أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-8-2016
1106
التاريخ: 5-9-2016
1212
التاريخ: 16-10-2016
964
التاريخ: 16-10-2016
1040
|
إنّ العقل ـ كما مرّ ـ أحد الحجج الأربع الّذي اتّفق أصحابنا إلاّ قليلاً منهم على حجّيته في مجال استنباط الحكم الشرعي، غير انّ اللازم هو تحرير محلّ النزاع و تبيين إطار البحث، فإنّ عدم تحريره أوقع الكثير لا سيما الأخباريّين في الخلط والاشتباه، فنقول:
إنّ عدّ العقل من مصادر التشريع وأحد الأدلّة الأربعة يتصوّر على أنحاء ثلاثة:
الأوّل: إذا استقلّ العقل بحسن فعل بما هو فعل صادر عن الفاعل المختار أو قبحه، وتجرّد في قضائه عن كلّ شيء إلاّ النظر إلى نفس الفعل فهل يكون حكم العقل كاشفاً عن حكم الشرع، وهذا نظير استقلال العقل بقبح العقاب بلا بيان، وحسنه معه، فهل يستكشف منه انّ حكم الشرع كذلك؟
وهكذا إذا أمر المولى بشيء و استقل العقل بوجود الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته أو وجوب الشيء وحرمة ضدّه، أو امتناع اجتماع الأمر والنهي على شيء واحد بعنوانين، أو جوازه إلى غير ذلك من أنواع الملازمات، فهل يكشف حكم العقل عن حكم الشرع؟
وبذلك يظهر انّ الموضوع للحسن والقبح هو نفس الفعل بما انّه صادر عن فاعل مختار، سواء أكان الفاعل واجباً أم ممكناً، وسواء أترتب عليه المصالح أو المفاسد أو لا، وسواء أكان مؤمِّناً للأغراض العقلائية وعدمها، فالموضوع للحكم بالحسن أو القبح أو الملازمة أو ما أشبه ذلك هو ذات الفعل دون سائر الأُمور الجانبية.
الثاني: إذا أدرك الفقيه مصالح ومفاسد في الفعل، فهل يمكن أن يتخذ وقوفَه على أحدهما ذريعة إلى استكشاف الحكم الشرعي في الوجوب أو الحرمة بحيث يكون علم الفقيه بالمصالح والمفاسد من مصادر التشريع الإسلامي؟
وبعبارة أُخرى: إذا كان الموضوع ممّا لا نصّ فيه ولكن أدرك الفقيه بعقله، وجودَ مصلحة فيه و لم يَرد من الشارع أمر بالأخذ ولا بالرفض، فهل يصحّ تشريع الحكم على وفقها؟ وهذا هو الذي يسمّى بالمصالح المرسلة أو الاستصلاح في فقه أهل السنّة لا سيما المالكية، فكلّ مصلحة لم يرد فيها نصّ يدعو إلى اعتبارها أو عدم اعتبارها ولكن في اعتبارها نفع أو دفع ضرر فهل يتخذ دليلاً على الحكم الشرعي أو لا؟
الثالث: تنقيح مناطات الأحكام وملاكاتها بالسبر والتقسيم بأن يُحصر الأوصاف التي توجد في واقعة الحكم وتصلح لأن تكون العلّة، واحدة منها ويختبرها وصفاً وصفاً على ضوء الشروط الواجب توفّرها في العلة، وبواسطة هذا الاختبار تُستبعد الأوصاف التي لا يصحّ أن تكون علة، ويستبقى ما يصحّ أن يكون علّة ، وبهذا الاستبعاد وهذا الاستبقاء يتوصل إلى الحكم بأنّ هذا الوصف هو العلّة ثمّ يتبعه التشريع، وهذا ما يسمّى في الفقه الشيعي الإمامي بتنقيح المناط و استنباط العلّة.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ محطّ النزاع بين الأُصوليّين والأخباريّين من أصحابنا هو المعنى الأوّل. وسنرجع إليه بعد استيفاء البحث في الأخيرين فنقول:
أمّا المعنى الثاني والثالث فلم يقل به أحد من أصحابنا إلاّ الشاذّ النادر منهم، وذلك لأنّ كون الفعل ذا مصلحة أو مفسدة عند الفقيه لا يكشف عن الحكم الشرعي لقصور العقل عن الإحاطة بالمصالح والمفاسد الواقعية، فربما يُدرك المصلحة والمفسدة ويَغفل عن موانعهما، فإدراك العقل المصالح والمفاسد لا يكون دليلاً على أنّها ملاكات تامة لتشريع الحكم على وفقها.
