أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-07-2015
843
التاريخ: 25-10-2014
882
التاريخ: 3-07-2015
1157
التاريخ: 5-10-2017
1148
|
الرؤية على معان :
الأوّل : الرؤية بمعنى الانكشاف التامّ العلميّ ، ولا نزاع في جواز تعلّق هذا القسم بالبارئ ، كما قال سيّد الوصيّين : « اعبد الله كأنّك تراه (1) » و « كيف أعبد ربّا لم أره؟ » (2).
الثاني : الرؤية بمعنى الانكشاف الحسّيّ وهو عند الطبيعيّين ما يحصل بارتسام صورة المرئيّ في عين الرائي. وعند الرياضيّين ما يحصل من اتّصال شعاع مخروط خارج من عين الرائي بالمرئيّ بحيث يكون مركزه ورأسه متّصلا ببصره ، وقاعدته متّصلا بالمرئيّ ، ولا نزاع ـ كما قيل ـ في امتناع تعلّق هذا القسم بالواجب ؛ لاختصاصه بالممكن.
الثالث : الرؤية بمعنى المعرفة الزائدة الحاصلة بعد المعرفة الحاصلة من الحدّ أو الرسم ؛ فإنّا إذا عرّفنا الشيء بالحدّ أو الرسم تحصل معرفة علميّة ، فإذا أبصر ذلك الشيء فغمض البصر ولوحظ ثانيا حصل إدراك فوق الإدراك الأوّل ، وبعد فتح البصر يحصل إدراك فوق الإدراكين السابقين ، ويسمّى هذا الإدراك رؤية.
وقد اختلف في جواز تعلّقها بالواجب ، فجوّزه الأشاعرة (3) للمؤمنين في الدار الآخرة على وجه يتنزّه به الواجب الوجود عن الجهة والمكان ، ولهذا لا يمكن حصولها في الدنيا ؛ إذ الرؤية الدنيويّة لا تحصل بلا جهة ومكان ، والواجب منزّه عنهما.
والمشبّهة القائلون بأنّ الله تعالى ليس بجسم ولكنّه شبيه به ، والكراميّة القائلون بأنّه تعالى جسم لا كالأجسام الممكنة يقولون بجواز [ تعلّق ] الرؤية به تعالى مع الجهة والمكان.
وتمسّك الأشاعرة بسؤال موسى عليه السلام ؛ حيث قال : {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف: 143] لأنّ موسى عليه السلام لم يكن ممّن يسأل عن الممتنع ، وتعليق الرؤية باستقرار الجبل الممكن يقتضي الإمكان أيضا ، وبقوله تعالى : {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23]. ودلالته ظاهرة.
والجواب عن الأوّل أوّلا ـ بعد منافاة مقتضاه الظاهر لمدّعاهم ؛ حيث يدلّ على تقدير تسليم الدلالة على جواز رؤيته في الدنيا ـ أنّ سؤال موسى عليه السلام كان لإسكات قومه ولم يكن سؤالا حقيقيّا ، ولا أقلّ من كونه لحصول زيادة الاطمئنان كما في سؤال إبراهيم عليه السلام بقوله : {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة: 260] واستقرار الجبل لم يكن ممكنا كما لم يتحقّق.
وثانيا : أنّ الآية ـ على تقدير دلالتها ـ ظاهرة مدفوعة بالإجماع القاطع ، والعقل الذي هو النور الساطع.
وعن الثاني : أنّ كلمة « إلى » مشتركة بين المعنى الاسميّ ـ وهو معنى ما هو مفرد الآلاء بمعنى النعم ـ وبين المعنى الحرفيّ وهو انتهاء الغاية. والمراد هو الأوّل لا الثاني ، ولا أقلّ من الاحتمال المنافي للاستدلال. مضافا إلى أنّ الإجماع والعقل القطعيّين يدفعان الظاهر.
وأيضا : إن كان هذا الإدراك هو الانكشاف العلميّ ، فهو خارج عن محلّ النزاع.
وإن كان عبارة عن الانكشاف البصريّ ـ كما حكي عن بعضهم أنّه لا يمتنع أن يحصل لأبصار المؤمنين في الآخرة حالة بقدر معرفتهم ليشاهدوا بها نور الوجود الواجبيّ ، بناء على مبناهم الفاسد من جواز حصول كلّ شيء لكلّ شيء كحصول العلم بجميع الفنون للجماد بما هو جماد وحصول آثار النار للماء وبالعكس ونحوهما بسبب عدم مدخليّة القابليّة والاستعداد والمصالح والمفاسد في إيجاد الأشياء ـ فلا شبهة في امتناعه ؛ لاستلزامه الشكل والصورة والجهة والمكان وسائر ما يستلزمه الجسميّة ، وكلّ ذلك مستلزم للإمكان والاحتياج المنافيين لوجوب الوجود.
فالحقّ امتناع تعلّق الرؤية بالقسمين الأخيرين بالواجب تعالى ، كما قال تعالى : {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام: 103] ونحو ذلك من الآيات والأخبار ، بل هو ضروريّ المذهب ، ومنكره كافر بالكفر المقابل للإيمان ، المفضي إلى الخلود في النيران والبعد عن رحمة الرحمن ، أعاذنا الله عن ذلك بحقّ سيّدي شباب أهل الجنان.
__________________
(1) « الدرّ المنثور » 1 : 714 ؛ « صحيح مسلم » 1 : 37 كتاب الإيمان ، ح 1 ؛ « سنن أبي داود » 4 : 224 كتاب السنّة ، باب في القدر ، ح 4695 ؛ « سنن ابن ماجة » 1 : 24 ، المقدّمة ، باب في الإيمان ، ح 63.
(2) « بحار الأنوار » 4 : 54 ، ح 34 و 36 : 406 ، ح 16.
(3) لمزيد الاطّلاع حول الأقوال في الرؤية راجع « شرح الأصول الخمسة » : 232 ـ 277 ؛ « المغني » : 4 : 243 ؛ « المحصّل » : 441 ـ 454 ؛ « الأربعين في أصول الدين » 1 : 266 ـ 307 ؛ « نقد المحصّل » : 316 ـ 322 ؛ « كشف المراد » : 296 ـ 299 ؛ « مناهج اليقين » : 210 ـ 213 ؛ « شرح المواقف » : 8 : 115 ـ 143 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 181 ـ 211 ؛ « إرشاد الطالبين » : 241 ـ 249 ؛ « النافع ليوم الحشر » : 22 ـ 23 ؛ « شرح الأسماء » للسبزواريّ : 509 ـ 519.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|