيت المال وقيل : في بيت مسرور بن مخرمة وقد أشرف على الانتخاب الإمام الحسن (عليه السّلام) وعبد الله بن عباس وبادر المغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص فجلسا في عتبة الباب فنهرهما سعد وقال لهما : تريدان أن تقولا حضرنا وكنّا في أهل الشورى ؟
ودلّت هذه البادرة على مدى التنافس والأحقاد فيما بين القوم فقد ضنَّ سعد على المغيرة وابن العاص بالحضور خشية أن يقولا للناس كنّا من أهل الشورى , وتداول الأعضاء فيما بينهم الحديث عمّن هو أحقّ بالأمر وأولى به وكثر الصخب والجدل وانبرى إليهم الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) فحذّرهم مغبّة ما يحدث من الفتن والفساد إن استجابوا لعواطفهم ولم يؤثروا مصلحة الاُمّة فقال : لم يسرع أحد قبلي إلى دعوة حقٍّ وصلة رحم وعائدة كرم فاسمعوا قولي وعوا منطقي ؛ عسى أن تروا هذا الأمر من بعد هذا اليوم تنتضي فيه السيوف وتخان فيه العهود حتّى يكون بعضكم أئمة لأهل الضلال وشيعة لأهل الجهالة ؛ إنهم لو سمعوا قوله ووعوا منطقه لصانوا الاُمّة من التيارات الجارفة وعادوا عليها بالخير العميم ولكنهم انطلقوا وراء شهوات المُلك والسلطان وتحقق ما تنبّأ به الإمام ؛ فلم يمضِ قليل من الوقت حتّى انتضت السيوف وانتشرت الحروب وسادت الفتن والأهواء وصار بعضهم أئمة لأهل الضلالة وشيعة لأهل الجهالة , وعمّ الجدل بين القوم فلم ينتهوا إلى غاية مريحة فانفضت الجلسة على غير طائل وجماهير الشعب تنتظر بفارغ الصبر النتيجة الحاسمة وعقد الاجتماع مرّة اُخرى إلاّ أنّه باء بالفشل فأشرف عليهم أبو طلحة الأنصاري وهو يتهدّد ويتوعّد قائلاً : لا والذي نفس عمر بيده لا أزيدكم على الأيّام الثلاثة التي أمرتم , واقترب اليوم الثالث وهو آخر موعد للقوم فانعقد الاجتماع وبدت فجأة الاندفاعات القبلية التي شذت عن مصلحة الاُمّة فقد انبرى طلحة فوهب حقّه لعثمان وإنما فعل ذلك استجابة لعواطفه المترعة بالكراهية للإمام ؛ لأنه نافس ابن عمّه أبا بكر على الخلافة واندفع الزبير فوهب حقّه للإمام ؛ لأنه تربطه به رحم ماسّة , وانطلق سعد فوهب حقّه لابن عمّه عبد الرحمان بن عوف ؛ تقوية لجانبه وتعزيزاً لمركزه , وكان رأي عبد الرحمان هو الفيصل وجانبه هو المرموق ؛ لأن عمر قد وضع ثقته به وأناط به أمر الشورى إلاّ أنه كان ضعيف الشخصية هزيل الإرادة لا قدرة له على تحمّل مسؤولية الحكم فأجمع رأيه على أن يرشّح غيره للخلافة وكان له هوى مع عثمان ؛ لأنه صهره وقد استشار عامّة القرشيِّين في الأمر فزهدوه في علي وحرّضوه على انتخاب عثمان ؛ لأنه يحقق أطماعهم ورغباتهم وحلّت الساعة الرهيبة التي غيّرت مجرى التاريخ فقال عبد الرحمان لابن اُخته : يا مسوّر اذهب فادعُ علياً وعثمان.
ـ بأيّهما أبدأ؟
ـ بأيّهما شئت.