وهكذا المعنى الثالث، فإنّ الخوض في تنقيح مناطات الأحكام عن طريق السبر والتقسيم من الخطر بمكان، إذ انّى نعلم أنّ ما أدركه مناطاً للحكم هو المناط له، فانّ العقل قاصر عن إدراك المناطات القطعية.
ثمّ لو افترضنا انّه أصاب في كشف المناط، فمن أين علم أنّه تمام المناط ولعلها جزء العلّة وهناك جزء آخر منضم إليه في الواقع ولم يصل الفقيه إليه؟
ولأجل ذلك رفض أصحابنا قاعدة الاستصلاح والمصالح المرسلة وهكذا استنباط العلّة عن طريق القياس، بمعنى السبر والتقسيم.
نعم يستثنى من المعنى الثاني، المصالح والمفاسد العامة التي أطبق العقلاء عامة على صلاحها أو فسادها على نحو صار من الضروريات، وهذا كتعاطي المخدّرات التي أطبق العقلاء على ضررها; ومثله التلقيح الوقائي عند ظهور الأمراض السارية كالجُدري، والحصبة وغيرهما ،فقد أصبح من الأُمور التي لا يتردّد في صلاحيتها ذوو الاختصاص.
ولشيخنا المظفر قدَّس سرَّه كلام يشير إلى خروج المعنيين عن محط النزاع، بنصّ واحد لا بأس بنقله:
«لا سبيل للعقل بما هو عقل إلى إدراك جميع ملاكات الأحكام الشرعية، فإذا أدرك العقل المصلحة في شيء أو المفسدة في آخر، ولم يكن إدراكه مستنداً إلى المصلحة أو المفسدة العامّتين اللّتين يتساوى في إدراكهما جميع العقلاء، فانّه ـ أعني: العقل ـ لا سبيل له إلى الحكم بأنّ هذا المدرَك، يجب أن يحكم به الشارع على طبق حكم العقل، إذ يحتمل انّ ما هو مناط الحكم عند الشارع، غير ما أدركه العقل مناطاً، أو أنّ هناك مانعاً يمنع من حكم الشارع على طبق ما أدركه العقل، وإن كان ما أدرك مقتضياً لحكم الشارع».(1)
فخرجنا بالنتائج التالية:
أوّلاً: انّ حكم العقل بشيء يكشف عن كون الحكم عند الشرع كذلك شريطة أن يكون العقل قاطعاً ويكون المدرَك حكماً عاماً. وذلك لما عرفت من انّ المدرك حكم عام لا يختصّ بفرد دون فرد، والشرع وغير الشرع فيه سيان، كما هو الحال في الأمثلة المتقدمة.
ثانياً: إذا أدرك العقل وجود المصلحة أو المفسدة في الأفعال إدراكاً نوعياً يستوي فيه جميع العقلاء، كوجود المفسدة في استعمال المخدرات، ففي مثله يكون حكم العقل ذريعة لاستكشاف الحكم الشرعي. دونما لا يكون كذلك كادراك فرد أو فردين وجود المصلحة الملزِمة.
ثالثاً: استكشاف ملاكات الأحكام و استنباطها بالسبر و التقسيم، ثمّ استكشاف حكم الشرع على وفقه أمر محظور، لعدم إحاطة العقل بمصالح الأحكام و مفاسدها، وسوف يوافيك عند البحث عن سائر مصادر الفقه عدم العبرة بالاستصلاح الذي عكف عليه مذهب المالكية.
إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّ الكلام يقع في المعنى الأوّل في موردين:
الأوّل: إمكان استقلال العقل بدرك حسن الشيء أو قبحه أو دركه الملازمة بين الوجوبين.
الثاني: إذا استقلّ العقل بما ذكر فهل يكشف عن كونه كذلك عند الشرع.
أمّا الأوّل، فالعدلية متّفقة على إمكانه ، وهو من الأحكام البديهية للعقل ضرورة انّ كلّ إنسان يجد في نفسه حسن العدل وقبح الظلم، وإذا عرض الأمرين على وجدانه يجد في نفسه نزوعاً إلى العدل وتنفّراً عن الظلم وهكذا سائر الأفعال التي تعد من مشتقات الأمرين.
يقول العلاّمة الحلّي: «إنّا نعلم بالضرورة حسن بعض الأشياء وقبح بعضها من دون نظر إلى شرع، فإنّ كلّ عاقل يجزم بحسن الإحسان ويمدح عليه وبقبح الإساءة والظلم ويذم عليه، وهذا حكم ضروري لا يقبل الشكّ وليس مستفاداً من الشرع لحكم البراهمة والملاحدة به من غير اعتراف منهم بالشرائع».(2)
إنّ حكم الإنسان بحسن العدل وقبح الظلم ليس بأدون من الجزم بحاجة الممكن إلى العلّة، أو انّ الأشياء المساوية لشيء متساوية، فإذا أمكن الجزم بالأمرين الأخيرين فليكن الأمر الأوّل كذلك.
هذا كلّه حول الأمر الأوّل.
وأمّا الأمر الثاني ـ أعني: الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع ـ فهو ثابت أيضاً، لأنّ الموضوع للحسن والقبح هو نفس الفعل بغضِّ النظر عن فاعل خاص، بل مع غض النظر عمّا يترتّب عليه من المصالح والمفاسد، فإذا كان هذا هو الموضوع فما وقف عليها العقل بفطرته ووجدانه يعمّ فعل الواجب والممكن.
وبعبارة أُخرى: انّ ما يدركه العقل في الحكمة العملية مثل ما يدركه في الحكمة النظرية، فكما انّ ما يدركه لا يختص بالمدرِك بل يعمه وغيره، فهكذا الحال في الحكمة العملية، مثلاً: إذا أدرك العقل بفضل البرهان الهندسي بانّ زوايا المثلث تساوي قائمتين فقد أدرك أمراً واقعياً لا يختص بالمدرك لانّ التساوي من آثار طبيعة المثلث، فهكذا إذا أدرك حسن شيء أو قبحه والفرق بين الحكمتين انّ المعلوم في النظرية من شأنه أن يعلم كما انّ المعلوم في العملية من شأنه أن يعمل به.
فإن قلت: كيف يمكن الاعتماد على حكم العقل وجعله دليلاً على الحكم الشرعي مع أنّه قامت الأدلّة على لزوم العمل بحكم تتوسط الحجّة في تبليغه وبيانه ولا عبرة بالحكم الواصل من غير تبليغ الحجّة؟ وتدلّ على ذلك الأحاديث التالية:
1. صحيح زرارة «فلو انّ رجلاً صام نهاره، وقام ليله، وتصدّق بجميع ماله، وحجّ جميع دهره، ولم يعرف ولاية ولي اللّه فيواليه وتكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على اللّه ثواب ولا كان من أهل الإيمان».(3)
2. قال رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : «من دان بغير سماع ألزمه اللّه التيه يوم القيامة».(4)
3.وقال أبو جعفر ـ عليه السَّلام ـ : «كلّما لم يخرج من هذا البيت فهو باطل».(5) إلى غير ذلك من الروايات.(6)
قلت أوّلاً: انّ الروايات ناظرة إلى المُعْرضين عن أئمة أهل البيت ـ عليهم السَّلام ـ والمستهدين بغيرهم على وجه كان جميع أعمالهم بدلالة سواهم، وأمّا من أناخ مطيّته على عتبة أبوابهم في كلّ أمر كبير وصغير، ومع ذلك اعتمد على العقل في مجالات خاصة فالروايات منصرفة عنه جداً.
وبعبارة أُخرى: كما للآيات أسباب وشأن نزول، فهكذا الروايات لها أسباب صدور فهي تعبِّـر عن سيرة قضاة العامة وفقهائهم كأبي حنيفة وابن شبرمة وأضرابهم الذين أعرضوا عن أئمّة أهل البيت ـ عليهم السَّلام ـ ولم ينيخوا مطاياهم على أبواب أئمّة أهل البيت ـ عليهم السَّلام ـ فيخاطبهم الإمام بما في هذه الروايات.
وأمّا فقهاء الشيعة الذين رجعوا في كلّ واقعة إلى الكتاب والسنّة وتمسّكوا بالثقلين فلا تعمّهم، والمورد (صدورها في مورد فقهاء العامة) وإن لم يكن مخصصاً لكن يمكن إلغاء الخصوصية بالنسبة إلى المماثل والمشابه لا المباين، وتمسّك أصحابنا بالعقل في مجالات خاصة لا يعدُّ إعراضاً عنهم بخلاف غيرهم.