وانطلق مسور فدعاهما وازدحم المهاجرون والأنصار وسائر الناس في الجامع فانبرى عبد الرحمان فعرض عليهم الأمر وقال : أيها الناس إنّ الناس قد اجتمعوا على أن يرجع أهل الأمصار إلى أمصارهم فأشيروا عليّ , فتقدّم إليه الطيّب ابن الطيّب عمار بن ياسر فأشار عليه بما يضمن للاُمّة سلامتها ويصونها من الفرقة والاختلاف قائلاً : إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع علياً , وانطلق المقداد فأيّد مقالة عمار قائلاً : صدّق عمار إن بايعت علياً سمعنا وأطعنا , واندفعت القوى الباغية والحاقدة على الإسلام وهي تشجب مقالة عمار والمقداد وتدعوا إلى ترشيح عثمان عميد الاُمويِّين وقد هتف عبد الله بن أبي سرح فخاطب ابن عوف قائلاً : إن أردت أن لا تختلف قريش فبايع عثمان , واندفع عبد الله بن أبي ربيعة فأيّد مقالة زميله قائلاً : إن بايعت عثمان سمعنا وأطعنا , وانبرى الصحابي العظيم عمار بن ياسر فردّ على ابن أبي سرح قائلاً : متى كنت تنصح للمسلمين؟
وصدق عمّار فمتى كان ابن أبي سرح ينصح المسلمين أو يرجو وقاراً للإسلام فقد كان من أعدى الناس إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقد أمر بقتله بعد فتح مكة ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة ؛ إنه لو كان هناك أيّ منطق أو حساب لأقصى هذا الدعي وأمثاله من التدخّل في شؤون المسلمين فإنّ بني اُميّة وسائر القبائل القرشية يجب أن تكون في ذيل القافلة ولا يعنى بأمرها ؛ لأنها هي التي ناجزت النبي (صلّى الله عليه وآله) وحرّضت عليه القبائل وكادته وما دخلت في الإسلام إلاّ بعد الخوف من حدّ السيوف فكيف يُسمح لها أن تفرض رأيها ويؤول إليها أمر المسلمين؟
واحتدم الجدال بين الهاشميِّين والاُمويِّين فانبرى عمار بن ياسر وهو يدعو لصالح المسلمين قائلاً : أيها الناس إنّ الله أكرمنا بنبيّه وأعزّنا بدينه فإلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم؟!
لقد كان منطق عمار حافلاً بروح الإسلام وهديه فإنّ قريشاً وسائر العرب إنما أعزّها الله بدينه وأسعدها برسوله فهو مصدر عزّ العرب وشرفهم وكان الواجب عليهم أن يقابلوه بالمعروف والإحسان فلا يخرجون هذا الأمر عن أهله الذين هُم سدنة علمه وخزنة وحيّه إنه ليس من العدل في شيء أن يمنعوا جاهدين في قهرهم وإذلالهم , وانبرى رجل من مخزوم فقطع على عمّار كلامه قائلاً له : لقد عدوت طورك يابن سميّة وما أنت وتأمير قريش لأنفسها؟
ولم يدخل أيّ بصيص من نور الإسلام وهديه في قلب هذا المخزومي فقد راح يندّد بعمار فنسبه لاُمّه سمية وهي ممّن يعتزّ بها الإسلام ويفخر بنضالها المشرق وتضحيتها الفذّة فهي وزوجها ياسر وابنهما البار في طليعة القوى الخيّرة المؤسّسة للإسلام وقد عانت في سبيله أقسى ألوان المحن والخطوب.
إنّ أمر الخلافة لجميع المسلمين يشترك فيه ابن سميّة وغيره من الضعفاء الذين أعزّهم الله بدينه وليس لطغاة قريش أيّ حق في التدخّل بشؤون المسلمين لو كان هناك منطق أو حساب ؛ وكثر النزاع واحتدم الجدال بين القوى الإسلاميّة وبين القرشيين فخاف سعد أن يفوت الأمر من القوم فالتفت إلى ابن عمّه عبد الرحمن قائلاً له : يا عبد الرحمن افرغ من أمرك قبل أن يفتتن الناس. والتفت عبد الرحمن إلى الإمام (عليه السّلام) : هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنّة نبيّه وفعل أبي بكر وعمر؟ ورمقه الإمام (عليه السّلام) بطرفه وعرف غايته فأجابه بمنطق الإسلام ومنطق الأحرار : بل على كتاب الله وسنّة رسوله واجتهاد رأيي.