وثانياً: إذا كان العقل أحد الحجج ـ كما في صحيح هشام ـ فيكون الحكم المستكشف ممّا وصل إلى المكلّف بتبليغ الحجّة أيضاً.
روى هشام عن أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ : «يا هشام إنّ للّه على الناس حجّتين: حجّة ظاهرة، وحجّة باطنة; فالظاهرة الرسل والأنبياء والأئمّة، وأمّا الباطنة فالعقول».(7)
وهناك كلام للمحقّق القمي نتبرّك بذكره ختاماً للبحث، قال:
«إنّ انحصار الطاعة والمخالفة في موافقة الخطاب اللفظي ومخالفته، دعوى بلا دليل، بل هما موافقة طلب الشارع ومخالفته وإن كان الطلب بلسان العقل، ونظير ذلك أنّ اللّه تعالى إذا كلّف نبيّه بواسطة إلهام من دون نزول وحي من جبرئيل ـ عليه السَّلام ـ وإتيان كلام، وامتثله النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فيقال إنّه أطاع اللّه جزماً، والعقل فينا نظير الإلهام فيه.
ثمّ يقول: إنّ من يدّعي حكم العقل بوجوب ردّ الوديعة وحرمة الظلم يدّعي القطع بأنّ اللّه تعالى خاطبه بذلك بلسان العقل، فكيف يجوز العمل بالظن بخطاب اللّه تعالى وتكليفه، ولا يجوز العمل مع اليقين به؟ فإن كان ولا بدّ من المناقشة، فليكتف في منع حصول هذا القطع من جهة العقل وانّه لا يمكن ذلك».(8)
ثمرات البحث:
إذا قلنا بالحسن والقبح العقليّين والملازمة بين الحكمين تترتب عليه ثمرات أُصولية نذكر منها ما يلي:
1. البراءة من التكليف لقبح العقاب بلا بيان.
2. لزوم تحصيلا لبراءة اليقينيّة عند العلم الإجمالي وتردّد المكلّف به بين أمرين لأجل حكم العقل بأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
3. الإتيان بالمأمور به مجز عن الإعادة والقضاء لقبح بقاء الأمر بعد الامتثال.
4. وجوب تقديم الأهم على المهم إذا دار الأمر بينهما لقبح العكس.
وأمّا الثمرات الفقهية المترتّبة على القول بالملازمة العقلية فيستنتج منها الأحكام التالية:
1. وجوب المقدّمة على القول بحكم العقل بالملازمة بين الوجوبين.
2. حرمة ضد الواجب على القول بحكم العقل بالملازمة بين الأمر بالشيء والنهي عن ضدّه.
3. بطلان العبادة على القول بامتناع اجتماع الأمر والنهي وتقديم النهي عن الأمر.
4. صحّة العبادة على القول بالامتناع وتقديم جانب الأمر.
5. صحّة العبادة على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي.
6. فساد العبادة إذا تعلّق النهي بنفس العبادة سواء كان المنهي نفسها أو جزئها أو شرطها أو أوصافها.
7. فساد المعاملة إذا تعلّق النهي بالثمن أو المثمن للملازمة بين النهي وفسادها.
8. انتفاء الحكم (الجزاء) مع انتفاء الشرط إذا كان علة منحصرة.
_____________
1. أُصول الفقه:1/239ـ 240.
2. كشف المراد مع تعليقتنا: 59 نشر المؤسسة الإمام الصادق ـ عليه السَّلام ـ .
3. الوسائل: الجزء 18، الباب 6 من أبواب صفات القاضي، الحديث 13.
4. الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب صفات القاضي، الحديث 14و18.
5. الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب صفات القاضي، الحديث 14و18.
6. الكافي:1/13ـ16، باب العقل والجهل.
7. لاحظ الكافي:1/60، باب الرد إلى الكتاب والسنة، الحديث 6; وأيضاً ص 56 باب البدع والرأي والمقاييس، الحديث7.
8. القوانين: 2/2ـ3.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
العتبة العباسية تستعدّ لتكريم عددٍ من الطالبات المرتديات للعباءة الزينبية في جامعات كركوك
|
|
|