إنّ مصدر التشريع في الإسلام إنما هو كتاب الله وسنّة نبيّه فعلى ضوئها تعالج مشاكل الرعيّة ويسير نظام الدولة وليس فعل أبي بكر وعمر من مصادر التشريع الإسلامي على أنهما اختلفا أشدّ الاختلاف في النظم السياسية فقد انتهج أبو بكر في سياسته المالية منهجاً أقرب إلى المساواة من سياسة عمر فإنه ألغى المساواة في العطاء وأوجد نظام الطبقية فقدّم بعض المسلمين على بعض وشرّع حرمة المتعتين : متعة الحج ومتعة النساء في حين أنهما كانتا مشروعتين في عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأبي بكر ؛ وكانت له آراؤه الخاصة في كثير من المجالات التشريعية , فعلى أيّ المنهجين يسير ابن أبي طالب ربيب الوحي ورائد العدالة الاجتماعية في الإسلام؟!
إنّ ابن عوف يعلم علماً جازماً لا يخامره أدنى شكّ أنّ الإمام لو تقلّد زمام الحكم لطبّق شريعة الله في الأرض وساس المسلمين سياسة قوامها العدل الخالص والحقّ المحض ولم يمنح الاُسر القرشيّة أيّ جهة من الامتياز وساوى بينها وبين غيرها في جميع الحقوق والواجبات فتفوت بذلك مصالح هذه الطبقة التي جنت على الإسلام وجرّت للمسلمين أعظم الويلات والخطوب.
إنّ الإمام لو وافق على الالتزام بما شرط عليه ابن عوف لَما أمكنه أن يطبّق أيّ منهج من مناهج سياسته الهادفة إلى نشر العدل بين الناس ومن المقطوع به أنّ الإمام حتّى لو التزم بهذا الشرط ظاهراً لحالت قريش بينه وبين تطبيق أهدافه ولم تدع له أيّ مجال لتحقيق العدالة الاجتماعية ويكون خروجها عليه مشروعاً ؛ لأنه لم يفِ لها بوعده ؛ وعلى أيّ حال فإن عبد الرحمن لمّا يئس من تغيير اتّجاه الإمام انبرى إلى عثمان فشرط عليه ذلك فسارع إلى إجابته وأظهر استعداده الكامل لكل ما شرطه عليه وفيما أحسب أنّ هناك اتفاقاً سريّاً بينهما أحيط بكثير من الكتمان فإنه بأيّ حال لا ينتخب الإمام وإن أجابه إلى ما شرطه عليه وإنما طلب منه البيعة لأجل التغطية على مخططاته فاستعمل هذه المناورة السياسية ويرى بعض المؤرّخين من الإفرنج إلى أنّ عبد الرحمن استعمل طريقة المداورة والانتهازية ولم يترك الانتخاب يجري حرّاً.
يقول المؤرّخون : إنّ عبد الرحمن بادر إلى عثمان فصفق بكفه على يده وقال له : اللّهمّ إنّي قد جعلت ما في رقبتي من ذاك في رقبة عثمان ؛ ووقعت هذه المبادرة كصاعقة على القوى الخيّرة التي جهدت على أن يسود حكم الله بين المسلمين وانطلق الإمام صوب ابن عوف فخاطبه قائلاً : والله ما فعلتها إلاّ لأنك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه ؛ دقّ الله بينكما عطرَ منشِم .
وألقى الإمام (عليه السّلام) الأضواء على اختيار عبد الرحمان لعثمان من أنه لم يكن من صالح الاُمّة وإنما كان وليد الأطماع والأهواء السياسية فقد رجا ابن عوف أن يكون خليفة من بعد عثمان واتّجه الإمام صوب القرشيين فقال لهم : ليس هو أوّل يوم تظاهرتم فيه علينا {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] , ولذع منطق الإمام ابن عوف فراح يهدّده : يا علي لا تجعل على نفسك سبيلاً , وغادر الإمام المظلوم المهتضم قاعة الاجتماع وهو يقول : سيبلغ الكتاب أجله ؛ وانطلق ابن الإسلام البار عمار بن ياسر فخاطب ابن عوف : يا عبد الرحمان أما والله لقد تركته وإنه من الذين يقضون بالحقِّ وبه كانوا يعدلون.
وكان المقداد ممّن ذابت نفسه أسىً وحزناً وراح يقول : تا الله ما رأيت مثل ما أتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيّهم! وا عجباً لقريش! لقد تركت رجلاً ما أقول ولا أعلم أنّ أحداً أقضى بالعدل ولا أعلم ولا أتقى منه لو أجد أعواناً.
وقطع عليه عبد الرحمان كلامه وراح يحذّره من الفتنة قائلاً : اتق الله يا مقداد فإني خائف عليك الفتنة , وانتهت بذلك مأساة الشورى التي أخلدت للمسلمين الفتن وألقتهم في شرٍّ عظيم فلم يرعَ في تأسيسها وتنفيذها بهذا الشكل أيّ حقّ للأسرة النبوية وإنما عمد القوم بشكل سافر إلى الغضّ من شأنها ومعاملتها معاملة عادية اتّسمت بالحقد والكراهية لها وضاعت بذلك وصايا النبي (صلّى الله عليه وآله) في حقّها ولم يعنَ بما قاله في شأنها من أنها عديلة الكتاب العظيم أو كسفينة نوح مَن ركبها نجا ومَن تخلّف عنها غرق وهوى ؛ لقد شاهد الإمام الحسين (عليه السّلام) وهو في غضارة العمر فصول هذه الشورى وما أعقبته من انتشار الأطماع السياسية والتهالك على السلطة بشكل فظيع مما أدّى إلى تشكيل الأحزاب والتسلّح بأسباب القوّة لأجل الفوز بالحكم والظفر بخيراته يقول الشاعر :
إني أرى فتنةً هاجتْ مراجلُها والمُلكُ بعد أبي ليلٍ لمَن غلبا
لقد أصبح الحُكم هو الأمل المنشود والحلم الذي يداعب جميع الفئات يقول الجهيشاري : لمّا توفّي يزيد بن عبد الملك وأفضي الأمر إلى هشام أتاه الخبر وهو في ضيعة له مع جماعة فلمّا قرأ الكتاب سجد وسجد مَن كان معه من أصحابه خلا سعيد فإنه لم يسجد فأنكر عليه هشام وقال له : لِمَ لَم تسجد؟
ـ علامَ أسجد؟ أعلى إن كنت معنا فطرت إلى السماء.
ـ إنّا طيّرناك معنا.
ـ الآن طاب السجود , وسجد معهم .
ودلّت هذه البادرة وأمثالها مما ذكره المؤرّخون على تهالك ذلك المجتمع على الحكم لا من أجل أن يتخذ وسيلة للصلاح الاجتماعي وتطوير حياة الاُمّة حسب ما يريده الإسلام وإنما من أجل الأطماع والاستعلاء على الناس.
وعلى أيّ حال فإن تلك الأحداث المؤلمة قد باعدت ما بين القوم وبين دينهم وكان لها الأثر الايجابي في هضم العترة الطاهرة وتعاقب الخطوب المفزعة عليها ومن بينها كارثة كربلاء الخالدة في دنيا الأحزان .
|
|
لصحة القلب والأمعاء.. 8 أطعمة لا غنى عنها
|
|
|
|
|
حل سحري لخلايا البيروفسكايت الشمسية.. يرفع كفاءتها إلى 26%
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|